38/03/12
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/03/12
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – الدليل العقلي
أما الكلام في المرحلة الثانية فيقع في الفرق بين وجوب العمل بالروايات بملاك العلم الإجمالي وبين وجوب العمل بها بملاك حجيتها وما هو الفارق بينهما؟
والجواب: أن الفارق بينهما في مجموعة من النقاط:
النقطة الأولى: أن مقتضى العلم الإجمالي بالروايات يفترق عن مقتضى دليل حجية الروايات.
النقطة الثانية: في جريان الأصول العملية في أطراف العلم الإجمالي وعدم جريانها فإن كان وجوب العمل بالروايات بملاك العلم الإجمالي يقع الكلام في جريان الأصول العملية في أطرافها وعدم جريانها في أطراف هذا العلم بينما إذا كانت الروايات حجة فلا تجري الأصول العملية في مواردها أصلا.
النقطة الثالثة: أن وجوب العمل بالروايات إذا كان بملاك العلم الإجمالي فيقع الكلام في جريان الأصول اللفظية في أطرافه وعدم جريانها فيها بينما لا تجري في موارد الروايات إذا كانت حجة.
فإذاً يفترق وجوب العمل بالروايات بملاك العلم الإجمالي عن وجوب العمل بها بملاك حجيتها.
أما النقطة الأولى فيفترق مقتضى العلم الإجمالي عن مقتضى دليل الحجية في أمور:
الأمر الأول: أن مقتضى العلم الإجمالي تنجيز التكليف المعلوم بالإجمال إما مباشرة أو بالواسطة بنحو العلية التامة او بنحو الاقتضاء وسوف يأتي الكلام في هذه الجهات في ضمن الأبحاث القادمة.
وأما مقتضى دليل حجية الروايات إما حجيتها مطلقا أو حجية خصوص طائفة منها كأخبار الثقة أو أخبار العدول أو أخبار طائفة خاصة على الأقوال في ذلك.
فإذا كانت الروايات حجة يترتب عليها آثارها على نفس الروايات بعنوانها الخاص وباسمها المخصوص كصحة الاستناد إليها في مقام العمل الخارجي وصحة الاستناد إليها في مقام عملية الاستنباط وصحة اسناد مؤداها إلى الشارع سواء كان مؤداها الوجوب أو الحرمة أو حكم آخر غيرهما، ولا فرق في هذا بين أن يكون معنى الحجية هو جعل الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي أو معنى الحجية المنجزية والمعذرية او معنى الحجية جعل الحكم المماثل للحكم الواقعي في صورة المطابقة من الروايات للواقع وجعل الحكم الظاهري المخالف إذا كانت الرواية مخالفة للواقع فلا فرق من هذه الناحية.
فالنتيجة أن العلم الإجمالي بالروايات يقتضي وجوب الاحتياط بينما مقتضى دليل الحجية وجوب العمل بكل رواية بخصوصها وترتيب آثار الحجية عليها.
الأمر الثاني: أن وجوب العمل بالروايات إذا كان بملاك العلم الإجمالي فلا يصح اسناد مؤداها إلى الشارع لأن مؤدى الأمارات ومدلولها إما الوجوب أو الحرمة او غيرهما من الأحكام الشرعية فلا يصح اسناد مؤداها ومدلولها الى الشارع ولا يصح الاستناد إليها في مقام العمل الخارجي كما لا يصح الاستناد إليها في مقام عملية الاستنباط بينما إذا كان وجوب العمل بالروايات بملاك حجيتها فيجوز اسناد مؤداها إلى الشارع ويصح أن يقال أن هذا الوجوب المدلول لهذه الرواية هو وجوب شرعي أو أن هذه الحرمة حرمة شرعية فيصح اسناد مؤداها ومدلولها إلى الشارع كما يصح الاستناد إليها في مقام العمل الخارجي أو عملية الاستنباط.
هذا هو الفارق بين وجوب العمل بالروايات بملاك العلم الإجمالي وبين وجوب العمل بها بملاك حجيتها.
الأمر الثالث: أن وجوب العمل بالروايات إذا كان بملاك العلم الإجمالي فلا يكون مثبتاتها حجة بينما إذا كان وجوب العمل بالروايات بملاك حجيتها فتكون مثبتاتها حجة.
وأما النقطة الثانية: ففيها أيضا صور وأمور:
الصورة الأولى: ما إذا كان مفاد الروايات أحكاما إلزامية كالوجوب أو الحرمة ومفاد الأصول العملية أحكاما ترخيصية كأصالة البراءة العقلية والنقلية أو أصالة الطهارة واستصحاب عدم التكليف كاستصحاب عدم الوجوب او استصحاب عدم الحرمة فيكون مدلول الأمارات أحكاما إلزامية كالوجوب والحرمة ونحوهما، ومدلول الأصول العملية أحكاما ترخيصية.
