1440/03/18
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
40/03/13
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
ورب قائل يقول:- إنه حتى إذا لم يوجد تواتر يمكن أحياناً برواية واحدة نثبت حجية خبر الواحد ، وذلك فيما إذا كانت الرواية مشتلة على قرائن بحيث تفيد لنا القطع والاطمئنان بصدورها وحجيتها وأنها من أهل بيت العصمة علهم السلام ، فهنا يمكن التسّمك بها لإثبات حجية الخبر ، لأنَّ هذا ليس تمسّكاً بالظن لإثبات حجية الظن وإنما هو تمسّكٌ بالقطع والعلم والاطمئنان ، ولا يلزم الدور أو توقف الشيء على نفسه ، ولكن هل توجد رواية من هذا القبيل ؟ قد يقول قائل: نعم ، مثل الرواية التي رواها الشيخ الكليني(قده) وهي:- ( محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحميري[1] قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو[2] رحمه الله عند أحمد بن اسحاق[3] فغمزني أحمد بن اسحاق أن أسأله عن الخلف ، فقلت له: يا أبا عمرو إني أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه فإنَّ اعتقادي وديني أنَّ الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً فإذا كان ذلك رفعت الحجة وأغلق باب التوبة ولم يك ينفع نفساً أيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً فأولئك أشرار من خلق الله وهم الذين تقوم عليهم القيامة ولكني أحببت أن أزداد يقيناً وإن إبراهيم عليه السلام سأل ربه عزّ وجل أن يريه كيف يحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي وقد أخبرني أبو علي أحمد بن اسحاق عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته وقلت من أعامل أو عمّن آخذ وقول من أقبل ؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدّى إليك عني فعنّي يؤدي وما قال لك عنّي فعنّي يقول فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون ، وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد عليه السلام عن مثل ذلك ، فقال له: العمري وابنه ثقتان فما أدّيا إليك فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان ، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك ، فخرّ أبو عمرو ساجداً وبكى ، ثم قال: سَلْ حاجتك ؟ فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد عليه السلام ؟ فقال: أي والله ورقبته مثل ذا وأومأ بيده ، فقلت له: فبقيت واحدة ، فقال لي: هات ؟ قلت: فالاسم ؟ قال: محرّمٌ عليكم أن تسألوا عن ذلك ، ولا أقول هذا من عندي ، فليس لي أن أحلل ولا أحرّم ولكن عنه عليه السلام ، فإنَّ الأمر عند السلطان أنَّ أبا محمد مضى ولم يخلّف ولداً وقسّم ميراثه وأخذه من لا حق له فيه وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرّف إليهم أن ينيلهم شيئاً ، وإذا وقع الاسم وقع الطلب ، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك )[4] .
فيمكن أن نقول: إنَّ هذه الرواية فيها قرائن يمكن أن يحصل من خلها القطع ، لأنها رويت عن كتاب الكافي ، وكتاب الكافي قطعي الانتساب إلى الشيخ الكليني(قده) ولا شك في ذلك ، كما أنَّ نسخ الكتاب في هذا المورد متّفقة ولا كلام في ذلك أيضاً ، فالشيخ الكليني يكتب ويقول أنا أنقل عن اثنين محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى ، وهما من أجلة أصحابنا ، ومحمد بن عبد الله هو الحميري صاحب كتاب قرب الأسناد ، ومحمد بن يحيى الأشعري أيضاً من أجلة أصحابنا ، فهؤلاء من كبار أجلة أصحابنا وهما ينقلان معاً عن عبد الله بن جعفر صاحب قرب الأسناد ، وذاك محمد بن عبد الله هو ابن عبد الله بن جعفر الحميري ، فالأب هو عبد الله بن جعفر الحميري والابن هو محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري والاثنين من الأجلة ، فالابن محمد بن عبد الله مع محمد بن يحيى معاً ينقلان عند عبد الله بن جعفر الحميري: ( قال اجتمعت أنا أبو عمرو رحمه الله عند أحمد ..... ) ، فإذن الوسائل قليلة ، فالكليني ينقل عن اثنين بهذه المثابة ، وهؤلاء الاثنين ينقلان عن واحدٍ وهو عبد الله بن جعفر الحميري ، فوسائط الخبر قليلة ، وكلما قلّت الوسائط كلما صار حصول الاطمئنان أقوى وأسرع ، وإذا كانا بهذه المثابة أيضاً يسرع حصول الاطمئنان ، وخصوصاً أنَّنا حيما نقرأ الرواية نرى فيها مؤشرات حقانيتها وصدقها ، فليس من البعيد أن نقول هكذا ، فإذا فرضنا حصول القطع - ونحن الآن نريد أن نفهم أصل الكبرى وليس المهم لنا أن هذه الكبرى تنطبق في المورد أو لا - فنقول إذا تمت الرواية وصارت قطعية نقول إنه جاء في هذه الرواية أنه سأل الامام والامام عليه السلام قال: ( فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان ) فهذا يدل على أنَّ المدار في السماع على كون الشخص ثقة - يعني الوثاقة - ، ويوجد موردٌ قبل هذا وهو أنه عليه السلام قال ( فاسمع له وأَطِع فإنه الثقة المأمون ) ، فإذاً هذه الرواية عللت بالوثاقة فتدل على أنَّ المدار على الوثاقة ، فإذا كانت قطعية ودلت على أنَّ المدار على الوثاقة فقد ثبت بذلك المطلوب.
والجواب:- إنَّ هذه الطريقة جيدة ولكن الصغرى ليست تامة ، باعتبار أنَّ الوارد في الرواية تعبير ( فإنه الثقة المأمون ) بالألف واللام ، وفرقٌ بين ( ثقة ) من دون ألف ولام وبين ( الثقة ) بالألف واللام ، فإنَّ الألف واللام ليس فيها دلالة على مطلق الثقة فقط وإنما فيها دلالة على مرتبة أعلى ، كما لو قلت ( هذا ثقة ) ومرة أخرى قلت ( هذا هو الثقة ) فهذه تدل على أكثر من الوثاقة خصوصاً إذا كان معها تعبير ( المأمون ) ، فعلى هذا الأساس لا يمكن أن نستفيد من هذه الرواية أنَّ كل ثقة هو حجة ، ولكن أصل الكبرى تامة إلا أنَّ مضمونها من صغريات القضية التي أردناها وهي إثبات مطلق حجية خبر الثقة.