35/12/20
تحمیل
الموضوع:- حديث الحجب – ادلة البراءة - الأصول العملية.
كان الكلام في حديث الحجب (ما حجب اله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم[1]) وظاهر الحديث ابتداءً ان مفاده مفاد البراءة ولكن احتمل في معناه ــ باعتبار اسناد الحجب الى الله تعالى ــ ان يراد تلك الاحكام التي سكت الله عنها أي لم يأمر النبي والاوصياء صلوات الله عليه واله بتبليغها الى العباد وهناك جملة من الادلة دالة على ان هناك قسط وافر من الاحكام حيث حجب الله علمها عن العباد فهي موضوعة عنهم وهذا الاحتمال دفعه بعضهم كما ذكر السيد الاستاذ في المنتقى وغيره من الاعلام بان الوضع ظاهر في الحكم الذي يمكن ان يعاقب عليه ويحاسب عليه أي الحكم الذي فيه قابلية العقاب عليه سواء كان بنفسه او بجعل الاحتياط او بنفس الاحتمال فذلك الحكم يقال وضع عن المكلف المؤاخذة عليه والمحاسبة عليه فموضوع عنه في نفسه ظاهر بان موضوع الواضع حكم قابل للمحاسبة عليه وهذا لا يلتئم مع تلك الاحكام التي اخفاها الله عز وجل عن عباده ولم يبلغها لا النبي ولا الائمة عليه وعليهم السلام للناس فتلك اصلا لا يحاسب عليها العباد.
وهذه القرينة التي ذكرها صاحب المنتقى على دفع هذا الاحتمال لا باس بها اجمالاً ولكن يظهر من كثير من الادلة ان المحاسبة والمؤاخذة دائرتها اوسع مما قرر في علم الاصول او في علم الكلام او حتى في علم الفقه فان الظاهر من كثير من الادلة من الآيات والروايات دالة على ان عدم محاسبة الباري تعالى على كل فعل مشتمل على ملاك ملزم سواء كان مفسدة او مصلحة هي منّة من الله تعالى، اما كيف نصور هذه المنّة؟ وكيف نصور هذه المحاسبة عليه؟
فانه يمكن تصوير المحاسبة عليه بان الله لو لم يسكت عنه وبلغه اوليائه لتمت المؤاخذة عليه فسكوت الباري هي منّة وهي نوع من ارضية وضع المؤاخذة او يمكن تصويره بان صرف الاحتمال منجز وبالتالي لا يجعل البراءة لانه كما تتذكرون ان البراءة العقلية هي في الجهل المركب واما في الجهل البسيط فليست هناك براءة عقلية وانما هناك براءة عقلائية يمكن ان يمضيها الشارع ويمكن ان لا يمضيها،فاذا لم يمضيها الشراع يبقى الاحتياط محكم باعتبار ان صرف الاحتمال علم كما تتذكرون انه قد مر بنا ان مقتضى القاعدة في الجهل البسيط هي الاحتياط لا البراءة العقلية،نعم براءة عقلائية موجودة في البين ولكن لابد فيها من امضاء الشارع فلو لم تمضى فان مقتضى الاحتمال نفسه منجز لان الاحتمال درجة من العلم بالمعنى الاعم فبالتالي المقتضي للتنجيز موجود حتى فيما سكت الله عنه من الاحكام ويمكن تفسير المؤاخذة على الاحكام المسكوت عنها بتفسير ثالث وهو بان هذه الملاكات الملزمة في الواقع وان سكت عنها ولكنها متطابقة مع الفطرة ﴿فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم﴾[2]لان الدين كله برمته الفطرة تقضي به أي لو اطلع على الدين فهو متناغم مع الفطرة، اذن كل الملاكات الملزمة باعتبار ان الفطرة تقضي بها ولو ارتكازاً واجمالاً فان ارضية المؤاخذة موجودة الا ان يضع الله عز وجل ذلك عن العباد، فالمقصود ان الوضع يستعمل فيما اذا كان في البين اقتضاء للمؤاخذة ولو كان اقتضاء بعيد او اقتضاء ناقص ولو اقتضاء تقديري،نعم اختصاصه بخصوص ما سكت الله عنه غير صحيح ونوافق الاعلام لان (ما حجب الله علمه عن العباد) اعم فيشمل ما كان مسكوت عنه وليس مسكوت عنه فهو ليس خاص بالمسكوت عنه فالأقرب ان يكون مفاد الحديث يشمل