36/11/22
تحمیل
الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة 11. [1]
تقدم الكلام في مسألة الارتباطية (والكشف) والنقض الوارد عليها بمن يعلم بعروض المانع فيما بعد فأنه يلزم منه العلم بعدم وجوب الصوم من البداية.
وهناك جواب عن هذا النقض وهو الالتزام بالارتباطية والكشف ومع ذلك نلتزم بحرمة الافطار ووجوب الصوم, لكن هذا الوجوب لا يكون للصوم الشرعي وإنما يكون امساكاً تأدبياً.
وحينئذ لا منافاة بالالتزام بالارتباطية والكشف ونلتزم بأنه ابطل صومه الحقيقي ولا وجوب للصوم عليه وفي نفس الوقت يحرم عليه الافطار من باب التأدب.
ولكن تقدم سابقاً أن وجوب الامساك تأدباً بحاجة إلى دليل, وقد ثبت ذلك في بعض الموارد, ولا دليل خاص في المقام, ولكن قد يقال بأننا مضطرين إلى هذا الأمر بأعتبار البناء على الارتباطية والكشف وهو يقتضي بطلان الصوم وعدم مشروعيته وهذا ما يجوز الافطار من أول الأمر وقد قلنا بأن هذا لا يمكن الالتزام به لعدم الاشكال فقهياً في وجوب الصوم وحرمة الافطار, ومن هنا يمكن أن تُجعل الضرورة هي الدليل على الالتزام بوجوب الصوم وحرمة الافطار من باب التأدب, لكي نجمع بين الادلة أي نلتزم بالارتباطية والكشف وفي نفس الوقت نلتزم بما اتفق عليه الفقهاء من حرمة الافطار.
ومع تمامية هذا الكلام فأنه لا ينافي الارتباطية والكشف.
الأمر الثاني: هل أن موضوع وجوب الكفارة هو ابطال الصوم الصحيح واقعاً؟ أو أن موضوعها ابطال الصوم الصحيح ولو كان ظاهراً فقط؟؟
المعروف أن الموضوع هو من ابطال الصوم الصحيح ولو ظاهراً, وذكر في مقام الاستدلال لذلك امران:
الأول: أن الكفارة شُرعت للتأديب والعقوبة على المخالفة والاثم الذي يرتكبه المكلف, وهذا يقتضي الشمول, لأن الحكم الظاهري من جهة ترتب الاثم والمعصية على مخالفته كالحكم الواقعي, ولا فرق بينهما, ولا موجب لتخصيص الكفارة لمخالفة الحكم الواقعي, لأنها عقوبة على الاثم وهو حاصل في مخالفة كل منهما.
بل ادعي بأن المعصية والطاعة تدور مدار مخالفة واطاعة الحكم الظاهري لا الواقعي, لعدم ترتب الاثر على موافقة ومخالفة الحكم الواقعي من دون أن يصل الينا, إنما تترتب الاطاعة على الموافقة والمعصية على المخالفة بالنسبة إلى الاحكام الواصلة الينا, والحكم الظاهري هو الحكم الواصل الينا, وحينئذ تكون مخالفة الحكم الظاهري موجبة للإثم والمعصية والمفروض أن الكفارة على الافطار العمدي وضعت لغرض التأديب والعقوبة على المخالفة, فتجب الكفارة على مخالفة الحكم الظاهري.
الثاني: ما ذكروا من أن الكثير من المكلفين يكون وجوب الصوم بالنسبة اليهم وجوباً ظاهرياً, لأنه لا اقل بأنه يحتمل بأنه سيعرض عليه الموت أو المرض أو الحيض للمرأة, وحينئذ لا يمكن أن يثبت وجوب الصوم عليه واقعاً لوجود احتمال عروض ما يمنع من وجوب الصوم عليه واقعاً (بناءً على الكشف).
