38/04/16
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/04/16
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: دليل الانسداد
أما الكلام في الجهة الثالثة: هل نتيجة مقدمات الانسداد ـــ على تقدير تماميتها ـــ حكم العقل بحجية الظن المعبر عنه بمسلك الحكومة أو ان نتيجتها الكشف عن جعل الشارع الظن حجة المعبر عنه بمسلك الكاشفية؟
هنا قولان: قول بأن نتيجة مقدمات الانسداد حكم العقل بحجية الظن، وقول آخر أن نتيجتها الكشف لأنها كاشفة عن حجية الظن شرعا.
أما القول بالحكومة فقد فسر بعدة تفاسير:
التفسير الأول: أن المراد من أن الظن حجة يعني أنه منجز للواقع على تقدير إصابته للواقع ومعذر على تقدير المخالفة حاله حال الحجية الشرعية، لأن خبر الثقة إذا كان حجة فهو منجز للواقع على تقدير الإصابة ومعذر على تقدير الخطأ، والظن على القول بالانسداد وتمامية مقدماته حاله حال الحجية الشرعية فهو منجز للواقع على تقدير الإصابة ومعذر على تقدير الخطأ.
التفسير الثاني: أن الظن على القول بالانسداد حاله حال القطع في باب الانفتاح فكما أن حجية القطع في باب الانفتاح ذاتية ولا يمكن سلبها عنه أو جعلها له لأنها حجة ذاتية في المرتبة السابقة فلا معنى لجعل الحجية له، والظن في حال الانسداد كذلك فحجيته حجية ذاتية ولا يمكن ان تكون مجعولة إذ لا معنى لجعل الحجية لما تكون الحجية له ذاتية ولا يمكن سلبها عنه.
التفسير الثالث: ان معنى حجية الظن على الحكومة ان العقل يحكم بان الظن يوجب صرف تنجيز العلم الإجمالي إلى مورده وإخراج موردي الشك والوهم عن تنجيز العلم الإجمالي.
اما التفسير الأول: فقد اختاره المحقق الخرساني[1] (قده) وأن الظن حجة في باب الانسداد فهو معذر على تقدير الخطأ ومنجز على تقدير الإصابة فحاله حال خبر الثقة على القول بالانفتاح. فمعنى حجية الظن المنجزية والمعذرية وهذا هو معنى حجية الظن عقلا.
ويمكن تقريب ذلك بوجهين:
الوجه الأول: أن معنى حجية الظن هو صرف تنجيز العلم الإجمالي إلى مورده وإخراج موردي الشك والوهم عن التنجيز.
ولكن لا يمكن المساعدة عليه؛ لما تقدم من أن التبعيض في مرتبة التنجيز غير معقول ولا يعقل انحلال العلم الإجمالي في هذه المرتبة لأن تأثير العلم الإجمالي في هذه المرتبة يكون بنحو العلة التامة، وأما إن قلنا إنه بنحو الاقتضاء ولكن مع توفر شرطه وعدم المانع يصير علة تامة للتنجيز.
ولا يمكن التبعيض فإن معنى التبعيض انفكاك المعلول عن العلة التامة وهو مستحيل.
الوجه الثاني: أن المكلف مضطر إلى ترك الاحتياط في بعض أطراف العلم الإجمالي غير المعين لاستحالة الاحتياط التام أو لا يجب وحيث إن صاحب الكفاية(قده) لا يقول بالفرق بين الاضطرار إلى المعين والاضطرار إلى غير المعين في انحلال العلم الإجمالي واسقاطه عن الاعتبار والتنجيز، ومع سقوطه عن الاعتبار لا يجب على المكلف الاحتياط إذ منشأ وجوب الاحتياط هو العلم الإجمالي ومع انحلاله إلى القطع بعدم التكليف في مورد الاضطرار والشك البدوي في غير مورد الاضطرار فلا علم إجمالي حينئذ حتى يكون موجبا لوجوب الاحتياط والمرجع في الشك البدوي هو أصالة البراءة العقلية والنقلية او استصحاب عدم التكليف.
وعليه فلا يجب على المكلف الاحتياط.
