26-03-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/03/26
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة (408 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع /
مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
هذا وتوجد روايات أخرى إما هي حيادية من حيث الدلالة أو أقرب الى عدم وجوب الحلق في منى:-
من قبيل:- ما رواه أبو الصباح الكناني، قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يقصّر من شعره وهو حاج حتى ارتحل من منى، قال:- ما يعجبني أن يلقي شعره إلا بمنى )[1]، إنها إما حياديّة أو أقرب إلى عدم الوجوب.
ومن قبيل:- صحيحة أبي بصير ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجل يوصي من يذبح عنه ويلقي هو شعره بمكة، فقال:- ليس له أن يلقي شعره إلا بمنى )[2]، إنها أيضاً ناظرة إلى الإلقاء وهو حيادي من هذه الناحية فقد يراد منه نفس الحلق والتقصير وقد يراد منه معناه المطابقي.
ومن القبيل:- رواية أبي بصير أيضاً التي ورد في سندها المفضّل بن صالح - فهي رواية بهذا الاعتبار -عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( رجل زار البيت ولم يحلق رأسه، قال:- يحلق بمكّة ويحمل شعره إلى منى وليس عليه شيء )[3] . إذن من خلال بيان الروايات اتضح أن استفادة وجوب الحلق في منى منها شيءٌ مشكلٌ، ولا أقل لأجل الاشكال الثاني.
وقد يستدل لوجوب الحلق في منى بدليلٍ آخر غير الروايات:- وهو الارتكاز، وذلك بأحد بيانين:-
البيان الأول:- إنه جاء في الرواية الأولى - أعني صحيحة الحلبي - ( رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى ) إن هذا التعبير يدلّ على أن المرتكز في ذهنه هو لزوم الحلق أو التقصير في منى وأن ذلك قضيّة مفروغٌ عنها والإمام عليه السلام أمضى هذا الارتكاز وقال إنه يصنع كذا - أي بتعبيرٍ آخر يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها - . إذن إذا افترضنا أن التفريع يوجب الإجمال فبإمكاننا التمسّك بهذا الارتكاز المستفاد من نفس سؤال الراوي وإمضاء الامام عليه السلام لذلك.
وفيه:- إنا نسلّم أن نفس السؤال المذكور يدلّ على وجود ارتكازٍ مسبق كما أنه يدلّ على امضاء الإمام عليه السلام للارتكاز المذكور ولكن من قال إن هذا الارتكاز هو ارتكازٌ على الوجوب فلعلّه ارتكازٌ على الاستحباب ؟!
البيان الثاني:- الارتكاز المتوارث بين المتشرّعة بما فيهم الفقهاء فيقال إنه من الأمور الواضحة والمرتكزة في أذهان المتشرّعة بما فيهم الفقهاء - ولماذا أدخلت الفقهاء ؟ لكي لا تقول لي إن هذا الارتكاز مأخوذاً من الفقهاء، كلّا بل إن هذا الارتكاز موجود عند نفس الفقهاء - ومن أين حصل هذا الارتكاز على الوجوب ؟ فيثبت على أنهم تلقّوه يداً بيد من معدن العصمة والطهارة كما كنّا نستدل على بعض الأحكام في المجالات الأخرى بهذا الارتكاز المتوارث.
أقول:- هو شيء جيّد من حيث الكبرى إلا أننا إذا اردنا أن نتأمل في ذلك من حيث الصغرى - يعني هل هناك ارتكاز في أذهان الفقهاء على الوجوب أو لا ؟ - فإن هذا ليس واضحاً عندنا . نعم لو ثبت هذا فلا مشكلة عندنا واحتمال أن هذا الارتكاز مأخوذاً من الروايات قد دفعناه أكثر من مرّة وقلنا إنه مادام ارتكازاً واضحاً وأوضح من دلالة الروايات فلا يُحتَمل آنذاك استناده إلى الروايات فإن القويَّ لا يستند إلى الضعيف . وبالجملة:- هذا بيانٌ حسنٌ وجيّدٌ من حيث الكبرى إلا أننا نتأمل من حيث الصغرى.
وقد يستدل بوجهٍ آخر غير الروايات وغير الارتكاز:- وذلك بالإجماع، فيقال هناك إجماع واتفاق في المسألة على ذلك والإجماع حجّة كما نعرف.
