34-08-07


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/08/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسالة ( 383 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة ( 383 ):- لا يجزئ هدي واحد إلا عن شخص واحد.
 هذه المسألة يوجد ما يرتبط بها في مسألة ( 396 ) حيث إن نصّ المسألة الثانية هكذا:- ( إذا لم يتمكن من الهدي باستقلاله ويمكن من الشركة فيه مع الغير فالأحوط الجمع بين الشركة في الهدي والصوم على الترتيب المذكور ) وكان من المناسب فنيّاً ذكرهما في مسألة واحدة وذلك بأن يقول هكذا:- ( لا يجزئ هدي واحد إلا عن شخص واحد في حالة التمكن وأما إذا لم يتمكن من الهدي .... ) وهو شيء واضح والأمر سهل.
 أما بالنسبة إلى هذه المسألة فقد وقع الكلام بين الفقهاء:-
 قال المحقق في الشرائع:- ( ولا يجزئ واحد في الواجب إلا عن واحد وقيل يجزي مع الضرورة عن خمسة وعن سبعة إذا كان أهل خوان واحد والأول أشبه ) ، وقال في المدارك:- ( اختلف الأصحاب في هذه المسألة .... والمسألة محلّ تردد وإن كان القول بإجزاء البقرة عن خمسة كما تضمنته رواية معاوية بن عمار المتقدمة غير بعيد ) [1] . إذن المسألة من هذه الناحية محلّ خلاف بين الأصحاب ومنشأ هذا الخلاف هو اختلاف الروايات فتوجد طائفة تدل على أنه لا يجزي الهدي الواحد إلا عن واحد ولعله يدخل تحت هذا العنوان ثلاث رايات صحيحة وفي المقابل هناك طائفة أخرى تدل على جواز الاشتراك في البقرة أو البدنة - ولا توجد رواية في الشاة - إما في حالة كونهم أهل خوان واحد أو في حالة الضرورة والحاجة ونحو ذلك ولعله يدخل في ذلك روايات متعددة أهمها أربع روايات.
 أما الطائفة الأولى فهي ثلاث روايات:-
 الأولى:- صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:- ( لا تجوز البدنة والبقرة إلا عن واحد بمنى ) [2] ، وقيل بأنه في التهذيب والاستبصار إما في جميع النسخ أو بعضها لا توجد كلمة ( البدنة والبقرة ) بل توجد كلمة ( البقرة ) فقط فتكون العبارة هكذا ( ولا تجزي البقرة إلا عن واحد في منى ).
 الثانية:- صحيحة الحلبي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النفر تجزيهم البقرة ؟ قال:- أما في الهدي فلا وأما في الأضحى فنعم ) [3] .
 الثالثة:- صحيحة الحلبي الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا تجزئ البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة ولا تجزئ بمنى إلا عن واحد ) [4] وواضح أن المهم هو قوله عليه السلام ( ولا تجزئ بمنى إلا عن واحد ) بناءً على حمل منى على الكناية عن الهدي الواجب - يعني ولا يجزئ في الهدي الواجب إلا عن واحد -.
 وأما روايات الطائفة الثانية فهي:-
 الأولى:- صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( تجزئ البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد ) [5] . إذن هذه جوّزت ذبح البقرة بمنى عن خمسة - يعني في الهدي - لكن بشرط إذا كانوا أهل خوانٍ واحد.
 الثانية:- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج:- ( سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون وهم مترافقون وليسوا بأهل بيت واحد وقد اجتمعوا في مسيرهم ومضربهم واحد ألهم أن يذبحوا بقرة ؟ قال:- لا أحبّ ذلك إلّا من ضرورة ) [6] فإنه بناءً على تفسير فقرة ( لا أحب ) بالكراهة يعني هو جائز ولكن لا أحبه إلا من ضرورة فالرواية سوف تدل على الجواز على كراهية وترتفع الكراهية حالة الضرورة ، وأما إذا فسّرنا عبارة ( لا أحب ) بالجامع الأعم من الكراهة ومن الحرمة فحينئذ هي لا تدلّ على الكراهة وإنما تدلّ على الجامع فتلتئم حينئذ مع الطائفة الأولى التي دلت على عدم إجزاء الهدي الواحد إلا عن واحد فإنه نحمل عبارة ( لا أحب ) على الحرمة بقرينة تلك الطائفة الأولى . إذن هذا نأخذه بعين الاعتبار.
