34/11/18
تحمیل
الموضوع:- تنبيهات ( التنبيه الثالث:- الاستصحاب التعليقي ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
استدراك:- ذكرنا فيما سبق أن المعارضة بين الاستصحاب التعليقي والتنجيزي باطلة باعتبار أن الحالة السابقة التي يراها العرف هي الحالة عند الغليان لأن الشارع علّق الحرمة على الغليان أما أن ننظر الى حالةٍ أخرى هي وإن كانت سابقة ولكن لا ترتبط بالغليان هنا فلا تعد عرفاً حالة سابقة ومثّلنا ببعض الأمثلة لذلك.
وقد يقول قائل:- أنا أسلم بهذه الكبرى - يعني أنه كلما كانت هناك حالتان سابقتان فالعرف يرى أن الحالة السابقة هنا هي هذه لا تلك فالاستصحاب يجري بلحاظ ما يراه العرف حالة سابقة فقط كما في مثال التعزية والدرس فالعرف يستصحب بقاء التعزية لا أنه يلحظ ويقول ( أمس لم تكن هناك تعزية فهذا اليوم لا توجد أيضاً ) - ولكن نقول إن مقامنا ليس من هذا القبيل.
وفي مقام الجواب نقول:- إذا لاحظنا هذين المثالين - يعني مثال التعزية والدرس - فلعل الأمر كما تقول أنه يوجد فارق ونشعر به من داخلنا ولكن ما رأيك بالمثال الآخر الذي ذكرته وهو أن من الأشياء المسلّمة هي أن استصحاب بقاء الجعل وعدم النسخ يجري في الواجبات المؤقتة المشروطة مثل وجوب صلاة الجمعة فإنه مشروط بيوم الجمعة فلو شككنا في بقاء الجعل واحتملنا أنه نُسِخ ألا يجري استصحاب بقاء الجعل والوجوب ؟! لا إشكال في أنه يجري وهذا من المسلّمات والحال أنه بناءً على شبهة المعارضة من المناسب أن نقول قبل الجمعة - يعني يوم الخميس - لم تكن صلاة الجمعة واجبة فنستصحب عدم الوجوب الثابت قبل الجمعة أي قبل تحقق الشرط فيعارض ذلك الاستصحاب والحال أن ذلك لا يخطر الى ذهنك وهذا معناه أن الحالة السابقة هي الوجوب على تقدير الجمعة ولا معنى لملاحظة الوجوب بقطع النظر عن الجمعة وقبل الجمعة فإن هذا لا معنى له إذ هذا ليس هو الحالة السابقة ومقامنا - أي مثال الزبيب والعنب - مشابه لهذا المثال تماماً فإذا فرض أنه لا معنى للحاظ الوجوب قبل الجمعة - أي قبل تحقق الشرط - فلا معنى في مقامنا لملاحظة الحرمة قبل الغليان فنقول إنه قبل الغليان لا حرمة فنستصحب عدم الحرمة والحليّة ، وإذا لم تقبل بالمعارضة في مثال الجمعة يلزم أن لا تقبلها هنا لعدم الفارق بينهما أبداً وهذا منبّه عرفيّ على أن الحالة السابقة مادامت معلّقة على شرطٍ فيلزم أن يُلحَظ ذلك الشرط ولا معنى لأن نلحظ ما قبل تحققه.
