1440/05/23


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/05/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 62 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

وللتوضيح أكثر نقول:- إنه ذكر في بداية حديثه أنه لا يعتبر كلا العجزين ، وهذا بحسب النصوص والفتاوى لا بحسب المفهوم العرفي اللغوي ، والنكتة في ذلك هو أن يقال: إنه أما من حيث فالفتاوى فهي مطلقة ، فهي تقول ( عند الاكراه ) ولا تقيّد بالعجز عن التورية أو بالعجز عن غير التورية ، أما من حيث النصوص فلو رجعنا إليها فمن البعيد حملها على حالة العجز عن التورية ، وهذه دعوى من الشيخ(قده) ، وسنذكر بعض النصوص لإثبات هذه الدعوى.

ثم ذكر شيئاً ثانياً وقال:- إنه بقطع النظر عن الفتاوى عرفاً لا يتوقف صدق الاكراه على العجز عن التورية.

وهذه قضية عرفية ، فليس من البعيد أنَّ الأمر كما يقول ، ولكن قوله ( إنه بحسب النصوص من البعيد حملها على حالة العجز عن التورية ) فهذا يحتاج إلى اثبات ، فانتظر قليلاً.

ثم قال:- بل يظهر من بعض النصوص أنَّ العجز عن غير التورية ليس بمعتبر أيضاً.

وسوف نذكر هذه النصوص.فإذاً سوف نذكر مجموعة من النصوص من البعيد حملها على حالة العجز عن التورية ، ثم نذكر نصّاً أيضاً لا يعتبر العجز عن غير التورية.أما بالنسبة إلى النصوص التي لا تعتبر العجز عن التورية ومن البعيد حملها على حالة العجز عن التورية فهي:-

الأول:- حديث نفي الاكراه ، فإنه مطلق من ناحية إمكان التورية وعدمها.

الثاني:- رواية السكوني عن أبي عبد اله عليه السلام:- ( كل طلاق جائز ألا طلاق المعتوه[1] أو الصبي أو المبرسم[2] أو مجنون أو مكره )[3] ، فإنَّ حالة التمكن من التورية حالة متعارفة فكان من المناسب للإمام عليه السلام أن يبيّن ذلك لو كان العجز عن النورية مشترطاً.

الثالث:- صحيحة عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:- ( سألته عن طلاق المكره وعتقه ، فقال:- ليس طلاقه بطلاق ولا عتقه بعتق )[4] .

الرابع:- صحيح إسماعيل الجعفي في حديث أنه قال لأبي جعفر عليه السلام:- ( أمرّ بالعشّار فيحلفني بالطلاق والعتاق ؟ قال: احلف له )[5] ، فهذه الصحيحة من البعيد حملها على صورة العجز عن التورية ، لأنَّ حالة التمكن من التورية حالة متعارفة ، فحينما يقول له الامام عليه السلام ( احلف ) يعني أنه لا يلزم أن تورّي.

فما يقوله الشيخ الأعظم(قده) ليس ببعيد ، فالشيخ الأعظم(قده) يقول إنَّ كلّ هذه النصوص التي جوّزت تقيّدها بحالة العجز عن التورية شيء بعيد.

وقد قلنا إنه أضاف إلى جانب ذلك وقال:- إنه عرفاً لا يعتبر في صدق الاكراه العجز عن التورية . وهذا الكلام أيضاً قد يكون قريباً.

هذا من حيث النصوص التي نستفيد منها عدم اعتبار العجز عن التورية.