 الثالثة:- صحيحة حمران قال:- ( عزت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار فسئل أبو جعفر عليه السلام عن ذلك ، فقال:- اشتركوا فيها ، قال:- قلت:- كم ؟ قال:- ما خفَّ فهو أفضل ، فقلت:- عن كم تجزي ؟ فقال:- عن سبعين ) [7] أي كناية عن كثرة العدد .
 والظاهر أن كلّ هذه الروايات الثلاثة صحيحة.
 الرابعة:- عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير [8] عن حفص بن قرعة عن زيد بن الجهم:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- متمتع لم يجد هدياً فقال أما كان معه درهم يأتي به قومه فيقول أشركوني بهذا الدرهم ) [9] ، وميزة هذه الرواية عمّا سبقها هو أنها أخذت عنوان الهدي الذي يمكن أن يكون شاملاً حتى للشاة بينما الروايات الأخرى فهي مختصّة بالبدنة أو البقرة أو بهما ولم تأخذ عنواناً عاماً أما هذه فتشتمل على عنوان عام وتدل على السعة وأنه إذا لم يكن عندك سوى درهم فأعطه واشترك به مع جماعة ولكن موردها هو الفقير الذي ليس عنده ما يشتري به هدياً كاملاً ، ولكن السند ضعيف باعتبار أن حفص وزيد لم يوثقا وإذا أمكن توثيق حفص من خلال ابن أبي عمير بناءً على تماميّة كبرى وثاقة كل من روى عنه أحد الثلاثة فهذا ينفع في حفص ولا ينفع بالنسبة إلى زيد .
 وبعد معرفة روايات المسألة نسأل ونقول:- ما هو الموقف حينئذٍ ؟
 والجواب:- قد يخطر إلى الذهن العلاج التالي وحاصله أن يقال:- إن الطائفة الأولى ظاهرة في عدم جواز اشتراك أكثر من واحدٍ في هديٍ واحدٍ وليست صريحة في المنع بينما الطائفة الثانية هي صريحة في الجواز وكلما اجتمع صريح وظاهر أوّل الظاهر لحساب الصريح ، أما أن الأولى ظاهرة في المنع وليست صريحة بذلك فباعتبار أن صحيحة الحلبي مثلاً - التي هي الرواية الثانية من الروايات الثلاث للطائفة الأولى قالت:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النفر تجزيهم البقرة ؟ قال:- أما في الهدي فلا ) وكلمة ( لا ) ليست صريحة في الحرمة وإنما هي ظاهرة في عدم الجواز بينما روايات الطائفة الثانية تشتمل على الصريح في الجواز من قبيل صحيحة معاوية - التي هي الرواية الأولى من روايات الطائفة الثانية - حيث جاء فيها:- ( تجزئ البقرة عن خمسة ) ومن الواضح أن تعبير ( تجزئ ) صريح في الجواز . إذن لأجل صراحة الطائفة الثانية في الجواز نحمل الطائفة الأولى على الكراهية - أي الجواز مع كراهية.
 وهذا وجيه لو فرض أنّا كنّا نحن ومثل هاتين الروايتين فلو انحصر الأمر بهما فهذا وجيه فتلك ظاهرة في المنع وهذه صريحة في الجواز فنؤول تلك الظاهرة لحساب الصريحة ولكن يوجد في روايات الطائفة الأولى ما هو صريح في عدم الجواز من قبيل الصحيحة الاولى - أعني صحيحة محمد بن مسلم حيث قالت:- ( لا تجوز البدنة أو البقرة إلا عن واحد بمنى ) والتعبير بفقرة ( لا تجوز ) يمكن أن يدعى بأنه صريح بعدم الجواز ، وهكذا في الصحيحة الثالثة حيث جاء فيها:- ( ولا تجزئ بمنى إلا عن واحد ) وهذا صريح في عدم الجواز . إذن نحن حينما نريد أن نجمع بين الطائفتين لا ينبغي أن نقصر النظر على رواية واحدة من هذه الطائفة ورواية واحدة من تلك الطائفة ونجمع بينهما بالجمع الممكن بل لابد من ملاحظة بقيّة الروايات أيضاً فلعل بقيّة الروايات لا تقبل مثل ذلك كما لاحظنا هنا ، وهذه قضيّة مهمة قد يُغفَل عنها أحياناً.
