أنت هنا: الرئيسية المكتبة الاسلامية أطائبُ الكَلمِ في بيان صلة الرحم تقديم : بقلم السيد احمد الحسيني
 
 


تقديم : بقلم السيد احمد الحسيني

البريد الإلكتروني طباعة

كتاب اطائب الكلم في بيان صلة الرحم ص 1 ـ ص 29

من مخطوطات
مكتبة آية الله المرعشي العامة
(1)

اطائب الكلم

في بيان صلة الرحم


الشيخ حسن بن علي بن عبد العالي
الكركي العاملي
اعداد
السيد أحمد الحسيني




( 5 )


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ،
مالك يوم الدين ، والصلاة والسلام على محمد
وآله الطيبين الطاهرين الى يوم يقوم الناس فيه
لرب العالمين.

( 6 )

( 7 )
تقديم


هل الاخلاق أوهام وقيود توهمها فئة من الناس ففرضوها على المجتمعات فرضاً وكبلوا بها الايدي والارجل والقلوب استثماراً للسذج والبسطاء ؟
أو هي آداب ومواضعات درج عليها الناس في حياتهم العامة والخاصة وانحدرت ـ مع بعض التطور ـ من الاباء إلى الأبناء ، تجعل الانسان محدود التصرف في طيشه ونزغاته ؟
أو هي افكار فلسفية نتجت عن عقول سليمة درست كل صغير وكبير من المظاهر الاجتماعية وغيرها ؛ دراسات مستوعبة لتستخلص منها التجارب الخالصة وتقدمها الى الاجيال المقبلة نبراساً ينير لهم سبل الحياة ويشع لهم طريق العيش الهنئ ؟
ان الاراء في موضوع الاخلاق والاداب مختلفة متضاربة ، والنظريات حولها لا تجتمع في نقطة خاصة . وهو موضوع يستحق التحدث عنه بشيء من التفصيل والعناية لا نجد الان مجالا كافياً لاستيفائه في هذه المقدمة القصيرة .
والذي نعتقده في هذا المجال ان الانسان مجبول بطبعه على اتباع بعض الاداب الاجتماعية واتخاذ جملة من المسالك الاخلاقية ، وذلك لانه ليس بمقدوره أن يدرج


( 8 )


مدارج الحياة الا تحت ضوابط وأصول تكون منهاجاً له يسير على ضوئها .
ولذا نرى المجتمعات كلها ـ بلا استثناء مجتمع منها ـ لا تشذ عن وضع قوانين وآداب تحترمها وتفرض على نفسها الالتزام بها وجعلها نصب العين في كل تصرفاتها . وحتى الماركسية التي تناهض بشدة الاصول الاخلاقية وتصر على نبذها والتخلي عنها وتراها حجر عثرة في طريق التقدم ، تلتزم ان شاءت أو أبت بأسس وآداب أخلاقية تبثها في تعاليمها الاقتصادية والاجتماعية .
طبعاً ، تختلف البيئات والمجتمعات والمدارس الفلسفية في آدابها وأسسها الاخلاقية حسب تكونها ونشأتها وتدرجها في مدراج الكمال أو نظرتها الى الكون والانسان والحياة .

* * *


والاسلام ـ الذي هو دستور الله الا قوم للانسانية ـ اهتم اهتماماً بالغاً بالاخلاق وأقام لها دعائم مركزة في كل مرافق البشر الاعتقادية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها .
فالقرآن الكريم جل آياته تتحدث بصراحة عن خلق المسلم وما يلزم عليه في سلوكه ، والاحاديث الشريفة كثير منها توجهه الى تقويم أفكاره وتعديل تصرفاته في دينه ونفسه وأهله ومجتمعه و و . . .
ان أبرز صفة للنبي صلّى الله عليه وآله يذكرها الله تعالى في قرآنه الكريم بالعظمة هي الخلق النبوي حيث يقول عز شأنه « انك لعلى خلق عظيم » ، كما أن النبي نفسه يعلل بعثته الى الخلق رسولأ بتميم الاخلاق حيث يقول عليه الصلاة والسلام « بعثت لاتمم مكارم الاخلاق » .
ونرى ان الاسلام في اكثر نظمه الاخلاقية يسعى في أن يوجد ترابطاً كاملاً بين الفرد وسائر أعضاء المجتمع ، فيدعوه الى البذل والسخاء ونبذ العداء وصدق اللهجة والوفاء بالوعد وتعظيم الاباء وصلة الارحام والاقارب وتجليل ذوي المراتب العلمية وقول الحق وحسن الظن بالاخرين وتقدير ذوي المواهب والكف عن الاذى


