تحصيل الكمبيالات

البريد الإلكتروني طباعة

كتاب منهاج الصالحين ج 1 ص 444 ـ ص 470

تحصيل الكمبيالات

( 10 ) تحصيل الكمبيالات

من الخدمات التي يقوم بها البنك : تحصيل قيمة الكمبيالة لحساب عميله ، بأنه قبل تاريخ استحقاقها يخطر المدين ( موقع الكمبيالة ) و يشرح في إخطاره قيمتها و رقمها و تاريخ استحقاقها ليكون على علم و يتهيأ للدفع ، و بعد التحصيل يقيد القيمة في حساب العميل ، أو يدفعها إليه نقداً ، و يأخذ منه عمولة إزاء هذه الخدمة ، و من هذا القبيل قيام البنك بتحصيل قيمة الصك لحامله من بلده أو من بلد آخر ، كما إذا لم يرغب الحامل تسلم القيمة بنفسه من الجهة المحال عليها ، فيأخذ البنك منه عمولة ازاء قيامه بهذا العمل .
مسألة 25 : تحصيل قيمة الكمبيالات و أخذ العمولة على ذلك يقع على أنحاء :
1 ـ أن يقدم المستفيد كمبيالة إلى البنك غير محولة عليه و يطلب من البنك تحصيل قيمتها إزاء عمولة معينة .
والظاهر جواز هذه الخدمة و أخذ العمولة بإزائها ، و لكن بشرط أن يقتصر عمل البنك على تحصيل قيمة الكمبيالة فقط ، و أما تحصيل فوائدها الربوية فهو غير جائز ، و يمكن تخريج العمولة فقهياً بأنها جعالة من الدائن للبنك على تحصيل دينه .
2 ـ أن يقدم المستفيد كمبيالة إلى البنك محولة عليه ، و لكن لم يكن مديناً لموقعها ، أو كان مديناً له بعملة أخرى غير ما أحال بها عليه .
و حينئذ يجوز للبنك أخذ عمولة إزاء قبوله هذه الحوالة ـ بالشرط المتقدم في سابقه ـ لأن القبول غير واجب على البرئ و كذا على المدين بغير جنس الحوالة ، فحينئذ لا بأس بأخذ شيء مقابل التنازل عن حقه هذا .


( 445 )

3 ـ أن يقدم المستفيد كمبيالة إلى البنك محولة عليه ممن لديه رصيد مالي لدى البنك ، و قد أشار فيها بتقديمها إلى البنك عند الاستحقاق ، ليقوم البنك بخصم قيمتها من حسابه الجاري و قيدها في حساب المستفيد ( الدائن ) أو دفعها له نقداً ، فمرد ذلك إلى أن الموقع أحال دائنه على البنك المدين له ، فيكون ذلك من قبيل الحوالة على المدين ، و المختار فيها ـ كما تقدم ـ اعتبار قبول المحال عليه ( و هو البنك هنا ) فلا تكون الحوالة نافذة من دون قبوله ، و عليه فيجوز له أخذ عمولة أزاء قيامه بقبول الحوالة و تسديد دينه .


( 11 )
بيع العملات الأجنبية و شراؤها

من أعمال البنوك : القيام بشراء العملات الأجنبية و بيعها، لغرض توفير القدر الكافي منها لتأمين حاجات عملائها ، و لا سيما التجار المستوردين للبضائع من الخارج ، و للحصول على الربح منه نتيجة الفرق بين أسعار الشراء و البيع .
مسألة 26 : يصح بيع العملات الأجنبية و شراؤها بقيمتها السوقية و بالأقل و الأكثر ، بلا فرق في ذلك بين كون البيع أو الشراء حالاً أو مؤجلاً، فإن البنك كما يقوم بعملية العقود الحالة يقوم بعملية العقود المؤجلة .

( 12 )
السحب على المكشوف


كل من لديه رصيد لدى البنك في الحساب الجاري يحق له سحب أي


( 446 )

مبلغ لا يزيد عن رصيده.
نعم، قد يسمح البنك له بسحب مبلغ معين من دون رصيد نظراً لثقته به ، و يسمى ذلك بـ: (السحب على المكشوف ) و يحتسب البنك فائدة على هذا المبلغ .
مسألة 27 : السحب على المكشوف مرده إلى الاقتراض من البنك بشرط دفع الفائدة ، فهو قرض ربوي محرم ، و ما يتقاضاه البنك من الفوائد على المبالغ المسحوبة تعد من الفوائد الربوية المحرمة .
نعم ، إذا كان البنك حكومياً أو مشتركاً فلا بأس بالسحب منه ، لا بقصد الاقتراض ، بل بقصد الحصول على المال المجهول مالكه ، على نحو ما تقدم في المسألة الثانية .

( 13 )
خصم الكمبيالات

تمهيدات :
الأول : يمتاز البيع عن القرض في أن البيع تمليك عين بعوض لا مجاناً ، و القرض تمليك للمال بالضمان في الذمة بالمثل إذا كان مثلياً و بالقيمة إذا كان قيمياً(1).

____________

(1) قد يقال: إنّ البيع والقرض يفترقان من جهة اخرى ، وهي اعتبار وجود فارق بين العوض والمعوض في البيع ، وبدونه لايتحقق البيع وعدم اعتبار ذلك في القرض ، ويترتب على ذلك انه لو باع مائة دينار بمائة وعشرة دنانير في الذمة فلا بد من وجود مائز بين العوضين كأن يكون احدهما دينارا عراقيا والثاني دينارا اردنيا ، واما لو كانا جميعا من الدينار العراقي مثلا ، من فئة وطبعة واحدة ، فهو قرض بصورة البيع ، لانطباق العوض على المعوض مع زيادة فيكون محرما لتحقق الربا فيه.
ولكن هذا غير واضح ، لانه يكفي في تحقق مفهوم البيع وجود التغايير بين العوضين في وعاء الإنشاء من حيث كون المعوض عينا شخصية والعوض كليا في الذمة ، مضافا إلى ان لازم هذا الرأي القول بصحة بيع عشرين كيلو من الحنطة نقدا بمثلها نسيئة بدعوى أنه قرض غير ربوي حقيقة وإن كان بصورة البيع ، مع إنه - كما يعترف هذا القائل - من بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة حكمية فيكون من الربا المحرّم.