عودٌ الى صلب الموضوع:-
ذكرنا أن الاستصحاب التعليقي في الموضوعات هل يجري أو لا يجري ؟ قلنا إنه لابد من ذكر أمثلة لذلك وذكرنا المثال الأول والآن نذكر بقية الأمثلة:-
المثال الثاني:- لو فرض أن لدينا ماءً مطلقاً وأضفنا إليه شيئاً من السكر وشككنا في صيرورته مضافاً فهل يجوز الوضوء به أو لا ؟ هنا قد يستصحب الاطلاق فيقال سابقاً كان مطلقاً والآن هو مطلقٌ . وهذا لا إشكال فيه إن كان هذا الاستصحاب قابلاً للجريان ، ولكن هناك شبهة وهي أن هذا شكٌ مفهومي يعني أن مفهوم المطلق لا نحدّده ويدور أمره بين السعة والضيق فحينئذ لا يجوز استصحاب الاطلاق لأن الاطلاق عرفاً هل أن مفهومه وسيع يشمل ما إذا أذبنا ملعقة صغيرة من السكر أو لا يشمل هذه كمفهوم ؟ فإذا كان المفهوم مردّداً بين السعة والضيق فالاستصحاب لا يجري لأنه لا يمكن أن تقول إنه كان سابقاً مطلق جزماً إذ نقول لك إن قولك ( كان سابقاً مطلقاً ) بأي معنى فهل هو بالمعنى الوسيع أو بالمعنى الضيق ؟ فإن كان بالمعنى الضيّق - أي الذي لم يذب فيه سكر بمقدار ملعقة - فهذا قد انتفى جزماً لأنّا قد أضفنا إليه ملعقة سكّر وإذا كنت تتيقن بالمعنى الوسيع فهذا المعنى الوسيع باقٍ جزماً فأين الشك.
وبالجملة:- إذا قلنا إن استصحاب الاطلاق لا يجري إما لهذه النكتة أو لغيرها فقد يقترح مقترح ويقول أنا أجري الاستصحاب بشكلٍ آخر فأقول هكذا:- إن هذا السائل - ولا نقول الماء - قبل ساعة لو توضأنا به كان وضوءاً بالماء المطلق والآن بعد أن وضعنا فيه السكر هو كذلك يعني لو توضأنا به كان وضوءاً بالماء المطلق والوضوء بالماء المطلق كما نعرف ليس هو حكماً شرعياً وإنما هو متعلّق لأنه لا يجب تحصيله . إذن هذا استصحاب تعليقي ولكن في المتعلّق وليس في الحكم الشرعي.
المثال الثالث:- ما لو كان لدينا حزامٌ ونشك في أنه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه أو لا بأن اصطناعياً أو من جلد حيوان يحل أكله فماذا نصنع وهل تجوز الصلاة فيه أو لا ؟ قد يُقتَرح ويقال:- نحن نجري الاستصحاب فنقول:- نحن إن لم نلبس هذا الحزام ووقعت الصلاة كانت صلاةً من دون أجزاء ما لا يؤكل لحمه والآن نشك - أي بعد أن لبسناه - هل هي صلاة فيما لا يؤكل لحمه أو لا فنستصحب تلك الحالة السابقة فنقول هي صلاة من دون أجزاء ما لا يؤكل لحمه والصلاة كما نعرف هي متعلّق وليست حكماً ولا موضوعاً للحكم الشرعي.
المثال الرابع:- ما لو فرض أن الانسان كان صائماً وشك هل الآن نهارٌ أو ليس بنهارٍ فإن كان نهاراً فيلزم أن يُمسِك وإن لم يكن نهاراً فلا يلزم الامساك فماذا نصنع ؟ قد يقترح ويقال:- إنا نستصحب بقاء النهار فإذا ثبت كفانا.
ولكن قد يشكل:- بأن هذا الاستصحاب مثبت لسبب وآخر ، فلو سلمنا بذلك وأن استصحاب النهار لا يجري فيقترح آنذاك بديلٌ وهو الاستصحاب التعليقي فيقال:- قبل ساعة لو تحقق الامساك كان امساكاً في النهار والآن - أي بعد ساعة - إذا شككنا أن الامساك هل هو في النهار أو ليس في النهار فنستصحب الامساك في النهار فيثبت بذلك أن امساكنا الآن هو امساكٌ في النهار فيكون واجباً ، والامساك في النهار هو متعلق وليس حكماً شرعياً فإنه يجب تحصيل الامساك في النهار.
هذه أمثلة أربعة للاستصحاب التعليقي في غير باب الأحكام فهل يجري الاستصحاب فيها أو لا بناءً على جريانه في باب الأحكام ؟ - وواضح أنه إذا أنكرنا جريانه في باب الأحكام فعدم جريانه هنا أولى - أما إذا قبلنا به هناك فهل نقبل به هنا أو لا ؟