37/08/06
تحمیل
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – آية النبأ.
الى هنا قد تبين أن جماعة من المحققين قد أجاب عن الاشكال في شمول دليل الحجية للأخبار مع الواسطة بجوابين:
الجواب الأول: ما ذكره السيد الاستاذ(قده)[1] وهو أن اشكال اتحاد الحكم مع الموضوع أو إشكال تقدم الحكم على الموضوع مبني على ان يكون المجعول في الأخبار مع الواسطة حجية واحدة شخصية فهذه الحجية الواحدة الشخصية لا يمكن أن تكون حكما ولا يمكن أن تكون مأخوذة في موضوع هذا الحكم وكذا لا يمكن ان تكون هذه الحجية مثبتة لموضوعها ولهذا يلزم أحد المحذورين محذور اتحاد الحكم مع الموضوع ومحذور تقدم الحكم على الموضوع.
وأما إذا كان المجعول حجية متعددة بعدد الوسائط والأخبار وكل واسطة موضوع مستقل للحجية فلا يسلم هذا المحذور إذ لا مانع من ان يكون فرد من الحجية حكما وفرد آخر من الحجية مأخوذا في موضوع هذا الحكم ولا يلزم أي محذور ولا مانع من أن يكون فرد من الحجية مثبتا لموضوع فردا آخر من الحجية.
ولكن ذكر (قده) ان الصحيح هو أن الأخبار مع الواسطة جميعا موضوع واحد فجميع السلسة بمثابة موضوع واحد غاية الأمر كل واسطة تعد جزء الموضوع لا تمام الموضوع إذ موضوع الحكم قد يكون بسيطا وقد يكون مركبا وهذا أمر شائع في الفقه في الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية فلا مانع من أن يكون موضوع الحجية خبر الواحد وقد يكون أخبارا متعددة بحيث يكون كل خبر جزء الموضوع لا تمامه.
فإذاً هذه السلسلة بتمامها موضوع واحد وقول الإمام(ع) مترتب على هذه السلسلة وأثر شرعي لها. فلا إشكال في المقام.
وما أفاده(قده) متين جدا.
الجواب الثاني: ما ذكره بعض المحققين(قده)[2] ــ على ما في تقرير بحثه مفصلا ــ وحاصله: ان الكليني إذا أخبر عن الصفار والصفار عن الإمام بأن تكون الواسطة بين الكليني وبين الإمام شخصا واحدا متمثل في الصفار فقد أخبر بالالتزام عن صدور الخبر عن الإمام على تقدير عدم كذب الصفار بمعنى أنه لولم يكذب الصفار لكان الخبر صادرا من الإمام (ع) فالمدلول الالتزامي حينئذ قضية شرطية مقدمها وجود الموضوع وهي عدم كذب الصفار وصدقه ووثاقته وتالي هذه القضية ثبوت المحمول يعني الجزاء وهو صدور الخبر عن الإمام(ع) فبطبيعة الحال يكون الجزاء معلقا على الشرط فإن صدور الخبر عن الإمام معلق على عدم كذب الصفار وصدقه في أخباره فإذا كان صادقا فقي أخباره ولم يكن كاذبا لكان الخبر صادرا عن الإمام.
وعلى هذا فيمكن تطبيق دليل حجية خبر الثقة على خبر الكليني بلحاظ هذا المدلول الالتزامي الذي هو قضية شرطية لا بلحاظ حجية خبر الصفار وإلا لزم المحذورين المذكورين وهما اتحاد الحكم مع الموضوع وتقدم الحكم على الموضوع لأن حجية خبر الصفار إما عين حجية خبر الكليني أو غيره وفرض غيره خلف فإن الفرض إنما هو في أن المجعول في الأخبار مع الواسطة حجية واحدة شخصية فإن كانت عين حجية خبر الكليني لزم احد هذين المحذورين اتحاد الحكم مع الموضوع لأن هذه الحجية قد أخذت في موضوع حجية خبر الكليني او تقدم الحكم على الموضوع وكلاهما مستحيل كما تقدم.
فمن أجل ذلك لا يمكن أن يكون تطبيق دليل الحجية على خبر الكليني بلحاظ حجية خبر الصفار وإنما يكون هذا التطبيق بلحاظ المدلول الالتزامي.
كما أنه يمكن إثبات القضية الشرطية وهي أن الصفار لو لم يكذب لصدر الخبر من الإمام فإثبات هذه القضية الشرطية بتطبيق دليل حجية أخبار الثقة على خبر الكليني الثابت لنا وجدانا ثم نثبت شرطها وهو عدم كذب الصفار فإن عدم كذب الصفار وصدقه شرط لصدور الخبر عن الإمام ثم نثبت شرطها وهو إحراز ان الصفار ثقة ولم يكذب.
وعلى الجملة الملازمة بين عدم كذب الكليني وعدم كذب الصفار وصدور الخبر من الإمام هذه الملازمة ثابتة واقعا وفي الأزل لا أنها ثابتة بأخبار الصفار لأن هذه الملازمة من الملازمات الواقعية الأزلية وليست مسبوقة بالعدم غاية الأمر أن مجرد الأخبار عن هذه الملازمة بنحو القضية الشرطية لا يكفي في حجية الأخبار عنها بل حجيته تتوقف على إحراز الشرط وهو صدق الصفار وعدم كذبه فإن هذه الملازمة قضية شرطية وذكرنا غير مرة أن صدق القضية الشرطية إنما هي بصدق الملازمة فإن كانت الملازمة بين الجزاء والشرط ثابتة في الواقع فالقضية الشرطية صادقة وإن لم تكن الملازمة ثابتة بينهما لم تكن القضية الشرطية صادقة بل تكون كاذبة.
