36/07/13
تحمیل
الموضوع:- فوائد -قواعد وفوائد.
الفائدة الأولى:- فكرة الاشتباه في التطبيق.
هناك بعض الأفكار هي أقرب إلى كونها فوائد من كونها قواعد، ولذلك نذكرها تحت هذا العنوان:-
الفائدة الأولى:- فكرة الاشتباه في التطبيق.
إنّ هذا تعبيرٌ حوزويّ ولم يرد في آيةٍ ولا رواية، والمقصود منه أنّ المكلّف أحياناً يقصد امتثال الأمر الواقعي بوجوده الواقعي ولكن يتخيّل ويتصوّر اشتباهاً أنه متشخّصٌ ضمن هذا الفرد فيقصد هذا الفرد الخاص اشتباهاً، إنّ هذا عبارة أخرى عن فكرة الاشتباه في التطبيق.
وخذ على ذلك بعض الأمثلة:-
المثال الأوّل:- إذا فرض أنّ المكلّف علم أنّه قد فاتته صلاة لكنه لا يعلم أنها صلاة الظهر أو العصر وظنّ اشتباهاً أنها صلاة الظهر مثلاً فنواها صلاة الظهر وبعد أن فرغ التفت إلى أنَّ الذي فاته هو صلاة العصر، فهنا يقال هو قاصدٌ في الحقيقة امتثال الأمر الالهي سواء كان متعلّقاً بالظهر أم كان متعلّقاً بالعصر غايته أنّه تصوّر اشتباهاً أنّ ذلك الأمر هو أمرٌ بالظهر فأتى بها، إنّ هذا لا يعني أنّه ليس قاصداً لامتثال أمر الظهر بل هو قاصدٌ له لأنّه قاصد لامتثال الأمر الواقعي، فهو قاصدٌ لأمر الظهر ضمن قصده لامتثال الأمر الواقعي، واشتباهه في كونه أمراً بالظهر لا يعني أنّه ليس قاصداً لامتثال الأمر الواقعي، فعلى هذا الأساس تقع صلاته صحيحة لأنّه قاصد لامتثالها ضمن قصده لامتثال الأمر الواقعي غايته أنّه اشتبه وطبّقه على الظهر أو طبّقه على العصر وهذا ليس بالمهم.
نعم لو فرض أنّه قصد امتثال أمر الظهر وقال ( أصلي صلاة الظهر بقيد أن تكون صلاة الظهر، يعني إذا كانت ليست بصلاة الظهر فلا أقصد امتثالها ) وعادةً لا يتصوّر هذا في حقّ المؤمن العاقل فالمؤمن العاقل عادةً يقصد امتثال الأمر الذي عند الله إن ظهراً فظهراً وإن عصراً فعصراً، ولكن لو فرضنا أنّ شخصاً قصد امتثال أمر الظهر بنحو التقييد فهنا لو اتضح أنّ صلاة العصر هي الفائتة فهنا يمكن أن يقال بأّنها لا تقع صحيحة، أمّا إذا فرض أنّه قصد امتثال الأمر الواقعي بما هو عليه فحينئذٍ سواء كان الفائت هو الظهر أو العصر فلا مشكلة لأنّه بالتالي قد قصده ضمن قصده لامتثال الأمر الواقعي.
ولكن قد يتوقّف شخص من ناحية ثانية فيخرج من القاعدة إلى قضيّة جانبية فيقول:- إذا فرض أن الفائت هو صلاة الظهر فحينئذٍ يختلّ شرط الترتيب لأنّ هذا معناه أنّه أتى بالعصر قبل الظهر فماذا نفعل ؟
فنقول له:- إنّه لا مشكلة هنا إذ توجد عندنا حديث وقاعدة ( لا تعاد الصلاة إلا من خمس .... ) [1]واختلال الترتيب ليس من أحد الخمس، ولذلك متى ما اختلّ شرط الترتيب من دون التفاتٍ لا يضرّ ذلك بصحّة الصلاة، فالترتيب ليس شرطاً واقعياً وإنما هو شرط علميٌّ وعند الالتفات، والدليل على ذلك هو قاعدة لا تعاد، يعني أنَّ قاعدة لا تعاد تجعله شرطاً علمياً وليس شرطاً واقعياً.