فإذاً تارة يقع الكلام في جريان الأصول العملية المؤمنة والمرخصة في الأطراف في الروايات إذا كان وجوب العمل بها بملاك العلم الإجمالي فهل تجري الأصول العملية المؤمنة المرخصة في أطراف العلم الإجمالي بالروايات أو لا تجري.
والجواب: أنها لا تجري إما لقصور مقتضيها في نفسه أي أن أدلة الأصول العملية المؤمنة قاصرة عن شمول أطراف العلم الإجمالي في نفسها ومنصرفة عنها فلا تشمل أطراف العلم الإجمالي وهذا القول هو الأظهر، او ان أدلة الأصول العملية المرخصة تشمل بإطلاقها اطراف العلم الإجمالي ولكنها تسقط من جهة المعارضة، فإذا علمنا بنجاسة أحد الإناءين فمن الواضح أن أصالة الطهارة في هذا الإناء معارضة بأصالة الطهارة في الإناء الآخر لأن كلتا الأصالتين لا تجري في كلا الإناءين وإلا لزم الترخيص في المخالفة القطعية العملية وهذا غير ممكن وأما جريانها في أحدهما المعين دون الآخر ترجيح من غير مرجح لأن نسبة أصالة الطهارة الى كلا الإناءين على حد سواء.
وأما جريانها في احدهما لا بعينه فغير صحيح فإنه إن أريد من أحدهما لا بعينه أحدهما المفهومي فلا واقع موضوعي له في الخارج وليس من اطراف العلم الإجمالي بل هو مجرد مفهوم في عالم الذهن فقط. وإن أريد بأحدهما لا بعينه احدهما المصداقي فهو من الفرد المردد والفرد المردد يستحيل وجوده في الخارج.
فمن أجل ذلك تسقط أدلة الأصول العملية المؤمنة عن أطراف العلم الإجمالي بالتعارض فإذا سقطت فيكون العلم الإجمالي حينئذ منجز. ونتيجة تنجيز العلم الإجمالي هي وجوب الاحتياط والاجتناب عن جميع أطراف العلم الإجمالي.
وأما إذا كان وجوب العمل بالروايات بملاك حجيتها فلا شبهة في أن الروايات تتقدم على هذه الأصول العملية المؤمنة. أما تقديمها على أصالة البراءة العقلية فهو بالورود فإن الروايات التي هي حجة رافعة لموضوع أصالة البراءة العقلية وجدانا لأن موضوع أصالة البراءة العقلية عدم البيان ولا شبهة في أن الروايات إذا كانت حجة شرعا فهي بيان وجدانا.
وأما تقديمها على أصالة البراءة الشرعية وأصالة الطهارة واستصحاب عدم التكليف فهل هذا التقديم بالورود أو بالحكومة او بالجمع الدلالي العرفي، فهنا وجوه، سوف يأتي بحثها في ضمن البحوث الآتية إن شاء...
فإذاً فرق بين وجوب العمل بالروايات بملاك العلم الإجمالي فيكون هذا الوجوب وجوب احتياطي وبين وجوب العمل بها بملاك حجيتها.
الصورة الثانية: ما إذا كانت الأصول العملية متكفلة للأحكام الالزامية كأصالة الاشتغال واستصحاب المثبت للتكليف كاستصحاب بقاء الوجوب او استصحاب بقاء الحرمة فإذا كانت الأصول العملية متكفلة للأحكام الالزامية فعندئذ إن كان الأصل العملي مخالفا للروايات وفرضنا أن الروايات حجة فعندئذ لا بد من تقديم الرواية على الأصل العملي المتكفل للأحكام الالزامية. أما تقديم الروايات إذا كانت حجة على أصالة الاشتغال فهو بالورود لأن موضوع أصالة الاشتغال احتمال العقوبة على مخالفة الواقع ولا شبهة في أن الروايات إذا كانت حجة فهي مؤمنة من العقوبة قطعا فإذا عمل المكلف بالرواية فهو مأمون قطعا من العقوبة والإدانة وإن كانت الرواية مخالفة للواقع، فالرواية رافعة لموضوع أصالة الاشتغال وجدانا فتقديمها عليها إنما هو بالورود.
واما تقديمها على الاستصحاب المثبت للتكليف فهل هو بالورود أو بالحكومة او بالجمع الدلالي العرفي؟ فيه وجوه وسيأتي بحثها في ضمن البحوث القادمة إن شاء ..
هذا إذا كان الأصل العملي المتكفل للحكم الالزامي مخالفا للرواية وأما إذا كان موافقا للرواية فهل يكون تقديم الرواية على هذه الأصول من باب الورود او من باب الحكومة او من باب الجمع الدلالي العرفي ففيه وجوه تأتي غدا إن شاء ...