36/08/06


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 15 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
والجواب:- نعم إنها فكرة وجواب جيّد لولا أنه يواجه مشكلة في خصوص المقام فإنّه عليه السلام عللّ في بعض تلك الروايات حكم جواز البيع بأنّه يجوز حيث باعه في الإبّان الذي يحلّ فيه شربه، يعني هو باعه في الوقت الذي يحلّ فيه أكله أو شربه فإنّه مادام كذلك فيجوز، وهذا يعطينا تعميم الجواز لكلّ موردٍ يكون فيه البيع بيعاً لما هو حلال في وقته ولازم ذلك التخصيص الكثير، يعني يلزم أنّ كثيراً من موارد الاعانة سوف تدخل في هذا الضابط ويجوز حينئذٍ البيع أو الاجارة أو ما شاكل ذلك لأنّ البيع أو الاجارة عادةً يكون في الإبّان الذي يكون فيه الشيء حلالاً غايته هو بعد ذلك يستفيد منه في الحرام فيلزم من ذلك التخصيص الكثير الذي هو مستهجن فبهذا الاعتبار غضضنا النظر عن فكرة التخصيص لهذا المحذور، نعم لو لم تكن الروايات المذكورة قد اشتملت على التعليل المذكور لكنا نصير إلى فكرة التخصيص لكن بعد وجود هذا التعليل فهو يحول دون الأخذ بهذا الجواب.
إذن اتضح عدم تماميّة الدليل الثاني على عدم حرمة الاعانة.
الدليل الثالث:- وحاصله إنّ السيرة منعقدة على عدم مبالات المؤمنين من ناحية حرمة الاعانة، فترى أنهم يعقدون المجالس ويعلم أنّه حتماً سوف يأتي شخص يستغيب أو يكذب أو غير ذلك فعقده للمجلس صار سبباً لذلك، فهذه المجالس لا تنفك عادةً عن ارتكاب أحد المحرّمات فيها وسوف يصير عقد المجلس إعانةً على وقوع الحرام.
وهكذا المقاهي مثلاً فهي مفتوحة ويجلس فيها الناس وفي الأثناء يحصل فيها ما يحصل من غيبة أو بهتان أو غير ذلك وهل يحتمل أنّ فتح المقهى ليس بجائز ؟! كلّا إنّه جائز، وهذا معناه أنّ الاعانة على الحرام ليست حراماً وإلا لو كانت حراماً لكان من المناسب عدم جواز فتح المقهى.
وهكذا الخبّاز فإنّه يبيع الخبز وهو يعلم أنّ بعضه سوف يذهب إلى المفطرين عمداً في شهر رمضان وهذا سوف يصير إعانةً على الحرام وهل يحتمل أنّ الخبّاز لا يجوز له أن يبيع الخبز ؟!
وهكذا صاحب البريد الذي ينقل الرسائل فإنّه ينقلها إلى أهلها والحال أنّه يعلم أنَّ بعضها فيه كذب أو افتراء أو ما شاكل ذلك وهل يحتمل أنّ هذه المهنة محرّمة من باب أنها إعانة على الحرام ؟!
وهكذا صاحب السيّارة فإنّه يرُكِب المسافرين والحال أنّه يعلم أنّ بعضهم يقصد ارتكاب الحرام، ومن كذّب ما نقول فقد كذّب نفسه ووجدانه . إذن السيرة منعقدة على ذلك فتكون حينئذٍ حجّة على عدم حرمة الاعانة على الحرام.
إن قلت:- ما الدليل على حجيّة هذه السيرة فإنّها سيرة موجودة في زماننا فكيف تثبت أنها موجودة في زمان المعصوم عليه السلام ؟
قلت:- إنّ مصاديق هذه السيرة لا تنفكّ عن الحياة العقلائية، يعني متى ما افترضنا أنّه يوجد عقلاء فحتماً هذه الأمور موجودة، يعني ألم تكن عندهم مجالس في زمان الأئمة عليهم السلام ولا يركبون الدابة التي هي قائمقام السيارة وهكذا ؟!! فهذه السيرة التي أشرنا إليها وإن لم تكن موجودة بصيغتها المعهودة في يومنا هذا في زمن المعصوم لكنها موجودة بصيغةٍ ومصاديقٍ أخرى . إذن هذه السيرة موجودة في زمن المعصوم وهو لم ينهَ عنها وكان المؤمنون يزاولونها من دون ردعٍ من قبل المعصوم، فإذن هي سيرة مقبولةٌ وممضاة ولا يحتمل الاشكال من هذه الناحية.
وقد تمسّك بهذه السيرة جمعٌ من الأصحاب منهم صاحب الجواهر(قده)[1]، وهكذا تمسّك بها السيد الخوئي(قده)[2].
هذا ما قد يستدلّ به على إثبات أنّ الاعانة على الحرام ليست حراماً.