ثم قال:- بل بعض النصوص يظهر منها أنه حتى العجز عن غير التورية ليس بمعتبر ، وقد ذ كر نصّاً واحداً ، وهو رواية عبد الله بن سنان:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- لا يمين في غضب ولا في قطيعة رحم ولا في جبر ولا في اكراه ، قال: قلت أصلحك الله فما الفرق بين الجبر والاكراه ؟ قال: الجبر من السلطان ويكون الاكراه من الزوجة والأم والأب وليس ذلك بشيء[6] )[7] ، بتقريب:- أنَّ الامام عليه السلام قال الاكراه يكون من الزوجة والام والأب ، ومن الواضح أن الزوجة والأم والأب يمكن التخلّص منهم عادةً بغير التورية ، لأنه لا يخاف منهما ، فأنه لا يوجد عندهم سجن أو غير ذلك ، فالتخلص بغير التورية ممكن وذلك بأن يسافر أو أنه لا يعتني لذلك ، فيظهر من ذلك أنَّ الاكراه يصدق حتى في حالات التمكن من التخلّص بغير التورية.

هذا بالنسبة إلى ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في المرحلة الأولى.

إذاً النتيجة التي ذكرها في بداية كلامه:- أنه لا يعتبر العجز عن التفصّي بالتورية لأجل استبعاد حمل النصوص على حالة العجز ، وهكذا بالنسبة إلى حالة التخلّص بغير التورية من هذا النص - وهو رواة عبد الله بن سنان - يفهم أنه يتحقق الاكراه حتى مع إمكان التخلص بغير التورية كما في الزوجة وغير ذلك ، هكذا ذكر في بداية أمره.

ثم في المرحلة الثانية ذكر أنه يمكن أن يقال باعتبارهما معاً - يعني كلا العجزين - في تحقق مفهوم الاكراه ، فإنَّ صدقه عرفاً موقوف على خوف الضرر - يعني من الخالفة وعدم تطبيق ما اراده المكرِه - ، ومن المعلوم إنَّ خوف الضرر مع التمكن من التخلص بغير التورية بل وبالتورية لا يكون هناك خوف من الضرر.وهذا منه(قده) ليس تمسكاً بالروايات ، وإنما هو حكم على القاعدة ، والمقصود من القاعدة هي الفهم العرفي ، فالعرف يفهم من الاكراه اختصاصه بحالة خوف الضرر عند المخالفة وفي كلتا الحالتين - يعني مع التمكن من التخلص بغير التورية بل وبالتورية فالضرر ليس بموجود - ، فكلا العجزين معتبر في صدق مفهوم الاكراه عرفاً ، لا من الروايات ، بل كمفهوم عرفي.

ثم استدرك وقال:- إنه بالنسبة إلى العجز عن التورية وإن كان بحسب الفهم العرفي كما قلنا يعتبر في صدق الاكراه لأنه مع التمكن من التورية خوف الضرر ليس بموجود ، ولكن من الروايات يمكن أن يفهم أنَّ العجز عن التورية ليس بمعتبر ، لأنه لو كان معتبراً لأشير إليه في الروايات ، فينبّه الامام عليه السلام على أنه إذا كنت تتمكن من التورية فورّي ، فعدم الاشارة إلى هذا يعني أنه لا يعتبر العجز عن التفصّي بالتورية ، فعدم إشارة الامام عليه السلام يمكن أن نستفيد منها ذلك ، خصوصاً ما ورد في قضية عمّار ، فإنه أكره على الكفر وكان يُعمِل التقية والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له ( وإن عادوا فعد ) ولم ينبّهه على قضية التورية ، وإن كان التنبيه ليس بواجب ، ولماذا التنبيه ليس بواجب ؟ إنه إما لأنَّ ما يصدر من عمّار كان مجرّد لقلقة لسان ، وإما من جهة أنه كان غافلاً بأنه يجب عليه أن يورّي والغافل لا يجب عليه ، وهو غافل عن الموضوع وليس عن الحكم ، يعني هو غافل عن أنه عليه التورية ، فهذه غفلة وليست جهلاً ، فإنَّ الجاهل قد يقال بوجوب ارشاده ، أما الغافل كالغافل على أنَّ هذا الشيء نجس مثلاً فلا يلزم تنبيهه ، نعم إذا فرضنا أنه جاهل بالحكم فهنا يلزم تنبيهه ، أما إذا كان غافلاً عن الموضوع فلا يلزم تنبيهه ، فتنبيه عمّار وإن لم يكن واجباً ولكن لشدّة شفقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه لو كان العجز عن التورية معتبراً لنبّهه على ذلك وأنه عليك أن تورّي وأما إذا لم تتمكن من التروية فأعطهم بلسانك ما لم تعطه بقلبك ، فعدم تنبيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدل على أنَّ العجز عن التورية ليس بمعتبر.

