28-05-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/05/28
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 420 ) / الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج
( طواف النساء وصلاته ) /
حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
والكلام تارةً يقع عن لزوم المباشرة وعدمه، وأخرى فيما إذا مات قبل أن يؤدي طواف النساء هل يلزم خصوص الولي أن يقضي أو أن الوجوب متوجه إلى الأعم ؟
أما الكلام من الناحية الأولى:- فهناك شقوقٌ ثلاثة، إذ تارةً يكون ترك الطواف عن سهوٍ، وأخرى عن جهلٍ، وثالثةٍ عن عمد.
والكلام أوّلاً يقع عن لزوم المباشرة وعدمه حالة الترك السهوي.
لزوم المباشرة لو كان الترك عن سهوٍ:- يظهر من المحقق(قده) في الشرائع جواز النيابة حتى مع قدرته على المباشرة بنفسه حيث قال:- ( ولو نسي طواف النساء جاز أن يستنيب . ولو مات قضاه وليّه وجوباً )، إن قوله ( ولو مات ) ناظر إلى الجهة الثانية من البحث، والآن نحن كلامنا في الجهة الأولى - يعني إذا كان حيّاً فهل يلزم أن يباشر بنفسه أو لا -، وقلنا توجد شقوق ثلاثة، وهو(قده) ناظر إلى الشق الأوّل في عبارته وقال ( لو نسي طواف النساء جاز أن يستنيب )، وحيث لم يقيّد بعدم القدرة فيدلّ ذلك على أنه تجوز له النيابة حتى لو كان قادراً على المباشرة . ومن هنا قال في المدارك:- ( إطلاق العبارة يقتضي أنه لا يشترط في طواز الاستنابة هنا[1]تعذّر العود كما اعتبر في طواف الحج بل يجوز وإن أمكن . وبهذا التعميم صرّح العلامة في جملة من كتبه وغيره )[2]، وعلّق في الجواهر على عبارة المحقق التي تقول ( ولو نسي طواف النساء جاز أن يستنيب ) بما نصّه:- ( بلا خلافٍ أجده فيه نصّاً وفتوىً بل الاجماع بقسميه عليه، إنما الكلام في جوازه اختياراً كما هو ظاهر المتن )[3] . وقوله ( اختيارا ً) يعني إذا أمكن أن يباشر هو بنفسه، وقوله ( كما هو ظاهر المتن ) هو محلّ الشاهد، وهو أن عبارة المحقّق كما ذكرنا وكما استفاد منها صاحب الجواهر(قده) أيضاً أنه يجوز أن يُنيب حتى لو أمكنه أن يعود.
وفي هذا المجال ذكر السيد الخوئي(قده) في المعتمد[4] أنه لو رجعنا إلى الروايات الخمس المتقدّمة وجدناها على طوائف ثلاث:-
الطائفة الأولى:- ما دلّ على لزوم المباشرة بنفسه، وهي الرواية الأولى التي نصّها:- ( سألته عن رجلٍ نسي طواف النساء حتى يرجع - رجع - إلى أهله، قال:- لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت فإن هو مات فليقضِ عنه وليّه أو غيره فأمّا مادام حيّاً فلا يصلح أن يقضى عنه وإن نسي الجمار .... ) ، ومحلّ الشاهد هو قوله ( قال:- لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت ) ،وظاهره أنه بنفسه ولم يقل حتى يبعث نائباً بل قال حتى يزور البيت يعني بنفسه، وقلنا إن زيارة البيت كناية عن الاتيان بطواف النساء.