نعم يمكن الاستعانة بأستصحاب عدم عروض المانع في المستقبل, فيستصحب عدم عروض المانع المتيقن من حصوله اول النهار إلى آخر الوقت( آخر النهار) الذي يشك في حصول المانع فيه , فأستصحاب عدم عروض المانع هو الذي ينقح وجوب الصوم عليه فعلاً, وهذا الوجوب حكم ظاهري لأنه يستند إلى الاستصحاب, وكثير من المكلفين يكون وجوب الصوم عليهم وجوباً ظاهرياً, فإذا قلنا بأختصاص الكفارة بالإفطار العمدي بصوم واجب واقعاً, فأن الغرض من تشريع الكفارة لا يتحقق, لأن الغرض منها ليس العقوبة فقط وانما تجنب المكلف الافطار العمدي في هذا الصوم, وهو لا يتحقق اذا قلنا بأختصاص الكفارة في الافطار في الصوم الواجب واقعاً لأن كثير من المكلفين لا يعلم بأن الصوم واجب عليه واقعاً, وإنما يعلم بأنه واجب عليه ظاهراً.
وحينئذ نلتزم بأن الكفارة لا تسقط في محل الكلام, فتجب على من افطر عمداً في شهر رمضان ثم مات, أو سافر .... الخ.
فعروض المانع (بناءً على الكشف) يكشف عن عدم الوجوب الواقعي للصوم في حق هذا المكلف وليس له المساس بالوجوب الظاهري, فالمرأة التي وجب عليها الصوم ظاهراً وافطرت فيه تشملها ادلة الكفارة, وتدل على وجوب الكفارة عليها, وان عرض المانع من صومها بعد ذلك.
ولا فرق فيما قلنا بين المانع الاختياري وغير الاختياري كما لا فرق في المانع الاختياري بين أن يكون قد اتى به لغرض الفرار من الكفارة أو لا, فأنه في جميع هذه الموارد نلتزم بأن مقتضى القاعدة عدم سقوط الكفارة.
إلى هنا تم البحث بلحاظ مقتضى القاعدة.
والكلام يقع في البحث عن الادلة الخاصة.
فهناك ادلة خاصة ادعي انها تدل على عدم الكشف وان المانع يمنع من الصوم ويبطله من حين حدوثه, وتدل باللازم على عدم سقوط الكفارة فتكون نتيجتها كنتيجة مقتضى القاعدة, وعلى فرض أن القاعدة تقتضى سقوط الكفارة فأن هذه الادلة تقدم عليها ويجب الالتزام بها.
والادلة عبارة عن روايات تدل على أن المرأة الصائمة تفطر حين تطمث.
ونذكر قبل هذه الروايات صحيحة محمد بن مسلم(قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن المرأة ترى الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال ؟ قال : تفطر)[2] قد يقال بأن هذه الرواية فيها دلالة على أن الافطار يكون حين رؤية الدم, لكن ذلك ليس واضحاً.
نعم ما في الرواية الاولى (صحيحة العيص) اوضح منه وقد يفسر ما في هذه الرواية.
الرواية الاولى: صحيحة عيص بن القاسم (قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن امرأة تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس ؟ قال : تفطر حين تطمث)[3]
يفهم من هذه الرواية انها تفطر حينما تطمث لا من بداية الأمر, خصوصاً اذا دققنا في العبارة حيث أن الامام عليه السلام ذكر عبارة(حين تطمث) مع انها مذكورة في كلام السائل, وكان يمكن للإمام عليه السلام إن يكتفي بالجواب بقول (تفطر), فيفهم من ذلك أن هناك غرض للإتيان بهذه العبارة, وقد يكون اشارة إلى هذا المعنى, فتكون الرواية فيها دلالة واضح على أن عروض المانع يكون موجباً للبطلان من حينه لا من اول الأمر, فلو افطرت قبل ذلك وجبت عليها الكفارة, لأن صومها كان صوماً صحيحاً وواجباً واقعاً.
الرواية الثانية: صحيحة حريز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : أيما رجل كان له مال حال عليه الحول فانه يزكيه ، قلت له : فان وهبه قبل حله بشهر أو بيوم ؟ قال : ليس عليه شيء أبدا . قال : وقال زرارة عنه أنه قال : إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في اقامته ، ثم يخرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه ، وقال : إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ، ولكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شيء بمنزلة من خرج ثم أفطر ، إنما لا يمنع الحال عليه ، فأما ما لا يحل فله منعه . . الحديث)[4]