( 9 )


الى الاخ المسلم والجار والانصاف في التعامل واعطاء الحقوق الي أصحابها والسعي في قضاء الحوائج ، كما أنه يحذره من المكر والحيلة وسوء الظن والانتقام بغير الحق والعنف في الخلق والحقد والعداوة وبذاءة اللسان والتكبر على الاخرين والعجب بالنفس والعصبية والقساوة وكتمان الحق والتعدي الى الاموال والاعراض والانفس والبخل في العطاء والغدر والغيبة والنميمة وافشاء السر وطلب العثرات والشماتة والسخرية والكذب وخلف الوعد والرياء والنفاق . . .
لو التزم المسلم بهذه الاخلاق وما شابهها مما هي من صميم النظام الاسلامي ، لكنت ترى مجتمعاً مترابطاً يسوده الهناء والرغد والاطمئنان ، بعيداً عما يشوب حياته من القلق والاضطراب .

* * *


أما الرسالة التي تراها ماثلة أمامك ـ أيها القارئ الكريم ـ فهي تستعرض موضوعاً هاماً من الاخلاق الاسلامية التي حث القرآن الكريم والسنة الطاهرة على اتباعها وتطبيقها في مجالات الحياة .
والموضوع هو ( صلة الرحم ) .
يبدأ المؤلف رسالته بمقدمة في أهمية صلة الرحم وبعض الايات والاحاديث الواردة فيها ، ثم مقالة فيها ستة مطالب يورد في المطلب الاول معنى الرحم والقرابة لغة وعرفاً وشرعاً ، وفي الثاني معنى الصلة وما يتعلق بذلك ، وفي الثالث أحكام الصلة فقهاً ، وفي الرابع ضرورة صلة قاطع الرحم ، وفي الخامس فوائد صلة الرحم التي من أبرزها طول العمر ، وفي السادس صلة الذرية الصالحة ويريد بهم الائمة الطاهرين من ذرية الرسول صلّى الله عليه وعليهم .
ان هذه الرسالة مع اختصارها تستوعب موضوع ( صلة الرحم ) كتاباً وسنة وفقهاً ، وتذكر في طياتها كثيراً من أقوال كبار الفقهاء والمفسرين ، ونرى في طبعها


( 10 )


ونشرها فائدة كبرى للمسلمين وللمعنيين بالمباحث الاسلامية .

* * *


قال السيد الامين في كتابه « أعيان الشيعة » 22 / 321 :
الشيخ حسن بن الشيخ علي بن الشيخ حسين بن عبدالعالي العاملي الكركي .
كان حياً سنة 972 (1)
« الكركي » نسبة الى كرك نوح ، وصاحب الرياض لبعده عن هذه البلاد ظن أنه نسبة الى كرك الشويك .
والمترجم هو ولد المحقق الكركي الشهير ، وأبوه وان اشتهر بالشيخ علي بن عبد العالي ، الا أن ذلك من باب النسبة الى الجد ، والا فهو علي بن حسين بن عبد العالي .
في الرياض : فاضل عالم فقيه متكلم عظيم الشان ، وهو ابن الشيخ علي الكركي المشهور وخال السيد الداماد ، وكان من علماء دولة الشاه طهماسب الصفوي ، ولم أجده في أمل الامل ، وهو غريب ، لانه مع شهرة اسمه قد أورده نفسه ـ يعني صاحب أمل الامل ـ في الرسالة الاثني عشرية في الرد على الصوفية ، ونسب اليه كتاب عمدة المقال في كفر أهل الضلال وينقل عنه . قال : وتوهم كونه سبط الشيخ علي الكركي المشهور صاحب اللمعة في الجمعة وغيرها باطل .
مؤلفاته :
في الرياض له من المؤلفات :
1 ـ كتاب عمدة المقال في كفر أهل الضلال ـ يعني المتصوفة ـ ألفه باسم الشاه طهماسب الصفوي ، وفرغ من تأليفه في مشهد الرضا عليه السلام سنة 972 .
2 ـ كتاب في مناقب أهل البيت عليهم السلام ومثالب أعدائهم ، ذكره في كتاب عمدة المقال .
3 ـ رسالة المنهاج القويم في التسليم ، مختصرة في تحقيق مسألة التسليم في الصلاة ،
____________
(1) من تاريخ تأليف هذه الرسالة نعرف انه كان حياً في سنة 976 .


