أنت هنا: الرئيسية المكتبة الاسلامية الاُسرة وقضايا الزواج الفصل الأول أسس المجتمع الاسلامي
 
 


الفصل الأول أسس المجتمع الاسلامي

البريد الإلكتروني طباعة

كتاب قضايا المجتمع والاسرة ص 1 ـ ص 24


قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم

العـلامة
السيد محمد حسين الطباطبائي

دار الصفوة


( 5 )

a1

الفصل الاول
أسس المجتمع الاسلامي



( 6 )


( 7 )

ـ 1 ـ
الانسان والمجتمع


كون النوع الانساني نوعاً اجتماعياً لا يحتاج في إثباته إلى بحث كثير ، فكل فرد من هذا النوع مفطور على ذلك ، ولم يزل الانسان يعيش في وضع اجتماعي على ما ينقله لنا التاريخ والآثار المشهودة الحاكية لأقدم العهود التي يعيش فيها الانسان ويحكم على هذه الارض .
وقد أنبأ القرآن الكريم عن ذلك أحسن إنباء في آيات كثيرة ، كقوله تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ) (1) .
وقال تعالى : ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدينا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم سخرياً ) (2) .
وقال تعالى : ( بعضكم من بعض ) (3) .
____________
(1) سورة الحجرات ، الآية : 13 .
(2) سورة الزخرف ، الآية : 32 .
(3) سورة آل عمران ، الآية : 195 .

( 8 )

وقال تعالى : ( وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً ) (1) إلى غير ذلك من الآيات .

ـ 2 ـ
الانسان ونموه في مجتمعه


المجتمع الانساني كسائر الخواص الروحية الانسانية ، وما يرتبط بها لم يوجد حين وجد تاماً كاملاً لا يقبل النماء والزيادة ، بل هو كسائر الامور الروحية الإدراكية الإنسانية لم يزل يتكامل بتكامل الانسان في كمالاته المادية والمعنوية ، وعلى الحقيقة لم يكن من المتوقع أن تستثنى هذه الخاصة من بين جميع الخواص الانسانية فتظهر أول ظهورها تامة كاملة أتم ما يكون وأكمله بل هي كسائر الخواص الانسانية التي لها ارتباط بقوتي العلم والإدارة تدريجية الكمال في الانسان .
والذي يظهر من التأمل في حال هذا النوع أن أول ما ظهر من المجتمع فيه الاجتماع المنزلي بالازدواج لكون عامله الطبيعي ، وهو جهاز التناسل أقوى عوامل الاجتماع لعدم تحققه إلا بأزيد من فرد واحد أصلاً بخلاف مثل التغذي وغيره ، ثم ظهرت منه الخاصة التي سميناها في مباحث كتابنا ( الميزان ) بالاستخدام وهو توسيط الانسان غيره في سبيل رفع حوائجه ببسط سلطته وتحميل إرادته عليه ثم برز ذلك في صورة الرئاسة كرئيس المنزل ورئيس العشيرة ، ورئيس القبيلة ، ورئيس الأمة ، وبالطبع كان المقدم المتعين من بين العدة أولاً أقواهم وأشجعهم ، ثم أشجعهم وأكثرهم مالاً وولداً ، وهكذا حتى ينتهي إلى أعلمهم بفنون الحكومة والسياسة ، وهذا هو السبب الابتدائي لظهور الوثنية ، وقيامها على ساقها حتى اليوم .
____________
(1) سورة الفرقان ، الآية : 54 .
( 9 )

وخاصة الاجتماع بتمام أنواعها ( المنزلي وغيره ) وإن لم تفارق الانسانية في هذه الأدوار ، ولو برهة إلا أنها كانت غير مشعور بها للإنسان تفصيلاً بل كانت تعيش وتنمو بتبع الخواص الاخرى المعني بها للإنسان كالاستخدام والدفاع ونحو ذلك .
والقرآن الكريم يخبرأن أول ما نبه الانسان بالاجتماع تفصيلاً واعتنى بحفظه استقلالاً نبهته به النبوة ، قال تعالى : ( وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ) (1) .
وقال أيضاً : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ) (2) ، حيث ينبىء أن الانسان في أقدم عهوده كان أمة واحدة ساذجة لا اختلاف بينهم حتى ظهرت الاختلافات وبانت المشاجرات فبعث الله الأنبياء وأنزل معهم الكتاب ليرفع به الاختلاف ، ويردهم إلى وحدة الاجتماع محفوظة بالقوانين المشرعة . وقال تعالى : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) (3) .
فأنبأ أن رفع الاختلاف من بين الناس وإيجاد الاتحاد في كلمتهم إنما كان في صورة الدعوة إلى إقامة الدين وعدم التفرق فيه ، فالدين كان يضمن اجتماعهم الصالح .
والآية : ـ كما ترى ـ تحكي هذه الدعوة ( ودعوة الاجتماع والاتحاد )
____________
(1) سورة يونس ، الآية : 19 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 213 .
(3) سورة الشورى ، الآية : 13 .