مالم يسكت عنه الله ولكن حجب علمه عن العباد فهو موضوع عنهم فهو غير خاص بما سكت عنه وهناك تقريب لدعم عموم الحديث ومفاده ان (ما حجب الله علمه عن العباد) صحيح ان الحجب ربما حصل من الظالمين ولكن الامور غير موفوضة للظالمين فقط فان قضاء الله وقدره دخيل فيها فتصح هذه النسبة[3] اليه تعالى، اذن هذا الحجب للاحكام وان صدر من اهل الشرور ولكن لا يخرج عن قضاء وقدر الله والبعض التزم بهذه القرينة لانه لا يغالب الله على اردته ومشيئته بإرادة اهل الشرور ولكن البعض استشكل في هذه القرينة فقال ظاهر الحديث انفراد الاسناد اليه تعالى لا ان الحجب حصل من اثنين فيكون حينئذ خاص بالمسكوت عنه ولكن يقال في جوابه انه تبقى دائرة الاختيار للبشر موجودة ولكنها اقل بقليل من دائرة القضاء والقدر التي هي اليه تعالى اذن الاسناد على حاله والعموم ثابت ايضا بقرينة وضع فان الوضع عما ابرز على لسان خلفاء الله ابرز صدقا مما فيه اقتضاء للمؤاخذة من بعيد فالصحيح عمومية هذا الحديث لكل الاقسام لا انه خاص بقسم دون قسم اذن هو صالح للاستدلال به على البراءة.
الاستدلال بحديث اصالة الحل على البراءة:-
ومتن الحديث (كل شيء لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه[4]) وهذا الحديث الشريف وارد بصور ثلاثة وتقريبا كلها معتبرة السند وهو مروي في الكتب الاربعة:-
الصيغة الاولى:- وهي عن مسعدة بن صدقة، (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول : كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك ولعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك، والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة[5]).
الصيغة الثانية:- وهو حديث معتبر روي عن عبدالله بن سليمان، قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن؟ فقال لي: سألتني عن طعام يُعجبني ثمّ أعطى الغلام درهماً، فقال: يا غلام إبتع لنا جبناً ثم دعا بالغداء فتغدّينا معه فأتى بالجبن فأكل وأكلنا، فلمّا فرغنا من الغذاء قلت: ما تقول في الجبن؟ فقال: أو لم ترني آكله قلت: بلى، ولكن أُحب أن أسمعه منك، فقال: سأُخبرك عن الجبن وغيره، كلّ ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه[6]). وهذا المتن لو دققنا فانه اولا في الشبهة الموضوعية مع وجود علم اجمالي بالحرام والحلال فيبين عليه السلام انه يبنى على الحلية حتى يعرف الحرام بعينه.
الصيغة الثالثة:- وهي عن عبد الله ابن سنان وظاهرا هي في التهذيب وهذه الصيغة الثالثة فقط فيها متن القاعدة (كل شيء لك حلال حتى تعرف الحرام بعيه) من دون ذيل ومن دون صدر تطبيقي يعني مطلق.
والان نعود لنتعرف على فقه الحديث والحديث ليس فقط اهميته من جهة البراءة بل هو يتضمن ثلاث قواعد وليس قاعدة واحدة كما ذهب الى ذلك النراقي (رحمه الله) كما ان (كل شيء طاهر حتى تعلم انه نجس) يتضمن ثلاث قواعد وهذا الاحتمال الذي احتمله النراقي وربما مال اليه بقوة صاحب الكفاية هو موجود احتماله في كلمات القدماء. ولكن ما هي القواعد الثلاث ؟
القاعدة الاولى:- هي جعل الحلية الواقعية للأشياء فكل شيء لك حلال وكل شيء لك طاهر أي جعل الطاهرة الواقعية للأشياء وهو دليل اجتهادي لا ربط له بالاصول العملية.
القاعدة الثانية:- هي من جهة (لك) فإنها تدل على جعل الحلية الظاهري او الطهارة الظاهرية.
القاعدة الثالثة:- وهي من جهة (لك) فإنها تدل على الاستصحاب أي استصحاب الحل او استصحاب الطهارة.