( 11 )


ألفها في مشهد الرضا عليه السلام سنة 964 ـ انتهى ما في الرياض .
4 ـ البلغة في اشتراط اذن السلطان في شرعية صلاة الجمعة . قال من رآها : انها حسنة تدل على طول باعه وفهمه ، فرغ منها في أول شعبان سنة 966 . وكون من يفتي بهذا كذلك محل نظر .
5 ـ شرح الارشاد ، على احتمال . ففي الرياض : نسب السيد الداماد في حواشي شارع النجاة الي خاله شرح الارشاد وينقل عنه بعض الفتاوى ، فيمكن أن يريد به المترجم ويمكن أن يريد أخاه الشيخ عبد العالي بن الشيخ علي الذي له اللمعة في عدم عينية الجمعة .

* * *


النسخة التي كانت أساساً للطبع ، هي النسخة الوحيدة الموجودة في ( مكتبة آية الله المرعشي العامة ) بقم برقم ( 477 ) . وأوصافها كما يلي :
الرسالة بخط المؤلف ، فرغ من تأليفها وكتابتها بمشهد الامام الرضا عليه السلام في شهر ربيع الثاني سنة 976 .
خطها رقعي مائل الى التعليق ، وكثيراً ما يهمل النقاط ولا يتقيد بقواعد الاملاء
شطب على بعض الكلمات والجمل في الاصل وأضيف تصحيحات في الهوامش .
يوجد فيها طائفة من الاغلاط حتى في بعض الايات والاحاديث ، وقد صححناها بعد المراجعة الى المصادر ولم نشر الى ذلك الا شاذاً .

* * *


وختاماً : يجب في هذه المناسبة القصيرة أن نشيد بالاهتمام الابوي الذي يبذله سماحة آية الله العظمى السيد شهاب الدين النجفي المرعشي ـ دام ظله الوارف ـ بالنسبة الى الحوزة العلمية في قم ، ومن وجوه اهتمامه عنايته التامة بتأسيس المكتبة


( 12 )


الكبرى تيسيراً لمهمة الباحثين والمطالعين .
كما يجب أن نذكر القراءة بالجهود الجبارة التي يبذلها الاخ العلامة الجليل السيد محمود المرعشي في تنمية المكتبة وتهيئة الوسائل المطلوبة للمراجعين واستقبالهم بوجهه الباش وأخلاقه الطيبة .
حفظ الله الوالد والولد ملجأ للعلم ومشجعاً للعاملين في حقول الثقافة .
قم : 23 ربيع الاول 1394 هـ

السيد احمد الحسيني



( 13 )

أطائب الكلم

في بيان صلة الرحم


( 14 )

( 15 )
بسم الله الرحمن الرحيم


أما بعد حمد الله المتفضل على عباده بنهاية الجود والكرم ، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم ، محمد وآله الواصلين الى أقصى مقدور البشر في حفظ الشرع الاقوم :
فاني لما رأيت الجم الغفير من أبناء هذا الزمن من شيمتهم قطيعة بعضهم بعضاً على وجه يؤدي الى اختلال بقاء نظام النوع الانساني لانه انما هو بالتواصل ، ورأيت أن الفقهاء المتقدمين رضوان الله عليهم أجمعين لم يوردوا ما يتعلق بالصلة في مصنف يفزع اليه الطالب عند الحاجة ، حداني ذلك على أن اكتب رسالة أبين فيها ما ورد من الاوامر الشرعية الواردة في الكتاب العزيز والسنة المطهرة في صلة الرحم وسائر من يطلب وصله حضاً على امتثال ذلك .