( 10 )

عن نوح عليه السلام ، وهو أقدم الأنبياء أولي الشريعة والكتاب ثم عن إبراهيم ، ثم عن موسى ، ثم عن عيسى عليهم السلام ، وقد كان في شريعة نوح وإبراهيم النزر اليسير من الاحكام ، وأوسع هؤلاء الأربعة شريعة موسى ، وتتبعه شريعة عيسى على ما يخبر به القرآن وهو ظاهر الأناجيل وليس في شريعة موسى ـ على ما قيل ـ سوى ستمائة حكم تقريباً .
فلم تبدأ الدعوة إلى الاجتماع دعوة مستقلة صريحة إلا من ناحية النبوة في قالب الدين كما يصرح به القرآن ، والتاريخ بصدقه .

ـ 3 ـ
ـ الاسلام وعنايته بالمجتمع ـ


لا ريب أن الاسلام هو الدين الوحيد الذي أسس بنيانه على الاجتماع صريحاً ، ولم يهمل أمر المجتمع في أقل شأن من شؤونه ، فانظر : إن أردت زيادة التبصر في ذلك إلى سعة الأعمال الانسانية التي تعجز عن إحصائها الفكرة ، وإلى تشعبها إلى أجناسها ، وأنواعها ، وأصنافها ، ثم انظر إلى احصاء هذه الشريعة الإلهية لها وإحاطتها بها وبسط أحكامها عليها ، ترى عجباً ، ثم أنظر إلى تقليبه ذلك كله في قالب المجتمع ترى أنه أنفذ روح الاجتماع فيها غاية ما يمكن من الانفاذ. ثم خذ في مقايسة ما وجدته بسائر الشرائع الحقة التي يعتني بها القرآن وهي شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى حتى تعاين النسبة وتعرف المنزلة .
وأما ما لا يعتني به القرآن الكريم من الشرائع كأديان الوثنية والصابئية والمانوية والثنوية ، وغيرها ، فالأمر فيها أظهر وأجلى . وأما الأمم المتمدنة وغيرها فالتاريخ لا يذكر من أمرها إلا أنها كانت تتبع ما ورثته من أقدم عهود الإنسانية من استتباع الاجتماع بالاستخدام ،


( 11 )

واجتماع الافراد تحت جامع حكومة الاستبداد والسلطة الملوكية ، فكان الاجتماع القومي ، والوطني والإقليمي يعيش تحت راية الملك والرئاسة ، ويهتدي بهداية عوامل الوراثة والمكان وغيرهما من غير أن يعتني أمة من هذه الأمم عناية مستقلة بأمره ، وتجعله مورداً للبحث والعمل ، حتى الأمم المعظمة التي كانت لها سيادة الدنيا حينما شرقت شارقة الدين وأخذت في إشراقها وإنارتها أغنى إمبراطورية الروم والفرس فإنها لم تكن إلا قيصرية و كسروية تجتمع أممها تحت لواء الملك والسلطنة ويتبعها الاجتماع في رشده ونموه ويمكث بمكثها .
نعم ، يوجد فيما ورثوه أبحاث إجتماعية في مسفورات حكمائهم من أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم إلا انها كانت أوراقاً وصحائف لا ترد مورد العمل ، ومثلاً ذهنية لا تنزل مرحلة العين والخارج ، والتاريخ الموروث أعدل شاهد على صدق ما ذكرناه . فأول نداء قرع سمع النوع الإنساني ، ودعى به هذا النوع الى الاعتناء بأمر المجتمع بجعله موضوعاً مستقلاً خارجاً عن زاوية الاهمال وحكم التبعية هو الذي نادى به صادع الاسلام عليه أفضل الصلاة والسلام ، فدعى الناس بما نزل عليه من آيات ربه إلى سعادة الحياة وطيب العيش مجتمعين ، وقد قال تعالى :
( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم ) (1) . وقال تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ـ إلى أن قال تعالى ـ * ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( يشير إلى حفظ المجتمع عن التفرق والانشعاب ) وأولئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم
____________
(1) سورة الانعام ، الآية : 153 .
( 12 )