( 447 )

كما يمتاز عنه في أن البيع الربوي باطل من أصله ، دون القرض الربوي، فإنه باطل بحسب الزيادة فقط ، و أما أصل القرض فهو صحيح .
ويمتاز عنه أيضاً في أن كل زيادة في القرض إذا اشترطت تكون رباً و محرمة دون البيع ، فإنه تحرم فيه الزيادة مطلقاً في المكيل و الموزون من العوضين المتحدين جنساً، و أما لو اختلفا في الجنس ، أو لم يكونا من المكيل و الموزون ، فإن كانت المعاملة نقدية ، فلا تكون الزيادة رباً ، و أما لو كانت المعاملة مؤجلة كما لو باع مائة بيضة بمائة و عشر إلى شهر ، أو باع عشرين كيلو من الأرز بأربعين كيلو من الحنطة إلى شهر ، ففي عدم كون ذلك من الربا إشكال ، فالأحوط لزوماً الاجتناب عنه .
الثاني : الأوراق النقدية بما أنها من المعدود يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً مع اختلافهما جنساً نقداً و نسيئة ، و أما مع الاتحاد في الجنس فيجوز التفاضل في البيع بها نقداً ، و أما نسيئة فلا يخلو عن إشكال كما تقدم .
و على ذلك ، فيجوز للدائن عشرة دنانير عراقية مثلاً أن يبيع دينه بالأقل منها كتسعة دنانير نقداً ، كما يجوز له بيعه بالأقل منها من عملة أخرى كتسعة دنانير أردنية نقداً و نسيئة .
الثالث : الكمبيالات المتداولة بين التجار في الأسواق لم تعتبر لها مالية كالأوراق النقدية ، بل هي مجرد وثيقة لإثبات أن المبلغ الذي تتضمنه دين في ذمة موقعها لمن كتبت باسمه ، فالمعاملات الجارية عليها لا تجر على أنفسها ، بل على النقود التي تعبر عنها ، و أيضاً عندما يدفع المشتري كمبيالة للبائع لم يدفع

( 448 )

ثمن البضاعة ، و لذا لو ضاعت الكمبيالة أو تلفت عند البائع لم يتلف منه مال و لم تفرغ ذمة المشتري ، بخلاف ما إذا دفع له ورقة نقدية و تلفت عنده أو ضاعت .
مسألة 28 : الكمبيالات على نوعين :
أ ـ ما يعبر عن وجود قرض واقعي ، بأن يكون موقع الكمبيالة مديناً لمن كتبت باسمه بالمبلغ الذي تتضمنه .
ب ـ ما يعبر عن وجود قرض صوري لا واقع له .
أما في الأول : فيجوز للدائن أن يبيع دينه المؤجل الثابت في ذمة المدين بأقل منه حالاً ، كما لو كان دينه مائة دينار فباعه بثمانية و تسعين ديناراً نقداً.
نعم، لا يجوز بيعه مؤجلا، لأنه من بيع الدين بالدين ، و بعد ذلك يقوم البنك أو غيره بمطالبة المدين ( موقع الكمبيالة ) بقيمتها عند الاستحقاق .
وأما في الثاني : فلا يجوز للدائن الصوري بيع ما تتضمنه الكمبيالة ، لانتفاء الدين واقعاً وعدم اشتغال ذمة الموقع للموقع له ( المستفيد ) بل إنما كتبت لتمكين المستفيد من خصمها فحسب و لذا سميت ( كمبيالة مجاملة ) .
و مع ذلك ، يمكن تصحيح خصمها بنحو، آخر بإن يوكل موقع الكمبيالة المستفيد في بيع قيمتها في ذمته بأقل منها ، مراعياً الاختلاف بين العوضين في الجنس ، كأن تكون قيمتها خمسين ديناراً عراقياً و الثمن ألف تومان إيراني مثلاً ، و بعد هذه المعاملة تصبح ذمة موقع الكمبيالة مشغوله بخمسين ديناراً عراقياً لقاء ألف تومان إيراني ، و يوكل الموقع ايضاً المستفيد في بيع الثمن ـ و هو ألف تومان في ذمته ـ بما يعادل المثمن و هو خمسون ديناراً عراقياً ، و بذلك تصبح ذمة المستفيد مدينة للموقع بمبلغ يساوي ما كانت ذمة الموقع مدينة به للبنك .
و لكن هذا الطريق قليل الفائدة ، حيث أنه إنما يفيد فيما إذا كان الخصم

( 449 )

بعملة أجنبية، و أما إذا كان بعملة محلية فلا أثر له ، إذ لا يمكن تنزيله على البيع عندئذ على ما عرفت من الإشكال في بيع المعدود مع التفاضل نسيئة.
و أما خصم قيمة الكمبيالة الصورية لدى البنك على نحو القرض، بإن يقترض المستفيد من البنك مبلغاً أقل من قيمة الكمبيالة الاسمية ، ثم يحول البنك الدائن على موقعها بتمام قيمتها ، ليكون من الحوالة على البريء ، فهذا رباً محرم ، لأن اشتراط البنك في عملية الاقتراض ( الخصم ) اقتطاع شيء من قيمة الكمبيالة إنما هو من قبيل اشتراط الزيادة المحرم شرعاً و لو لم تكن الزيادة بإزاء المدة الباقية بل بإزاء قيام البنك ببعض الأعمال كتسجيل الدين و تحصيله و نحوهما ، لأنه لا يحق للمقرض أن يشترط على المقترض أي نحو من أنحاء النفع الملحوظ فيه المال .
هذا إذا كان البنك أهلياً ، و أما لو كان حكومياً أو مشتركاً فيمكن التخلص من ذلك بإن لا يقصد المستفيد في عملية الخصم لديه شيئاً من البيع و الاقتراض ، بل يقصد الحصول على المال المجهول مالكه فيقبضه مع الاستئذان من الحاكم الشرعي على الأحوط ، ثم يتصرف فيه بعد المراجعة إليه لإصلاحه ، فإذا رجع البنك في نهاية المدة إلى موقع الكمبيالة و ألزمه بدفع قيمتها ، جاز له الرجوع على المستفيد ببدل ما دفع إذا كان قد وقع الكمبيالة بأمر و طلب منه .

( 14 )
العمل لدى البنوك

تصنف أعمال البنوك صنفين :
أحدهما : محرم، و هو الأعمال التي لها صلة بالمعاملات الربوية كالتوكيل


( 450 )

في إجرائها ، و تسجيلها ، و الشهادة عليها ، و قبض الزيادة لأخذها ، و نحو ذلك و مثلها الأعمال المرتبطة بمعاملات الشركات التي تتعامل بالربا أو تتاجر بالخمور ، كبيع أسهمها و فتح الاعتماد لها و ما يشبههما .
و هذه كلها محرمة لا يجوز الدخول فيها ، و لا يستحق العامل أجرة إزاء تلك الأعمال .
ثانيهما: سائغ ، و هي غير ما ذكر ، فيجوز الدخول فيها و أخذ الأجرة عليها .
مسألة 29 : إذا كان دافع الزيادة في المعاملة الربوية كافرا غير محترم المال ـ سواء كان هو البنك الأجنبي أو غيره ـ فقد تقدم أنه يجوز حينئذ أخذها للمسلم ، و على ذلك فيجوز الدخول في الأعمال التي ترتبط بإجراء مثل هذه العاملة الربوية في البنوك و خارجها .
مسألة 30 : الأموال الموجودة لدى البنوك الحكومية و المشتركة في البلاد الإسلامية لما كانت تعد من المال المجهول مالكه ، الذي لا يجوز التصرف فيه من غير مراجعة الحاكم الشرعي ، فيشكل حينئذ العمل لدى هذه البنوك في قبض الأموال و تسليمها إلى المتعاملين مع البنك ممن يتصرفون فيها من غير مراجعة الحاكم الشرعي لإصلاحها .
مسألة 31 : الجعالة و الإجارة و الحوالة و نحوها من المعاملات الجارية مع البنوك الحكومية في الدول الإسلامية تتوقف صحتها على إجازة الحاكم الشرعي ، فلا تصح من دون إجازته .

