37/11/24


تحمیل

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/11/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: خــتــام

الى هنا قد تبين ان المكلف اذا علم ان ذمته اما مشغولة بالخمس او بالزكاة وحيث انه اذا كان خمسا فهو ملك لجهة واذا كان زكاة فهو ملك لجهة اخرى ، فمن أجل ذلك يكون هذا العلم الاجمالي منجزا ، اما اذا كان متساويين فلا شبهة في التنجيز ، واما اذا كانا من الاقل والاكثر بان يعلم ان في ذمته خمسين دينارا من الخمس او ستين دينارا من الزكاة فالعلم الاجمالي يكون بين الاقل والاكثر وذكرنا انه منجز ولا يمكن جريان الاصول المؤمنة في كلا طرفيه.

قد يقال:- كما ذكر جماعة بانه ينحل انحلالاً حكميا لا حقيقاً ، وذلك بان يقال ان اصالة عدم اشتغال ذمته بالزيادة تجري في المقام ، فان المكلف يعلم اجمالا ان خمسين دينارا في ذمته وهو مردد بين الخمس والزكاة ، واما الزائد فهو مشكوك فلا مانع من الرجوع الى اصالة عدم اشتغال الذمة بالزائد وبذلك ينحل العلم الاجمالي حكما لا حقيقة.

ولكن ذكرنا ان هذا الاصل ايضا معارض ، فان الاكثر اذا قسم الى فئتين[1] فالأصل المؤمن في كل من الفئتين[2] معارض مع الاصل المؤمن في الاقل[3] فتسقط الجميع عن الحجية من جهة المعارضة على تفصيل تقدم.

وذكر السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) على ما في تقرير بحثه ان هذا العلم الاجمالي بين الاقل والاكثر ينحل بعلم اجمالي آخر وهو العلم الاجمالي بين الاقل فانه لا ندري ان الاقل ملك للإمام (عليه السلام) والسادة الفقراء او ملك للفقراء العامي ، وهذا العلم الاجمالي بين الاقلين منجز فاذا تنجز فلا محالة يجب عليه اعطاء خمسين دينار للإمام (عليه السلام) مع فقراء السادة وخمسين دينارا لفقراء العوام وبذلك ينحل العلم الاجمالي بين الاقل والاكثر ـــ أي بين خمسين دينارا وبين ستين ـــ بواسطة هذا العلم الاجمالي الثاني الذي عبر عنه بالعلم الاجمالي الصغير.

والجواب عنه:- الظاهر ان الامر ليس كذلك ، فان العلم الاجمالي الصغير وان كان منجزا ويجب على المكلف ان يعمل بالاحتياط بان يدفع خمسين دينارا للإمام (عليه السلام) وخمسين دينارا لفقراء العامي او وكيلهم او الحاكم الشرعي وبذلك ينتفي موضوع العلم الاجمالي الاول وهو العلم الاجمالي بين الاقل والاكثر ولا يبقى له موضوع ، الا ان هذا غير انحلال العلم الاجمالي فان انحلال العلم الاجمالي عبارة عن انقلاب العلم الاجمالي الى علم تفصيلي وشك بدوي كما اذا علم اجمالا بنجاسة احد الانائين ثم علم ان النجس هو الاناء الشرقي فهذا العلم الاجمالي ينحل الى علم تفصيلي بنجاسة الاناء الشرقي وشك بدوي في نجاسة الاناء الغربي هذا هو معنى الانحلال.

أما اذا فرضنا ان المكلف اهرق كلا الانائين واتلف ماء كلا الانائين فالعلم الاجمالي باقٍ على حاله ولا ينحل لأنه فعلا العلم الاجمالي موجود في أفق نفسه أي اما هذا الاناء نجس او هذا الاناء حتى لو لم يترتب عليه اثر عملي باعتبار ان الموضوع ينتفي ، الا ان العلم الاجمالي لا ينحل وهو باق ولا مانع من ترتيب الاثر اذا تحقق الموضوع ، وما نحن فيه كذلك فان العلم الاجمالي الصغير اذا كان منجزا فهو يوجب انتفاء موضوع العلم الاجمالي بين الاقل والاكثر فلا يبقى موضوع للعلم الاجمالي الكبير ، اما انحلال هذا العلم فلا ، لان هذا العلم الاجمالي موجود فعلا بين الاقل والاكثر ولا ينحل.

اذن انتفاء الموضوع وعدم امكان تطبيق المعلوم بالإجمال على الخارج شيء وانحلال العلم الاجمالي الى علم تفصيلي وشك بدوي شيء اخر.

ومن ناحية اخرى ان الخمس والزكاة تارة يكونان من جنس واحد ، واخرى يكونان من جنسين مختلفين.