الطائفة الثانية:- ما دلّ على أنه يجوز له أن ينيب غيره حتى لو أمكنه المباشرة، وهذه تتمثل بالرواية الثانية والثالثة والرابعة، والرواية الثانية هي:- ( رجلٌ نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت، وقال:- يأمر أن يقضى[5] عنه إن لم يحج فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقضِ عنه وليّه أو غيره ) . إذن هذه العبارة تدلّ على أن النساء لا تحلّ له حتى يزور البيت، وقال ( يأمر أن يقضى عنه إن لم يحج ) فظاهر ( إن لم يحج ) أنه حتى لو تمكن من أن يحج فمادام هو لم يذهب فيأمر بأن يؤتى به عنه، فتدلّ على جواز النيابة اختياراً.
والرواية الثالثة هي:- ( قلت له رجلٌ نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال:- يأمر من يقضي عنه إن لم يحج فإنه لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت )، ودلالتها واضحة على أنه تجوز له النيابة اختياراً . والرواية الرابعة أيضاً كذلك:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال:- يرسل فيطاف عنه ... ).
إن هذه ثلاث روايات دلّت بوضوحٍ على جواز النيابة اختياراً على عكس الطائفة الأولى التي دلّت على لزوم المباشرة بنفسه مطلقاً قدر أو لم يقدر .
الطائفة الثالثة:- ما دلت على الفصيل، وهو أنه إذا كان لا يقدر من المباشرة فيستنيب وإذا كان يقدر فيتعيّن عليه أن يباشر بنفسه، وهذه تتمثل برواية واحدة وهي الرواية الخامسة:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام في رجلٍ نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة، قال:- لا تحلّ له السناء حتى يطوف بالبيت، قلت:- فإن لم يقدر؟ قال:- يأمر من يطوف عنه ) .إذن هي قد دلت على التفصيل بين من ما إذا لم يقدر فالنيابة وبين ما إذا قدر فالمباشرة.
ثم قال(قده):- إن الطائفة الثالثة حيث إنها فصّلت بين القدرة على المباشرة وعدمها فتصلح أن تكون شاهد جمعٍ، يعني نحمل إطلاق الطائفة الأولى التي دلّت على لزوم المباشرة مطلقاً على حالة القدرة على ذلك، ونحمل الطائفة الثانية التي دلت على جواز النيابة على من لم يقدر على المباشرة.
يبقى قد تسأل تقول:-كيف تصلح الطائفة الثالثة أن تكون شاهد جمع ؟
والجواب:- إن القضيّة عرفيّة وعقلائيّة، فكما أن الجمع بالتخصيص أو التقييد هي قضيّة عرفيّة ومدركه عرفيّ كذلك إذا فرض أن طائفةً ثالثةً كانت مفصّلة فالعرف يصنع هكذا، والعرف ببابك، فلو فرضنا أنه جاءنا شخصٌ وقال جاء أهل البصرة لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام في مناسبة وقال شخص آخر لم يأتٍ أهل البصرة للزيارة وجاء شخص ثالث وفصّل وقال جاء الشباب منهم دون الشيبة، فهنا نفهم أن الأوّل ليس بكاذبٍ ولا الثاني فيصير الثالث شاهد جمعٍ بين الخبرين الأوّلين . فإذن هذا التقييد أو التخصيص بهذا الشكل هو عرفيٌّ كسائر موارد التقييد والتخصيص.
ولو قيل:- كيف يكون العرف حجّة في هذا المورد فما هو المستند لحجّية العرف ؟
نقول:- إن الإمام عليه السلام حينما يتكلم فهو يتكلم بما هو إنسان عرفيّ ولا يتكلم بما هو إمام فإنه ليست له طريقة خاصّة للحوار وإلّا لو كانت له طريقة خاصة للحوار لبيّن ذلك، وحيث يحاور الناس من دون بيان طريقةٍ أخرى يفهم منه أن طريقته نفس طريقة العرف والعقلاء، وعلى هذا الأساس بما أن العرف هكذا يفهم - يعني يجعل الطائفة الثالثة شاهد جمع - فهنا أيضاً نقول هذا هو مقصود الإمام عليه السلام، وبالتالي يكون جمع العرف بهذا الشكل حجّة لأن الإمام عليه السلام ليست له طريقة أخرى.
