37/06/11
تحمیل
الموضوع:- المقدمات المفوّتة - الواجب المعلق والواجب المنجّز- تقسيمات الواجب - مقدمة الواجب.
وأمّا الحالة الثانية:- أعني الشك في توجه تكليفٍ الزاميٍّ إلى المكلّف البالغ كما لو فرضنا أنا رأينا الهلال فنحتمل أنّ الدعاء واجب فهل اللازم أن نتعلّم أنّ الدعاء واجب أو لا أو أننا نجري أصل البراءة رأساً من دون فحص ؟ ، أو مثل أن أحلق لحيتي فأحتمل أنه حرام فهل يلزم السؤال والفحص أو أجري أصل البراءة رأساً ، وهكذا مثل أن أريد التدخين فهل يلزمني الفحص ، ولكن أفترض أنّ الشبه حكمية وليست موضوعية ، يعني أنّ المشتبه والمشكوك هو الحكم الكلّي وليس الحكم الجزئي ، فليس أنا بالخصوص أشك في حقّ نفسي بل أشك في أصل حلق اللحية أنه حرام أو لا ، والدعاء عند رؤية الهلال واجبٌ أو لا ... وهكذا ، فهذه شبهات حكمية كلّية ، فأحتمل أنه يوجد حكمٌ كلّي متوجّه إليَّ من جوبٍ أو حرمةٍ ، فهل الفحص لازمٌ أو ليس بلازم فالتفت إلى ذلك.
وواضحٌ أن المكلف تارة يكون مقلداً ، وأخرى يكون مجتهداً ، فإن كان مقلداً فهل يتمكن أن لا يراجع المجتهد ويجري أصل البراءة مثلاً كما يجريه في الشبهات الموضوعية فإن له الحق في ذلك ؟ ، وإن كان مجتهداً فهل يجوز له إجراء أصل البراءة من دون أن يراجع الأدلة ويفحص في الكتاب والسنة ظ
فالخلاصة أنّه من شك في توجّه تكليفٍ فعليّ إليه الآن - لأن رؤية الهلال هي الآن وحلق اللحية هو الآن - فهنا الشبهة تكون حكميّة وبالتالي هل يجوز إجراء أصل البراءة أو لا ؟
والجواب:- إنّ مقتضى إطلاق دليل البراءة جواز إجراء البراءة ، ولكن هذا الاطلاق لا نعمل به في الشبهات الحكمية من ناحية الفحص - يعني أريد أن أطبقه من دون فحصٍ - ، نعم لو فحصت ولم أجد شيئاً فيمكنني التمسك بأصل البراءة ، أما قبل الفحص فلا يجوز إجراء البراءة في الشبهات الحكمية.
إذن الشبهات الحكمية خرجت من هذا الاطلاق والباقي تحت الاطلاق هو الشبهات الموضوعية ، ففي الموضوعية لا مشكلة في إجراء أصل البراءة قبل الفحص ، وأما في الشبهات الحكمية فلا يمكن أن تجريه قبل الفحص لوجود مخصّصٍ لهذا الاطلاق ، أما في غير الشبهات الحكمية فحيث لا مخصّص فيبقى تحت الاطلاق.
إذن الباقي تحت هذه العمومات والاطلاقات هو الشبهة الموضوعية قبل الفحص وبعده وكذلك الشبهة الحكمية بعد الفحص ، أما قبل الفحص فلا ، والدليل الذي أخرج حالة ما قبل الفحص في الشبهة الحكمية من هذا الاطلاق هو الاجماع والنصوص.
أمّا الاجماع فهو مسلّم ، ونستطيع أن نثبته ببيان:- أنه لو كانت البراءة تجري قبل الفحص فلماذا يكتب العلماء رسالة عملية أو أنّ الشيخ الكليني والصدوق وغيرهم جمعوا الروايات ؟! بل كان عليهم أن يقولوا قولاً واحداً وهو أنه دع الناس على غفلاتها وجهلها ، فكلّما شكّوا في شيءٍ يطبقون أصل البراءة ولا يلزم التعلّم للأحكام الشرعيّة ، وهل تحتمل أن فقيهاً يقول بذلك - يعني نختزل كلّ الشريعة الإسلامية في حكمٍ واحدٍ وهو أن كلّ شيءٍ مادام مشكوكاً ولو قبل الفحص فنحن نجري عنه البراءة - ؟!! إن هذا كلام مرفوض. فإذن المسألة اجماعية.
وقد يقول قائل:- لا تقل إنّ هذا اجماعٌ أو تسالمٌ ، بل قل هو ضرورة أو بداهة.
قلت:- إنه لا توجد منافاة ، فلتقبل أنه ضرورة ، كما أنه يوجد اتفاق فقهي على ذلك أيضاً.
