37/11/17
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
37/11/17
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد ـــ آية النفر
كان الكلام في آية النفر وهل تدل على حجية خبر الواحد (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[1] وتمامية الاستدلال بهذه الآية المباركة تتوقف على مجموعة من المقدمات:
المقدمة الأولى: دلالة الآية المباركة على وجوب الحذر لأنها إذا دلت على وجوب الحذر فهو يدل على أن إنذار المنذر حجة وهذا معناه حجية خبر الواحد، ولكن دلالة الآية المباركة على وجوب الحذر تتوقف على أمور:
الأمر الأول: أن كلمة لعل الواردة في هذه الآية الكريمة ليس بمعناها اللغوي العرفي وهو الترجي إذ يستحيل وجود هذا المعنى في ذاته تبارك وتعالى، فلا محالة يكون المراد من كلمة لعل أنها تدل على محبوبية مدخولها أي أن الحذر محبوب لله تعالى فإذا كان محبوبا لله تعالى فهو واجب للملازمة بينهما.
الأمر الثاني: أن الحذر غاية للإنذار والإنذار واجب وغاية الواجب أولى بالوجوب، ثم أن الحذر لو لم يجب لكان وجوب الإنذار لغوا وقد تقدم الكلام في هذه الوجوه وناقشنا في جميعها تماما على تفصيل تقدم.
المقدمة الثانية: أن الآية المباركة تدل على أن الحذر مترتب على عنوان الإنذار بدون أي قيد آخر وتدل على ذلك أيضا أمور:
الأمر الأول: ان مقتضى إطلاق الآية المباركة (وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) أن الحذر مترتب على إنذار المنذر بعنوانه لا بعنوان أنه مفيد للعلم بالواقع أو الاطمئنان والوثوق بالواقع بل بما هو إنذار فإن تقييد الإنذار بالعلم أو الاطمئنان والوثوق بحاجة إلى قرينة ولا قرينة من داخل الآية المباركة ولا من خارجها وظاهر إطلاق الآية المباركة ترتب الحذر على عنوان المنذر.
فإذاً إنذار المنذر بما هو حجة يوجب وجوب الحذر ويكون سببا لوجوب الحذر فلو لم يكن إنذار المنذر حجة لم يجب الحذر، فوجوب الحذر الذي هو مترتب على إنذار المنذر بعنوانه يدل على أن إنذار المنذر حجة وهذا معناه أن خبر الواحد حجة.
ولكن ناقشنا في هذه الأمور أيضا على تفصيل تقدم.
إلى هنا انتهى الكلام في النقطة الثانية.
النقطة الثالثة: أن للحذر تفسيرات متعددة وردت في كلمات الأعلام من الأصوليين:
التفسير الأول: أن المراد من الحذر في الآية المباركة الحذر من الوقوع في المفسدة الواقعية غير المنجزة أو تفويت المصلحة الواقعية غير المنجزة.
التفسير الثاني: أن المراد من الحذر هو الخوف النفساني من الإدانة والعقوبة.
التفسير الثالث: أن المراد من الحذر هو التحفظ والتجنب العملي الخارجية لا الخوف النفساني من الإدانة والعقوبة، أي التحفظ على فعل الواجبات وترك المحرمات.
أما التفسير الأول: فهو غير صحيح لوضوح أنه لا يجب الحذر من الوقوع في المفسدة غير المنجزة ولا مانع من الوقوع فيها، كما انه لا مانع من تفويت المصلحة الواقعية غير المنجزة ولا يجب الحذر من الوقوع في مثل هذه المفسدة التي هي غير منجزة ومن تفويت المصلحة الواقعية التي هي غير منجزة.
