33/07/14


تحمیل
 الموضوع:- مسـألة ( 335 ) / الواجب الرابــــع مـن واجبـات عمـرة التمتـع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني فقد يقال:- ان اللازم أن يمس عَقِبَ الساعي [1] الصفا - هذا من البداية - وحينما يصل إلى المروة يمس مقاديم أصابع القدم المروة وهكذا حينما يرجع لابد وأن ينتهي إلى نفس المكان الذي بدأ منه.
 ومستند ذلك هو أن المطلوب من المكلف هو السعي بين الصفا والمروة - أي لابد من السعي في تمام المسافة - وذلك لا يتحقق إلا بذلك ، يعني بأن يمسّ العقب الصفا - هذا من البداية - ومقاديم البدن تمس المروة في نهاية الشوط وهكذا في بقية الاشواط.
 ويظهر من صاحب الرياض(قده) أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على ذلك - أي الاتفاق على أنه يلزم ذلك تحقيقاً للسعي في هذه المسافة المتخللة بين الصفا والمروة - قال(قده):- ( لولا اتفاق الأصحاب في الظاهر على وجوب الصاق العقب بالصفا والأصابع بالمروة لكان القول بعدم لزوم هذه الدقة والاكتفاء بأقل من ذلك مما يصدق معه السعي بين الصفا والمروة عرفاً وعادةً لا يخلو من قوّة ..... ) [2] .
 والمناسب عدم اعمال هذه الدقة بالشكل المذكور والتعامل مع النص معاملةً عرفيةً ، فإذا قيل لشخص ( سِر في هذا المكان من هذا الجدار إلى ذلك الجدار ) فماذا يفهم العرف ؟ هل يفهم أنه لابد وأن يخلع نعله لأنه يمنع من اصابة أصابع القدم للجدار ؟ كلا ان هذه تدقيقات لا وجه لها . ونفس هذا نقوله بالنسبة إلى السعي بين الصفا والمروة فلا يلزم أن يخلع نعله كي تصيب الأصابع الصفا أو المروة خصوصاً وأنه دلّت الروايات على جواز السعي ماشياً على الدابة وهذه الدقة لا يمكن اعمالها في مثل ذلك.
 وإذا أردنا اعمال الدقة فلماذا العَقِب ؟ بل المناسب جعل المدار على العقب والظهر معاً فيلزم أن يكون الظهر مستقيماً معتدلاً حتى تكون ملاصقة لفضاء الصفا ولا يكفي الملاصقة بالعقب . وكل هذا كما ترى.
 ويمكن أن نقول:- ان الفقيه في مقام الاستنباط يحتاج إلى جملة من الأمور:-
 أحدها:- أن يكون دقيقاً وعالماً وفقيهاً.
 وثانيها:- أنه يحتاج إلى حسن الذوق وأن يكون ذا ذوق عرفي ولا ينسى أو يتناسى ذوقه العرفي ويسير كالمسطرة وراء الصناعة فان ذلك قد يؤدي به إلى نتائج غير محبذة ، ومن أمثال ذلك هذا المقام فانّا إذا أردنا أن نسير وراء الصناعة فالحق كما قيل ولكن في ذلك تناسي للذوق العرفي فالإمام عليه السلام يطرح الروايات والنصوص تطرح نفسها أمام أناس عرفيين لا أمام أهل دقة وما شاكل ذلك ، نعم الدقة مطلوبة ولكن الدقة العرفية لا الدقة الزائدة على العرف ، وهذه قضية مهمة فان الفقيه إذا أعمل الصناعة وترك الذوق العرفي فقد يخرج بنتائج غير محبّذة كالنتيجة التي ذكرت في المقام . وعلى هذا فالمناسب هو قطع المسافة المذكورة بلا حاجة إلى اعمال هذه الدقّة.
 ولو أردنا أن نحتاط ونتحفظ على الدقة في آن واحد من دون أن يورث تعبيرنا وسوسة ويكون تعبيراً مقبولاً عرفاً فيمكن التغلب على هذه المشكلة بأن نعبّر هكذا ( يلزم على المكلف أن يسعى بين الصفا والمروة ويكفيه أن يصعد قليلاً - أي على السفح وهو بداية الارتفاع من البداية وهكذا من النهاية ) وبهذا حافظنا على الاحتياط والدقة من دون أن نثير الوسوسة.
 النقطة الثالثة:- ان الذهاب من الصفا إلى المروة شوط والعود شوط آخر لا أن المجموع شوط واحد ولم ينقل في ذلك خلاف بين أصحابنا كما ذكر صاحب الجواهر(قده) [3] سوى ما ينقل عن بعض العامّة مَن عدّهما شوطاً واحداً.
 ولو فرض أن النصوص كانت مجملة من هذه الناحية ولم يظهر منها هذا ولا ذاك وصرنا إلى الأصل فهو ماذا يقتضي ؟ انه يقتضي كون الذهاب شوطاً والاياب شوطاً آخر فان اشتغال الذمة بما زاد على هذا شيء مشكوك فيحتاج إلى دليل ، إذن القاعدة تقتضي ما عليه الأصحاب.
 مضافاً إلى دلالة بعض الروايات على ذلك كصحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام ( ثم طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ثم قصِّر ) [4] ، بتقريب:- أن الختم بالمروة لا يتحقق إلا إذا عدّ الذهاب شوطاً والاياب شوطاً آخر ، أما لو عدَّ المجموع شوطاً واحداً فالختم لابد وأن يكون على الصفا كما هو واضح.