إذن هذه القضية مسلّمة ولا ينبغي التشكيك فيها بل جعلناها ضرورية وإلا يلزم اختزال الشريعة الاسلامية في حكمٍ واحد ولا نحتمل أن خاتمة الشرائع مختصرة في حكمٍ واحد.
فائدة:- أقول إنّ التي تخرج قبل الفحص هي الشبهة الحكمية فقط لأنّ ما ذكرناه يأتي في الشبهة الحكمية قبل الفحص أمّا في الموضوعية قبل الفحص فلا يأتي ، ففي الموضوعية لا بأس أن نلتزم بأن الخمر حرام ، أما أنّ هذا خمر أو لا فنقول لك يجوز لك أن تجري البراءة هنا ، وهذا لا بأس بالالتزام به ولا يلزم اختزال الشريعة في حكمٍ واحدٍ وليس مخالفاً لإجماع الفقهاء ولا غير ذلك ، فبقاءه تحت الاطلاق وجيهٌ جداً ، فنتمسّك بالإطلاق بلحاظه.
أما المحذور الذي يلزم اختزال الشريعة في حكمٍ واحدٍ أو أن أيّ فقيه لا يحتمل أن يقول به فهو يأتي في الشبهات الحكمية.
إذن قال الفقهاء أن الفحص في الشبهات الموضوعية ليس بلازم تمسكاً بإطلاق دليل البراءة - من ( رفع عن أمتي ) و ( ما حجب الله علمه عن العباد ) و ( كل شيء لك حلال ) - فهو يشمل ما قبل الفحص ، أمّا في الشبهات الحكمية فنسلّم أن الاطلاق موجودٌ ولكن هذا الاطلاق له مقيّدٌ وهو الإجماع والضرورة كما قلنا.
الثاني:- النصوص ، وهي:-
من قبيل:- قوله تعالى:- ﴿ فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ﴾[1] ، فيقال إنّ هذه الآية الكريمة أوجبت التفقّه حيث قالت ( فلولا نفر ) فـ ( لولا ) تدلّ على التحضيض والتحضيض هو الطلب بشدّة ، وكذلك قوله تعالى ( ولينذروا ) فهي فيها لام الطلب ، وعلى أي حال لا نحتاج إلى هذه المصطلحات بل من يقرأ الآية الكريمة يفهم منها الوجوب.
فإذن هي تدلّ على الوجوب ، فلو كان التعلّم ليس بواجبٍ ويجوز إجراء أصل البراءة قبل التعلّم فالأمر بالتفقه يصير عبثاً ، فالأمر بالتفقه يدلّ على أنّ التعلّم شيءٌ لازمٌ.
وواضحٌ هذا مختصّ بالشبهات الحكمية ولا يعمّ الشبهات الموضوعية ، فإنّ التفقّه لا يصير في أنّ هذا خمر أو ماء ، بل التفقه يصير بالحكم الكلّي وأن الخمر حرامٌ أمّا أن هذا خمر أو خلّ فهذا معرفةُ موضوعاتٍ وليس تفقّهاً ، فالآية الكريمة خاصة إذن بالشبهات الحكمية ، ودلالتها واضحة على المطلوب.
ومن قبيل:- بعض النصوص الدالة على توبيخ الجاهل يوم القيامة منها:-
الرواية الأولى:- رواية الشيخ المفيد(قده) في مجالسه عن ابن قولويه عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن هارون عن ابن زياد قال:- ( سمعت جعفر بن محمد عليه السلام وقد سئل عن قوله تعالى " فلله الحجة البالغة " فقال:- إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة أكنت عالماً ؟ فإن قال نعم قال له أفلا عملت بما علمت ؟!! وإن قال كنت جاهلاً ، قال له أفلا تعلّمت حتى تعمل ؟!! فيخصمه وذلك الحجة البالغة )[2] .
ودلالتها على التوبيخ واضحة ، وثبوت التوبيخ يدلّ على وجوب التعلّم ، مضافاً إلى أنّ الحديث قال ( هلا تعلمت ) فنفس التوبيخ بقوله ( هلا تعلمت ) يدلّ على أنّ التعلّم لازم.
كما أنَّ السند معتبر أيضاً ، فالمفيد هو مفخرة الطائفة ، وأما ابن قولويه فهو استاذه جعفر بن محمد بن قولويه ، وأما محمد الحميري فهو محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري وهو من أجلة أصحابنا ، وأما أبيه فهو ثقة أيضاً ، وأما هارون فهو ابن مسلم بن سعدان وهو من ثقاة أصحابنا ، وأما ابن زياد فهو مسعدة بن زياد الربعي وهو ثقة ، وأما هارون فهو ثقة أيضاً.