( 451 )


( 15 )
عقد التأمين



التأمين عقد يلتزم المؤمن له بمقتضاه أن يدفع مبلغاً معيناً ـ شهرياً ، أو سنوياً ، أو دفعة واحدة ـ إلى المؤمن في مقابل تعهد المؤمن أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال ، أو إيراداً مرتباً ، أو أي عوض مالي آخر ، في حالة وقوع حادث أو ضرر مبين في العقد .
مسألة 32 : التأمين على أقسام ، منها :
التأمين على الأشخاص من خطر الوفاة أو بعض الطوارئ الأخرى كالمرض و نحوه .
و منها التأمين على الأموال كالسيارات و الطائرات و السفن و نحوها من خطر الحريق أو الغرق أو السرقة أو ما شاكلها .
و هناك تقسيمات أخرى للتأمين لا يختلف الحكم الشرعي بالنظر إليها فلا داعي لذكرها .
مسألة 33 : يشتمل عقد التأمين على أركان :
1 و 2 ـ الإيجاب و القبول من المؤمن و المؤمن له ، و يكفي فيهما كل ما يدل عليهما من لفظ أو كتابة أو غيرهما .
3 ـ تعيين المؤمن عليه ، شخصاً كان أو مالاً .
4 ـ تعيين مدة عقد التأمين بداية و نهاية .
مسألة 34 : يعتبر في التأمين تعيين الخطر الموجب للضرر ، كالغرق و الحرق و السرقة و المرض و الموت ونحوها ، و كذا يعتبر فيه تعيين أقساط التأمين السنوية أو الشهرية لو كان الدفع أقساطاً .


( 452 )

مسألة 35 : يشترط في طرفي العقد التأمين : البلوغ و العقل و القصد و الاختيار و عدم الحجر لسفه أو فلس ، فلا يصح من الصغير و المجنون و الهازل و المكره و المحجور عليه .
مسألة 36 : عقد التأمين من العقود اللازمة ، و لا ينفسخ إلا برضا الطرفين .
نعم، إذا اشترط في ضمن العقد استحقاق المؤمن له أو المؤمن أو كليهما للفسخ جاز الفسخ حسب الشرط .
مسألة 37 : إذا تخلف المؤمن عن العمل بتعهده ، كان للمؤمن له إلزامه بذلك ـ و لو بالتوسل إلى الحاكم الشرعي أو غيره ـ و له الخيار في فسخ العقد و استرجاع مبلغ التأمين .
مسألة 38 : إذا تقرر في عقد التأمين قيام المؤمن له بدفع مبلغ التأمين أقساطاً ، فتخلف عن تسديد قسط ـ كماً أو كيفاً ـ لم يجب على المؤمن القيام بدفع المبالغ التي تعهد بدفعها عند وقوع الضرر المعين ، كما لا يحق للمؤمن له استرجاع ما سدده من أقسام التأمين .
مسألة 39 : لا تعتبر في صحة عقد التأمين مدة خاصة ، بل هي تابعة لما يتفق عليه الطرفان المؤمن والمؤمن له .
مسألة 40 : إذا اتفق جماعة على تأسيس شركة يتكون رأس مالها من الأموال المشتركة بينهم ، و اشترط كل منهم على الآخرين في ضمن عقد الشركة أنه على تقدير حدوث حادثة ـ حدد نوعها في ضمن الشرط ـ على نفسه أو ماله ـ من داره أو سيارته أو نحو ذلك ـ أن تقوم الشركة بتدارك خسارته في تلك الحادثة من رأس مال الشركة أو أرباحها، وجب العلم بالشرط ما دام العقد باقياً .

( 453 )


( 16 )
السرقفلية ـ الخلو

من المعاملات الشائعة بين التجار و الكسبة ما يسمى بـ ( السرقفلية ) ، و يراد بها تنازل المستأجر عما تحت تصرفه من بإيجار المحل الذي يشغله لآخر إزاء مقدار من المال يتفق عليه الطرفان.
وتطلق أيضاً على تنازل المالك للمستأجر عن حقه في إخراجه من المحل أو زيادة بدل الإيجار بعد نهاية مدة الإجارة إزاء مقدار من المال يتفقان بشأنه .
مسألة 41 : استئجار الأعيان المستأجرة كمحلات الكسب و التجارة لا يحدث حقاً للمستأجر فيها بحيث يمكنه إلزام المؤجر عدم إخراجه منها و تجديد إيجارها منها بمقدار بدل إيجارها السابق بعد نهاية الإجارة .
و كذا طول إقامة المستأجر في المحل ، و وجاهته في مكسبه الموجبة لتعزيز الموقع التجاري للمحل ، لا يوجب شيء من ذلك حقاً له في البقاء ، بل إذا تمت مدة الإجارة يجب عليه تخلية المحل و تسليمه إلى صاحبه .
و إذا استغل المستأجر القانون الحكومي الذي يقضي بمنع المالك عن إجبار المستأجر على التخلية أو عن الزيادة في بدل الإيجار ، فامتنع عن دفع الزيادة أو التخلية فعمله هذا محرم ، و يكون تصرفه في المحل بدون رضا المالك غصباً ، و كذا ما يأخذه من المال إزاء تخليته حراماً .
مسألة 42 : إذا آجر المالك محله من شخص سنة بمائة دينار مثلاً ، و قبض إضافة على ذلك مبلغ خمسمائة دينار مثلاً إزاء اشتراطه على نفسه في ضمن العقد أن يجدد الإيجار لهذا المستأجر ، أو لمن يتنازل له المستأجر سنوياً بدون زيادة ، و إذا أراد المستأجر الثاني التنازل عن المحل الثالث أن يعامله نفس معاملة


( 454 )