 ومن ذلك صحيحة هشام بن سالم ( سعيت بين الصفا والمروة أنا وعبيد الله بن راشد فقلت له:- تحفظ عليَّ ، فجعل يعدّ ذاهباً وجائياً شوطاً واحداً فبلغ مثل ذلك ، فقلت له:- كيف تعدّ ؟ قال:- ذاهباً وجائياً شوطاً واحداً فأتممنا أربعة عشر شوطاً فذكرنا لأبي عبد الله عليه السلام فقال:- قد زادوا على ما عليهم ليس عليهم شيء ) [5] .
 النقطة الرابعة:- ان الأحوط هو الموالاة بين الاشواط .
 ومثل هذا التعبير - أعني اعتبار الموالاة - لم يرد في كلمات المتقدمين وإنما المذكور في كلماتهم هو أنه يجوز الجلوس أثناء السعي للاستراحة أو يجوز القطع لقضاء الحاجة وما شاكل ذلك أما أن الموالاة واجبة بين الأشواط فهذا شيء غير مذكور في كلماتهم فلاحظ عبارة الشرائع ( ولا بأس أن يجلس خلال السعي للراحة ) ، وعلّق في الجواهر بقوله ( بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه عليه ) [6] ، وإنما جاء هذا التعبير في كلمات المتأخرين ولا يهمنا ذلك والمهم هو أن القاعدة ماذا تقتضي ؟
 قد يقال:- لا تلزم الموالاة باعتبار دلالة النصوص على جواز الجلوس في الاثناء للراحة أو القطع لأجل الصلاة أو غير ذلك فلو كانت الموالاة لازمة لما جاز ذلك.
 والجواب:- ان هذه موارد خاصة ولعله جاز فيها ترك الموالاة لأجل الحاجة والضرورة فلا يمكن أن نستفيد منها عدم اعتبار المولاة مطلقاً.
 والأجدر التمسك بإطلاق الأدلة بأن يقال:- ان الصحيحة معاوية قالت ( السعي بين الصفا والمروة فريضة ) ، وهكذا الآية الكريمة قالت ( فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوَّف بهما ) ولم تشترط المولاة فنتمسك بالإطلاق ، فاحسن ما نتمسك به هو هذا.
 بيد أن السيد الخوئي(قده) رفض ذلك بثلاثة وجوه:-
 الأول:- ان السعي قد اعتبرت فيه وحدة عرفيّة والوحدة العرفية لا تتحقق بالموالاة نظير الأذان والاقامة والصلاة فانه قد اعتبرت في هذه العناوين وحدة عرفية فلذلك تلزم الموالاة فيها والسعي كذلك.
 أما من أين لك أن الوحدة العرفية قد اعتبرت في السعي ؟ أجاب(قده):- ان الروايات دلت على أن البداية يلزم أن تكون من الصفا والختم يلزم أن يكون بالمروة فان هذا ربما يفهم منه ذلك ، يعني أن المفهوم عرفاً من ذلك هو أن السعي بجميع أشواطه عمل واحد.
 الثاني:- ان الأصحاب سألوا الأئمة عليهم السلام:- هل يجوز الجلوس أثناء السعي ؟ ونفس هذا السؤال يعطي أن المرتكز في أذهان المتشرعة هو الوحدة والّا لما احتاجوا إلى طرح هذا السؤال.
 الثالث:- دعوى الانصراف إلى النحو المتعارف قائلاً ( وبالجملة لا ينبغي الريب في انصراف الإطلاق إلى السعي على النحو المتعارف الخارجي فتعتبر الموالاة بمقدار يصدق كون العمل واحداً ، نعم لا يضر الفصل اليسير ).
 وكل ما ذكره لا يصلح كوجه علمي أو عرفي للتقييد فان ما ذكره أشبه بالكلام الخطابي منه بالكلام العلمي وعليه فالمناسب هو عدم اعتبار الموالاة بين الأشواط . نعم في الشوط الواحد إذا أراد الشخص الجلوس فلا يجوز له وذلك للدليل الخاص ، أعني صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله عليه السلام ( لا يُجلس بين الصفا والمروة إلا من جَهْدٍ ) [7] . إذن في الشوط الواحد دلّ الدليل على عدم جواز الجلوس من دون حاجة إلى الاستراحة.
 أما الجلوس على الصفا أو المروة بعد الانتهاء من الشوط فلا دليل على عدم جوازه وما ذكره السيد الخوئي(قده) من أن الروايات ذكرت أن البداية من الصفا والنهاية بالمروة لو تمت دلالتها على اعتبار الوحدة فهي تدل على اعتبارها في الشوط الواحد فان له بداية وله نهاية ولا تدل على أن كامل السعي هو واحد.
 وأيضاً السؤال من الأئمة عليهم السلام عن جواز الجلوس لو سلمنا بأنه يدل على أن المرتكز هو اعتبار الوحدة - وهو أول الكلام فان المكلف في باب الحج يسأل عن الصغير والكبير فالسؤال لا يدل على مركوزية اعتبار الوحدة - وهذه خصوصية في باب الحج - ولكن لو غضضنا النظر عن ذلك فيكفي مركوزية اعتبار الوحدة في الشوط الواحد لا في السعي بتمامه.
 إذن الموالاة بين الأشواط بحيث يلزم الموالاة بين شوطٍ وشوط لا دليل على اعتباره فيلتزم بالجواز .
 إذن لابد من التفصيل بين عدم الموالاة في الشوط الواحد فلا يجوز لأجل الرواية إلا لحالات خاصة وبين نفس الأشواط فيجوز بلا مانع.


[1] والعقب هو مؤخر الرجل اي مؤخر القدم.
[2] الرياض 7 119.
[3] الجواهر 19 422.
[4] الوسائل 13 481 6 من السعي ح1.
[5] الوسائل 13 488 11 من أبواب السعي ح1.
[6] الجواهر 19 428.
[7] الوسائل 13 502 20 من أبواب السعي ح4.