38/06/29
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/06/29
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أصالة البراءة – الاستدلال بالكتاب
إلى هنا قد تبين أن معنى الآية الكريمة هو المحاجة بعدم الوجدان ولكن يطبق في مورده الخاص وهو المحاجة مع اليهود وقد علّم الله تعالى نبيه الأكرم(ص) طريقة المحاجة مع اليهود وهي عدم الوجدان لا عدم الوجود مع ان الأنسب هو المحاجة بعدم الوجود فإن اليهود أدعوا محرمات أخرى غير المحرمات المذكورة في الآية الكريمة فيكون الأنسب التعبير بعدم وجود محرمات أخرى غير المحرمات المذكورة في الآية الكريمة.
وعليه يكون العدول من المحاجة بعدم الوجود إلى المحاجة بعدم الوجدان لا محالة لنكتة ولا يمكن أن يكون جزافا واما تطبيقه في مورد الآية فلعله لنكتة إفهام اليهود أن عدم وجدان النبي الأكرم(ص) يكفي في عدم الوجود أو أن نكتته ان عدم الوجدان في مقام الاحتجاج أفصح وأوقع في النفوس من عدم الوجود.
واما نكتته العامة باعتبار أن عدم الوجدان معنى عام جامع بين العلم بالعدم وبين عدم العلم فالعدول من عدم الوجود الى عدم الوجدان إنما هو لنكتة عامة تشمل جميع الشبهات الحكمية سواء كانت في زمن المعصومين اوفي عصر الغيبة فإن عدم الوجدان يختلف باختلاف الموارد والأشخاص فإن كان من المعصوم فهو مساوق للعلم بعدم الوجود في الواقع في الشبهات الحكمية بعد الفحص وعدم وجدان الدليل وإن كان من غيره فيكون مساوق لعدم العلم فإذا فحص في الشبهات الحكمية ولم يجد دليلا على الوجوب أو الحرمة فيكون عدم وجدانه مساوقا لعدم العلم بالواقع فاحتمال وجود الدليل في الواقع موجود ولكنه غير واصل اليه.
وعلى هذا يدل عدم الوجدان من المعصوم على الترخيص الواقعي وإطلاق العنان واقعا وأما عدم الوجدان من غير المعصوم فهو يدل على الترخيص الظاهري وعليه فلا مانع من الاستدلال بالآية الكريمة على أصالة البراءة.
واما العليق الذي ذكره بعض المحققين على الاستدلال بهذه الآية وحاصله: أن مورد الآية الكريمة هو عدم وجدان النبي الأكرم وهو مساوق لعدم صدور الوحي ولعدم صدور التشريع وعدم صدور الدليل، ومن الواضح ان موضوع أصالة البراءة ليس عدم صدور التشريع وعدم صدور الدليل بل موضوعها عدم وصول الدليل لا عدم صدوره والآية لا تدل على ذلك.
هذا التعليق مبني على تطبيق مفاد الآية على موردها فإن مفادها إذا طبق على موردها تكون أجنبية على الدلالة على أصالة البراءة الشرعية إذ لا شك في عدم صدور تشريع آخر في مورد الآية ولهذا لا مورد لأصالة البراءة الشرعية لأن دلالة الآية على أصالة البراءة الشرعية مبنية على نكتة عامة وهي ان عدم الوجدان في نفسه لا يدل على عدم الوجود وهذا معنى عام كما هو واضح جامع بين العلم بالعدم وبين عدم العلم فالعدول من عدم الوجود إلى عدم الوجدان معنى عام مبني على نكتة عامة وهي أن الفحص إذا كان من المعصوم كان مساوق للعلم بالعدم فلا مجال لأصالة البراءة الشرعية واما إن كان الفحص من غير المعصوم كما في عصر الغيبة فهو مساوق لعدم العلم وعدم الوصول وهو موضوع لأصالة البراءة الشرعية.
فالنتيجة: أنه على ضوء هذه النكتة العامة لا مانع من الاستدلال بها على أصالة البراءة الشرعية.