المستأجر ، فحينئذ يجوز للمستأجر أن يأخذ إزاء تنازله عن حقه مبلغاً يساوي ما دفعه إلى المالك نقداً أو أكثر أو أقل حسب ما يتفقان عليه .
مسألة 43 : إذا آجر المالك محله من شخص مدة معلومة و شرط على نفسه ـ إزاء مبلغ من المال أو بدونه ـ في ضمن العقد أن يجدد إيجاره له سنوياً بعد نهاية المدة بالصورة التي وقع عليها في السنة الأولى أو على النحو المتعارف في كل سنة ، فاتفق أن شخصاً دفع مبلغاً للمستأجر إزاء تنازله عن المحل و تخليته فقط ـ حيث لا يكون له إلا حق البقاء و للمالك الحرية في إيجار المحل بعد خروجه كيف ما شاء ـ فعندئذ يجوز للمستأجر أخذ المبلغ المتفق عليه ، و تكون السرقفلية بإزاء التخلية فحسب ، لا بإزاء انتقال حق التصرف منه إلى دافعها .
مسألة 44 : يجب على المالك الوفاء بما اشترطه على نفسه في ضمن عقد الإجارة ، فيجب عليه في مفروض المسألة 42 أن يؤجر المحل للمستأجر أو لمن يتنازل له عنه بدون زيادة في بدل الإيجار ، كما يجب عليه في مفروض المسألة 43 أن يجدد الإيجار للمستأجر ما دام يرغب في البقاء في المحل بمقدار بدل الإيجار السابق أو بما هو بدل إيجاره المتعارف حسبما هو مقرر في الشرط .
و إذا تخلف المالك عن الوفاء بشرطه و امتنع عن تجديد الإيجار فللمشروط له إجباره على ذلك و لو بالتوسل بالحاكم الشرعي أو غيره ، و لكن إذا لم يتيسر إجباره ـ لأي سبب كان ـ فلا يجوز له التصرف في المحل من دون رضا المالك .
مسألة 45 : إذا جعل الشرط في عقد الإجارة في مفروض المسألتين ( 42 ـ 43 ) على نحو شرط النتيجة ـ لا على نحو شرط الفعل ، أي اشتراط تجديد الإجارة كما فرضناه ـ بأن اشترط المستأجر على المؤجر أن يكون له أو لمن يعينه مباشرة أو بواسطة حق إشغال المحل و الاستفادة منه إزاء مبلغ معين سنوياً، أو بالقيمة المتعارفة في كل سنة ، فحينئذ يكون للمستأجر ـ أو لمن يعينه ـ حق إشغال المحل و الاستفادة منه و لو من دون رضا المالك ، و لا يحق للمالك إلا

( 455 )

أن يطالب بالمبلغ الذي اتفقا عليه إزاء الحق المذكور .

( 17 )
مسائل في قاعدة الإقرار و المقاصة النوعية

هناك مسائل تتعلق بأحكام العقود و الإيقاعات و الحقوق ، تختلف فيها آراء علماء الإمامية عن آراء غيرهم من أرباب المذاهب الإسلامية ـ كلاً أو بعضاً فيسأل عن كيفية تعامل الإمامي مع غيره في موارد تلك المسائل .
و قد تعارف لدى فقهائنا المتأخرين ـ رضوان الله عليهم ـ تخريج هذه المسائل على قاعدة الإلزام ، أي إلزام غير الإمامي بأحكام نحلته .
و لكن حيث أن هذه القاعدة لم تثبت عندنا بطريق معتبر ، فلا بد من تطبيق تلك المسائل على القواعد البديلة لقاعدة الإلزام ، كقاعدة المقاصة النوعية ( خذوا منهم كما يأخذون منكم في سننهم و قضاياهم ) و قاعدة الإقرار ( أي إقرار غير الإمامي على مذهبه و معاملته بموجب أحكامه ) .
مسألة 46 : يصح لدى الإمامية النكاح من غير إشهاد ، و لكن العامة اختلفوا في ذلك ، فمنهم من وافق الإمامية في ذلك ، و منهم من ذهب إلى فساد النكاح بدون الإشهاد ، و هم الحنفية و الشافعية و الحنابلة ، و منهم من ذهب إلى فساده بدون الإعلان ، و هم المالكية ، و لكن القائلين بفساده على طائفتين :
فمنهم من يرى في الأنكحة التي اختلف الفقهاء في صحتها و فسادها ـ كالعقد المذكور ـ أنه ليس لأحد أن يتزوج المرأة قبل أن يطلقها المعقود له أو يفسخ نكاحها ، و هؤلاء هم المالكية و أكثر الحنابلة .
فإذا كان الزوج من هؤلاء لم يمكن الزواج بالمرأة قبل أن يطلقها أو يفسخ نكاحها .


( 456 )

و منهم من يرى في الأنكحة المختلف فيها أنه يجوز الزواج من المرأة من غير حاجة إلى فسخ أو طلاق ، و هؤلاء هم الشافعية و الحنفية .
فمتى كان الزوج منهم فالأظهر جواز الزواج بالمرأة بعد انقضاء عدتها ـ إذا كانت ممن تجب عليها العدة عندهم ـ إقراراً للزوج على مذهبه .
و كذا يجوز للمرأة إذا كانت إمامية أن تتزوج بعد انقضاء عدتها على تقدير وجوب العدة عليها عندهم .
و لكن الأولى ـ في الصورتين ـ خروجاً عن الشبهة و مراعاةً للاحتياط ، التوصل إلى طلاقها و لو من قبل الحاكم الشرعي إذا كان الزوج ممتنعاً منه .
مسألة 47 : لا يجوز عند العامة الجمع بين العمة و بنت أخيها ، أو بين الخالة و بنت أختها ، بمعنى أنه يبطل كلا العقدين إذا تقارنا في الوقوع ، كما يبطل المتأخر منهما متى سبق أحدهما الآخر .
و أما عند الإمامية فيجوز عقد العمة على بنت أخيها و الخالة على بنت أختها مطلقاً ، كما يجوز عقد بنت الأخ على العمة و بنت الأخت على الخالة مشروطاً بسبق العقد أو لحوقه برضا العمة أو الخالة .
و عليه فإذا جمع العامي بين العمة و بنت أخيها أو الخالة و بنت أختها في النكاح جاز للإمامي أن يعقد على أي منهما مع تقارن العقدين ، بل على كليهما مع رضا العمة أو الخالة ، كما يجوز له أن يعقد على المعقودة بالعقد المتأخر مع رضا العمة أو الخالة إذا كان عقدهما سابقاً ، و هكذا الحال بالنسبة إلى كل واحدة منهما إذا كانت إمامية .
مسألة 48 : لا تجب العدة على المطلقة اليائسة و الصغيرة على مذهب الإمامية و لو مع الدخول بهما ، و لكن تجب على مذهب العامة على خلاف بينهم في شروط ثبوتها على الصغيرة .
فإذا كان الزوج عامياً فطلق زوجته الصغيرة أو اليائسة و كان مذهبه ثبوت

( 457 )