( 16 )


فاستخرت الله سبحانه وكتبت ما تيسر من ذلك ، ووسمتها بـ ( أطائب الكلم في بيان صلة الرحم ) .
ورتبتها على مقدمة ومقالة :


( 17 )

أما المقدمة


فالصلة توجب الذكر الجميل في العاجلة ورفيع الدرجات في الاجلة .
ولا ريب أنها من الفروض العينية ، حتى قيل ان تركها من الكبائر الموبقة .
والذي يظهر لي أن السر في ذلك ان الاجتماع مطلوب للشارع في بقاء نظام النوع الذي انما يتحصل ببقاء أشخاصه ، والقرابة موجبة للمودة والالفة ، ولذلك لم يشرع الانكاح الاجانب تحصيلا للالفة المطلوبة للشارع ... صلة الرحم سببان يوجبانها ، فكان توكها من الذنب العظيم ، وقد ... الشارع على الترغيب فيها والوعيد على تركها .
وفي عدة مواضع قد حض الله سبحانه في كتابه العزيز عليها ،


( 18 )


مثل قوله تعالى : ( ووصينا الانسان بوالديه حسناً وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) (1) .
( وبالوالدين احساناً وذي القربى ) (2) .
( ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى ) (3) .
( قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين ) (4) .
( الا ترك خيراً الوصية للوالدين والاقربين ) (5) .
( وآتى المال على حبه ذوي القربى ) (6) .
( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى ) (7) .
( وأولو الارحام بعضهم اولى ببعض ) (8) .
ومن ذلك الامر بالشكر للوالدين في قوله جل ثناؤه ( أن اشكر لي ولوالديك ) (9) .
____________
(1) سورة العنكبوت : 8 .
(2) سورة البقرة : 82 .
(3) سورة النحل : 90 .
(4) سورة البقرة : 215 .
(5) سورة البقرة : 180 .
(6) سورة البقرة : 177 .
(7) سورة النور : 22 .
(8) سورة الانفال : 75 .
(9) سورة لقمان : 14 .


( 19 )


وقد أمر عزوجل نبيه صلّى الله عليه وآله بقوله ( وأنذر عشيرتك الاقربين ) (1) .
( وأمر أهلك بالصلاة ) (2) .
وفي أمره بأمرهم بذلك على الخصوص نظراً الى أن الاهل أحق بالشفقة ايماء الى المطلوب .
والسر في البدأة في بعض هذه الايات بذكر الوالدين : أن حق ذوي القربى كالتابع لحقهما ، لتفرع اتصالهم عليهما . ضرورة ان الانسان انما يتصل به اقرباؤه بواسطة اتصالهما .
وكذا السر في تقديم ذكرهم : انهم أولى بالشفقة ، فان القرابة مظنة الاتحاد والالفة والرعاية والنصرة ، فلو لم يحصل شيء من ذلك لكان أشق على القلب وأبلغ في الايلام . والضرر كلما كان أقوى كان دفعه أوجب ، فلهذا وجبت رعاية حقوق أولي الارحام .
وأما الاخبار الناطقة بذلك :
فمنها ما رواه الثقة الجليل محمد بن يعقوب الكليني في الكافي باسناده عن جميل بن دراج قال : سألت ابا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل ( واتقوا الله الذي تسائلون به والارحام ان
____________
(1) سورة الشعراء : 214 .
(2) سورة طه : 132 .