الصورة الاولى:- ما اذا كان الخمس والزكاة من جنس واحد ، كما لو كان كلاهما من الحنطة او كلاهما من الذهب ، فان كانا متساويين كما اذا علم ان ذمته مشغولة بعشرة أمنان اما من الزكاة او من الخمس ففي مثل ذلك لا شبهة في تنجيز العلم الاجمالي

واما اذا كان العلم الاجمالي بين الاقل والاكثر كما اذا علم اجمالا ان ذمته اما مشغولة بعشرة دنانير زكاة او بعشرين دينار خمسا فالعلم الاجمالي هنا بين الاقل والاكثر وايضا هذا العلم الاجمالي منجز على ما تقدم ، ولا يكون منحلا لا بانحلال حقيقي ولا بانحلال حكمي.

الصورة الثانية:- ما اذا كان الخمس والزكاة من جنسين مختلفين ، كما انه لو كان ما في ذمته زكاة فهي حنطة ولو كان ما في ذمته خمسا فهو شاة ، فهو يعلم اجمالا ان ذمته مشغولة اما بالحنطة زكاة او بالشاة خمسا ، فحينئذ ايضا لا شبهة ان العلم الاجمالي منجز ويجب عليه الاحتياط بان يدفع الحنطة للفقراء العامي والشاة للإمام (عليه السلام) مع فقراء السادة.

وكذا اذا كان يعلم اجمالا ان ذمته اما مشغولة بالابل زكاة او مشغولة بالشاة خمسا فلا شبهة في تنجيز العلم الاجمالي ، وسيما على مسلكنا من انه لا يجوز تبديل الزكاة بجنس اخر حتى بالقيمة ولابد ان يدفع من نفس الزكاة الى الفقير ومن نفس الخمسة الى الامام (عليه السلام) والسادة الفقراء.

وكذا الحال على المشهور منهم السيد الماتن (قدس الله نفسه) فان السيد الماتن يرى جواز اعطاء الحنطة او جواز اعطاء بدل الحنطة من النقود او من اعيان اخر ، وعلى المشهور الذي هو في ذمة المالك هو الجامع بين الحنطة والنقود وسائر الاعيان فالجامع في الحقيقة هو الواجب على المالك دفع احد مصاديقه في الخارج ، وعلى هذا فأيضا الامر كذلك فان العلم الاجمالي منجز ويجب عليه الاحتياط.

النتيجة ان العلم الاجمالي بين الاقل والاكثر الاستقلاليين اذا كان في موضوع واحد او في مالك واحد لا شبهة في انحلاله انحلالا حقيقا كما اذا علم بانه مديون من زيد ولكن لا يدري بانه مديون دينار او دينارين فلا شبهة في انحلال هذا العلم الاجمالي حقيقة الى علم تفصيلي باشتغال ذمته بالدينار وشك بدوي بالدينار اخر وحينئذ لا مانع من الرجوع الى اصالة عدم اشتغال ذمته بالدينار الثاني.

واما اذا كانا مالكين كما اذا علم اجمالا باشتغال ذمته وانه مديون ولكن اما من زيد او من عمر فان كان مديونا من زيد فهو دينار وان كان مديون من عمر فهو دينارين فلا شبهة في ان العلم الاجمالي منجز ويجب عليه الاحتياط فان العلم الاجمالي وان كان دائراً بين الاقل والاكثر الا انه في الحقيقة من دوران الامر بين المتباينين بحسب تباين المالكين فلا شبهة في تنجيز العلم الاجمالي وما نحن فيه كذلك.

هذا تمام كلامنا في هذه المسالة

قال السيد الماتن (قدس الله نفسه): ((السابعة: إذا علم إجمالا أن حنطته بلغت النصاب أو شعيره ولم يتمكن من التعيين فالظاهر وجوب الاحتياط بإخراجهما إلا إذا أخرج بالقيمة فإنه يكفيه إخراج قيمة أقلهما قيمة على إشكال لأن الواجب أولا هو العين ومردد بينهما إذا كانا موجودين، بل في صورة التلف أيضا، لأنهما مثليان، وإذا علم أن عليه إما زكاة خمس من الإبل، أو زكاة أربعين شاة يكفيه إخراج شاة، وإذا علم أن عليه إما زكاة ثلاثين بقرة أو أربعين شاة وجب الاحتياط إلا مع التلف ، فإنه يكفيه قيمة شاة وكذا الكلام في نظائر المذكورات))[4] .

يأتي الكلام فيها ان شاء الله تعالى.

 


[1] - الفئة الاولى هي الخمسين والفئة الثانية هي العشرة.
[2] - اصالة عدم اشتغال الذمة بالخمسين (الزكاة) واصالة عدم اشتغال الذمة بالعشر (الزكاة).
[3] - وهي اصالة عدم اشتغال الذمة بالخمسين (الخمس).