ونتيجة ذلك: أن المكلف مهمل ولا يكون مكلفا بشيء لانسداد باب العلم والعلمي في تمام الأبواب. وهذا خلاف الضرورة وذلك للعلم الإجمالي القطعي بثبوت أحكام إلزامية من الوجوبات والتحريمات في الشريعة المقدسة وان الإنسان مكلف بالإتيان بها وامتثالها، ضرورة أن ليس حال الإنسان كحال البهائم في عدم التكليف، وعليه فلا محالة يكون مكلفا بالأحكام الواقعية.
ولكن حالة الإنسان بالنسبة إلى هذه الأحكام لا تخلو من كونه إما ظانا بها او شاكا أو متوهما، ومن الواضح ان العقل يحكم بحجية الظن لأنه يصلح أن يكون حجة وكاشفا عن الواقع بما له من الكاشفية الذاتية عن الواقع واما الشك والوهم فلا يصلحان لذلك لا انه يحكم بالتعبيض في الاحتياط وترجيح المظنونات على المشكوكات والموهومات لما مر من ان لازم التبعيض في الاحتياط عدم سقوط العلم الإجمالي عن الاعتبار وعدم انحلاله، والمفروض انه انحل بالاضطرار وسقط عن الاعتبار فلا أثر له.
فإذاً العقل يحكم بحجية الظن على القول بالانسداد.
ولكن للمناقشة فيه مجال بوجوه:
الوجه الأول: ان هذا الاضطرار يرجع إلى الاضطرار إلى المعين لا أنه اضطرار إلى غير المعين فإن مورد هذا الاضطرار هو الاحتياطات التي توجب العسر والحرج أي ان المكلف مضطر إلى ترك الاحتياط في هذه الموارد فقط وموارد العسر والحرج معينة لأن كل احتياط يوجب العسر والحرج فالمكلف مضطر إلى تركه لأنه يجب على المكلف الاحتياط ما لم يصل إلى العسر والحرج فإذا وصل إلى العسر والحرج فلا يجب الاحتياط فمرد هذا الاحتياط إلى الاحتياطات التي توجب العسر والحرج وهي من قبيل الاضطرار إلى المعين لا إلى غير المعين.
ولكن هذا لا ثمرة له بالنسبة إلى صاحب الكفاية(قده) لأنه لا يرى فرق بين الاضطرار إلى المعين والاضطرار إلى غير المعين في انحلال العلم الإجمالي.
الوجه الثاني: أن هذا الاضطرار لا يوجب سقوط العلم الإجمالي عن الاعتبار وانحلاله لأن الموارد التي لا يكون المكلف مضطرا فيها إلى ترك الاحتياط كثيرة جدا وهو يعلم بوجود تكاليف إلزامية كثيرة في غير موارد الاضطرار سواء كانت الشبهة تحريمية أم وجوبية ومقتضى هذا العلم الإجمالي وجوب الاحتياط في تلك الموارد، ومن هنا لا يكون الاضطرار موجبا لسقوط العلم الإجمالي في المقام وانحلاله؛ والاضطرار الذي يوجب سقوط العلم الإجمالي وانحلاله هو فيما إذا كان مورد غير الاضطرار لم يكن العلم الإجمالي بالتكليف موجودا كما إذا علم المكلف بحرمة شرب أحد الإناءين الإناء الشرقي والإناء الغربي والمكلف مضطر إلى شرب أحدهما فعند شرب أحدهما لا يكون هناك علم بالتكليف في الطرف الآخر، وحينئذ لا محالة يكون التكليف في الطرف الآخر مشكوكا بالشك البدوي. فلو قلنا بأن الاضطرار إلى غير المعين يوجب الانحلال العلم الإجمالي فإنه إنما يوجب الانحلال في مثل هذه الموارد بحيث لا يكون هنا علم بالتكليف في غير موارد الاضطرار.
وإما في المقام فالعلم بالتكليف في غير موارد الاضطرار موجود فالمكلف يعلم إجمالا بثبوت أحكام إلزامية من الوجوبات او التحريمات في غير موارد الاضطرار وهذا العلم الإجمالي يقتضي وجوب الاحتياط في تلك الموارد.
فليس الاضطرار إلى بعض أطراف العلم الإجمالي في المقام غير المعين لا يوجب انحلال العلم الإجمالي فقط بل الاضطرار إلى المعين أيضا لا يوجب انحلال العلم الإجمالي في سائر الأطراف باعتبار أنها كثيرة والمكلف يعلم إجمالا بثبوت أحكام إلزامية فيها.