المثال الثاني:- ما لو فرض أنّ شخصاً جلس لصلاة الصبح لا يدري أنّ الشمس قد طلعت أم لم لا[2] فتخيّل أنّ الوقت بَعدُ باقٍ فجاء بالصلاة أداءً ثم اتضح أنّ الواجب هو القضاء فهل تلزم الاعادة أو لا ؟ وهكذا بالعكس - أي لو أتى بها قضاءً بتصوّر خروج الوقت ولكن اتضح أن الواجب هو الأداء -.
يمكن ان يقال:- لا تجب الاعادة، والوجه في ذلك هو أنك حينما وقفت وتريد أن تصلّي فقد قصدت امتثال الأمر الواقعي المتوجّه إليك الأعم من كونه أمراً قضائياً أو أدائياً وليس غرضك التقييد بالقضاء أو بالأداء غايته أنّك تخيّلت أنّ ذلك الأمر الإلهي هو الأمر بالأداء وهذا لا يعني أنك لست بقاصدٍ للأمر القضائي بل أنت قاصدٌ له وإن قصدت الأمر الأدائي اشتباهاً ولكن واقعاً أنت قاصد للأمر القضائي باعتبار أنّك قصدت امتثال الأمر الواقعي الثابت هنا.
نعم لو قيّدت بأن تأتي بالصلاة بقصد الأمر الأدائي بحث لو لم يكن هناك أمر أدائيّ فأنت لا تقصد الامتثال فنها يمكن أن يقال لا تقع الصلاة منه صحيحة، ولكن المؤمن عادةً لا يقصد هذا وإنما يقصد امتثال الأمر الواقعي فتقع الصلاة صحيحة.
المثال الثالث:- لو فرض أنّ الناس في بلدٍ كانوا يأتون بصلاة الصبح في الساعة الخامسة حسب التقويم الموجود عندهم ثم ظهر تقويم جديد خطّأ جميع هؤلاء وقال إنّ من وضعوا التقويم الأوّل قد قدّموا الوقت لأنّ القواعد التي استندوا إليها باطلة وإنما يدخل الوقت في الساعة الخامسة والربع ونحن وهم كانوا يصلّون صلاة الصبح لسنين عند الساعة الخامسة فما هو الحكم - يعني كانوا يأتون بها أداءً في الساعة الخامسة وهذا لا يجوز إذ الوقت يدخل في الساعة الخامسة والربع فهل هناك طريق للحلّ - ؟
والجواب:- يمكن أن يقال هناك طريق وهو أنّ كلّ الصلوات تقع صحيحة ما عدى صلاة اليوم الأوّل من البلوغ – أو الأخير - أما البقيّة فتقع صحيحة، والوجه في ذلك هو أنك في كلّ يوم تقصد امتثال الأمر الواقعي المتوجّه إليك وتتخيّل أنه أمر أدائي ولكن في الواقع هو أمر قضائي لأنّ صلاة اليوم الأوّل لم تأتِ بها بعد دخول الوقت فأنت مأمورٌ في اليوم الثاني بقضاء اليوم الأوّل واداء اليوم الثاني.
إذن يمكن تصحيح صلاة كلّ يوم ولكن بعنوان القضاء عن اليوم السابق ما عدى يومٍ واحدٍ فإنه لا يتصّور فيه ذلك - وهو اليوم الأوّل أو الأخير - فلابد من إعادته، وأمّا بقية الأيام فتقع الصلاة صحيحة ولكن بعنوان القضاء حيث أنه تعلّق بذمتك الأمر القضائي وأنت قاصد لامتثال الأمر الواقعي غايته أنّك تصورت أنَّ الأمر الواقعي هو الأداء.