ولكن هل الأخبار الدالة على إيجاب الاحتياط في الشبهات التحريمية وفي الشبهات الوجوبية صالحة لمعارضة الآية المباركة او غير صالحة لذلك؟ باعتبار أن الآية المباركة تدل على الترخيص الظاهري في الشبهات الحكمية الوجوبية والتحريمية وروايات الاحتياط تدل على وجوب الاحتياط فيها فعندئذ هل تصلح هذه الروايات لمعارضة الآية الكريمة أم لا؟
قد يقال كما قيل: بعدم صلاحية هذه الروايات لمعارضة الآية الكريمة لأنها مخالفة للكتاب والروايات المخالفة للكتاب لا تكون حجة في نفسها وداخلة في الروايات التي تنص على ان ما خالف الكتاب زخرف او باطل او لم أقله وهي روايات متعددة وصحيحة وبما أن روايات الاحتياط مخالفة للآية الكريمة فتدخل في تلك ا لروايات فلا تكون روايات الاحتياط حجة في نفسها لأنها مخالفة للكتاب وباطلة وزخرف ولم تصدر من الأئمة الأطهار(ع).
والجواب عن ذلك: ان الروايات المخالفة للكتاب التي لم تصدر منهم(ع) موضوعها المخالفة للكتاب والسنة والمراد من المخالفة إما بنحو التباين كما لو دل الكتاب على حرمة شيء والرواية دلت على عدم حرمته فلا محالة تكون مثل هذه الرواية مطروحة لعدم صدورها منهم(ع) وقد تكون المخالفة بنحو العموم والخصوص من وجه فأيضا لا تكون هذه الروايات صادرة منهم(ع) في مورد الاجتماع بمقتضى هذه الروايات الناصة على أن ما خالف الكتاب والسنة فهو زخرف وباطل ولم يصدر منّا.
فموضوع الروايات هو المخالفة بأي نحو من هذين النحوين.
وأما إذا كانت المخالفة بنحو العموم والخصوص المطلق او بنحو المطلق والمقيد فلا مانع من صدورها بل قد صدرت جزما روايات مخالفة لعموم الكتاب وإطلاقه ومن هنا يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد وتقييد إطلاقه به.
وما نحن فيه كذلك فإن روايات الاحتياط أخص من الكتاب والكتاب يدل على أصالة البراءة مطلقا في الشبهات الحكمية من الوجوب والتحريم وغيرهما وأما روايات الاحتياط فهي مختصة بالشبهات الحكمية التحريمية فقط ولا تشمل الشبهات الوجوبية ولهذا تكون نسبتها إلى الآية نسبة المقيد إلى المطلق والخاص الى العام ومثل هذه المخالفة غير مشمولة لتلك الروايات كما ذكرنا.
إلى هنا قد تبين أنه لا مانع من الاستدلال على أصالة البراءة الشرعية بهذه الآية إلا ان روايات الاحتياط تقيد إطلاقها بغير الشبهات التحريمية لأن وظيفة المكلف في الشبهات التحريمية الاحتياط.
هذا تمام كلامنا في هذه الآية.
الآية الرابعة: قوله تعالى : (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[1] فإنها تدل على انه ليس من شانه تعالى إضلال قوما قبل هدايتهم وبيان الحجة عليهم فإن المراد من الموصول في الآية (ما يتقون) الأحكام الشرعية من الوجوبات والتحريمات فقبل بيان تلك الأحكام الشرعية وإتمام الحجة لا يكون من شانه اتعالى الإدانة والعقوبة لأن الإضلال عبارة عن العقوبة والمضل هو المتمرد والعاصي فالمعنى أنه ليس من شانه تعالى العقوبة على فعل واجب وترك محرم ما لم يبين ذلك الوجوب أو الحرمة وإتمام الحجة عليهما.
ولكن هل أن مفاد الآية أصالة البراءة الشرعية او ان مفادها أصالة البراءة العقلية وهي قاعدة قبح العقاب بلا بيان؟