37/11/27
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
37/11/27
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد ـــــ آية الكتمان
انتهى كلامنا إلى آية الكتمان وهي قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)[1] وقد استدل بها على حجية أخبار الآحاد
ومورد الآية المباركة قيام علماء اليهود بإخفاء رسالة النبي الأكرم وصفاته واسمائه وبشائره بعد ما بينها الله تعالى في كتب العهدين.
وبما أن المورد لا يخصص الوارد فلا مانع من الاستدلال بها على كبرى كلية وهي أنه كلما حرم كتمان شيء ووجوب إظهاره فلا محالة يجب قبوله مطلقا وإلا لكان وجوب الإظهار لغوا وبلا فائدة، وصدور اللغو من المولى الحكيم مستحيل، وهذا مما لا يمكن الالتزام به.
وهذا نظير قوله تعالى: (وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)[2] فإنه نهى عن كتمان ما خلق الله تعالى في أرحامهن وأوجب إظهاره عليهن فإذا وجب الإظهار عليهن وجوب القبول فمن أجل ذلك يكون قول النساء في الأخبار عما في أرحامهن مسموع وحجة.
وقد أورد على هذا الاستدلال بوجوه:
الوجه الأول: أن الآية المباركة في مقام بيان حرمة الكتمان ووجوب الإظهار أي أن كتمان الحقيقة محرم وإظهارها واجب وليست في مقام بيان وجوب القبول مطلقا تعبدا وإن لم يحصل العلم بالحقيقة ولا الاطمئنان بها.
وعلى هذا فكما يحتمل أن يكون القبول واجبا مطلقا تعبدا وإن لم يحصل العلم بالحقيقة ولا الاطمئنان بها فيحتمل أن يكون القبول واجبا عند حصول العلم فإذا حصل العلم من إظهارهن الحقيقة وجب القبول وإن لم يحصل العلم او الاطمئنان بالحقيقة من الإظهار فلا يجب القبول.
فوجوب القبول عند الإظهار مجمل فالآية الكريمة لا تدل على وجوب القبول مطلقا تعبدا وإن لم يحصل العلم بالحقيقة ولا الاطمئنان والوثوق بها إذ يكفي في دفع اللغوية أن يكون إظهار كل فرد من هؤلاء جزء السبب لحصول العلم لا تمام السبب فعندئذ لا يكون وجوب الإظهار على كل هؤلاء لغوا باعتبار ان إظهار كل واحد منهم جزء السبب لحصول العلم بالحقيقة أو جزء حصول الاطمئنان بالحقيقة وهذا المقدار يكفي في دفع اللغوية.
فالنتيجة: أن الآية المباركة مجملة من ناحية وجوب القبول فالآية في مقام بيان حرمة الكتمان ووجوب الإظهار وأما وجوب القبول فالآية مجملة من هذه الناحية وحينئذ يكون القدر المتيقن منها وجوب القبول عند حصول الاطمئنان أو العلم.
هذا مضافا: إلى أنه يمكن منع الملازمة بين وجوب الإظهار وبين وجوب القبول حتى من شخص واحد فإذا وجب الإخبار على شخص واحد فلا دليل على وجوب القبول منه مطلقا فيمكن ان يقبل منه عند حصول العلم او الاطمئنان ولو بقرائن حالية او مقامية فهذه الملازمة غير موجودة لا بين إظهار جماعة ولا في وجوب الإظهار على كل فرد فوجوب الإظهار بالحقيقة أو الإخبار بها على فرد لا يستلزم وجوب القبول منه إذ لا دليل على هذه الملازمة.
واما الآية المباركة وهي قوله تعالى:( وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) فإنها في نفسها لا تدل على وجوب قبول قول المرأة مطلقا ولو من دون حصول العلم والاطمئنان فالعمدة في هذه المسألة هي الروايات وهي تدل على ان قول المرأة مسموع في إخبارها عما في رحمها ولولا هذه الروايات فلا يمكن استفادة قبول قول المرأة مطلقا تعبدا بدون أن يحصل العلم او الاطمئنان من قولها.
ومن هنا يظهر الفرق بين آية الكتمان وبين آية النفر فإن في آية النفر الحذر غاية لوجوب الإنذار ومترتب عليه وتدل على ان الحذر مستند إلى إنذار المنذر فإذا كان مستندا إليه فبطبيعة الحال يكشف عن أنه حجة إذ لو لم يكن إنذار المنذر حجة لم يترتب عليه الخوف والحذر، فإذا اخبر بالوجوب أو الحرمة وكان إنذاره حجة حصل الخوف للمنذر وإن لم يكن حجة فلا يحصل له الخوف.