وههنا أمور ترتبط بالفكرة المذكورة نشير إليها كما يلي:-
الأمر الأوّل:- ما هو مدرك فكرة الاشتباه في التطبيق ؟
والجواب:- إنّ هضم وفهم هذه الفكرة يغني عن ذكر دليلٍ لها، فإنه قد يقول قائل إنّ كلّ شيء لابد وأن تكون دليليته مستقاة من الكتاب أو السنة أو العقل أو الاجماع وهذا لا يدلّ عليه الكتاب الكريم أو السنة أو العقل أو الاجماع.
ونحن نقول في مقام ردّ هذا:- نحن لا نحتاج إلى هذه المصادر الأربعة بل إنَّ فهم هذه الفكرة يغني عن ذكر الدليل لها، فالفكرة تقول إنَّ المؤمن عادةً حينما يأتي بالعمل العبادي كالصلاة مثلاً فهو يقصد امتثال الأمر الواقعي إن كان اداءً أو قضاءً وهذا مسلّمٌ ولا شك فيه غايته أنَّه قد يشتبه ويتصوّر أنّ ذلك الأمر الإلهي هو أمرٌ بالأداء مثلاً، ولا إشكال في هذه المقدّمة.
إذن لو فرض أنه اتضح أنّ الأمر هو ليس الأمر بالأداء بل هو الأمر بالقضاء فهو بالتالي قاصدٌ للأمر القضائي وهذا لا شك فيه أيضاً، يعني كلّ هذه المقدّمات المطوّية ضمن هذه الفكرة هي مقدّمات وجدانيّة مسلّمة واضحة، والنتيجة واضحة لا تحتاج إلى مدرك . إذن مجرّد فهم هذه الفكرة لا يُسأل آنذاك عن مدركيّتها، وإنما يُسأل عن مدركيتها فيما إذا كانت بَعدُ لم تتجلَّ بشكلٍ جيّد.
الأمر الثاني:- قد يقال إنّ هذه الفكرة تتمّ فيما إذا كان الشيآن ذا طبيعةٍ واحدةٍ ولا تتمّ إذا كانا من طبيعتين، فمثلاً صلاة الظهر وصلاة العصر هل هما طبيعة واحدة أو من طبيعتين ؟ إنهما من طبيعتين بدليل أنّ النصّ الشرعي يقول:- ( أوجب الله عزّ وجلّ في كلّ يوم على العباد خمس صلوات ) فهذه خمس طبائع، ومقوّم كلّ طبيعةٍ هو القصد، فالقصد موقوّمٌ لطبيعة صلاة الظهر، والقصد مقوّم لصلاة العصر، فصحيحٌ أنهما صورة واحدة ولكن من حيث الطبيعة هما مختلفتان وطبيعة هذا تحصل بقصد الظهر وطبيعة ذاك تحصل بقصد العصر، والذي دلّنا على أنّهما طبيعتان هو النصّ الشرعي حيث قال:- ( خمس صلوات ) وهذا ظاهر في التعدّد في الطبائع المختلفة.
وأمّا مثال الشيئين ذات الطبيعة الواحدة هو كصلاة الفرادى والجماعة بالنسبة إلى صلاة الظهر، فإنّ صلاة الظهر تارةً يؤتى بها جماعة وأخرى يؤتى بها فرادى، فالفرادى والجماعة فردان لطبيعةٍ واحدةٍ وهي صلاة الظهر لا أنهما طبيعتان مختلفتان وإلا إذا كانا طبيعتين فلازمه أنّه وجبت عليك أشياء متعدّدة هي صلاة الجماعة وصلاة الفرادى والحال أنّ الواجب هو صلاة الظهر ولكن مرّة تأتي بها بهذا الشكل ومرّة تأتي بها بذاك الشكل، فهي طبيعة واحدة ذات لباسين وشكلين - ولنسلّم أنّ صلاة الظهر والعصر هما من طبيعتين ونسلّم أنّ صلاة الجماعة والفرادى لصلاة الظهر هما من طبيعة واحدة -.