اذن يستفاد من الحديث ثلاث قواعد وسياتي مزيد الكلام عنه.
كان الكلام في حديث الحجب (ما حجب اله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم[1]) وظاهر الحديث ابتداءً ان مفاده مفاد البراءة ولكن احتمل في معناه ــ باعتبار اسناد الحجب الى الله تعالى ــ ان يراد تلك الاحكام التي سكت الله عنها أي لم يأمر النبي والاوصياء صلوات الله عليه واله بتبليغها الى العباد وهناك جملة من الادلة دالة على ان هناك قسط وافر من الاحكام حيث حجب الله علمها عن العباد فهي موضوعة عنهم وهذا الاحتمال دفعه بعضهم كما ذكر السيد الاستاذ في المنتقى وغيره من الاعلام بان الوضع ظاهر في الحكم الذي يمكن ان يعاقب عليه ويحاسب عليه أي الحكم الذي فيه قابلية العقاب عليه سواء كان بنفسه او بجعل الاحتياط او بنفس الاحتمال فذلك الحكم يقال وضع عن المكلف المؤاخذة عليه والمحاسبة عليه فموضوع عنه في نفسه ظاهر بان موضوع الواضع حكم قابل للمحاسبة عليه وهذا لا يلتئم مع تلك الاحكام التي اخفاها الله عز وجل عن عباده ولم يبلغها لا النبي ولا الائمة عليه وعليهم السلام للناس فتلك اصلا لا يحاسب عليها العباد.
وهذه القرينة التي ذكرها صاحب المنتقى على دفع هذا الاحتمال لا باس بها اجمالاً ولكن يظهر من كثير من الادلة ان المحاسبة والمؤاخذة دائرتها اوسع مما قرر في علم الاصول او في علم الكلام او حتى في علم الفقه فان الظاهر من كثير من الادلة من الآيات والروايات دالة على ان عدم محاسبة الباري تعالى على كل فعل مشتمل على ملاك ملزم سواء كان مفسدة او مصلحة هي منّة من الله تعالى، اما كيف نصور هذه المنّة؟ وكيف نصور هذه المحاسبة عليه؟
فانه يمكن تصوير المحاسبة عليه بان الله لو لم يسكت عنه وبلغه اوليائه لتمت المؤاخذة عليه فسكوت الباري هي منّة وهي نوع من ارضية وضع المؤاخذة او يمكن تصويره بان صرف الاحتمال منجز وبالتالي لا يجعل البراءة لانه كما تتذكرون ان البراءة العقلية هي في الجهل المركب واما في الجهل البسيط فليست هناك براءة عقلية وانما هناك براءة عقلائية يمكن ان يمضيها الشارع ويمكن ان لا يمضيها،فاذا لم يمضيها الشراع يبقى الاحتياط محكم باعتبار ان صرف الاحتمال علم كما تتذكرون انه قد مر بنا ان مقتضى القاعدة في الجهل البسيط هي الاحتياط لا البراءة العقلية،نعم براءة عقلائية موجودة في البين ولكن لابد فيها من امضاء الشارع فلو لم تمضى فان مقتضى الاحتمال نفسه منجز لان الاحتمال درجة من العلم بالمعنى الاعم فبالتالي المقتضي للتنجيز موجود حتى فيما سكت الله عنه من الاحكام ويمكن تفسير المؤاخذة على الاحكام المسكوت عنها بتفسير ثالث وهو بان هذه الملاكات الملزمة في الواقع وان سكت عنها ولكنها متطابقة مع الفطرة ﴿فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم﴾[2]لان الدين كله برمته الفطرة تقضي به أي لو اطلع على الدين فهو متناغم مع الفطرة، اذن كل الملاكات الملزمة باعتبار ان الفطرة تقضي بها ولو ارتكازاً واجمالاً فان ارضية المؤاخذة موجودة الا ان يضع الله عز وجل ذلك عن العباد، فالمقصود ان الوضع يستعمل فيما اذا كان في البين اقتضاء للمؤاخذة ولو كان اقتضاء بعيد او اقتضاء ناقص ولو اقتضاء تقديري،نعم اختصاصه بخصوص ما سكت الله عنه غير صحيح ونوافق الاعلام لان (ما حجب الله علمه عن العباد) اعم فيشمل ما كان مسكوت عنه وليس مسكوت عنه فهو ليس خاص بالمسكوت عنه فالأقرب ان يكون مفاد الحديث يشمل مالم يسكت عنه الله ولكن حجب علمه عن