واما في هذه الآية المباركة فالقبول ليس غاية لحرمة الكتمان ووجوب الإظهار ولا يكون مترتبا عليه فمن أجل ذلك تختلف هذه الآية الكريمة عن آية النفر فالنتيجة ان الآية المباركة لا تدل على وجوب القبول مطلقا تعبدا.
الوجه الثاني: أن حرمة الكتمان لا تخلو إما ان تكون حرمة نفسية أو حرمة طريقية او حرمة إرشادية ولا رابع في البين.
أما الأول: وهو الحرمة التكليفية النفسية فهي غير محتملة إذ لا شبهة في أن حرمة الكتمان ليست نفسية لأن الحرمة النفسية ناشئة من وجدود مفسدة ملزمة في متعلقها كحرمة شرب الخمر مثلا فإنها ناشئة من وجود مفسدة ملزمة في الشرب فوجود المفسدة الملزمة في شرب الخمر هو المنشأ لجعل الحرمة له.
وما نحن فيه ليس كذلك فإن الكتمان هو إخفاء الحقيقة أي إخفاء مصلحة اكبر وأعظم وانما المراد من الحقيقة هو رسالة النبي الأكرم(ص) ولا شبهة في أن إخفائها من المحرمات ولكن من المحرمات العقلية وليس من المحرمات الشرعية فالعقل يحكم بوجوب إظهارها كما يحكم بوجوب الامتثال فإن العقل هو الحاكم بوجوب الامتثال دون الشرع فوجوب الامتثال ليس وجوبا شرعيا بل هو وجوب عقلي كما أن حرمة المعصية ليست حرمة شرعية بل هي حرمة عقلية وما نحن فيه كذلك فإن حرمة الكتمان لم تنشأ من وجود مفسدة في نفس الكتمان بل حرمة الكتمان من جهة إخفاء الحقيقة والرسالة التي هي من أعظم وأكبر المصالح.
وعليه فلا يمكن ان تكون حرمة الكتمان حرمة نفسية.
وأما أنها ليس حرمة طريقية فلأن الحرمة الطريقية حكم ظاهري في طول الحكم الواقعي ومجعول بغرض الحفاظ على الحكم الواقعي بما له من الملاك في موارد الاشتباه والالتباس وحرمة الكتمان ليست حرمة ظاهرية طريقية ومجعولة للحفاظ على الحكم الواقعي بل حرمة الكتمان من جهة الإخفاء لرسالة النبي الأكرم(ص) وصفاته وبشائره واسمائه وتوقيت مبعثه وما شاكل ذلك.
ومن هنا تكون حرمة الكتمان حرمة إرشادية أي إرشاد الى ما استقل به العقل فإن العقل مستقل بحرمة كتمان رسالة النبي الأكرم(ص) ووجوب إظهارها وبيانها للناس وهذا هو المناسب للسان الآية المباركة أيضا لأن قوله تعالى: أولئك يلعنهم الله اللاعنون لسانه لسان التهديد ولسان التوبيخ ولسان اللعن هو المناسب للإرشاد إلى حكم العقل بوجوب إظهار رسالة النبي الأكرم(ص) وحرمة إخفائها عقلا.
فإذن ليست هذه الحرمة حرمة نفسية واقعية ولا حرمة ظاهرية طريقية.
والخلاصة: ان الآية المباركة في مقام بيان أن علماء اليهود قد قاموا بكتمان رسالة النبي الأكرم(ص) وصفاته وبشائره التي بينها الله تعالى في كتب العهدين ولكن علماء اليهود أخفوها عن الناس فالآية المباركة في مقام تحريم ذلك وتهديد هؤلاء العلماء فليست الآية المباركة في مقام الجعل بل لسان التهديد والتوبيخ فمن أجل ذلك تكون الآية المباركة أجنبية عن الدلالة على حجية خبر الواحد وان دلالتها على حجية خبر الواحد لا بد ان يكون لسانها لسان الجعل مع أن لسان الآية المباركة لسان التهديد والتوبيخ لا الجعل. فلا يمكن الاستدلال بها على حجية أخبار الآحاد.