والجواب:- إن شرط حجّية الإجماع هو أن لا يكون محتمل المدرك وهنا نحتمل أن مدركه هو صحيحة الحلبي أو رواية أبي بصير وحينئذٍ لا يكون حجّة فإن محتمل المدرك لا نجزم بكاشفيه عن وصول الحكم يداً بيد من الإمام عليه السلام، نعم لو لم يكن محتمل المدرك وجزمنا بعدم المدرك الروائي له أو ما شاكل ذلك فهنا نجزم بأنه قد تحقّق هذا الاتفاق نتيجة وصول الحكم من الإمام يداٍ بيد أما بعد وجود المدرك المحتمل فلا يحصل هذا الجزم بالكاشفيّة.
وقد يقال بوجود وجهٍ رابع:- وهو أن يقال إن المسألة ابتلائية ولازم ابتلائية المسألة أن يكون حكمها واضحاً، وحيث إن الحكم الواضح بين الفقهاء هو الوجوب لأنه قد نقل صاحب المدارك(قده) أن هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب فيثبت بذلك الوجوب، يعني أن الفقهاء تلقّوا جوّاً واضحاً - بعد فرض ابتلائية المسألة - في الوجوب وبذلك يثبت الوجوب.
أقول:- هذا بيانٌ جيّدٌ ولا بأس به لتماميّة أصل كبراه وأصوله الموضوعيّة تامّة تقريباً ولا إشكال فيها وهذا أوجه ما يمكن التمسك به في المقام.
وعلى هذا الأساس إما أن نحتاط وجوباً بالحلق في خصوص منى أو نفتي بذلكلأجل هذا الوجه.
الحكم الثاني:- وجوب العود إلى منى.
إذا فرض أن الحاج نسي الحلق في منى فيلزمه العود إليها لأداء الواجب، والحكم المذكور متّفق عليه أيضاً، فقد قال في الجواهر تعليقاً على كلام المحقّق عندما قال:- ( ويجب أن يحلق بمنى فلو أخل رجع فحلق بها ) فهو علّق وقال ما نصّه:- ( بلا خلاف أجده في شيءٍ من ذلك )[4].
إذن المسألة لا خلاف فيها من حيث الفتوى.
وأما من حيث المستند:- فصحيحة الحلبي تدّل على ذلك بناءً على تماميّة دلالتها وغضّ النظر عن الإشكالين السابقين، وهي واردة في الناسي ودلّت على أن الناسي يلزمه أن يعود إلى منى، وأما بالنسبة إلى الجاهل فيدلّ على ذلك الرواية الثانية - أعني رواية أبي بصير - إذ هي واردة في الجاهل، فصحيحة الحلبي في الناسي وهذه واردة في الجاهل فإذا تمّت دلالتها وغضضنا النظر عن الإشكالين فحينئذٍ تدلّ على وجوب العود في حقّ الجاهل، أما إذا رفضناها باعتبار ورود البطائني في الطريق ولم نوثقه فينحصر المدرك آنذاك بصحيحة الحلبي الواردة في الناسي ولابد من إعمال عنايةٍ لتعميمها إلى الجاهل وتلك العناية هي أن نقول إنه لا نحتمل الخصوصيّة من هذه الناحية للناسي فنتعدّى آنذاك إلى الجاهل.
وقد يقال في هذا المجال:- لماذا لا نقول إن الحكم على طبق القاعدة بلا حاجة الى رواية كرواية أبي بصير حتى يقال هي ضعيفة أو صحيحة الحلبي حتى يقال هي خاصّة بالناسي بل إن الحكم على طبق القاعدة بلا حاجة الى رواية وذلك باعتبار أنه إذا سلّمنا أن الواجب هو الحلق في منى فما دام يمكنه ذلك فيجب عليه العود أداءً للواجب فإن ذلك لازم افتراض كونه واجباً.