( 20 )


الله كان عليكم رقيباً ) (1) . قال : فقال هي ارحام الناس ، ان الله عزوجل أمر بصلتها وعظمها ، ألا ترى انه جعلها منه .
قلت : اراد عليه السلام بالامر بصلتها الامر على سبيل الوجوب ، ويلزم منه أن يكون المعنى اتقوا الارحام أن تقطعوها ، عن ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك ، وهو المروي عن ابي جعفر عليه السلام . فعلى هذا يكون « الأرحام » منصوباً عطفاً على اسم الله .
وآخر الاية يجري مجرى الوعد والوعيد والترهيب والترغيب فان الرقيب هو المراقب الذي يحفظ جميع الافعال ، ومن هذه صفته يجب أن يخاف ويرجى .
وروى أيضاً الثقة المذكور باسناده عن ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ) (2) نزلت في رحم آل محمّد عليه وعليهم السلام ، وقد تكون في قرابتك . ثم قال : ولا تكونن ممن يقول للشيء انه في شيء واحد .
قلت : لعله عليه السلام يشير بذلك الى أنه لا عبرة بخصوص سبب النزول ، وانما العبرة بعموم اللفظ ، وحينئذ لا يبعد الاستدلال
____________
(1) سورة النساء : 1 .
(2) سورة الرعد : 21 .


( 21 )


بذلك على الترغيب في صلة مطلق القرابة حتى النائية بسبب الايمان .
وروى أيضاً باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام مثله .
وباسناده عن محمّد بن فضيل الصيرفي عن الرضا عليه السلام مثله أيضاً .
وباسناده عن حنان بن سدير عن أبيه عن ابي جعفر عليه السلام قال : قال ابوذر رحمه الله : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : حافتا الصراط (1) يوم القيامة الرحم والامانة ، فاذا مر الوصول للرحم المؤدي للامانة نفذ الى الجنة ، واذا مر الخائن للامانة القطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل ويكبونه في النار (2) وباسناده عن يونس بن عمار قال : قال ابوعبد الله عليه السلام : أول ناطق من الجوارح يوم القيامة الرحم ، تقول : يا رب من وصلني في الدنيا فصل اليوم ما بينك وبينه ، ومن قطعني في الدنيا فاقطع اليوم ما بينك وبينه .
وروى ابو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان
____________
(1) حافتا الصراط : جانباه .
(2) الكافي 2 / 122 ، وفي آخره بدل « ويكبونه في النار » : وتكفأ به الصراط في النار .


( 22 )


باسناده عن النبي صلّى الله عليه وآله قال : قال الله تعالى : أنا الرحمن ، خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي ، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته .
قال : وفي أمثال هذا الخبر كثرة .
قلت : أراد بذلك أنه بمنزلة التواتر معنى .
وباسناده عن الاصبغ بن نباتة عن امير المؤمنين عليه السلام قال : ان احدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل به النار ، فأيما رجل غضب على رحمه فليمسنه ، فان الرحم اذا مستها الرحم استقرت ، وانها معلقة بالعرش تنادي : اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني .
قلت : لا ينافي ذلك مارواه الصدوق في عيون اخبار الرضا عن ابيه موسى عليهما السلام قال : أخبرني أبي عن آبائه عن جدي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : الرحم اذا مستها الرحم تحركت واضطربت .
وذلك لان استقرارها من الغضب وزوال سورته عنها انما هو تحرك الدم واضطراب العروق الناشئين من المس المثمرين للرقة .
وروى الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في التهذيب


( 23 )


عن السكوني ، ورواه ايضاً الصدوق في من لا يحضره الفقيه باسناده قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الصدقة بعشرة ، والقرض بثمانية عشر ، وصلة الاخوان بعشرين ، وصلة الرحم بأربعة وعشرين .
وباسناده عن عبد الله بن عجلان قال : قال لابي جعفر عليه السلام : اني ربما قسمت الشيء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم ؟ قال : اعطهم على الهجر في الدين والفقه والعلم .
ولا خلاف وفي جواز الوصية للرحم ، لما فيه من الجمع بين الصدقة والصلة ، بل قد ورد النص بجواز الوصية له وان كان كافراً وهو الذي نقله الطبرسي في مجمع البيان عن كثير من العلماء .
ونقل عن اصحابنا أنها جائزة للوالدين والولد ، وحجتهم في جوازها للوالدين ما تقدم من الايات الدال بعضها على ذلك بالنص الصريح ، ولهذا يجب أن يخص بها مجموع ما سيأتي من الادلة الدالة على المنع من صلة كل عدو لله سبحانه بسبب استثناء هذا الفرد منه .
وقد أجمعوا على استحباب اختصاص الرحم بالصدقة الواجبة مع وجود الصفات المقتضية للاستحقاق ، لقوله عليه السلام : لا صدقة وذو رحم محتاج .


