34-01-19
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/01/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- إحرام حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وفيه:-
أما بالنسبة إلى معتبرة اسحاق:- فقد تقدم وجه التأمل في الاستدلال بها فإنها ناظرة إلى مسألة الخروج وأن الخروج إلى منى لا يجوز إلا يوم التروية أو قبله بأيام ثلاثة أما أن الإحرام لا يجوزك قبل ذلك فهو شيء لم تتعرض إليه ولا ملازمة بين حرمة الخروج إلى منى قبل ثلاثة أيام وبين عدم جواز الإحرام فإن كل واحدٍ حكم مستقل عن الآخر كما هو واضح.
وأما بالنسبة إلى صحيحة معاوية:- فنسلم أنها قالت ( وأحرم للحج ) والمناسب لمسلك حكم العقل هو الحكم بالوجوب وإن اشتملت على جملة من المستحبات ، ولكن نقول:- إن أصحاب مسلك حكم العقل ليس من حقهم توسعة المسلك المذكور لمثل المقام الذي فرض فيه أن الطابع العام على الرواية هو بيان المستحبات فهي من البداية قالت ( إذا كان يوم التروية فاغتسل ) وهذا مستحب ( ثم البس ثوبيك ) يعني من دون إحرام وهذا مستحب ( وادخل المسجد حافياً ) وهذا مستحب وهكذا .... ثم قال ( وأحرم بالحج ) إن المقدمة بأجمعها من المستحبات فلا نسمح لأصحاب مسلك حكم العقل أو يوسّعوا هذا المسلك ويقولوا بأن العقل يحكم حتى في مثل هذه الحالة بالوجوب كلا ففي مثل هذه الحالة التي يكون فيها الطابع العام هو بيان المستحبات لا نسلم أن العقل يحكم بذلك وإنما يحكم بذلك فيما لو فرض أنه كان يوجد مستحب واحد أو اثنان أو ثلاثة . إذن هذه قضية ينبغي أن تُسجَّل على أصحاب مسلك العقل.
والنتيجة:- هي أنه لا دليل على تعيين وقت الإحرام للحج فنرجع إلى البراءة وبالتالي يجوز الإحرام في أي وقت مادام ذلك بعد عمرة التمتع ولو في اليوم الأول أو الثاني من شوال كما ذهب إليه المشهور.
إن قلت:- لابد وأن تثبت لنا أن الإحرام في الوقت المذكور - يعني في اليوم الأول أو الثاني من شوال مثلاً - صحيح ومشروع ومن الواضح أن حديث البراءة هو حديث رفعٍ فهو يرفع الوجوب أو الحرمة ويرفع الإلزام ولا يثبت الصحة والمشروعية فإن هذا إثبات وهو لا يمكنه الاثبات.
قلت:- لا حاجة إلى إثبات الشرعية والصحة فإن هذا تمسك واستفادة من الإعلام ، والوجه في ذلك هو أن العقل يقول ( يلزمك أن تفرغ ذمتك مما اشتغلت به يقيناً ) ومن المعلوم أن الذي اشتغلت به الذمة يقيناً هو أصل الإحرام للحج من دون تعيِّن وقتٍ معين وهذا المقدار قد فرغت ذمتي منه يقيناً فإني حينما أحرمت في اليوم الأول أو الثاني من شوال فقد فرّغتها مما اشتغلت به يقناً أما وجود شيء أكثر من ذلك وهو أنه لا بد وأن تثبت كون هذا شيئاً مشروعاً أو صحيحاً فهذه مصطلحات وإعلام ولا قيمة علمية لها وإنما القيمة العلمية هي للتفريغ اليقيني عما اشتغلت به الذمة يقيناً وهو قد حصل فالزائد ليس بلازم ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
النقطة الرابعة:- من يخاف الزحام كالشيخ الكبير والمريض يجوز له تقديم الإحرام والخروج إلى منى قبل الثلاثة أيام - أي يجوز له في اليوم الرابع أو الثالث من ذي الحجة - والوجه فيه معتبرة اسحاق بن عمار المتقدمة فإنها صرحت بذلك ، ولكن عرفت من تعليقنا السابق من أن الذي لا يخاف الزحام هو الذي لا يجوز له الخروج قبل الثلاثة بمقتضى صحيحة اسحاق لا أن الإحرام لا يجوز له قبل ذلك.
النقطة الخامسة:- لا يجوز لمن أنهى عمرة التمتع الخروج من مكة إلا لضرورة ، فإن كانت هناك ضرورة فعليه أن يحرم للحج ثم يخرج ثم يرجع إلى مكة من جديد ثم يخرج إلى عرفات وقد تقدم ذلك منه(قده) في مسألة ( 151 ) وقد علقنا هناك بما علقنا ولا نكرر.
ولكن الذي نقوله من الجنبة الفنية أنه لا وجه لذكر هذا الحكم هنا فإن هذا يذكر كلاحق من لواحق عمرة التمتع فيُبحث في أحكام عمرة التمتع ويشار إلى هذا الحكم هناك أما أن يُذكَر في إحرام الحج فليس أمراً فنياً فالتفت إلى ذلك.
مسألة ( 358 ):- كما لا يجوز للمعتمر إحرام الحج قبل التقصير لا يجوز للحاج أن يحرم للعمرة المفردة قبل إتمام أعمال الحج . نعم لا مانع منه بعد إتمام النسك قبل طواف النساء.