البينات ) (1) .
وقال : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء ) (2) إلى غير ذلك من الآيات المطلقة الداعية إلى أصل الاجتماع والاتحاد .
قال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ) (3) .
وقال : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) (4) .
وقال : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) (5) .
وقال أيضاً : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) (6) .
إلى غير ذلك من الآيات الآمرة ببناء المجتمع الاسلامي على الاتفاق والاتحاد في حيازة منافعها ومزاياها المعنوية والمادية والدفاع عنه على ما سنتحدث فيه إن شاء الله تعالى .

ـ 4 ـ
اعتبار الاسلام لرابطة الفرد والمجتمع

الصنع والإيجاد أولاً يجعل أجزاءً ابتدائية لها آثار وخواص ثم يركبها ويؤلف بينها على ما فيها من جهات البينونة فيستفيد منها فوائد جديدة مضافة إلى ما للأجزاء من الفوائد المشهودة ، فالإنسان مثلاً له أجزاء وأبعاض
____________
(1) سورة آل عمران ، الآيات : 103 ـ 105 .
(2) سورة الأنعام ، الآية : 159 .
(3) سورة الحجرات ، الآية : 10 .
(4) سورة الأنفال ، الآية : 46 .
(5) سورة المائدة ، الآية : 2 .
(6) سورة آل عمران ، الآية : 104 .

( 13 )

وأعضاء وقوى لها فوائد متفرقة مادية وروحية ربما ائتلفت فقويت وعظمت كثقل كل واحد من الأجزاء وثقل المجموع والتمكن والانصراف من جهة إلى جهة وغير ذلك ، وربما لم تأتلف وبقيت على حال التباين والتفرق كالسمع والبصر والذوق والارادة والحركة إلا أنها جميعاً من جهة الوحدة في التركيب تحت سيطرة الواحد الحادث الذي هو الانسان ، وعند ذلك يوجد من الفوائد ما لا يوجد عند كل واحد من أجزائه وهي فوائد جمة من قبيل الفعل والانفعال والفوائد الروحية والمادية ، كالنطفة مثلاً إذا استكملت نشأتها قدرت على إفراز شيء من المادة من نفسها وتربيتها إنساناً تاماً آخر يفعل نظائر ما كان يفعله أصله ومحتده من الافعال المادية والروحية ، فأفراد الانسان على كثرتها إنسان وهي واحد ، وأفعالها كثيرة عدداً واحدة نوعاً وهي تجتمع وتأتلف بمنزلة الماء يقسم إلى آنية فهي مياه كثيرة ذو نوع واحد وهي ذات خواص كثيرة نوعها واحد ، وكلما جمعت المياه في مكان واحد قويت الخاصة وعظم الأثر .
وقد اعتبر الاسلام في تربية أفراد هذا النوع وهدايتها إلى سعادتها الحقيقية ، هذا المعنى الحقيقي فيها ولا مناص من اعتباره ، قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) (1) . وقال أيضا : ( بعضكم من بعض ) (2) . وهذه الرابطة الحقيقية بين الشخص والمجتمع لا محالة تؤدي إلى كينونة اخرى في المجتمع حسب ما يمده الأشخاص من وجودهم وقواهم وخواصهم وآثارهم فيتكون في المجتمع سنخ ما للفرد من الوجود ، وخواص الوجود وهو ظاهر مشهود ، ولذلك اعتبر القرآن للأمة وجوداً وأجلاً
____________
(1) سورة الحجرات ، الآية : 13 .
(2) سورة آل عمران ، الآية : 195 .