والصحيح: هو التفسير الثاني فإن المتفاهم العرفي من الحذر الوارد في الآية المبركة هو الخوف النفساني من الإدانة والعقوبة على مخالفة إنذار المنذرين لأن هذا الخوف النفساني من الإدانة والعقوبة مترتب على مخالفة إنذار المنذرين فإن المنذرين (بالفتح) يخافون من الإدانة والعقوبة على مخالفتهم المنذرين (بالكسر)، هذا هو المتفاهم العرفي من الحذر والآية تدل على ذلك فإن الخوف مترتب على إنذار المنذرين (بالكسر) فبطبيعة الحال يكون المراد من الحذر هو الخوف من الإدانة والعقوبة ومخالفة إنذار المنذرين حيث أن إنذار المنذر إذا كان بالواجب يخاف المنذر (بالفتح) من ترك الواجب وإذا كان على الحرمة يخاف من الإدانة والعقوبة على ارتكابه.
واما التفسير الثالث: فمما لا يمكن المساعدة عليه؛ لأن التحفظ والتجنب العملي الخارجي معلول للخوف النفسي من الإدانة والعقوبة فإن الخوف النفسي من الإدانة والعقوبة هو السبب للتحفظ والتجنب العملي الخارجي فإذا خاف الإنسان من الإدانة والعقوبة على فعل فبطبيعة الحال يتجنب عنه فالتحفظ والتجنب العملي الخارجي معلول للخوف النفساني من الإدانة والعقوبة والمراد من الحذر هو الخوف النفساني من الإدانة والعقوبة الذي هو سبب للتحفظ من ترك الواجب والتجنب من فعل الحرام.
هذا بحسب ظاهر الآية المباركة وبقطع النظر عن كلمة ((لعل)).
وأما معها فالآية لا تدل على وجوب الحذر فإن كلمة ((لعل)) في الآية المباركة تدل على ترقب الحذر لا على وجوبه فالمستفاد من الآية الكريمة بضميمة كلمة لعل أن ترقب الحذر هو المترتب على إنذار المذرين لا وجوب الحذر.
وعلى هذا: فالآية الكريمة لا تدل على حجية خبر الواحد لأنها لا تدل على حجية إنذار المنذرين لأن المترتب على إنذار المنذرين ليس وجوب الحذر بل المترتب هو ترقب الحذر فمن أجل ذلك لا تدل الآية الكريمة على حجية اخبار الآحاد.
ومع الإغماض عن ذلك وتسليم دلالة الآية المباركة على وجوب الحذر وأنه مترتب عل إنذار المنذر فيكون إنذار المنذر حجة فهل الآية حينئذ تدل على حجية أخبار الآحاد أو لا تدل على ذلك؟ فهنا مجموعة من الإشكالات في دلالتها على حجية اخبار الآحاد:
الإشكال الأول: أن مورد الآية المباركة الشبهات الحكمية التي يكون التكليف فيها منجزاً ولا يمكن إجراء الأصل المؤمن في الشبهات قبل الفحص كأصالة البراءة أو استصحاب عدم التكليف أو أصالة الطهارة، وكذلك في الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي فإن التكليف فيها منجز والأصول المؤمنة لا تجري في أطرافها.
وبيان هذا الإشكال وتقريبه ــــ أي اختصاص الآية الكريمة بالشبهات الحكمية التي يكون التكليف فيها منجزاً وعدم جريان الأصول المؤمنة فيها لكونها شبهة قبل الفحص ــــ: أن المولى إذا قال: توضأ لكي تصلي فإنه ظاهر في أن وجود الوضوء شرط لوجود الصلاة لا أنه شرط لوجوبها لأن الصلاة واجبة سواء توضأ المكلف ام لم يتوضأ، وعليه يكون وجود الوضوء في الخارج شرط لوجود الصلاة لا انه شرط لوجوبها، أو إذا قال في شهر رمضان موجها خطابه للجنب أو الحائض: اغتسل قبل الفجر لكي تصوم غداً فإنه ظاهر في أن وجود الغسل شرط لوجود الصوم لا أنه شرط للوجوب فالصوم واجب سواء أغتسل المكلف او لم يغتسل.
ففي هذه الأمثلة ونحوها لا شبهة ان وجود المأمور به شرط لوجود العلة لا لوجوبها وهل يمكن تطبيق هذه الكبرى على الآية المباركة أو لا يمكن؟ نتكلم فيها لاحقاً إن شاء الله تعالى.