..........................................................................................................
مضمون ما فاده(قده) هو أن من أحرم للحج وزاول الأعمال لا يجوز له أن يأتي بعمرة مفردة قبل أن يتم أعمال الحج ، كما ذكرنا قريباً من ذلك في أن من أتى بعمرة التمتع ولمّا يقصِّر لا يجوز له أن يحرم للحج بل لابد وأن يقصِّر - أي ينهي عمرة التمتع - ثم يحرم للحج.
قضيتان فنيتان:-
الأولى:- ينبغي أن نلتفت إلى أن نتوخى الطرحة السهلة دائماً والتي يمكن فهمها بسرعة ، وفي مقامنا لو طرحنا المسألة بهذا الشكل فنقول:- ( مسألة:- لا يجوز للمكلف أن ينشئ إحراماً جديداً قبل أن ينتهي من إحرامه السابق بكامل أفعالة ومتطلباته كما هو الحال في الصلاة فان من يصلي لا يجوز له أن ينشئ صلاةً في داخلها ) ثم نقول ( وعلى هذا الأساس قبل أن يكمل الحاج أفعال الحج لا يجوز له أن يحرم إحراماً جديداً للعمرة المفردة وهكذا قلنا في عمرة التمتع بأنه لا يجو له أن ينشئ إحراماً جديداً للعمرة المفردة أو للحج ) ومن الغريب أن القدماء طرحوا المسألة بهذا الشكل الذي ذكرته بل إن شيخه النائيني(قده) طرحها بهذا الشكل فلماذا عدل هو (قده) عنها وأخذ بما ذكره.
والثانية:- من المناسب أن نعقد عنوانين عنوان الإحرام وتفاصيله وعنوان أحكام الإحرام ، أما نفس الإحرام وما هو فقد تقدم هذا سابقاً عند بيان أفعال عمرة التمتع وإذا بقيت هناك أحكام من قبيل هذا الحكم الذي ذكره فإنه حكم من أحكام الإحرام لا أنه يرتبط بحقيقة الإحرام فمن المناسب ذكره تحت عنوان أحكام الإحرام ، يعني بعبارة ثانية أنه كان من المناسب له حينما قال ( الواجب الأول هو الإحرام ) أن يقول هكذا ( أما حقيقته وواقعه فقد تقدم وأما أحكامه فهذه ).
عودة إلى صلب الموضوع :- قلنا أنه لا يجوز إنشاء إحرام داخل إحرام وهذا له موردان:-
المورد الأول:- أن ينشئ المكلف إحراماً جديداً لعمرة مفردة قبل أن يكمل حجّه ، وهكذا لا يجوز للمعتمر بعمرة التمتع إنشاء إحرام جديد قبل أن يكملها - أي قبل أن يقصِّر أو يطوف -.
المورد الثاني:- لا يجوز انشاء عمرة مفردة تتخلل بين عمرة التمتع وحج التمتع - أي أن هذه الفترة المتخللة لا يجوز انشاء عمرة مفردة فيها - والمسوغ لإدخال هذا المورد تحت هذا العنوان هو أن عمرة التمتع مع حج التمتع هما واحد فبذا الاعتبار ساغ لنا ذكرها في هذا المورد.
ولنبحث أوّلاً المورد الأول:-
المورد الأول:- لا يجوز قبل الفراغ من أعمال الحج إنشاء إحرام العمرة المفردة وأيضاً لا يجوز قبل إكمال عمرة التمتع إنشاء احرام لعمرة مفردة ، والظاهر أن المسألة اتفاقية من هذه الناحية ، قال في المدارك ( إن ظاهر العلامة في المنتهى أنه موضع وفاق بين الأصحاب وتدل عليه الأخبار الكثيرة الواردة في بيان حج التمتع حيث يذكر فيها التقصير والإحلال من إحرام العمرة ثم الإهلال بإحرام الحج فيكون الإحرام قبل التقصير تشريعاً محرَّماً )
[1]
، وقال في الجواهر ( بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافاً إلى النصوص المشتملة على كيفية حج التمتع المصرحة بأن إهلال الحج بعد التقصير المحلّل لإحرام العمرة ....)
[2]
، إذن المسألة من حيث الفتوى اتفاقية وإنما الكلام في الدليل على ذلك.
ومن جملة ما استدل به السيد الخوئي(قده) هذين الدليلين:-
الدليل الأول:- إن ذلك لو كان جائزاً لوقع مرة أو مرتين على الأقل من الأصحاب والحال أنه لم ينقل عن أحدهم أنه صنع ذلك ولكان أيضاً مورداً للسؤال والحال أنهم لم يسألوا عنه فيظهر من ذلك أن عدم جوازه أمر واضح.
الدليل الثاني:- إن من الأشياء الثابتة هي أن من أنهى عمرة التمتع لا يجوز له الخروج من مكة ، وعلى هذا الأساس نقول:- إن من أراد أن ينشئ إحراماً جديداً قبل أن يكمل عمرة التمتع سوف يحتاج إلى الخروج من مكة لأجل إحرام العمرة المفردة والمفروض أنه لا يجوز . إذن هذا الدليل الذي يدل على عدم جواز الخروج بعد عمرة التمتع هو يدل بالدلالة الالتزامية على عدم جواز إنشاء إحرام قبل إكمال الإحرام الأوّل.
[1] المدارك 7 280.
[2] الجواهر 18 250.