العدة عليها أقر على ما يراه في مذهبه من أحكامها كفساد العقد على أختها خلال فترة العدة ، و كذا سائر من يحرم عندهم نكاحها جمعاً .
و الأحوط لزوماً للإمامي أن لا يتزوجها قبل انقضاء عدتها ، و أن لا تتزوج هي قبل ذلك و إن كانت إمامية أو صارت كذلك ، كما أن الأحوط لها أن لا تأخذ نفقة أيام العدة من الزوج و إن فرض ثبوت النفقة لها على مذهبه إلا تطبيقاً لقاعدة المقاصة النوعية مع توفر شروطها .
مسألة 49 : تشترط في صحة الطلاق عند الإمامية جملة من الشروط التي لا تشترط عند سائر المذاهب الإسلامية ـ كلاً أو بعضاً ـ فإذا طلق غير الإمامي زوجته بطلاق صحيح على مذهبه و فاسد حسب مذهبنا ، جاز للإمامي ـ إقراراً له على مذهبه ـ أن يتزوج مطلقته بعد انقضاء عدتها إذا كانت ممن تجب عليها العدة في مذهبه ، كما يجوز للمطلقة إذا كانت من الإمامية أن تتزوج من غيره كذلك .
و فيما يلي بعض الشروط التي تعتبر في صحة الطلاق عند الإمامية و لا تعتبر عند غيرهم ـ كلاً أو بعضاً ـ :
1 ـ أن يكون الطلاق في طهر غير طهر المواقعة .
2 ـ أن يكون منجزاً غير معلق على شيء .
3 ـ أن يكون باللفظ دون الكتابة .
4 ـ أن يكون عن اختيار لا عن إكراه .
5 ـ أن يكون بحضور شاهدين عدلين .
مسألة 50 : يثبت خيار الرؤية ـ على مذهب الشافعي ـ لمن اشترى شيئاً بالوصف ثم رآه و إن كان المبيع حاوياً للوصف المذكور ، و لا يثبت الخيار على مذهب الإمامية في هذا المورد ، فإذا كان المذهب الشافعي نافذاً على الإمامية ، بحيث كان المشتري الشافعي يأخذ البائع الإمامي بالخيار في هذه الحالة ، فللمشتري الإمامي أن يقابل بالمثل فيأخذ البائع الشافعي بالخيار في هذه الصورة

( 458 )

عملاً بقاعدة المقاصة النوعية .
مسألة 51 : ذهب أبو حنيفة و الشافعي إلى عدم ثبوت الخيار للمغبون ، و مذهبنا ثبوته له .
و الظاهر أن محل الكلام في الثبوت و عدمه لا يشمل ما إذا كان بناء المغبون على عدم الاكتراث بالقيمة و شراء البضاعة أو بيعها بأي ثمن كان ، فإن الظاهر عدم ثبوت الخيار له حينئذ .
و كذا لا يشمل ما إذا كان بناء المتعاملين على حصول النقل و الانتقال بالقيمة السوقية لا أزيد ، و اعتمد المغبون على قول الغابن في عدم الزيادة ، فإن الظاهر ثبوت الخيار له هنا عند الجميع من جهة الإغرار .
و كذا لا يشمل ما إذا كان الثابت بحسب الشرط الارتكازي في العرف الخاص حقاً آخر غير حق الفسخ كحق المطالبة بما به التفاوت .
و على أي حال ، ففي كل مورد كان المذهب الإمامي ثبوت خيار الغبن و مذهب العامي عدم ثبوته ، يجوز للإمامي ـ أخذاً بقاعدة المقاصة النوعية ـ أن يلزم العامي بعدم ثبوت الخيار له ، و ذلك حيث يكون المذهب العامي هو القانون النافذ على الجميع بحيث يلزم به الإمامي أيضاً .
مسألة 52 : يشترط عند الحنفية في صحة عقد السلم أن يكون المسلم فيه موجوداً حال العقد ، و لا يشترط ذلك لدى الإمامية ، فإذا كان المذهب الحنفي نافذاً على الإمامية بحيث كان المشتري الحنفي يلزم البائع الإمامي ببطلان هذا العقد ، جاز للمشتري الإمامي أن يلزم البائع الحنفي بالبطلان في مثله بمقتضى قاعدة المقاصة النوعية .
و هكذا الحال لو صار المشتري إمامياً بعد ذلك .
مسألة 53 : ذهب العامة إلى أن ما فضل عن السهام المفروضة يرثه عصبة الميت ـ كالأخ ـ و عدم رده على ذوي السهام أنفسهم ، و ذهب الإمامية

( 459 )

إلى خلاف ذلك .
مثلاً لو مات الشخص و خلف أخاً و بنتاً فقد ذهب الإمامية إلى إعطاء البنت نصف تركته فرضاً والنصف الآخر رداً ، و عدم إعطاء الأخ شيئاً؛ و أما العامة فقد ذهبوا إلى إعطاء النصف الثاني للأخ ، لأنه من عصبة الميت .
فإذا كان المذهب العامي نافذاً على الوارث الإمامي بحيث لا يرد إليه الفاضل على سهمه ، فللعصبة إذا كانوا من الإمامية أخذ الفاضل على سهم الوارث العامي منه بمقتضى قاعدة المقاصة النوعية .
مسألة 54 : ترث الزوجة على مذهب العامة من جميع تركة الميت من المنقول و غيره و الأراضي و غيرها ، و لا ترث على المذهب الإمامي من الأرض لا عيناً و لا قيمة ، و ترث من الأبنية و الأشجار قيمة لا عيناً .
وعلى ذلك فلو كان المذهب العامي نافذاً على الشيعة بحيث تورث الزوجة العامية من الأرض و من عين الأبنية و الأشجار إذا كان بقية الورثة من الإمامية ، فللزوجة الإمامية أيضاً أن تأخذ ما يصل إليها ميراثاً من الأراضي و أعيان الأبنية و الأشجار حيث يكون سائر الورثة من العامة .

( 18 )
أحكام التشريح

مسألة 55 : لا يجوز تشريح بدن الميت المسلم، فلو فعل لزمته الدية على تفصيل مذكور في كتاب الديات .
مسألة 56 : يجوز تشريح بدن الميت الكافر بأقسامه إذا لم يكن محقون الدم في حال حياته ، و إلا ـ كما لو كان ذمياً ـ فالأحوط لزوماً الاجتناب عن تشريح بدنه.
نعم، إذا كان ذلك جائزاً في شريعته ـ مطلقاً أو مع إذنه في حال الحياة ، أو إذن وليه بعد الوفاة ـ فلا يبعد جوازه حينئذ .


( 460 )

و أما المشكوك كونه محقون الدم في حال الحياة فيجوز تشريح بدنه إذا لم تكن امارة على كونه كذلك .
مسألة 57 : لو توقف حفظ حياة مسلم على التشريح ، و لم يمكن تشريح الكافر غير محقون الدم أو مشكوك الحال ، جاز تشريح غيره من الكفار ، و إن لم يمكن ذلك أيضاً جاز تشريح المسلم ، و لا يجوز تشريح المسلم لغرض التعلم و نحوه ما لم تتوقف عليه حياة مسلم .