( 14 )

وكتاباً وشعوراً وفهماً وعملاً وطاعة ومعصية ، فقال تعالى : ( ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) (1) .
وقال أيضاً : ( كل أمة تدعى إلى كتابها ) (2) .
وقال : ( زينا لك أمة عملهم ) (3) ( يتلون آيات الله ) (4) .
وقال : ( وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ) (5) .
وقال أيضاً : ( ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قُضي بينهم بالقسط ) (6) .
ومن هنا ما نرى أن القرآن يعتني بتواريخ الأمم كاعتنائه بقصص الأشخاص بل أكثر حينما لم يتداول في التواريخ إلا ضبط أحوال المشاهير من الملوك والعظماء ، ولم يشتغل المؤرخون بتواريخ الأمم والمجتمعات إلا بعد نزول القرآن فاشتغل بها بعض الاشتغال آحاد منهم ، كالمسعودي وابن خلدون حتى ظهر التحول الأخير في التأريخ النقلي بتبديل الأشخاص أمما ، وأول من سنه على ما يقال : أوغست كُمت الفرنسي المتوفى سنة 857 ميلادية .
وبالجملة لازم ذلك على ما مرت الاشارة اليه تكون قوى وخواص اجتماعية قوية تقهر القوى والخواص الفردية عند التعارض والتضاد على ان
____________
(1) سورة الأعراف ، الآية : 34 .
(2) سورة الجاذية ، الآية : 28 .
(3) سورة الأنعام ، الآية : 108 .
(4) سورة آل عمران ، الآية : 113 .
(5) سورة غافر ، الآية : 5 .
(6) سورة يونس ، الآية : 47 .

( 15 )

الحس والتجربة يشهدان بذلك في القوى والخواص الفاعلة والمنفعلة معاً ، فمهمة الجماعة وإرادتها في أمر كما في موارد الغوغاءات وفي الهجمات الاجتماعية لا تقوم لها إرادة معارضة ، ولا مضادة من واحد من أشخاصها وأجزائها ، فلا مفر للجزء من أن يتبع كله ويجري على ما يجري العامة كما في موارد الانهزام وانسلاب الأمن والزلزلة والقحط والوباء أو ما هو دونها ، كالرسومات المتعارفة والأزياء القومية ونحوهما تضطر الفرد على الاتباع وتسلب عنه قوة الإدراك والفكر .
وهذا هو الملاك في اهتمام الاسلام بشأن الاجتماع ذلك الاهتمام الذي لا نجد ولن نجد ما يماثله في واحد من الاديان الاُخر ولا في سنن الملل المتمدنة ( ولعلك لا تكاد تصدق ذلك ) ، فإن تربية الاخلاق والغرائز في الفرد وهو الاصل في وجود المجتمع لا تكاد تنجح مع كينونة الاخلاق والغرائز المعارضة والمضادة القوية القاهرة في المجتمع إلا يسيراً لا قدر له عن القياس والتقدير .
فوضع أهم أحكامه وشرائعه كالحج والصلاة والجهاد والانفاق وبالجملة التقوى الديني على أساس الاجتماع ، وحافظ على ذلك مضافاً إلى قوى الحكومة الاسلامية الحافظة لشعائر الدين العامة وحدودها ، ومضافاً إلى فريضة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العامة لجميع الأمة بجعل غرض المجتمع الاسلامي ـ وكل مجتمع لا يستغني عن غرض مشترك ـ هي السعادة الحقيقية ، والقرب والمنزلة عند الله ، وهذا رقيب باطني لا يخفى عليه ما في سريرة الانسان وسره ـ فضلاً عما في ظاهره ـ وإن خفي على طائفة الدعاة وجماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا هو الذي ذكرنا أن الاسلام تفوق سنة اهتمامه بشأن الاجتماع سائر السُنن والطرائق .


( 16 )