وفي تحقيق الحال نقول:- تارةً نبني على أن هذه الروايات هي خمس رغم أن الراوي لها واحد وهو معاوية بن عمّار وليس الصادر رواية واحدة - ولم أرَ من شكّك من هذه الناحية وأبرَزَ احتمال أنها رواية واحدة فهم تعاملوا معها معاملة الروايات المتعددة -، وأخرى نتعامل معها أنها رواية واحدة ؛ بتقريب:- أن من البعيد أن معاوية بن عمار يسأل سؤالاً واحداً خمس مرّات عن قضيّة واحدة . فعلى الأول فقد ذكر(قده) أنه توجد طوائف ثلاث والطائفة الثالثة قد فصّلت بين القادر على المباشرة فتلزمه المباشرة وبين غير القادر فيستنيب.
ونحن نقول:- لو كان الإمام عليه السلام يذكر هذا القيد ابتداءً - يعني لو كان الامام يقول إن قدر على المباشرة فعليه المباشرة - فهذا مقبول، ولكن المفروض أنه لم يأخذ هذا القيد وإنما قال:- ( لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت )، ثم استدرجه معاوية بسؤاله ( قلت فإن لم يقدر ) فأجابه عليه السلام ( يأمر من يطوف عنه )، فالتفصيل لم يذكره الإمام عليه السلام مباشرةً، والقيد لم يأخذه حتى تصلح أن تكون طائفةً ثالثةً مفصّلة وإنما كان استدراجاً من السائل، وحينئذٍ نضمّ إلى ذلك مقدمة أخرى وهي أنه لو ضممنا هذه الرواية إلى بقيّة تلك الروايات لم نجد بينها تنافياً فإن الطائفة الثانية جوّزت النيابة مطلقاً، يعني بتعبير آخر يجوز له أن يذهب بالمباشرة وتجوز له النيابة، والامام عليه السلام الطائفة الثالثة بيّن أحد طرفي التخيير - وأنه لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت - فهو بيّن أحد الشقّين، ولكن هل يلزم أن يكون الطواف بالبيت بنفسة أو لا يلزم ذلك ؟ إنّه بقرينة تلك الروايات نفهم أن المقصود هو أن هذا هو أحد فردي التحيير والامام عليه السلام قد بيّن له الفرد الثاني حينما سأله معاوية عن حالة عدم القدرة، فهذه الروايات لو نظرنا إليها جميعاً وضممنا بعضها إلى بعضٍ لا نفهم وجود تنافٍ فيها، بل الكلّ يريد أن يثبت التخيير غايته تارةً يبيّن التخيير ابتداءً وأخرى يبيّن أحد فردي التخيير ويُسكَت عن الفرد الثاني فيذكره الإمام بعد سؤال الراوي أو يسكت عنه كما في الطائفة الأولى فإنه سكت عنه حيث لم يسأله الراوي.
والخلاصة:- إن استفادة المفهوم من الطائفة الثالثة بعد ضمّها إلى تلك بحيث تكون شاهد جمعٍ شيءٌ صعب بل المناسب أن نستفيد أن الجميع يريد أن يبيّن مطلباً واحداً وهو أنه مخيّر بين النيابة وبين المباشرة غايته أن الإمام عليه السلام بيّن في بعض الروايات كلا الفردين وفي بعضها بين أحد الفردين دون الثاني . نعم لو كان الإمام ابتداءً يذكر هذا القيد - يعني لا تحلّ له النساء حتى يطوف بنفسه إن كان يقدر وإن لم يقدر فبالنيابة - فما ذكره السيد الخوئي(قده) يكون وجيهاً جداً، أمّا بعد أن لم يذكره مباشرةً وابتداءً فاستفادة المفهوم بحيث تكون شاهد جمعٍ وتوجد طوائف ثلاث شيءٌ صعبٌ . هذا كلّه لو فرض أنّا تحاسبنا معها كروايات خمس.