وإذا اتضح هذا نقول:- إنَّ فكرة الاشتباه في التطبيق والتي نصحّح بها العمل تتم فيما إذا كان المورد من الفردين لطبيعةٍ واحدةٍ دون ما إذا كان المورد من قبيل الطبيعتين، فنحن ذكرنا من جملة الأمثلة السابقة المثال الأوّل الذي افترضنا فيه أنّه كان يتخيّل المكلف أنّ الفائت هو الظهر ولكن في الواقع الفائت هو العصر أو بالعكس ونحن صحّحنا الصلاة بفكرة الاشتباه في التطبيق، ولكن هنا يراد أن يقال لا يمكن تصحيحها بفكرة الاشتباه في التطبيق، ولماذا ؟ لأجل أنّ المطلوب هو القصد حتى تقع ظهراً أو عصراً والمفروض أنّك قصدت عنوان الظهر فطبيعة العصر لا تقع لأنّ طبيعة العصر متقوّمة بقصد طبيعة العصر، فما قصدته ليس هو الطبيعة الواجبة، والطبيعة الواجبة لم تقصدها، وهذا يصير من قبيل ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع، فالصلاة تقع باطلة، وإنما تنفع هذه الفكرة فيما إذا كان المورد من طبيعةٍ واحدةٍ كالفرادى والجماعة فإنّ صحّة وقوعها صلاةً صحيحةً لا يتوقّف على قصد الجماعة أو الفرادى بل يصلّي قربةً إلى الله تعالى وهذا يكفي وهاتان – أي الجماعة والفرادى - أحوالٌ لها، نعم قد لا تحصّل الثواب إلّا بالقصد أمّا الصحة فلا تدور مدار القصد، أمّا إذا كان من طبيعتين فلا يمكن ذلك، وإلى هذا الرأي ذهب السيد الخوئي(قده) في مواضع متعدّد من كلامه[3].
الفائدة الأولى:- فكرة الاشتباه في التطبيق.
هناك بعض الأفكار هي أقرب إلى كونها فوائد من كونها قواعد، ولذلك نذكرها تحت هذا العنوان:-
الفائدة الأولى:- فكرة الاشتباه في التطبيق.
إنّ هذا تعبيرٌ حوزويّ ولم يرد في آيةٍ ولا رواية، والمقصود منه أنّ المكلّف أحياناً يقصد امتثال الأمر الواقعي بوجوده الواقعي ولكن يتخيّل ويتصوّر اشتباهاً أنه متشخّصٌ ضمن هذا الفرد فيقصد هذا الفرد الخاص اشتباهاً، إنّ هذا عبارة أخرى عن فكرة الاشتباه في التطبيق.
وخذ على ذلك بعض الأمثلة:-
المثال الأوّل:- إذا فرض أنّ المكلّف علم أنّه قد فاتته صلاة لكنه لا يعلم أنها صلاة الظهر أو العصر وظنّ اشتباهاً أنها صلاة الظهر مثلاً فنواها صلاة الظهر وبعد أن فرغ التفت إلى أنَّ الذي فاته هو صلاة العصر، فهنا يقال هو قاصدٌ في الحقيقة امتثال الأمر الالهي سواء كان متعلّقاً بالظهر أم كان متعلّقاً بالعصر غايته أنّه تصوّر اشتباهاً أنّ ذلك الأمر هو أمرٌ بالظهر فأتى بها، إنّ هذا لا يعني أنّه ليس قاصداً لامتثال أمر الظهر بل هو قاصدٌ له لأنّه قاصد لامتثال الأمر الواقعي، فهو قاصدٌ لأمر الظهر ضمن قصده لامتثال الأمر الواقعي، واشتباهه في كونه أمراً بالظهر لا يعني أنّه ليس قاصداً لامتثال الأمر الواقعي، فعلى هذا الأساس تقع صلاته صحيحة لأنّه قاصد لامتثالها ضمن قصده لامتثال الأمر الواقعي غايته أنّه اشتبه وطبّقه على الظهر أو طبّقه على العصر وهذا ليس بالمهم.