( 19 )
أحكام الترقيع

مسألة 58 : لا يجوز قطع عضو من أعضاء الميت المسلم كعينه أو نحوها لإلحاقه ببدن الحي ، فلو قطع فعلى القاطع الدية .
و هل يجوز الإلحاق بعد القطع أو يجب دفن الجزء المبان ؟ لا يبعد الثاني .
نعم ، لا يجب قطعه بعد الإلحاق و حلول الحياة فيه .
مسألة 59 : إذا توقف حفظ حياة المسلم على قطع عضو من أعضاء الميت المسلم لإلحاقه ببدنه جاز القطع ، و لكن تثبت الدية على القاطع على الأحوط ، و إذا ألحق ببدن الحي ترتبت عليه بعد الإلحاق أحكام بدن الحي ، نظراً إلى أنه أصبح جزءاً منه .
مسألة 60 : هل يجوز قطع جزء من الميت المسلم لإلحاقه ببدن الحي إذا كانت حياة عضوه متوقفة عليه ؟ الظاهر عدم الجواز .
مسألة 61 : إذا أوصى بقطع بعض أعضائه بعد وفاته ليلحق ببدن الحي من غير أن تتوقف حياة الحي على ذلك ، ففي نفوذ وصيته و جواز القطع حينئذ إشكال ، و لكن الأظهر عدم وجوب الدية على القاطع .


( 461 )

مسألة 62 : هل يجوز قطع جزء من إنسان حي للترقيع إذا رضي به ؟ فيه تفصيل :
فإنه إذا كان قطعه يلحق ضرراً بليغاً به ـ كما في قطع العين و اليد و الرجل و ما شاكلها ـ لم يجز ، و إلا جاز ـ كما في قطع قطعة جلد أو لحم أو جزء من النخاع و نحوه .
و هل يجوز أخذ مال إزاء ذلك ؟ الظاهر جوازه .
مسألة 63 : يجوز التبرع بالدم للمرضى المحتاجين إليه كما يجوز أخذ العوض عليه .
مسألة 64 : يجوز قطع عضو من بدن ميت كافر غير محقون الدم ، أو مشكوك الحال للترقيع ببدن المسلم ، و تترتب عليه بعده أحكام بدنه ، لأنه صار جزءاً له ، كما أنه لا بأس بالترقيع بعضو من أعضاء بدن حيوان نجس العين كالكلب و نحوه ، و تترتب عليه أحكام بدنه، و تجوز الصلاة فيه باعتبار طهارته بصيرورته جزءاً من بدن الحي بحلول الحياة فيه .

( 20 )
التلقيح الصناعي


مسألة 65 : لا يجوز تلقيح المرأة بماء غير الزوج ، سواء أ كانت ذات زوج أم لا ، رضي الزوج و الزوجة بذلك أم لا ، كان التلقيح بواسطة الزوج أم غيره .
مسألة 66 : لو تم تلقيح المرأة بماء غير الزوج فحملت منه ثم ولدت ، فإن حدث ذلك اشتباهاً ـ كما لو أريد تلقيحها بماء زوجها فاشتبه بغيره ـ فلا إشكال في لحوقه بصاحب الماء ، فإنه نظير الوطء بشبهة .
و أما إن حدث ذلك مع العلم و العمد ، فلا يبعد لحوقه به أيضاً و ثبوت


( 462 )

جميع أحكام النسب بينهما حتى الإرث ، لأن المستثنى من الإرث هو الولد عن زناً ، و هذا ليس كذلك و إن كان العمل الموجب لانعقاد نطفته محرماً .
و هكذا الحال في لحوقه بأمه فإنه يلحق بها حتى في الصورة الثانية على الأقرب ، و لا فرق بينه و بين سائر أولادها أصلاً .
ومن قبيل هذه الصورة ما لو ألقت المرأة نطفة زوجها في فرج امرأة أخرى بالمساحقة أو نحوها ، فحملت المرأة ثم ولدت ، فإنه يلحق بصاحب النطفة و بالتي حملته و إن كان العمل المذكور محرما .
مسألة 67 : لو أخذت بويضة المرأة و ماء الرجل فلقحت به و وضعت في رحم صناعية و تمت تربيتها لغرض التوليد حتى أصبحت ولداً ، فالظاهر أنه ملحق بصاحب الماء و صاحبة البويضة ، و يثبت بينه و بينها جميع أحكام النسب حتى الإرث .
نعم لا يرث الولد ممن مات منهما قبل التلقيح .
مسألة 68 : لو نقلت بويضة المرأة الملقحة بماء الرجل إلى رحم امرأة أخرى فنشأ فيها و تولد ، فهل هو ملحق بالأولى أو الثانية ؟ فيه وجهان ، لا يخلو أولهما عن وجه ، و إن كان الاحتياط لا يترك .
مسألة 69 : يجوز تلقيح الزوجة بنطفة زوجها.
نعم، لا يجوز أن يكون المباشر غير الزوج إذا كان ذلك موجباً للنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه ، أو مس ما لا يجوز مسه ، و حكم الولد منه حكم سائر أولادهما بلا فرق أصلاً .

( 463 )


( 21 )
أحكام تحديد النسل


مسألة 70 : يجوز للمرأة استعمال ما يمنع الحمل من العقاقير المعدة لذلك بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً، و لا فرق في ذلك بين رضا الزوج به و عدمه .
مسألة 71 : يجوز للمرأة استعمال اللولب المانع من الحمل و نحوه من الموانع بالشرط المتقدم ، و لكن لا يجوز أن يكون المباشر لوضعه غير الزوج إذا كان ذلك يتوقف على النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه ، أو مس ما لا يجوز مسه من بدنها .
هذا إذا لم يعلم أن استعمال اللولب يستتبع تلف النطفة بعد انعقادها ، و إلا فالأحوط لزوماً الاجتناب عنه مطلقاً .
مسألة 72 : هل يجوز للمرأة أن تجري عملية جراحية لقطع النسل بحيث لا تنجب أبداً ؟
فيه إشكال ، و إن كان لا يبعد جوازه فيما إذا لم يستلزم ضرراً بليغاً بها ، و منه قطع بعض الأعضاء كالمبيض .
نعم، لا يجوز أن يكون المباشر للعملية غير الزوج إذا كان ذلك موجباً للنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه ، أو مس ما لا يجوز مسه من بدنها .
و نظير هذا الكلام يجري في الرجل أيضاً .
مسألة 73 : لا يجوز إسقاط الحمل بعد انعقاد نطفته ، إلا فيما إذا خافت الأم الضرر على نفسها من استمرار وجوده ، فإنه يجوز لها إسقاطه ما لم تلجه الروح ، و أما بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز الإسقاط مطلقاً .
و إذا أسقطت الأم حملها وجبت عليها ديته لأبيه أو غيره من ورثته ، و إن


( 464 )

أسقطه الأب فعليه ديته لأمه ، و مقدار الدية مذكور في كتاب الديات .
مسألة 74 : يجوز للمرأة استعمال العقاقير التي تؤجل الدورة الشهرية عن وقتها لغرض إتمام بعض الواجبات ـ كالصيام و مناسك الحج أو لغير ذلك ـ بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً، و إذا استعملت العقار فرأت دماً متقطعاً لم يكن لها أحكام الحيض و إن رأته في أيام العادة .