والكلام تارةً يقع عن لزوم المباشرة وعدمه، وأخرى فيما إذا مات قبل أن يؤدي طواف النساء هل يلزم خصوص الولي أن يقضي أو أن الوجوب متوجه إلى الأعم ؟
أما الكلام من الناحية الأولى:- فهناك شقوقٌ ثلاثة، إذ تارةً يكون ترك الطواف عن سهوٍ، وأخرى عن جهلٍ، وثالثةٍ عن عمد.
والكلام أوّلاً يقع عن لزوم المباشرة وعدمه حالة الترك السهوي.
لزوم المباشرة لو كان الترك عن سهوٍ:- يظهر من المحقق(قده) في الشرائع جواز النيابة حتى مع قدرته على المباشرة بنفسه حيث قال:- ( ولو نسي طواف النساء جاز أن يستنيب . ولو مات قضاه وليّه وجوباً )، إن قوله ( ولو مات ) ناظر إلى الجهة الثانية من البحث، والآن نحن كلامنا في الجهة الأولى - يعني إذا كان حيّاً فهل يلزم أن يباشر بنفسه أو لا -، وقلنا توجد شقوق ثلاثة، وهو(قده) ناظر إلى الشق الأوّل في عبارته وقال ( لو نسي طواف النساء جاز أن يستنيب )، وحيث لم يقيّد بعدم القدرة فيدلّ ذلك على أنه تجوز له النيابة حتى لو كان قادراً على المباشرة . ومن هنا قال في المدارك:- ( إطلاق العبارة يقتضي أنه لا يشترط في طواز الاستنابة هنا[1]تعذّر العود كما اعتبر في طواف الحج بل يجوز وإن أمكن . وبهذا التعميم صرّح العلامة في جملة من كتبه وغيره )[2]، وعلّق في الجواهر على عبارة المحقق التي تقول ( ولو نسي طواف النساء جاز أن يستنيب ) بما نصّه:- ( بلا خلافٍ أجده فيه نصّاً وفتوىً بل الاجماع بقسميه عليه، إنما الكلام في جوازه اختياراً كما هو ظاهر المتن )[3] . وقوله ( اختيارا ً) يعني إذا أمكن أن يباشر هو بنفسه، وقوله ( كما هو ظاهر المتن ) هو محلّ الشاهد، وهو أن عبارة المحقّق كما ذكرنا وكما استفاد منها صاحب الجواهر(قده) أيضاً أنه يجوز أن يُنيب حتى لو أمكنه أن يعود.
وفي هذا المجال ذكر السيد الخوئي(قده) في المعتمد[4] أنه لو رجعنا إلى الروايات الخمس المتقدّمة وجدناها على طوائف ثلاث:-
الطائفة الأولى:- ما دلّ على لزوم المباشرة بنفسه، وهي الرواية الأولى التي نصّها:- ( سألته عن رجلٍ نسي طواف النساء حتى يرجع - رجع - إلى أهله، قال:- لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت فإن هو مات فليقضِ عنه وليّه أو غيره فأمّا مادام حيّاً فلا يصلح أن يقضى عنه وإن نسي الجمار .... ) ، ومحلّ الشاهد هو قوله ( قال:- لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت ) ،وظاهره أنه بنفسه ولم يقل حتى يبعث نائباً بل قال حتى يزور البيت يعني بنفسه، وقلنا إن زيارة البيت كناية عن الاتيان بطواف النساء.
الطائفة الثانية:- ما دلّ على أنه يجوز له أن ينيب غيره حتى لو أمكنه المباشرة، وهذه تتمثل بالرواية الثانية والثالثة والرابعة، والرواية الثانية هي:- ( رجلٌ نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت، وقال:- يأمر أن يقضى[5] عنه إن لم يحج فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقضِ عنه وليّه أو غيره ) . إذن هذه العبارة تدلّ على أن النساء لا تحلّ له حتى يزور البيت، وقال ( يأمر أن يقضى عنه إن لم يحج ) فظاهر ( إن لم يحج ) أنه حتى لو تمكن من أن يحج فمادام هو لم يذهب فيأمر بأن يؤتى به عنه، فتدلّ على جواز النيابة اختياراً.