( 24 )


ولان الاعتناء به في نظر الشارع أتم من غيره ، ولهذا ورثه وكتب له الوصية عند حضور الموت بتوفير نصيبه في قوله ( كتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيراً الوصية للوالدين والاقربين ) (1) ، لما فيها من زيادة الصلة .
وامر الولد الاكبر بوجوب التحمل عن أبيه ما فاته من صلاة وصيام تمكن منه ومات قبل أدائه ، واستحباب الحج عنه مع المكنة .
ونهى عن الرجوع فيما وهبه لقريبه ولو بدون التصرف والتعويض ، فكان الدفع اليه أولى ، وهو المروي عن الكاظم عليه السلام .
وكذا صدقة التطوع مستحب له ، لقوله تعالى ( يتيماً ذا مقربة ) (2) .
وقال عليه السلام : الصدقة على المسكين صدقة ، وهي على ذي الرحم صدقة وصلة .
____________
(1) سورة البقرة : 180 .
(2) سورة البلد : 15 .


( 25 )


واما المقالة


ففيها مطالب :

المطلب الاول
( في بيان معنى الرحم )


« الرحم » لغة القرابة المطلقة ، وكذا عرفاً (1) . وأورد ابو القاسم الراغب في مفرداته ان استعارته من رحم الانثى ، لكونهم خارجين من رحم واحدة ، وأصله الرحمة ، وذلك لانها مما يتراحم به ويتعاطف ، يقولون « وصلتك رحم » .
ومن أجل ما ذكرناه من اللغة والعرف ذهب علماؤنا الى تسمية القرابة المطلقة رحماً ، سواء الذكر والاثنى والوارث وغير
____________
(1) قال ابن منظور في لسان العرب 12 / 232 : الرحم ( بفتح الراء وكسر الحاء ) أسباب القربة ، وأصلها الرحم التي هي منبت الولد ، وهي الرحم ( بكسر الراء وسكون الحاء ) . الجوهري : الرحم القرابة ، والرحم بالكسر مثله .


( 26 )


الوارث والمحرم وغير المحرم والمسلم والكافر ، من قبل الاب والام أو من قبل أحدهما ، لان الاسم يتناول الجميع على السواء ولم يعهد في الشرع معنى آخر وضع هذا اللفظ له ، فوجب صرفه الى المتعارف ، كما هو المعهود من عادة الشرع .
ويؤيده ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره عن علي عليه السلام قال : قوله تعالى ( فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم ) (1) نزلت في بني امية بقتلهم الحسين عليه السلام .
وذلك لانهم لصاق بعبد مناف ، بسبب أن اخاه ربى عبداً له رومياً اسمه « امية » (2) ، والى ذلك اشار أمير المؤمنين عليه السلام لما كتب اليه معاوية « انما نحن وانتم بنو عبد مناف » : ليس المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللصيق (3) .
____________
(1) سورة محمد : 22 .
(2) قال القمي في سفينة البحار 1 | 46 : عن كامل البهائي ان اُمية كان غلاماً رومياً لعبد شمس ، فلما ألفاه كيساً فطناً أعتقه وتبناه فقيل أمية بن عبد شمس ، وكان ذلك دأب العرب في الجاهلية ، وبمثل ذلك نسب العوام ابو الزبير الى خويلد ، فبنوا أمية كافة ليسوا من قريش ، وانما لحقوا ولصقوا بهم .
(3) قال محمد عبده معلقاً على هذه الجملة من نهج البلاغة 3 | 18 : الطليق الذي أسر فأطلق بالمن عليه أو الفدية ، وابو سفيان ومعاوية كانا من الطلقاء يوم الفتح . والمهاجر من آمن في المخافة وهاجر تخلصاً منها . والصريح صحيح النسب في ذوي الحسب . واللصيق من ينتمي اليهم وهو أجنبي عنهم .