وليس صدق القضية الشرطية وكذبها بصدق وكذب طرفيها فإن طرفي القضية الشرطية وإن كانا مستحيلين فالملازمة إن كانت ثابتة بينهما فالقضية الشرطية صادقة وإن كان طرفيها مستحيلين في الخارج ولكن مجرد ثبوت الملازمة لا يكفي في حجية الأخبار عنها بل تتوقف حجية الخبر عنها على تحقق الشرط وهو صدق الصفار وعدم كذبه ووثاقته.
هكذا ذكره(قده) ملخصا.
وللمناقشة فيه مجال.
أما اولا: فلأن في نفس بيان الإشكال تهافت وتناقض ــ على ما في تقرير بحثه ــ فإنه(قده) في هذا البيان قد كذر أولا أن تطبيق دليل الحجية على خبر الكليني إنما هو بلحاظ المدلول الالتزامي لأنه أثر شرعي لا بلحاظ حجية خبر الصفار وإلا لزم أحد المحذورين المذكورين. ثم في ذيل هذا البيان قد ذكر أن مجرد ثبوت الملازمة بنحو القضية الشرطية لا يكفي في حجية الأخبار عن الملازمة بل تتوقف حجية الأخبار عنها على تحقق شرطها وهو صدق الصفار وعدم كذبه ووثاقته فإذا ثبتت وثاقة الصفار وجدانا او تعبدا ينطبق عليه دليل حجية أخبار الثقة فإنه ثقة وخبر الثقة حجة بمقتضى الأدلة اللفظية والعملية وينطبق عليه دليل حجية أخبار الثقة فإذا كان خبره حجة لزم المحذور المذكور وهو اتحاد الحكم مع الموضوع لأن حجية خبر الصفار إما ان تكون عين حجية خبر الكليني او غيرها والثاني خلف الفرض وإن كانت عينها لزم احد المحذورين اتحاد الحكم مع الموضوع لأن الحجية بما أنها اثر لخبر الصفار فهي مأخوذة في موضوع حجية خبر الكليني فيتحد الحكم مع الموضوع او لزم تقدم الحكم على الموضوع وكلاهما مستحيل.
وثانيا: لا شبهة في ان الدلالة الالتزامية تتبع الدلالة المطابقية في السعة والضيق والإطلاق والتقييد وفي الحدوث والبقاء وفي الثبوت والسكوت وفي الحجية باعتبار ان الملازمة بينهما من الملازمة البينة بالمعنى الأخص ولا يمكن ان يكون اللازم أعم من الملزوم أو اخص منه فإنه غير معقول فإذا كان اللزوم بينهما من اللزوم البين بالمعنى الأخص فلا يعقل أن يكون أعم من الملزوم أو أخص منه.
وعلى هذا فالمدلول الالتزامي منوط بثبوت المدلول المطابقي ويدور مداره ثبوتا وسقوطا والمفروض في المقام ان المدلول الالتزامي لا يكون ملازما للمدلول المطابقي ولا يكون ثبوته بثبوت المدلول المطابقي فإن في المقام المدلول الالتزامي هو ان الصفار لو لم يكذب لصدر الخبر من الإمام وهذه الدلالة الالتزامية لا تتوقف على ثبوت الدلالة المطابقية وهذا المدلول الالتزامي لا يتوقف على ثبوت المدلول المطابقي.
وعلى هذا فخبر الكليني لا يدل على ثبوت المدلول الالتزامي بثبوت المدلول المطابقي مع انه لا شبهة في أن المدلول الالتزامي تابع للمدلول المطابقي ولا يعقل أن لا يدل دليل على المدلول المطابقي إذا دل على المدلول الالتزامي. ومعنى ذلك أن خبر الكليني يدل على المدلول الالتزامي ولم يدل على المدلول المطابقي وهذا غير معقول إذ لو دل على المدلول المطابقي وهو ثبوت خبر الصفار لزم احد المحذورين المذكورين فإن خبر الكليني لو دل على ثبوت خبر الصفار وهو المدلول المطابقي لخبر الصفار ثم يدل على المدلول الالتزامي تبعا لزم احد المحذورين المذكورين ولهذا ذكر أن خبر الكليني يدل على ثبوت المدلول الالتزامي دون ثبوت المدلول المطابقي وهذا مما لا يمكن الالتزام به ولا يعقل التفكيك بينهما.
فإذا دل خبر الكليني على ثبوت المدلول المطابقي وهو خبر الصفار لزم احد المحذورين المذكورين وهو لا يمكن.
والتفصي عن ذلك بأن خبر الكليني يدل على المدلول الالتزامي المتمثل في القضية الشرطية لو لم يكذب الصفار لكان الخبر صادرا عن المعصوم فلو دل خبر الكليني على المدلول المطابقي ثم على المدلول الالتزامي لزم احد المحذورين المذكورين.
فإذاً التفصي عن هذا الاشكال لا يمكن إلا بالالتزام بأن خبر الكليني يدل على المدلول الالتزامي دون المدلول المطابقي فهذا مما لا يمكن الالتزام به.