والجواب:- إن هذا البيان وجيه إذا فرضنا أنه كانت هناك رواية غير صحيحة الحلبي أو رواية أبي بصير تدلّ على أن الحلق في منى واجبٌ فإنه لو كانت توجد رواية من هذا القبيل فيأتي هذا البيان فيقال إنه حيث يمكنه العود إلى منى فيلزمه ذلك لتحقيق الواجب ولكن المفروض لأنه لا توجد عندنا رواية من هذا القبيل بل أقصى ما يوجد عندنا هو صحيحة الحلبي الواردة فيمن نسي الحلق في منى . إذن مورد الرواية هو من نسي الحلق في منى ومنها استفدنا وجوب الحلق في منى، فعلى هذا الأساس كلّ ما عندنا هو صحيحة الحلبي التي هي واردة في الناسي فبالتالي سوف يكون المدرك لوجوب العود هو نفس صحيحة الحلبي وإذا غضضنا النظر عنها فلا يوجد ما يدلّ على الوجوب !! إذن لا يمكن أن يقال فلنقطع النظر عن الرواية ويثبت الحكم على طبق القاعدة إن هذا كلام ليس تامّاً لأن المفروض هو أن الحكم مستندٌ إلى هذه الرواية التي هي واردة في الناسي.
وقد تقول:- إنه بناءً على ما سلكناه في الوجه الرابع - أعني أن المسالة ابتلائية - يثبت الوجوب، فإذن لا ينحصر المدرك بصحيحة الحلبي حتى تقول إنه إذا غضضنا النظر عنها فلا دليل آنذاك على أصل الوجوب بل يوجد عندنا مدركٌ آخر وهو كون المسألة ابتلائية.
وجوابه:- إن هذا دليلٌ لبّي غاية ما يثبت به القدر المتيقَّن وهو من لم ينفر من منى أما من نفر عنها ثم التفت فهذا الوجه لا يثبت الوجوب في حقّه، وعلى هذا الأساس ينحصر المدرك بالروايات المذكورة فإذا ناقشنا دلالتها فحينئذٍ لا يكون عندنا دليل على وجوب العود والحكم على هذا الأساس يبتني على الاحتياط الوجوبي أما الفتوى فمشكلٌ لأن مستند الفتوى هو إما أن الحكم على طبق القاعدة وقلنا هذا لا يأتي أو هو صحيحة الحلبي ونحن قد ناقشنا في دلالتها أو هو ابتلائية المسألة وقد قلنا إن القدر المتيقَّن من ذلك هو من لم ينفر عن منى فالحكم بلزوم العود يلزم أن يكون احتياطياً.
هذا وتوجد روايات أخرى إما هي حيادية من حيث الدلالة أو أقرب الى عدم وجوب الحلق في منى:-
من قبيل:- ما رواه أبو الصباح الكناني، قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يقصّر من شعره وهو حاج حتى ارتحل من منى، قال:- ما يعجبني أن يلقي شعره إلا بمنى )[1]، إنها إما حياديّة أو أقرب إلى عدم الوجوب.
ومن قبيل:- صحيحة أبي بصير ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجل يوصي من يذبح عنه ويلقي هو شعره بمكة، فقال:- ليس له أن يلقي شعره إلا بمنى )[2]، إنها أيضاً ناظرة إلى الإلقاء وهو حيادي من هذه الناحية فقد يراد منه نفس الحلق والتقصير وقد يراد منه معناه المطابقي.
ومن القبيل:- رواية أبي بصير أيضاً التي ورد في سندها المفضّل بن صالح - فهي رواية بهذا الاعتبار -عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( رجل زار البيت ولم يحلق رأسه، قال:- يحلق بمكّة ويحمل شعره إلى منى وليس عليه شيء )[3] . إذن من خلال بيان الروايات اتضح أن استفادة وجوب الحلق في منى منها شيءٌ مشكلٌ، ولا أقل لأجل الاشكال الثاني.
وقد يستدل لوجوب الحلق في منى بدليلٍ آخر غير الروايات:- وهو الارتكاز، وذلك بأحد بيانين:-
البيان الأول:- إنه جاء في الرواية الأولى - أعني صحيحة الحلبي - ( رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى ) إن هذا التعبير يدلّ على أن المرتكز في ذهنه هو لزوم الحلق أو التقصير في منى وأن ذلك قضيّة مفروغٌ عنها والإمام عليه السلام أمضى هذا الارتكاز وقال إنه يصنع كذا - أي بتعبيرٍ آخر يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها - . إذن إذا افترضنا أن التفريع يوجب الإجمال فبإمكاننا التمسّك بهذا الارتكاز المستفاد من نفس سؤال الراوي وإمضاء الامام عليه السلام لذلك.