ـ 5 ـ
هل تقبل سنة الاسلام الاجتماعية الاجراء والبقاء ؟

ولعلك تقول لو كان ما ذكر ومن كون نظر الاسلام في تكوين المجتمع الصالح أرقى بناءً وأتقن أساساً حتى من المجتمعات التي كونتها الملل المتمدنة المترقية حقاً فما باله لم يقبل الاجراء إلا برهة يسيرة ثم لم يملك نفسه دون أن تبدل قيصرية وكسروية ؟ وتحول إمبراطورية أفجع وأشنع أعمالاً مما كان قبله بخلاف المدنية الغربية التي تستديم البقاء .
وهذا هو الدليل على كون مدنيتهم أرقى وسنتهم في الاجتماع أتقن وأشد استحكاماً ، وقد وضعوا سنتهم الاجتماعية وقوانينهم الدائرة على أساس إرادة الأمة واقتراح الطباع والميول ثم اعتبروا فيها إرادة الأكثر واقتراحهم ، لاستحالة اجتماع الكل بحسب العادة إرادة ، وغلبة الأكثر سنة جارية في الطبيعة مشهودة فإنا نجد كلاً من العلل المادية والاسباب الطبيعية مؤثرة على الاكثر لا على الدوام ، وكذا العوامل المختلفة المتنازعة إنما يؤثر منها الأكثر دون الكل ودون الأقل فمن الحري أن يبنى هيكل الاجتماع بحسب الغرض وبحسب السنن والقوانين الجارية فيه على إرادة الأكثر وأما فرضية الدين فليست في الدينا الحاضرة إلا أمنية لا تتجاوز مرحلة الفرض ومثالاً عقلياً غير جائز النيل .
وقد ضمنت المدنية الحاضرة فيما ظهرت فيه من الممالك قوة المجتمع وسعادتها وتهذيب الافراد وطهارتهم من الرذائل ، وهي الأمور التي لا يرتضيها المجتمع كالكذب والخيانة والظلم والجفاء والجفاف ونحو ذلك .
وهذا الذي أوردناه محصل ما يختلج في صدور جمع من باحثينا


( 17 )

معاشر الشرقيين وخاصة الباحثين من الفضلاء المفكرين في نطاق البحث الاجتماعي والنفسي ، غير أنهم وردوا هذا البحث من غير مورده فاختلط عليهم حق النظر ، ولتوضيح ذلك نقول :
أما قولهم : إن السنة الاجتماعية الاسلامية غير قابلة الجريان في الدنيا على خلاف سنن المدنية الحاضرة في جو الظروف القائمة ، ومعناه ان الاوضاع الحاضرة في الدنيا لا تلائم الاحكام المشرعة في الاسلام ، فهو مسلم لكنه لا ينتج شيئاً فإن جميع السنن الدائرة في المجتمع الانساني إنما حدثت بعد ما لم تكن وظهرت في حين لم تكن عامة الاوضاع والظروف الموجودة إلا مناقضة له طاردة إياه ، فانتهضت ، ونازعت السنن السابقة المستمرة المتعرقة ، وربما اضطهدت وانهزمت في أول نهضتها ثم عادت ثانياً وثالثاً حتى غلبت وتمكنت وملكت سيطرتها ، وربما بادت وانقرضت إذ لم يُساعدها العوامل والظروف بعد ، والتاريخ يشهد بذلك في جميع السنن الدينية والدنيوية حتى في مثل الديمقراطية والاشتراكية ، وإلى مثله يشير قوله تعالى : ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) (1) .
فالآية تشير إلى ان السنة التي تصاحب تكذيب آيات الله لا تنتهي إلى عاقبة حسنة محمودة .
فمجرد عدم انطباق سنة من السنن على الوضع الانساني الحاضر ليس يكشف عن بطلانه وفساده ، بل هو في جملة السنن الطبيعية الجارية في العالم لتتميم كينونة الحوادث الجديدة إثر الفعل والانفعال وتنازع العوامل المختلفة .
____________
(1) سورة آل عمران ، الآية : 137 .
( 18 )

والاسلام كسائر السنن من جهة النظر الطبيعي والاجتماعي وليس بمستثنى من هذه الكلية ، فحاله من حيث التقدم والتأخر والاستظهار بالعوامل والظروف حال سائر السنن وليس حال الاسلام اليوم ـ وقد تمكن في نفوس ما يزيد على أربعمائة مليون (1) من أفراد البشر ، ونشب في قلوبهم ، بأضعف من حاله في الدنيا زمان دعوة نوح وإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد قامت دعوة كل منهم بنفس واحدة لم تكن تعرف الدنيا وقتئذ غير الفساد ثم انبسطت وتعرقت وعاشت واتصل بعضها ببعض فلم ينقطع حتى اليوم . وقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بالدعوة ولم يكن معه من يستظهر به يومئذ إلا رجل وامرأة ثم لم يزل يلحق بهم واحد بعد واحد واليوم يوم العسرة كل العسرة حتى أتاهم نصر الله فتشكلوا مجتمعاً صالحاً ذا أفراد يغلب عليهم الصلاح والتقوى ومكثوا برهة على الصلاح الاجتماعي حتى كان من أمر الفتن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كان .
وهذا الأنموذج اليسير على قصر عمره وضيق نطاقه ، لم يلبث حتى انبسط في أقل من نصف قرن على مشارق الارض ومغاربها وحوّل التاريخ تحويلاً جوهرياً يشاهد آثاره الهامة إلى يومنا ، وستدوم ثم تدوم .
ولا يستطيع أن يستنكف الابحاث الاجتماعية والنفسية في التاريخ النظري عن الاعتراف بأن المنشأ القريب ، والعامل التام للتحول المعاصر المشهور في الدنيا هو ظهور السنة الاسلامية وطلوعها ولم يهمل جل الباحثين في أوربا استيفاء البحث عن تأثيرها في المجتمع الانسان إلا لعصبية دينية أو علل سياسية وكيف يسع لباحث خبير ـ لو أنصف النظر ـ أن يسمي النهضة المدنية الحديثة نهضة مسيحية ويعد المسيح عليه السلام قائدها وحامل
____________
(1) يقدر عدد المسلمين أكثر من ذلك ، بل حتى أكثر من مليار نسمة .
( 19 )