العباد فهو موضوع عنهم فهو غير خاص بما سكت عنه وهناك تقريب لدعم عموم الحديث ومفاده ان (ما حجب الله علمه عن العباد) صحيح ان الحجب ربما حصل من الظالمين ولكن الامور غير موفوضة للظالمين فقط فان قضاء الله وقدره دخيل فيها فتصح هذه النسبة[3] اليه تعالى، اذن هذا الحجب للاحكام وان صدر من اهل الشرور ولكن لا يخرج عن قضاء وقدر الله والبعض التزم بهذه القرينة لانه لا يغالب الله على اردته ومشيئته بإرادة اهل الشرور ولكن البعض استشكل في هذه القرينة فقال ظاهر الحديث انفراد الاسناد اليه تعالى لا ان الحجب حصل من اثنين فيكون حينئذ خاص بالمسكوت عنه ولكن يقال في جوابه انه تبقى دائرة الاختيار للبشر موجودة ولكنها اقل بقليل من دائرة القضاء والقدر التي هي اليه تعالى اذن الاسناد على حاله والعموم ثابت ايضا بقرينة وضع فان الوضع عما ابرز على لسان خلفاء الله ابرز صدقا مما فيه اقتضاء للمؤاخذة من بعيد فالصحيح عمومية هذا الحديث لكل الاقسام لا انه خاص بقسم دون قسم اذن هو صالح للاستدلال به على البراءة.
الاستدلال بحديث اصالة الحل على البراءة:-
ومتن الحديث (كل شيء لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه[4]) وهذا الحديث الشريف وارد بصور ثلاثة وتقريبا كلها معتبرة السند وهو مروي في الكتب الاربعة:-
الصيغة الاولى:- وهي عن مسعدة بن صدقة، (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول : كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك ولعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك، والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة[5]).
الصيغة الثانية:- وهو حديث معتبر روي عن عبدالله بن سليمان، قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن؟ فقال لي: سألتني عن طعام يُعجبني ثمّ أعطى الغلام درهماً، فقال: يا غلام إبتع لنا جبناً ثم دعا بالغداء فتغدّينا معه فأتى بالجبن فأكل وأكلنا، فلمّا فرغنا من الغذاء قلت: ما تقول في الجبن؟ فقال: أو لم ترني آكله قلت: بلى، ولكن أُحب أن أسمعه منك، فقال: سأُخبرك عن الجبن وغيره، كلّ ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه[6]). وهذا المتن لو دققنا فانه اولا في الشبهة الموضوعية مع وجود علم اجمالي بالحرام والحلال فيبين عليه السلام انه يبنى على الحلية حتى يعرف الحرام بعينه.
الصيغة الثالثة:- وهي عن عبد الله ابن سنان وظاهرا هي في التهذيب وهذه الصيغة الثالثة فقط فيها متن القاعدة (كل شيء لك حلال حتى تعرف الحرام بعيه) من دون ذيل ومن دون صدر تطبيقي يعني مطلق.
والان نعود لنتعرف على فقه الحديث والحديث ليس فقط اهميته من جهة البراءة بل هو يتضمن ثلاث قواعد وليس قاعدة واحدة كما ذهب الى ذلك النراقي (رحمه الله) كما ان (كل شيء طاهر حتى تعلم انه نجس) يتضمن ثلاث قواعد وهذا الاحتمال الذي احتمله النراقي وربما مال اليه بقوة صاحب الكفاية هو موجود احتماله في كلمات القدماء. ولكن ما هي القواعد الثلاث ؟
القاعدة الاولى:- هي جعل الحلية الواقعية للأشياء فكل شيء لك حلال وكل شيء لك طاهر أي جعل الطاهرة الواقعية للأشياء وهو دليل اجتهادي لا ربط له بالاصول العملية.
القاعدة الثانية:- هي من جهة (لك) فإنها تدل على جعل الحلية الظاهري او الطهارة الظاهرية.
القاعدة الثالثة:- وهي من جهة (لك) فإنها تدل على الاستصحاب أي استصحاب الحل او استصحاب الطهارة.
اذن يستفاد من الحديث ثلاث قواعد وسياتي مزيد الكلام عنه.