وفيه:- إنا نسلّم أن نفس السؤال المذكور يدلّ على وجود ارتكازٍ مسبق كما أنه يدلّ على امضاء الإمام عليه السلام للارتكاز المذكور ولكن من قال إن هذا الارتكاز هو ارتكازٌ على الوجوب فلعلّه ارتكازٌ على الاستحباب ؟!
البيان الثاني:- الارتكاز المتوارث بين المتشرّعة بما فيهم الفقهاء فيقال إنه من الأمور الواضحة والمرتكزة في أذهان المتشرّعة بما فيهم الفقهاء - ولماذا أدخلت الفقهاء ؟ لكي لا تقول لي إن هذا الارتكاز مأخوذاً من الفقهاء، كلّا بل إن هذا الارتكاز موجود عند نفس الفقهاء - ومن أين حصل هذا الارتكاز على الوجوب ؟ فيثبت على أنهم تلقّوه يداً بيد من معدن العصمة والطهارة كما كنّا نستدل على بعض الأحكام في المجالات الأخرى بهذا الارتكاز المتوارث.
أقول:- هو شيء جيّد من حيث الكبرى إلا أننا إذا اردنا أن نتأمل في ذلك من حيث الصغرى - يعني هل هناك ارتكاز في أذهان الفقهاء على الوجوب أو لا ؟ - فإن هذا ليس واضحاً عندنا . نعم لو ثبت هذا فلا مشكلة عندنا واحتمال أن هذا الارتكاز مأخوذاً من الروايات قد دفعناه أكثر من مرّة وقلنا إنه مادام ارتكازاً واضحاً وأوضح من دلالة الروايات فلا يُحتَمل آنذاك استناده إلى الروايات فإن القويَّ لا يستند إلى الضعيف . وبالجملة:- هذا بيانٌ حسنٌ وجيّدٌ من حيث الكبرى إلا أننا نتأمل من حيث الصغرى.
وقد يستدل بوجهٍ آخر غير الروايات وغير الارتكاز:- وذلك بالإجماع، فيقال هناك إجماع واتفاق في المسألة على ذلك والإجماع حجّة كما نعرف.
والجواب:- إن شرط حجّية الإجماع هو أن لا يكون محتمل المدرك وهنا نحتمل أن مدركه هو صحيحة الحلبي أو رواية أبي بصير وحينئذٍ لا يكون حجّة فإن محتمل المدرك لا نجزم بكاشفيه عن وصول الحكم يداً بيد من الإمام عليه السلام، نعم لو لم يكن محتمل المدرك وجزمنا بعدم المدرك الروائي له أو ما شاكل ذلك فهنا نجزم بأنه قد تحقّق هذا الاتفاق نتيجة وصول الحكم من الإمام يداٍ بيد أما بعد وجود المدرك المحتمل فلا يحصل هذا الجزم بالكاشفيّة.
وقد يقال بوجود وجهٍ رابع:- وهو أن يقال إن المسألة ابتلائية ولازم ابتلائية المسألة أن يكون حكمها واضحاً، وحيث إن الحكم الواضح بين الفقهاء هو الوجوب لأنه قد نقل صاحب المدارك(قده) أن هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب فيثبت بذلك الوجوب، يعني أن الفقهاء تلقّوا جوّاً واضحاً - بعد فرض ابتلائية المسألة - في الوجوب وبذلك يثبت الوجوب.
أقول:- هذا بيانٌ جيّدٌ ولا بأس به لتماميّة أصل كبراه وأصوله الموضوعيّة تامّة تقريباً ولا إشكال فيها وهذا أوجه ما يمكن التمسك به في المقام.
وعلى هذا الأساس إما أن نحتاط وجوباً بالحلق في خصوص منى أو نفتي بذلكلأجل هذا الوجه.
الحكم الثاني:- وجوب العود إلى منى.
إذا فرض أن الحاج نسي الحلق في منى فيلزمه العود إليها لأداء الواجب، والحكم المذكور متّفق عليه أيضاً، فقد قال في الجواهر تعليقاً على كلام المحقّق عندما قال:- ( ويجب أن يحلق بمنى فلو أخل رجع فحلق بها ) فهو علّق وقال ما نصّه:- ( بلا خلاف أجده في شيءٍ من ذلك )[4].