( 22 )
أحكام الشوارع المفتوحة من قبل الدولة

مسألة 75 : يجوز استطراق الشوارع و الأرصفة المستحدثة الواقعة على الدور و الأملاك الشخصية للناس التي تستملكها الدولة و تجعلها طرقاً .
نعم، من علم أن موضعاً خاصاً منها قد قامت الدولة باستملاكه قهراً على صاحبه من دون إرضائه بتعويض أو ما بحكمه ، جرى عليه حكم الأرض المغصوبة ، فلا يجوز له التصرف فيه حتى بمثل الاستطراق إلا مع استرضاء صاحبه أو وليه ـ من الأب أو الجد أو القيم المنصوب من قبل أحدهما ـ فإن لم يعلم صاحبه جرى عليه حكم المال المجهول مالكه ، فيراجع بشأنه الحاكم الشرعي ، و منه يظهر حكم الفضلات الباقية منها ، فإنه لا يجوز التصرف فيها إلا بإذن أصحابها .
مسألة 76 : يجوز العبور و المرور من أراضي المساجد الواقعة في الطرق ، و كذا يجوز الجلوس فيها و نحوه من التصرفات ، و هكذا الحال في أراضي الحسينيات و المقابر و ما يشبههما من الأوقاف العامة .
و أما أراضي المدارس و ما شاكلها ففي جواز التصرف فيها بمثل ذلك لغير


( 465 )

الموقوف عليهم إشكال .
مسألة 77 : المساجد الواقعة في الشوارع و الأرصفة المستحدثة الظاهر لا تخرج عرصتها عن الوقفية ، و لكن لا تترتب عليها الأحكام المترتبة على عنوان المسجد الدائرة مداره وجوداً و عدماً ، كحرمة تنجيسه ، و وجوب إزالة النجاسة عنه و عدم جواز مكث الجنب و الحائض و النفساء فيه ، و ما شاكل ذلك .
و أما الفضلات الباقية منها ، فإن لم تخرج عن عنوان المسجد ترتبت عليها جميع أحكامه ، و أما إذا خرج عنه ـ كما إذا جعلها الظالم دكاناً أو محلاً أو داراً ـ فلا تترتب عليها تلك الأحكام ، و يجوز الانتفاع منها بجميع الانتفاعات المحللة الشرعية إلا ما يعد منها تثبيتاً للغصب ، فإنه غير جائز .
مسألة 78 : الأنقاض الباقية من المساجد بعد هدمها ـ كأحجارها و أخشابها ـ و آلاتها ـ كفرشها و وسائل إنارتها و تبريدها و تدفئتها ـ إذا كانت وقفاً عليها وجب صرفها في مسجد آخر ، فإن لم يمكن ذلك جعلت في المصالح العامة ، و إن لم يمكن الانتفاع بها إلا ببيعها باعها المتولي أو من بحكمه و صرف ثمنها على مسجد آخر .
وأما إذا كانت أنقاض المسجد ملكاً له ، كما لو كانت قد اشتريت من منافع العين الموقوفة على المسجد ، فلا يجب صرف تلك الأنقاض بأنفسها على مسجد آخر ، بل يجوز للمتولي أو من بحكمه أن يبيعها إذا رأى مصلحة في ذلك ، فيصرف ثمنها على مسجد آخر .
و ما ذكرناه من التفصيل يجري أيضاً في أنقاض المدارس و الحسينيات و نحوهما من الأوقاف العامة الواقعة في الطرقات .
مسألة 79 : مقابر المسلمين الواقعة في الطرق إن كانت من الأملاك الشخصية أو من الأوقاف العامة فقد ظهر حكمها مما سبق .هذا إذا لم يكن العبور و المرور عليها هتكاً لموتى المسلمين و إلا فلا يجوز .

( 466 )

و أما إذا لم تكن ملكاً و لا وقفاً ، فلا بأس بالتصرف فيها ما لم يكن هتكاً .
و من ذلك يظهر حال الأراضي الباقية منها ، فإنها على الفرض الأول لا يجوز التصرف فيها و شراؤها إلا بإذن مالكها .
و على الفرض الثاني لا يجوز ذلك إلا بإذن المتولي و من بحكمه ، فيصرف ثمنها في مقابر أخرى للمسلمين مع مراعاة الأقرب فالأقرب على الأحوط .
و على الفرض الثالث يجوز ذلك من دون حاجة إلى إذن أحد ، ما لم يستلزم التصرف في ملك الغير كآثار القبور المهدمة .

( 23 )
مسائل في الصلاة و الصيام

مسألة 80 : لو سافر الصائم في شهر رمضان جواً بعد الغروب ـ و لم يفطر في بلده ـ إلى جهة الغرب، فوصل إلى مكان لم تغرب الشمس فيه بعد ، فهل يجب عليه الإمساك إلى الغروب ؟ الظاهر عدم الوجوب و إن كان ذلك أحوط .
مسألة 81 : لو صلى المكلف صلاة الصبح في بلده ، ثم سافر إلى جهة الغرب فوصل إلى بلد لم يطلع فيه الفجر بعد ثم طلع .
أو صلى صلاة الظهر في بلده ثم سافر جواً فوصل إلى بلد لم تزل الشمس فيه بعد، ثم زالت .
أو صلى صلاة المغرب فيه، ثم سافر فوصل إلى بلد لم تغرب الشمس فيه ثم غربت .
فهل تجب عليه إعادة الصلاة في جميع هذه الفروض ؟
وجهان : الأحوط الوجوب، و الأظهر عدمه .


( 467 )

مسألة 82 : لو خرج وقت الصلاة في بلده ـ كأن طلعت الشمس أو غربت و لم يصل الصبح أو الظهرين ـ ثم سافر جواً فوصل إلى بلد لم تطلع الشمس فيه أو لم تغرب بعد، فهل عليه الصلاة أداءً أو قضاءً أو بقصد ما في الذمة ؟
فيه وجوه ، والأحوط هو الإتيان بها بقصد ما في الذمة أي الأعم من الأداء و القضاء .
مسألة 83 : إذا سافر جواً بالطائرة و أراد الصلاة فيها ، فإن تمكن من الإتيان بها إلى القبلة واجداً لشرطي الاستقبال و الاستقرار و لغيرهما من الشرائط صحت ، و إلا لم تصح ـ على الأحوط ـ إذا كان في سعة الوقت بحيث يتمكن من الإتيان بها واجدة للشرائط بعد النزول من الطائرة .
و أما إذا ضاق الوقت، وجب عليه الإتيان بها فيها ، و عندئذ إن علم بكون القبلة في جهة خاصة صلى إليها ، و لا تصح صلاته لو أخل بالاستقبال إلا مع الضرورة ، و حينئذ ينحرف إلى القبلة كلما انحرفت الطائرة و يسكت عن القراءة و الذكر في حال الانحراف ، و إن لم يتمكن من استقبال عين القبلة فعليه مراعاة أن تكون بين اليمين و اليسار ، و إن لم يعلم بالجهة التي توجد فيها القبلة بذل جهده في معرفتها و يعمل على ما يحصل له من الظن ، و مع تعذره يكتفي بالصلاة إلى أي جهة يحتمل وجود القبلة فيها ، و إن كان الأحوط الإتيان بها إلى أربع جهات .
هذا فيما إذا تمكن من الاستقبال ، و إن لم يتمكن منه إلا في تكبيرة الإحرام اقتصر عليه ، و إن لم يتمكن منه أصلاً سقط .
و الأقوى جواز ركوب الطائرة و نحوها اختياراً قبل دخول الوقت و إن علم أنه يضطر إلى أداء الصلاة فيها فاقداً لشرطي الاستقبال و الاستقرار .
مسألة 84 : لو ركب طائرة كانت سرعتها سرعة حركة الأرض، و كانت