 وربما يقال هناك جمع آخر:- وهو الجمع بالتخصيص بأن يقال إن الطائفة الأولى مطلقة والثانية مقيّدة بما إذا كانوا أهل خوانٍ واحدٍ فلاحظ الرواية الأولى من الطائفة الأولى حيث جاء فيها:- ( لا تجوز البدنة والبقرة إلا عن واحدٍ بمنى ) فإنها مطلقة من حيث كونهم أهل خوانٍ واحدٍ أو لا وهكذا بالنسبة إلى بقيّة روايات هذه الطائفة فإنها مطلقة من هذه الناحية بينما الطائفة الثانية هي تجوّز بشرط أن يكونوا من أهل خوانٍ واحدٍ حيث قالت صحيحة معاوية بن عمار مثلاً والتي هي الرواية الأولى من روايات الطائفة الثانية:- ( تجزئ البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوانٍ واحد ) . إذن هذه خاصّة بشرط أن يكون من أهل خوانٍ واحد وتلك مطلقة وعلى الأساس سوف تكون الطائفة الثانية مقيدة الطائفة الأولى وتصير النتيجة هي أن البقرة يجوز أن يشترك فيها جماعة في باب الهدي شريطة أن يكونوا أهل خوانٍ واحد وأما إذا لم يكونوا كذلك فلا يجوز.
 وفيه:- إنا لو لاحظنا النسبة بين بعض روايات هذه الطائفة وبعض روايات تلك الطائفة لرأيناها هي العموم من وجه لا العموم والخصوص المطلق فمثلاً الرواية الثانية من روايات الطائفة الأولى - أعني صحيحة الحلبي الأولى - جاء فيها هكذا:-( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النفر تجزيهم البقرة ؟ قال:- أما في الهدي فلا وأما في الأضحى فنعم ) إنها خاصة بالهدي وعامّة من جهة كونهم أهل خوانٍ واحد أو لا . إذن جهة الخصوص هي كونها واردة في خصوص الهدي وجهة العموم هي أنهم سواء كانوا أهل خوانٍ واحد أو لا ، بينما إذا نظرنا إلى الرواية الأولى من روايات الطائفة الثانية - أعني صحيحة معاوية بن عمار - التي تقول:- ( تجزئ البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا هل خوانٍ واحد ) نجدها خاصة بما إذا كانوا أهل خوانٍ واحد وعامّة من جهة كون الحيوان هدياً أو غير هدي فإنه لم يذكر فيها الهدي فهي مطلقة من حيث الهدي وغير الهدي وخاصة من حيث كونهم أهل خوانٍ واحد ومادة المعارضة هي الهدي لأهل خوانٍ واحدٍ فإنهما يتعارضان فيها فصحيحة محمد بن مسلم - التي هي الصحيحة الأولى من الطائفة الأولى - تدل على عدم الإجزاء بينما صحيحة معاوية بن عمار تدل على الإجزاء وعلى هذا الأساس فالنسبة بين تلك الطائفة وبين ورايات هذه الطائفة ليست هي العموم والخصوص المطلق بلحاظ جميعها بل بلحاظ بعضٍ من هذه الطائفة وبلحاظ بعضٍ من تلك الطائفة هي نسبة العموم والخصوص من وجه . إذن بقيت المعارضة على حالها فكيف الحلّ ؟


[1] المدارك، الموسوي العاملي، ج8، ص20.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص117، ب18 من أبواب الذبح، ح1، آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص117، ب18 من أبواب الذبح، ح3، آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص118، ب18 من أبواب الذبح، ح4، آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص118، ب18 من أبواب الذبح، ح5، آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص119، ب18 من أبواب الذبح، ح10، آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص120، ب18 من أبواب الذبح، ح11، آل البيت.
[8] من خلال السند نعرف أن الراوي لها هو الشيخ الكليني أو الشيخ الطوسي عن الكليني إذ نعرف ذلك من خلال الممارسة.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص120، ب18 من أبواب الذبح، ح13، آل البيت.