نعم لو فرض أنّه قصد امتثال أمر الظهر وقال ( أصلي صلاة الظهر بقيد أن تكون صلاة الظهر، يعني إذا كانت ليست بصلاة الظهر فلا أقصد امتثالها ) وعادةً لا يتصوّر هذا في حقّ المؤمن العاقل فالمؤمن العاقل عادةً يقصد امتثال الأمر الذي عند الله إن ظهراً فظهراً وإن عصراً فعصراً، ولكن لو فرضنا أنّ شخصاً قصد امتثال أمر الظهر بنحو التقييد فهنا لو اتضح أنّ صلاة العصر هي الفائتة فهنا يمكن أن يقال بأّنها لا تقع صحيحة، أمّا إذا فرض أنّه قصد امتثال الأمر الواقعي بما هو عليه فحينئذٍ سواء كان الفائت هو الظهر أو العصر فلا مشكلة لأنّه بالتالي قد قصده ضمن قصده لامتثال الأمر الواقعي.
ولكن قد يتوقّف شخص من ناحية ثانية فيخرج من القاعدة إلى قضيّة جانبية فيقول:- إذا فرض أن الفائت هو صلاة الظهر فحينئذٍ يختلّ شرط الترتيب لأنّ هذا معناه أنّه أتى بالعصر قبل الظهر فماذا نفعل ؟
فنقول له:- إنّه لا مشكلة هنا إذ توجد عندنا حديث وقاعدة ( لا تعاد الصلاة إلا من خمس .... ) [1]واختلال الترتيب ليس من أحد الخمس، ولذلك متى ما اختلّ شرط الترتيب من دون التفاتٍ لا يضرّ ذلك بصحّة الصلاة، فالترتيب ليس شرطاً واقعياً وإنما هو شرط علميٌّ وعند الالتفات، والدليل على ذلك هو قاعدة لا تعاد، يعني أنَّ قاعدة لا تعاد تجعله شرطاً علمياً وليس شرطاً واقعياً.
المثال الثاني:- ما لو فرض أنّ شخصاً جلس لصلاة الصبح لا يدري أنّ الشمس قد طلعت أم لم لا[2] فتخيّل أنّ الوقت بَعدُ باقٍ فجاء بالصلاة أداءً ثم اتضح أنّ الواجب هو القضاء فهل تلزم الاعادة أو لا ؟ وهكذا بالعكس - أي لو أتى بها قضاءً بتصوّر خروج الوقت ولكن اتضح أن الواجب هو الأداء -.
يمكن ان يقال:- لا تجب الاعادة، والوجه في ذلك هو أنك حينما وقفت وتريد أن تصلّي فقد قصدت امتثال الأمر الواقعي المتوجّه إليك الأعم من كونه أمراً قضائياً أو أدائياً وليس غرضك التقييد بالقضاء أو بالأداء غايته أنّك تخيّلت أنّ ذلك الأمر الإلهي هو الأمر بالأداء وهذا لا يعني أنك لست بقاصدٍ للأمر القضائي بل أنت قاصدٌ له وإن قصدت الأمر الأدائي اشتباهاً ولكن واقعاً أنت قاصد للأمر القضائي باعتبار أنّك قصدت امتثال الأمر الواقعي الثابت هنا.
نعم لو قيّدت بأن تأتي بالصلاة بقصد الأمر الأدائي بحث لو لم يكن هناك أمر أدائيّ فأنت لا تقصد الامتثال فنها يمكن أن يقال لا تقع الصلاة منه صحيحة، ولكن المؤمن عادةً لا يقصد هذا وإنما يقصد امتثال الأمر الواقعي فتقع الصلاة صحيحة.