لوائها . والمسيح يصرح بأنه إنما يهتم بأمر الروح ولا يشتغل بأمر الجسم ولا يتعرض لشأن الدولة والسياسة ؟ وهو ذا الاسلام يدعو إلى الاجتماع والتألف ويتصرف في جميع شؤون المجتمع الانساني وأفراده من غير استثناء فهل هذا الصفح والإغماض منهم إلا لإطفاء نور الاسلام ( ويأبى الله إلا أن يتم نوره ) وإخماد ناره عن القلوب بغياً وعدواناً حتى يعود جنسية لا أثر لها إلا أثر الانسال المنشعبة .
وبالجملة قد أثبت الاسلام صلوحه لهداية الناس إلى سعادتهم وطيب حياتهم ، وما هذا شأنه لا يسمى فرضية غير قابلة الانطباق على الحياة الإنسانية ، ولا مأيوساً من قوله : ( كان الناس أمة واحدة ) (1) .
ان البحث العميق في أحوال الموجودات الكونية يؤدي إلى أن النوع الانساني سيبلغ غايته وينال بغيته وهي كمال ظهور الاسلام بحقيقته في الدنيا وتوليه التام أمر المجتمع الانساني ، وقد وعده الله تعالى طبق هذه النظرية في كتابة العزيز قال : ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم ) (2) .
وقال : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ) (3) .
وقال : ( ان الارض يرثها عبادي الصالحون ) (4) .
وهنا جهة اخرى أغفلها هؤلاء في بحثهم وهي ان الاجتماع الاسلامي
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 231 .
(2) سورة المائدة ، الآية : 54 .
(3) سورة النور ، الآية : 55 .
(4) سورة الانبياء ، الآية : 105 .

( 20 )

شعاره الوحيد هو اتباع الحق في النظر والعمل ، والاجتماع المدني الحاضر شعاره اتباع ما يراه ويريده الأكثر ، وهذان الشعاران يوجبان اختلاف الغاية في المجتمع المتكون . فغاية الاجتماع الاسلامي السعادة الحقيقية الفعلية ، بمعنى أن يأخذ الانسان بالاعتدال في مقتضيات قواه فيعطي للجسم مشتهياته مقدار ما لا يعوقه عن معرفة الله في طريق العبودية بل يكون مقدمة توصل اليها وفيه سعادة الانسان بسعادة جميع قواه ، وهي الراحة الكبرى ( وان كنا لا ندركها اليوم حق الإدراك لاختلال التربية الاسلامية فينا ) ولذلك وضع الاسلام قوانينه على أساس مراعاة جانب العقل المجبول على اتباع الحق ، وشدد في المنع عما يفسد العقل السليم وألقى ضمان إجراء الجميع من الاعمال والأخلاق والمعارف الأصلية إلى عهدة المجتمع مضافاً إلى ما تحتفظ عليه الحكومة والولاية من إجراء السياسات والحدود وغيرها ، وهذا على أي حال لا يوافق طباع العامة من الناس ويدفعه هذا الانغمار العجيب في الاهواء والأماني الذي نشاهده في كافة المترفين والمعدمين ويسلب حريتهم في الاستلذاذ والتهلي والسبعية والافتراس إلا بعد مجاهدة شديدة في نشر الدعوة وبسط التربية على حد سائر الأمور الراقية التي يحتاج الانسان في التلبس بها إلى همة قاطعة وتدرب كاف وتحفظ على ذلك مستدام .
وأما غاية الاجتماع المدني الحاضر فهي التمتع من المادة ومن الواضح أن هذه تستتبع حياة أساسية تتبع ما يميل إليه الطبع سواء وافق ما هو الحق عند العقل أو لم يوافق بل إنما يتبع العقل فيما لا يخالف غايته وغرضه .
ولذلك كانت القوانين تتبع في وضعها وإجرائها ما يستدعيه هوى أكثرية المجتمع وميول طباعهم ، وينحصر ضمان الإجراء في مواد القانون المتعلقة بالأعمال ، وأما الاخلاق والمعارف الاصلية فلا ضامن لإجرائها بل