والرواية الثالثة هي:- ( قلت له رجلٌ نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال:- يأمر من يقضي عنه إن لم يحج فإنه لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت )، ودلالتها واضحة على أنه تجوز له النيابة اختياراً . والرواية الرابعة أيضاً كذلك:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال:- يرسل فيطاف عنه ... ).
إن هذه ثلاث روايات دلّت بوضوحٍ على جواز النيابة اختياراً على عكس الطائفة الأولى التي دلّت على لزوم المباشرة بنفسه مطلقاً قدر أو لم يقدر .
الطائفة الثالثة:- ما دلت على الفصيل، وهو أنه إذا كان لا يقدر من المباشرة فيستنيب وإذا كان يقدر فيتعيّن عليه أن يباشر بنفسه، وهذه تتمثل برواية واحدة وهي الرواية الخامسة:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام في رجلٍ نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة، قال:- لا تحلّ له السناء حتى يطوف بالبيت، قلت:- فإن لم يقدر؟ قال:- يأمر من يطوف عنه ) .إذن هي قد دلت على التفصيل بين من ما إذا لم يقدر فالنيابة وبين ما إذا قدر فالمباشرة.
ثم قال(قده):- إن الطائفة الثالثة حيث إنها فصّلت بين القدرة على المباشرة وعدمها فتصلح أن تكون شاهد جمعٍ، يعني نحمل إطلاق الطائفة الأولى التي دلّت على لزوم المباشرة مطلقاً على حالة القدرة على ذلك، ونحمل الطائفة الثانية التي دلت على جواز النيابة على من لم يقدر على المباشرة.
يبقى قد تسأل تقول:-كيف تصلح الطائفة الثالثة أن تكون شاهد جمع ؟
والجواب:- إن القضيّة عرفيّة وعقلائيّة، فكما أن الجمع بالتخصيص أو التقييد هي قضيّة عرفيّة ومدركه عرفيّ كذلك إذا فرض أن طائفةً ثالثةً كانت مفصّلة فالعرف يصنع هكذا، والعرف ببابك، فلو فرضنا أنه جاءنا شخصٌ وقال جاء أهل البصرة لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام في مناسبة وقال شخص آخر لم يأتٍ أهل البصرة للزيارة وجاء شخص ثالث وفصّل وقال جاء الشباب منهم دون الشيبة، فهنا نفهم أن الأوّل ليس بكاذبٍ ولا الثاني فيصير الثالث شاهد جمعٍ بين الخبرين الأوّلين . فإذن هذا التقييد أو التخصيص بهذا الشكل هو عرفيٌّ كسائر موارد التقييد والتخصيص.
ولو قيل:- كيف يكون العرف حجّة في هذا المورد فما هو المستند لحجّية العرف ؟
نقول:- إن الإمام عليه السلام حينما يتكلم فهو يتكلم بما هو إنسان عرفيّ ولا يتكلم بما هو إمام فإنه ليست له طريقة خاصّة للحوار وإلّا لو كانت له طريقة خاصة للحوار لبيّن ذلك، وحيث يحاور الناس من دون بيان طريقةٍ أخرى يفهم منه أن طريقته نفس طريقة العرف والعقلاء، وعلى هذا الأساس بما أن العرف هكذا يفهم - يعني يجعل الطائفة الثالثة شاهد جمع - فهنا أيضاً نقول هذا هو مقصود الإمام عليه السلام، وبالتالي يكون جمع العرف بهذا الشكل حجّة لأن الإمام عليه السلام ليست له طريقة أخرى.