( 27 )


وبعض العامة قصر ذلك على المحارم الذين يحرم التناكح بينهم ان كانوا ذكوراً و اناثاً ، وان كانوا من قبيل يقدر احدهما ذكراً والاخر أنثى ، فان حرم التناكح بينهم فهم الرحم . محتجاً بأن تحريم الاختين انما كان لما يتضمن من قطيعة الرحم ، وكذا تحريم اصالة الجمع بين العمة والخالة وابنة الاخ و الاخت مع عدم الرضا عندنا ومطلقاً عندهم .
ويرده ما تقدم .
نعم يشترط أن لا يبعد الشخص جداً بحيث لا يعد في العرف انه من القرابة ، والا لكان جميع الناس أقرباء ، لاشتراكهم في آدم عليه السلام .
وللمفيد قول بارتقاء القرابة الى آخر أب وأم في الاسلام ، وهو قول الشيخ في النهاية ، ونقحه العلامة في القواعد بأن المراد بهمن يتقرب اليه ولو بأبعد جد أو جدة ، بشرط كونهما مسلمين ، فالجد البعيد ومن كان من فروعه وان بعدت مرتبته بالنسبة اليه معدود قرابة اذا كان مسلماً .
ويضعف بأنه قد لا يساعد العرف عليه ، فان من عرض تقربه الى جد بعيد جداً لايعد قرابة عرفاً وان كان الجد مسلماً ، للعلة المتقدمة .


( 28 )


وما قلناه أولاً مختار المبسوط والخلاف ، واليه ذهب ابن البراج وابن ادريس واكثر المتأخرين ، وقد مر وجهه .
ووجه الثاني قوله عليه السلام « قطع الاسلام ارحام الجاهلية » وقوله تعالى لنوح عن ابنه ( انه ليس من أهلك ) (1) .
ورده ابو القاسم جعفر بن سعيد في الشرايع بأنه غير مستند الى شاهد .
وتوجيهه : انتفاء النص الصريح فيه ، اذ لم يرد فيه الا هذه الرواية ، وهي مع تسليم سندها غير دالة على المراد ، لان قطع الرحم للجاهلية لا يدل على قطع القرابة مطلقاً مع أصناف الكفار وكذا قطع الاهلية عن نوح .
قال ابن الجنيد : القريب من تقرب من جهة الاب أو الوالدين .
قال : ولا اختار أن يتجاوز بالتفرقة ولد الاب الرابع ، لان النبي صلى الله عليه وآله لم يتجاوز ذلك في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس ، ولا دلالة على أن ذوي القربى حقيقة في مستحق الخمس ، وانما ذلك أمر أراده الله تعالى وفسره النبي صلّى الله عليه وآله ، بدليل ما روى أنه لما نزل ( قل لا أسئلكم عليه أجراً الا المودة في القربى ) (2) قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت
____________
(1) سورة هود : 46 .
(2) سورة الشورى : 23 .


( 29 )


علينا مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وابناهما . ذكره الزمخشري في الكشاف وغيره ، واخبارنا ناطقة بأن باقي الائمة المعصومين من قرباه الذين وجبت علينا مودتهم .
هذا معنى آخر للقرابة بالنسبة اليه عليه السلام سوى الاول ، وهو قاض بأن للنبي صلّى الله عليه وآله في القرابة معنى خاصاً به ، للقطع بأن القرابة في حق غيره عليه السلام لا يقتصر فيها على احدى بناته وأولادها وبعلها الذي من شجرته . فالمرجع حيئذ الى العرف .
وعن أبي حنيفة وابي يوسف عدم اطلاق اسم القريب على الجد وولد الولد والوالدين والولد حي ، لان عندهم من سمى والده قريباً كان عاقاً ، لان القريب من يتقرب الى غيره بواسطة الغير ، وتقرب الوالد والولد بنفسهما لا بغيرهما ، لقوله تعالى « والاقربين » عطفه على الوالدين . ولا حجة فيه .
وقال فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير: لو أوصى لقرابته دخل قرابة الام في وصية العجم ولا تدخل في وصية العرب على الاظهر ، لانهم لا يعدون ذلك قرابة ، بخلاف ما لو أوصى لارحامه فانه يدخل قرابة الاب والام . والحق عدم الفرق .