فيه:- إنّا لا ننكر السيرة المذكورة، ولكن يمكن أن يقول:- إنّ هذه السيرة بعضها أو كثيراً منها يكون العلم فيها حاصلاً بارتكاب الحرام لكن بنحو العلم التدريجي، فإنّ العلم الاجمالي بتحقّق الحرام تارةً يكون بنحو الدفعي وأخرى يكون بنحو التدريجي والمعروف أنّه لا فرق بينهما من حيث الحجيّة لأنّ العقل لا يفرّق بين الوردين، وهذه الموارد التي أشرنا إليها يكون العلم فيها تدريجياً باعتبار أنّ الخبّاز يعلم أنّه حتماً في أحد الأيام سوف يبيع الخبز لمن أفطر عمداً وصاحب السيارة حتماً يعلم أنّه سوف يركب معه شخصٌ سوف يزاول المحرّم، وهكذا من يعقد مجلساً له علمٌ إجماليٌّ تريجيٌّ بـأنّه في أحد الأيام سوف يحصل ارتكاب الحرام فيه، فالموجود هو العلم بمزاولة الحرام لكن بنحو التدريج لا بنحو الدفعة، وعلى هذا الأساس يمكن أن يقال إنّ أقصى ما تدّل عليه هذه السيرة هو أنّه إذا كان العلم بارتكاب الحرام والاعانة على ارتكابه هو من قبيل العلم الإجمالي التدريجي فلا تكون الاعانة آنذاك محرّمة، فهذا سلبٌ للحجّية عن العلم الاجمالي التدريجي لا أنّه يمكن أن نستفيد منه أنّ الاعانة على الحرام بشكلٍ مطلق هي ليست محرّمة، بل لعلّه لنكتة أنّ هذا علمٌ تدريجيٌّ والشارع لا يريد الاعتناء به، فهو يريد أن يسلب الحجيّة عنه، فهو سلبٌ للحجيّة عن العلم الإجمالي التدريجي وليس حكماً بعدم حرمة الاعانة.
أو نقول:- إنّ الإعانة في هذه الموارد هي إعانةٌ لكن من خلال تعدّد المقدّمة، وإذا كان هناك تعدّد في المقدّمات فيمكن الالتزام بأنّ الاعانة ليست محرّمة، فإنّ الذي يشتري الخبر لا نعلم أنّه سوف يصرفه في الحرام، نعم هو قد يبيعه على إنسانٍ آخر كصاحب المطعم مثلاً وصاحب المطعم يقدّمه إلى الناس، فإذن يمكن أن نتصوّر وجود مقدّمات في البين والاعانة إذا كانت بتوسّط مقدّماتٍ فالشارع يريد أن يحكم بأنها ليست محرمّة ولا يقول بأنّه إذا تعدّدت المقدّمات تكون محرّمة أيضاً.
إذن لازم هذه الأمثلة وهذه السيرة هو لازمٌ أعم، فلعل الحكم بالجواز ناشئ إمّا من عدم حجيّة العلم الاجمالي في التدريجيات أو من ناحية تعدّد المقدّمات ولا يثبت بذلك أنّ الاعانة محرّمة بشكلٍ مطلقٍ كما أراد المستدلّون بهذه السيرة، فإنّ قبلت بهذا فبها ونعمت.
وإن لم تقبل ما أشرنا إليه فهناك طريق آخر وهو أسهل:- وهو أن نلتزم بفكرة التخصيص فنقول:- إنَّ مقتضى آية ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) هو الحرمة وقد خرج من ذلك موارد السيرة بالمخصّص، فأيّ مانعٍ من ذلك ؟! فلنلتزم في هذه الموارد بالتخصيص فيجوز في مثلها ولا يثبت بذلك أنّ الاعانة مطلقاً ليست محرّمة، فكما نلتزم بفكرة التخصيص في سائر الموارد فلنلتزم بها في موردنا، فلماذا نلتزم بها في سائر الموارد ولا نلتزم بها في موردنا بعدما كان المستند لحرمة الاعانة هو آية ( ولا تعاونوا ) الذي هو حكمٌ ودليلٌ شرعيّ ؟!!
والخلاصة:- لا بأس بالالتزام بفكرة التخصص فنلتزم بأنّ هذه الموارد ليست محرّمة لأجل السيرة.
هذا كلّه بالنسبة إلى مستندات قاعدة حرمة الاعانة على الحرام إثباتاً ونفياً وقد اتضح من خلال ما ذكرنا أنّ هذه القاعدة قابلة للقبول والأخذ بها، والمستند في ذلك كما اتضح هو قوله تعالى ( تعالى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) وما استدل به على الخلاف قابلٌ للمناقشة كما أشرنا.
النقطة الثالثة:- هل أُخِذَ بعض القيود في مفهوم الاعانة ؟
وقع الكلام في أنّ مفهوم الاعانة بناءً على حرمته بمقتضى الآية الكريمة هل تحققه يعتبر فيه بعض القيود أو لا ؟
ذكرت بعض القيود المهم منها قيدان:-
الأوّل:- القصد، يعني يلزم أن يقصد المـُعينُ بفعله تحقّق الفعل الحرام - أي ببيعه للعنب مثلاً - فإذا لم يقصد ذلك فلا يتحقّق مفهوم الاعانة ولا يصدق عنوانها.
الثاني:- تحقّق الحرام، يعني لابد وأن يقع الحرام في الخارج، فلو فرض أنّ شخصاً اشترى العنب ولكن لم يصنعه خمراً فمادام لم يتحقّق منه الفعل المحرّم فالإعانة لا تصدق، فشرط صدق مفهوم الاعانة هو وقوع الفعل الحرام خارجاً.
وقد أشار الشيخ الأعظم(قده)[3] في المكاسب إلى القيد الأوّل وقال إنّ من أشار إليه هو المحقق الثاني في حاشية الارشاد ثم قال:- ووافقه بعض المتأخرين مثل صاحب الكفاية - يعني السبزواري – وغيره.
وأمّا الرأي الثاني الذي يقول بأنه يعتبر وقوع الحرام خارجاً فقد أشار إليه بعض المعاصرين ويقصد به النراقي(قده) في عوائده[4].


[2] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ص203.
موسوعة السيد الخوئي ( مصباح الفقاهة )، تسلسل35، ص288، في المكاسب المحرمة.
وهكذا اشار إليها في الجملة في الدورة الفقهية في كتاب النكاح، تسلسل32، ص105 وهنا مثل بمثال الخبّاز.
[3] تراث الشيخ الأنصاري، الانصاري، تسلسل14، ص132.
[4] عوائد الايام، النراقي، ص26.