( 21 )

الناس في التلبس بها وتبعيتها وعدمه إلا أن تزاحم القانون في مسيره متمنع حينئذ .
ولازم ذلك ان يعتاد المجتمع الذي شأنه ذلك بما يوافق هواه من رذائل الشهوة والغضب فيستحسن كثيراً مما كان يستقبحه الدين ، وان يسترسل باللعب بفضائل الأخلاق والمعارف العالية مستظهراً بالحرية القانونية .
ولازم هذا اللازم أن يتحول نوع الفكرة عن المجرى العقلي إلى المجرى الإحساسي العاطفي ، فربما كان الفجور والفسق في مجرى العقل تقوى في مجرى الميول والإحساسات وسمي فتوة وبشراً وحسن خلق كمعظم ما يجري في أوربا بين الشبان ، وبين الرجال والنساء والكلاب ، وبين الرجال وأولادهم ومحارمهم ، وما يجري في الاحتفالات ومجالس الرقص وغير ذلك مما ينقبض عن ذكره لسان المتأدب بأدب الدين وربما كان عاديات الطريق الديني غرائب وعجائب مضحكة عندهم وبالعكس كل ذلك لاختلاف نوع الفكرة والإدراك باختلاف الطريق ، ولا يستفاد في هذه السنن الاحساسية من التعقل ـ كما عرفت ـ إلا بمقدار ما يسوى به الطريق إلى التمتع والتلذذ فهو الغاية الوحيدة التي لا يعارضها شيء ، ولا يمنع منها شيء إلا في صورة المعارضة بمثلها حتى انك تجد بين مشروعات القوانين الدائرة أمثال ( الانتحار ) و ( دئل ) وغيرهما ، فللنفس ما تريده وتهويه إلا ان يزاحم ما يريده ويهواه المجتمع .
إذا تأملت هذا الاختلاف تبين لك وجه أوفقية سنة المجتمع الغربي لمذاق الجامعة البشرية دون سنة المجتمع الديني غير أنه يجب أن يتذكر أن سنة المدنية الغربية وحدها ليست هي الموافقة ـ لطباع الناس ـ حتى تترجح بذلك وحدها بل جميع السنن المعمولة الدائرة بين أهلها من أقدم أعصار الانسانية إلى عصرنا هذا من سنن البداوة والحضارة تشترك في أن الناس


( 22 )

يرجحونها على الدين الداعي إلى الحق في أول ما يعرض عليهم لخضوعهم للوثنية المادية .
ولو تأملت حق التأمل وجدت هذه الحضارة الحاضرة ليست إلا مؤلفة من سنن الوثنية الأولى غير أنها تحولت من حال الفردية إلى حال الاجتماع ، ومن مرحلة السذاجة إلى مرحلة الدقة الفنية .
والذي ذكرناه من بناء السنة الاسلامية على اتباع الحق دون موافقة الطبع من أوضح الواضحات في بيانات القرآن ، قال الله تعالى : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) (1) .
وقال تعالى : ( والله يقضي بالحق ) (2) .
وقال في وصف المؤمنين ( وتواصوا بالحق ) (3) .
وقال : ( لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ) (4) .
فاعترف بأن الحق لا يوافق طباع الأكثرين وأهواءهم ، ثم رد لزوم موافقة أهواء الأكثرية بأنه يؤول إلى الفساد فقال : ( بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون * ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والارض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون ) (5).
ولقد صدق جريان الحوادث وتراكم الفساد يوماً فيوماً ما بينه تعالى في هذه الآية . وقال تعالى : ( فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ) (6)
____________
(1) سورة التوبة ، الآية : 33 .
(2) سورة المؤمن ، الآية : 20 .
(3) سورة العصر ، الآية : 3 .
(4) سورة الزخرف ، الآية : 78 .
(5) سورة المؤمنون ، الآيتان : 70 ـ 71 .
(6) سورة يونس ، الآية : 32 .