المثال الثالث:- لو فرض أنّ الناس في بلدٍ كانوا يأتون بصلاة الصبح في الساعة الخامسة حسب التقويم الموجود عندهم ثم ظهر تقويم جديد خطّأ جميع هؤلاء وقال إنّ من وضعوا التقويم الأوّل قد قدّموا الوقت لأنّ القواعد التي استندوا إليها باطلة وإنما يدخل الوقت في الساعة الخامسة والربع ونحن وهم كانوا يصلّون صلاة الصبح لسنين عند الساعة الخامسة فما هو الحكم - يعني كانوا يأتون بها أداءً في الساعة الخامسة وهذا لا يجوز إذ الوقت يدخل في الساعة الخامسة والربع فهل هناك طريق للحلّ - ؟
والجواب:- يمكن أن يقال هناك طريق وهو أنّ كلّ الصلوات تقع صحيحة ما عدى صلاة اليوم الأوّل من البلوغ – أو الأخير - أما البقيّة فتقع صحيحة، والوجه في ذلك هو أنك في كلّ يوم تقصد امتثال الأمر الواقعي المتوجّه إليك وتتخيّل أنه أمر أدائي ولكن في الواقع هو أمر قضائي لأنّ صلاة اليوم الأوّل لم تأتِ بها بعد دخول الوقت فأنت مأمورٌ في اليوم الثاني بقضاء اليوم الأوّل واداء اليوم الثاني.
إذن يمكن تصحيح صلاة كلّ يوم ولكن بعنوان القضاء عن اليوم السابق ما عدى يومٍ واحدٍ فإنه لا يتصّور فيه ذلك - وهو اليوم الأوّل أو الأخير - فلابد من إعادته، وأمّا بقية الأيام فتقع الصلاة صحيحة ولكن بعنوان القضاء حيث أنه تعلّق بذمتك الأمر القضائي وأنت قاصد لامتثال الأمر الواقعي غايته أنّك تصورت أنَّ الأمر الواقعي هو الأداء.
وههنا أمور ترتبط بالفكرة المذكورة نشير إليها كما يلي:-
الأمر الأوّل:- ما هو مدرك فكرة الاشتباه في التطبيق ؟
والجواب:- إنّ هضم وفهم هذه الفكرة يغني عن ذكر دليلٍ لها، فإنه قد يقول قائل إنّ كلّ شيء لابد وأن تكون دليليته مستقاة من الكتاب أو السنة أو العقل أو الاجماع وهذا لا يدلّ عليه الكتاب الكريم أو السنة أو العقل أو الاجماع.
ونحن نقول في مقام ردّ هذا:- نحن لا نحتاج إلى هذه المصادر الأربعة بل إنَّ فهم هذه الفكرة يغني عن ذكر الدليل لها، فالفكرة تقول إنَّ المؤمن عادةً حينما يأتي بالعمل العبادي كالصلاة مثلاً فهو يقصد امتثال الأمر الواقعي إن كان اداءً أو قضاءً وهذا مسلّمٌ ولا شك فيه غايته أنَّه قد يشتبه ويتصوّر أنّ ذلك الأمر الإلهي هو أمرٌ بالأداء مثلاً، ولا إشكال في هذه المقدّمة.
إذن لو فرض أنه اتضح أنّ الأمر هو ليس الأمر بالأداء بل هو الأمر بالقضاء فهو بالتالي قاصدٌ للأمر القضائي وهذا لا شك فيه أيضاً، يعني كلّ هذه المقدّمات المطوّية ضمن هذه الفكرة هي مقدّمات وجدانيّة مسلّمة واضحة، والنتيجة واضحة لا تحتاج إلى مدرك . إذن مجرّد فهم هذه الفكرة لا يُسأل آنذاك عن مدركيّتها، وإنما يُسأل عن مدركيتها فيما إذا كانت بَعدُ لم تتجلَّ بشكلٍ جيّد.