ثم في كلامه الثالث قال:- ويمكن أن يقال: إنه بالنسبة إلى العجز بغير التورية نقول هو معتبر موضوعاً فالإكراه لا يصدق ، وأما بالنسبة إلى العجز عن التورية فليس بمعتبر موضوعاً في موضوع الاكراه ، والوجه في ذلك: هو أنه ليس المناط في تحقق الاكراه على خوف الضرر مطلقاً كما كنّا نقول في النقطة الثانية ، وإنما المناط هو خوف الضرر في نظر المكرِه ، فإذا كان المدار على نظر المكرِه فمن الواضح أنه لو أمكن للشخص أن يتخلص بغير التورية كـأن يسافر إلى بلاد أخرى فحينئذٍ في نظر المكرِه ومن زاويته لا يمكن أن يصب الضرر عليه لو انكشف له أن هذا الشخص قد سافر ، فلا يتمكن المكرِه أن يصنع شيئاً ، فعلى هذا الأساس لا يصدق الاكراه ، وهذا بخلافه ما لو أمكن من التخلص بالتورية ، فإنه لو انكشف الأمر وفهم المكرِه ما في قلب المكرَه وأنه ورّى فحينئذٍ سوف يعاقبه ، فيصدق حينئذٍ الاكراه مادام المدار على خوف الضرر من زاوية ومن نظر المكرِه ، فإذاً يصدق الاكراه مع التمكن من التورية ، بخلافه فيما ما إذا أمكن التخلص بغير التورية.

ثم ذكر بعد ذلك مطلباً صغيراً وحاصله:- إنَّ تحقيق حال الاكراه وأنه يعتبر فيه إمكان التخلص بالتورية أو بغيرها هذا كله في الاكراه على المحرّمات كشرب الهمر والكذب وما شاكل ذلك ، وأما في الاكراه على المعاملات فالمدار على طيب النفس ، فمتى ما طابت نفس المكرَه فالمعاملة صحيحة ولا اكراه ، ومتى لم تطب نفسه فالمعاملة باطلة ، فتحقيق حال الاكراه في مجال الاكراه على المعاملات ليس بمهم بعد كون المدار على طيب النفس ، وإنما هذا التحقيق يكون نافعاً فيما لو كان الاكراه اكراهاً على المحرّمات التكليفية.

هذا تلخيص ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) ، وقد منهجناه إلى ثلاث نقاط ، وقد بيناه في المحاضرة السابقة بشكلً مختصر ، أما في هذه المحاضرة فقد أوضحنا كل نقطةٍ منها بشيءٍ من التفصيل ، وإلا فلا توجد مغايرة بينهما سوى أنَّ ما ذكر سابقاً مجمل وهذا تفصيل.

[1] المعتوه هو ناقص العقل ولكن ليس بشكل كامل وإنما بدرجة.
[2] المبرسم هو الذي يهذي وهو درجة مخففة من الجنون.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج22، ص81، أبواب مقدمات الطلاق، ب34، ح3، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج22، ص86، أبواب مقدمات الطلاق، ب37، ح1، وهكذا ح2، ح3، ط آل البيت.
[5] ح3، ط آل البيت.
[6] وليس ذلك بشيء يعني أن اليمين في هذ الموارد ليس بشيء.
[7] وسائل الشيعة، العاملي، ج23، ص235، ابواب اليمين، ب16، ح1، ط آل البيت.