إذن المسألة لا خلاف فيها من حيث الفتوى.
وأما من حيث المستند:- فصحيحة الحلبي تدّل على ذلك بناءً على تماميّة دلالتها وغضّ النظر عن الإشكالين السابقين، وهي واردة في الناسي ودلّت على أن الناسي يلزمه أن يعود إلى منى، وأما بالنسبة إلى الجاهل فيدلّ على ذلك الرواية الثانية - أعني رواية أبي بصير - إذ هي واردة في الجاهل، فصحيحة الحلبي في الناسي وهذه واردة في الجاهل فإذا تمّت دلالتها وغضضنا النظر عن الإشكالين فحينئذٍ تدلّ على وجوب العود في حقّ الجاهل، أما إذا رفضناها باعتبار ورود البطائني في الطريق ولم نوثقه فينحصر المدرك آنذاك بصحيحة الحلبي الواردة في الناسي ولابد من إعمال عنايةٍ لتعميمها إلى الجاهل وتلك العناية هي أن نقول إنه لا نحتمل الخصوصيّة من هذه الناحية للناسي فنتعدّى آنذاك إلى الجاهل.
وقد يقال في هذا المجال:- لماذا لا نقول إن الحكم على طبق القاعدة بلا حاجة الى رواية كرواية أبي بصير حتى يقال هي ضعيفة أو صحيحة الحلبي حتى يقال هي خاصّة بالناسي بل إن الحكم على طبق القاعدة بلا حاجة الى رواية وذلك باعتبار أنه إذا سلّمنا أن الواجب هو الحلق في منى فما دام يمكنه ذلك فيجب عليه العود أداءً للواجب فإن ذلك لازم افتراض كونه واجباً.
والجواب:- إن هذا البيان وجيه إذا فرضنا أنه كانت هناك رواية غير صحيحة الحلبي أو رواية أبي بصير تدلّ على أن الحلق في منى واجبٌ فإنه لو كانت توجد رواية من هذا القبيل فيأتي هذا البيان فيقال إنه حيث يمكنه العود إلى منى فيلزمه ذلك لتحقيق الواجب ولكن المفروض لأنه لا توجد عندنا رواية من هذا القبيل بل أقصى ما يوجد عندنا هو صحيحة الحلبي الواردة فيمن نسي الحلق في منى . إذن مورد الرواية هو من نسي الحلق في منى ومنها استفدنا وجوب الحلق في منى، فعلى هذا الأساس كلّ ما عندنا هو صحيحة الحلبي التي هي واردة في الناسي فبالتالي سوف يكون المدرك لوجوب العود هو نفس صحيحة الحلبي وإذا غضضنا النظر عنها فلا يوجد ما يدلّ على الوجوب !! إذن لا يمكن أن يقال فلنقطع النظر عن الرواية ويثبت الحكم على طبق القاعدة إن هذا كلام ليس تامّاً لأن المفروض هو أن الحكم مستندٌ إلى هذه الرواية التي هي واردة في الناسي.
وقد تقول:- إنه بناءً على ما سلكناه في الوجه الرابع - أعني أن المسالة ابتلائية - يثبت الوجوب، فإذن لا ينحصر المدرك بصحيحة الحلبي حتى تقول إنه إذا غضضنا النظر عنها فلا دليل آنذاك على أصل الوجوب بل يوجد عندنا مدركٌ آخر وهو كون المسألة ابتلائية.
وجوابه:- إن هذا دليلٌ لبّي غاية ما يثبت به القدر المتيقَّن وهو من لم ينفر من منى أما من نفر عنها ثم التفت فهذا الوجه لا يثبت الوجوب في حقّه، وعلى هذا الأساس ينحصر المدرك بالروايات المذكورة فإذا ناقشنا دلالتها فحينئذٍ لا يكون عندنا دليل على وجوب العود والحكم على هذا الأساس يبتني على الاحتياط الوجوبي أما الفتوى فمشكلٌ لأن مستند الفتوى هو إما أن الحكم على طبق القاعدة وقلنا هذا لا يأتي أو هو صحيحة الحلبي ونحن قد ناقشنا في دلالتها أو هو ابتلائية المسألة وقد قلنا إن القدر المتيقَّن من ذلك هو من لم ينفر عن منى فالحكم بلزوم العود يلزم أن يكون احتياطياً.