الأمر الثاني:- قد يقال إنّ هذه الفكرة تتمّ فيما إذا كان الشيآن ذا طبيعةٍ واحدةٍ ولا تتمّ إذا كانا من طبيعتين، فمثلاً صلاة الظهر وصلاة العصر هل هما طبيعة واحدة أو من طبيعتين ؟ إنهما من طبيعتين بدليل أنّ النصّ الشرعي يقول:- ( أوجب الله عزّ وجلّ في كلّ يوم على العباد خمس صلوات ) فهذه خمس طبائع، ومقوّم كلّ طبيعةٍ هو القصد، فالقصد موقوّمٌ لطبيعة صلاة الظهر، والقصد مقوّم لصلاة العصر، فصحيحٌ أنهما صورة واحدة ولكن من حيث الطبيعة هما مختلفتان وطبيعة هذا تحصل بقصد الظهر وطبيعة ذاك تحصل بقصد العصر، والذي دلّنا على أنّهما طبيعتان هو النصّ الشرعي حيث قال:- ( خمس صلوات ) وهذا ظاهر في التعدّد في الطبائع المختلفة.
وأمّا مثال الشيئين ذات الطبيعة الواحدة هو كصلاة الفرادى والجماعة بالنسبة إلى صلاة الظهر، فإنّ صلاة الظهر تارةً يؤتى بها جماعة وأخرى يؤتى بها فرادى، فالفرادى والجماعة فردان لطبيعةٍ واحدةٍ وهي صلاة الظهر لا أنهما طبيعتان مختلفتان وإلا إذا كانا طبيعتين فلازمه أنّه وجبت عليك أشياء متعدّدة هي صلاة الجماعة وصلاة الفرادى والحال أنّ الواجب هو صلاة الظهر ولكن مرّة تأتي بها بهذا الشكل ومرّة تأتي بها بذاك الشكل، فهي طبيعة واحدة ذات لباسين وشكلين - ولنسلّم أنّ صلاة الظهر والعصر هما من طبيعتين ونسلّم أنّ صلاة الجماعة والفرادى لصلاة الظهر هما من طبيعة واحدة -.
وإذا اتضح هذا نقول:- إنَّ فكرة الاشتباه في التطبيق والتي نصحّح بها العمل تتم فيما إذا كان المورد من الفردين لطبيعةٍ واحدةٍ دون ما إذا كان المورد من قبيل الطبيعتين، فنحن ذكرنا من جملة الأمثلة السابقة المثال الأوّل الذي افترضنا فيه أنّه كان يتخيّل المكلف أنّ الفائت هو الظهر ولكن في الواقع الفائت هو العصر أو بالعكس ونحن صحّحنا الصلاة بفكرة الاشتباه في التطبيق، ولكن هنا يراد أن يقال لا يمكن تصحيحها بفكرة الاشتباه في التطبيق، ولماذا ؟ لأجل أنّ المطلوب هو القصد حتى تقع ظهراً أو عصراً والمفروض أنّك قصدت عنوان الظهر فطبيعة العصر لا تقع لأنّ طبيعة العصر متقوّمة بقصد طبيعة العصر، فما قصدته ليس هو الطبيعة الواجبة، والطبيعة الواجبة لم تقصدها، وهذا يصير من قبيل ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع، فالصلاة تقع باطلة، وإنما تنفع هذه الفكرة فيما إذا كان المورد من طبيعةٍ واحدةٍ كالفرادى والجماعة فإنّ صحّة وقوعها صلاةً صحيحةً لا يتوقّف على قصد الجماعة أو الفرادى بل يصلّي قربةً إلى الله تعالى وهذا يكفي وهاتان – أي الجماعة والفرادى - أحوالٌ لها، نعم قد لا تحصّل الثواب إلّا بالقصد أمّا الصحة فلا تدور مدار القصد، أمّا إذا كان من طبيعتين فلا يمكن ذلك، وإلى هذا الرأي ذهب السيد الخوئي(قده) في مواضع متعدّد من كلامه[3].