وفي تحقيق الحال نقول:- تارةً نبني على أن هذه الروايات هي خمس رغم أن الراوي لها واحد وهو معاوية بن عمّار وليس الصادر رواية واحدة - ولم أرَ من شكّك من هذه الناحية وأبرَزَ احتمال أنها رواية واحدة فهم تعاملوا معها معاملة الروايات المتعددة -، وأخرى نتعامل معها أنها رواية واحدة ؛ بتقريب:- أن من البعيد أن معاوية بن عمار يسأل سؤالاً واحداً خمس مرّات عن قضيّة واحدة . فعلى الأول فقد ذكر(قده) أنه توجد طوائف ثلاث والطائفة الثالثة قد فصّلت بين القادر على المباشرة فتلزمه المباشرة وبين غير القادر فيستنيب.
ونحن نقول:- لو كان الإمام عليه السلام يذكر هذا القيد ابتداءً - يعني لو كان الامام يقول إن قدر على المباشرة فعليه المباشرة - فهذا مقبول، ولكن المفروض أنه لم يأخذ هذا القيد وإنما قال:- ( لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت )، ثم استدرجه معاوية بسؤاله ( قلت فإن لم يقدر ) فأجابه عليه السلام ( يأمر من يطوف عنه )، فالتفصيل لم يذكره الإمام عليه السلام مباشرةً، والقيد لم يأخذه حتى تصلح أن تكون طائفةً ثالثةً مفصّلة وإنما كان استدراجاً من السائل، وحينئذٍ نضمّ إلى ذلك مقدمة أخرى وهي أنه لو ضممنا هذه الرواية إلى بقيّة تلك الروايات لم نجد بينها تنافياً فإن الطائفة الثانية جوّزت النيابة مطلقاً، يعني بتعبير آخر يجوز له أن يذهب بالمباشرة وتجوز له النيابة، والامام عليه السلام الطائفة الثالثة بيّن أحد طرفي التخيير - وأنه لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت - فهو بيّن أحد الشقّين، ولكن هل يلزم أن يكون الطواف بالبيت بنفسة أو لا يلزم ذلك ؟ إنّه بقرينة تلك الروايات نفهم أن المقصود هو أن هذا هو أحد فردي التحيير والامام عليه السلام قد بيّن له الفرد الثاني حينما سأله معاوية عن حالة عدم القدرة، فهذه الروايات لو نظرنا إليها جميعاً وضممنا بعضها إلى بعضٍ لا نفهم وجود تنافٍ فيها، بل الكلّ يريد أن يثبت التخيير غايته تارةً يبيّن التخيير ابتداءً وأخرى يبيّن أحد فردي التخيير ويُسكَت عن الفرد الثاني فيذكره الإمام بعد سؤال الراوي أو يسكت عنه كما في الطائفة الأولى فإنه سكت عنه حيث لم يسأله الراوي.
والخلاصة:- إن استفادة المفهوم من الطائفة الثالثة بعد ضمّها إلى تلك بحيث تكون شاهد جمعٍ شيءٌ صعب بل المناسب أن نستفيد أن الجميع يريد أن يبيّن مطلباً واحداً وهو أنه مخيّر بين النيابة وبين المباشرة غايته أن الإمام عليه السلام بيّن في بعض الروايات كلا الفردين وفي بعضها بين أحد الفردين دون الثاني . نعم لو كان الإمام ابتداءً يذكر هذا القيد - يعني لا تحلّ له النساء حتى يطوف بنفسه إن كان يقدر وإن لم يقدر فبالنيابة - فما ذكره السيد الخوئي(قده) يكون وجيهاً جداً، أمّا بعد أن لم يذكره مباشرةً وابتداءً فاستفادة المفهوم بحيث تكون شاهد جمعٍ وتوجد طوائف ثلاث شيءٌ صعبٌ . هذا كلّه لو فرض أنّا تحاسبنا معها كروايات خمس.