( 23 )

والآيات في هذا المعنى وما يقرب منه كثيرة جداً وإن شئت زيادة تبصر فيه فراجع سورة يونس ، فقد كرر فيه ذكر الحق بضعاً وعشرين مرة .
وأما قولهم : إن اتباع الأكثر سنة جارية في الطبيعة ، فلا ريب أن الطبيعة تتبع الأكثر في آثارها إلا أنها ليست بحيث تبطل أو تعارض وجوب اتباع الحق فإنها نفسها بعض مصاديق الحق فكيف تبطل نفسها .
وتوضيح ذلك يحتاج إلى بيان امور : أحدهما ان الأمور الخارجية التي هي أصول عقائد الانسان العلمية والعملية تتبع في تكونها وأقسام تحولها نظام العلية والمعلولية ، وهو نظام دائم ثابت لا يقبل الاستثناء أطبق على ذلك المحصلون من أهل العلم والنظر وشهد به القرآن على ما مر . فالحدث الخارجي لا يتخلف عن الدوام والثبات حتى ان الحوادث الأكثرية الوقوع التي هي قياسية هي في انها أكثرية دائمة ثابتة ، مثلاً : النار التي تفعل السخونة غالباً بالقياس إلى جميع مواردها ( سخونتها الغالبية ) أثر دائم لها وهكذا ، وهذا هو الحق .
والثاني : ان الانسان بحسب الفطرة يتبع ما وجده أمراً واقعياً خارجياً بنحو فهو يتبع الحق بحسب الفطرة حتى ان من ينكر وجود العلم الجازم إذا القي اليه قول لا يجد من نفسه التردد فيه خضع له بالقبول .
والثالث : أن الحق كما عرفت هو الأمر الخارجي الذي يخضع له الانسان في اعتقاده أو يتبعه في عمله ، واما نظر الانسان وإدراكه فإنما هو وسيلة يتوسل بها إليه كالمرآة بالنسبة إلى المرئي .
إذا عرفت هذه الامور تبين لك أن الحقية وهي دوام الوقوع أو أكثرية الوقوع في الطبيعة الراجعة إلى الدوام والثبات أيضاً إنما هي صفة الخارج الواقع وقوعاً دائمياً أو أكثريا دون العلم والإدراك ، وبعبارة اخرى هي صفة


( 24 )

الامر المعلوم لاصفة العلم ، فالوقوع الدائمي والاكثري أيضاً بوجه من الحق ، وأما آراء الأكثرين وأنظارهم واعتقاداتهم في مقابل الأقلين فليست بحق دائماً ، بل ربما كانت حقاً إذا طابقت الواقع وربما لم تكن إذا لم تطابق وحينئذ فلا ينبغي أن يخضع لها الانسان ولا أنه يخضع لها لو تنبه للواقع فإنك إذا أيقنت بأمر ثم خالفك جميع الناس فيه لم تخضع بالطبع لنظرهم وإن اتبعتهم فيه ظاهراً فإنما تتبعهم لخوف أو حياء ، أو عامل آخر لا لأنه حق واجب الاتباع في نفسه ، ومن أحسن البيان في أن رأي الاكثر ونظرهم لا يجب أن يكون حقاً واجب الاتباع ، قوله تعالى : ( بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ) (1) .
فلو كان كل ما يراه الأكثر حقاً لم يمكن أن يكرهوا الحق ويعارضوه . وبهذا البيان يظهر فساد وبناء اتباع الأكثيرية على سنة الطبيعة فإن هذه السنة جارية في الخارج الذي يتعلق به العلم دون نفس العلم والفكر والذي يتبعه الانسان من هذه السنة في إرادته وحركاته إنما هو ما في الخارج من أكثرية الوقوع لا ما اعتقده الأكثرون أعني أنه يبني أفعاله وأعماله على الصلاح الأكثري ، وعليه جرى القرآن في حكم تشريعاته ومصالحها ، قال تعالى ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ) (2) .
وقال تعالى : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) (3) إلى غير ذلك من الآيات المشتملة على ملاكات غالبية الوقوع للأحكام المشرعة .
____________
(1) سورة المؤمنون ، الآية : 70 .
(2) سورة المائدة ، الآية : 6 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 183 .