( 468 )

متجهة من الشرق إلى الغرب، و دارت حول الأرض مدة من الزمن ، فالأحوط الإتيان بالصلوات الخمس بنية القربة المطلقة في كل أربع و عشرين ساعة ، و أما الصيام فيجب عليه قضاؤه .
وأما إذا كانت سرعتها ضعف سرعة الأرض ، فعندئذ ـ بطبيعة الحال ـ تتم الدورة في كل اثنتي عشر ساعة، و في هذه الحالة هل يجب عليه الإتيان بصلاة الصبح عند كل فجر، و بالظهرين عند كل زوال، و بالعشائين عند كل غروب ؟
فيه وجهان: الأحوط الوجوب .
و لو دارت حول الأرض بسرعة فائقة بحيث تتم كل دورة في ثلاث ساعات مثلاً أو أقل ، فالظاهر عدم وجوب الصلاة عليه عند كل فجر و زوال و غروب ، و الأحوط حينئذ الإتيان بها في كل أربع و عشرين ساعة بنية القربة المطلقة، مراعياً وقوع صلاة الصبح بين الطلوعين ، و الظهرين بين زوال و غروب بعدها ، و العشائين بين غروب و نصف ليل بعد ذلك .
و من هنا يظهر حال ما إذا كانت حركة الطائرة من الغرب إلى الشرق ، و كانت سرعتها مساوية لسرعة حركة الأرض ، فإن الأظهر حينئذ الإتيان بالصلوات في أوقاتها .
و كذا الحال فيما إذا كانت سرعتها أقل من سرعة الأرض .و أما إذا كانت سرعتها أكثر من سرعة الأرض بكثير، بحيث تتم الدورة في ثلاث ساعات مثلاً أو أقل ، فيظهر حكمه مما تقدم .
مسألة 85 : من كانت وظيفته الصيام في السفر، و طلع عليه الفجر في بلده ، ثم سافر جواً ناوياً للصوم، و وصل إلى بلد آخر لم يطلع الفجر فيه بعد ، فهل يجوز له الأكل و الشرب و نحوهما؟ الظاهر جوازه .
مسألة 86 : من سافر في شهر رمضان من بلده بعد الزوال و وصل إلى

( 469 )

بلد لم تزل فيه الشمس بعد ، فهل يجب عليه الإمساك و إتمام الصوم ؟ الأحوط ذلك .
مسألة 87 : من كان وظيفته الصيام في السفر ، إذا سافر من بلده الذي رؤي فيه هلال رمضان إلى بلد لم ير فيه الهلال بعد ، لاختلافهما في الأفق ، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم ، و لو عيد في بلد رؤي فيه هلال شوال ، ثم سافر إلى بلد لم ير فيه الهلال ، لاختلاف أفقهما ، فالأحوط له الإمساك بقية ذلك اليوم و قضاؤه .
مسألة 88 : إذا فرض كون المكلف في مكان نهاره ستة أشهر و ليله ستة أشهر مثلاً، فالأحوط له في الصلاة ملاحظة أقرب الأماكن التي لها ليل و نهار في كل أربع و عشرين ساعة ، فيصلي الخمس على حساب أوقاتها بنية القربة المطلقة ، و أما في الصوم فيجب عليه الانتقال إلى بلد يتمكن فيه من الصيام أما في شهر رمضان أو من بعده ، و إن لم يتمكن من ذلك فعليه الفدية بدل الصوم.
و أما إذا كان في بلد له في كل أربع و عشرين ساعة ليل و نهار ـ و إن كان نهاره ثلاث و عشرين ساعة و ليله ساعة أو العكس ـ فحكم الصلاة يدور مدار الأوقات الخاصة فيه .
و أما صوم شهر رمضان فيجب عليه أداؤه مع التمكن منه و يسقط مع عدم التمكن ، فإن تمكن من قضائه وجب ، و إلا فعليه الفدية بدله .

( 24 )
أوراق اليانصيب

وهي أوراق توزعها بعض الشركات و تأخذ بإزائها مبالغ معينة من المال ،


( 470 )

و تتعهد الشركة بأن تقرع بين أصحاب البطاقات فمن أصابته القرعة تدفع له مبلغاً بعنوان جائزة ، و هذه العملية يمكن أن تقع على وجوه :
الأول : أن يكون إعطاء المال بإزاء البطاقة بغرض احتمال إصابة القرعة باسمه و الحصول على الجائزة .
وهذه المعاملة محرمة و باطلة بلا إشكال، فلو ارتكب المحرم و أصابت القرعة باسمه ، فإن كانت الشركة حكومية فالمبلغ المأخوذ منها مجهول المالك ، و جواز التصرف فيه متوقف على مراجعة الحاكم الشرعي لإصلاحه ، و إن كانت أهلية جاز التصرف فيه مع إحراز رضا أصحابه بذلك حتى مع علمهم بفساد المعاملة .
الثاني : أن يكون إعطاء المال مجاناً و بقصد الاشتراك في مشروع خيري ، كبناء مدرسة أو جسر أو نحو ذلك ، لا بقصد الحصول على الربح و الجائزة ، فعندئذ لا بأس به .
ثم أنه إذا أصابت القرعة باسمه فلا مانع من أخذه ـ بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط ـ ثم التصرف فيه بعد المراجعة إليه لإصلاحه ، هذا إذا كانت الشركة حكومية ، و إلا فلا حاجة إلى إذن الحاكم الشرعي و مراجعته .
الثالث : أن يكون دفع المال بعنوان إقراض الشركة ، بحيث تضمن له عوضه ، و يكون له أخذه بعد ستة أشهر مثلاً ، و لكن الدفع المذكور مشروط بأخذ بطاقة اليانصيب على أن تدفع الشركة له جائزة عند إصابة القرعة باسمه ، فهذه المعاملة محرمة لأنها من القرض الربوي .