جلسة 58
المفطرات
النقطة الثانية: إذا فُرض أن الشخص قد أجنب نفسه في وقت لا يسع الغُسل ولكنه يسع التيمّم، فيجب عليه التيمّم ولا يحتاج إلى قضاء الصوم وإن كان الأحوط استحباباً ذلك، وأمّا إذا ترك التيمّم فيجب عليه القضاء والكفارة، هكذا ذكر ـ قدّس سرّه ـ في المتن وفي حواشيه المتأخرة على (العروة الوثقى)، ولكنه في الحواشي القديمة حكم بلزوم الاحتياط بالقضاء فيما لو تيمّم الشخص، فجعل الاحتياط بالقضاء وجوبياً لا استحبابياً، وهكذا حكم في التقرير[1] فصار إلى الاحتياط الوجوبي لا الاستحبابي على خلاف ما في المتن، والبحث في هذه النقطة يقع في مقامين:
المقام الأوّل: فيما لو فرض أنّ الشخص كانت وظيفته التيمّم بحسب طبعه الأوّلي وبقطع النظر عن ضيق الوقت، كما إذا فرض أنّه مريض أو لا يوجد لديه ماء، وقد تعرّض ـ قدّس سرّه ـ لهذا المقام في المسألة 989.
الثاني: ما إذا فرض أنّ الوظيفة الأوليّة هي الغُسل ولكن للإجناب في ضيق الوقت لم يمكن الغُسل، وقد تعرّض ـ قدّس سرّه ـ لهذا المقام في هذه المسألة. ونحن نتكلّم عن كلا المقامين هنا للارتباط بينهما.
أمّا بالنسبة للمقام الأوّل فُيفرض فيه أنّ الشخص كانت وظيفته الأوّلية هي التيمّم وأجنب نفسه في ضيق الوقت أو في سعته فهل يلزمه التيمّم؟ قد يقال بالعدم وذلك لأحد البيانين التاليين:
البيان الأوّل: ما بنى عليه صاحب (المدارك)[2] ـ قدّس سرّه ـ من أنّ النصوص دلّت على لزوم الغُسل، وأمّا وجوب التيمّم في حقّ مَنْ لم يتمكن على الغُسل فلم يدلّ عليه دليل وحيث إنّه لا مثبت لذلك فنتمسك بالبراءة.
وبكلمة اُخرى لزوم التيمّم يحتاج إلى دليل، فإنّ النصوص دلّت على لزوم الغُسل لا أكثر، وحيث لا دليل على لزوم التيمّم فيتمسك بالبراءة.
وما أفاده ـ قدّس سرّه ـ يشتمل على احتمالين:
الاحتمال الأوّل: أن يكون مقصوده أنّ مثل الشخص المذكور لا يصح منه الصوم ما دام لا يتمكن على الغُسل، ووظيفته آنذاك القضاء ولا يكتفى منه بالصوم عن تيمّم.
الاحتمال الثاني: أن يكون مقصوده أنّ الصوم صحيح منه بلا حاجة إلى تيمّم، فيترك التيمّم ويصوم بلا حاجة إلى قضاء.
فإن كان مقصوده الاحتمال الأوّل ـ عدم صحة الصوم ولزوم القضاء ـ فيردّه ما دلّ على بدليّة التراب عن الماء وأنّ التراب أحد الطهورين، فلاحظ صحيحة معاوية بن ميسرة، قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الرجل في السفر لا يجد الماء تيمّم وصلّى ثمّ أتى الماء وعليه شيء من الوقت، أيمضي على صلاته أم يتوضّأ ويعيد الصلاة؟ قال: «يمضي على صلاته، فإنّ ربّ الماء هو ربّ التراب»[3]، وموردها وإن كان هو الصلاة ولكن يستفاد من التعليل قيام التراب مقام الماء في جميع الموارد، إذ لا يحتمل أن يكون المقصود أنّ ربّ الماء في الصلاة هو ربّ التراب وأمّا في غيرها فلا.
وجاء في صحيحة محمّد بن مسلم: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد وصلّى ثمّ وجد الماء؟ قال: «لا يعيد، إنّ ربّ الماء ربُّ الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين»[4]، ودلالتهما واضحة على تنزيل التراب منزلة الماء.
بل لا نحتاج إلى الروايات المذكورة ويكفينا وضوح المطلب، فإنّه على رأيه لو فرض أنّ الشخص احتلم قبل الفجر واستيقظ ولكنه لمرض لم يتمكن من الغُسل يلزم أن لا يصح منه الصوم ويلزمه القضاء، وهكذا في اليوم الثاني والثالث والرابع...، مضافاً إلى أنّه يلزم أن الشخص المريض لا يجوز له الاقتراب من زوّجته فترة شهر رمضان ما دام لا يتمكن من الغُسل لعُذر، وهذا بعيد جزماً، إن هذا منبّه واضح على أنّ الصوم صحيح من هؤلاء ولا يلزمهم القضاء. هذا كلّه على الاحتمال الأوّل.
وأمّا إذا كان مقصوده الاحتمال الثاني ـ صحة الصوم بلا حاجة إلى التيمّم ـ فما ذكره وجيه إذ النصوص دلّت على اعتبار الغُسل لا الطهور، وفرق بين المطلبين فتارةً يفترض أنّ الدليل يدلّ على أنّ «لا صلاة إلاّ بطهور»[5]، ففي مثله إذا لم يمكن الغُسل يتعين المصير إلى التيمّم، ولا نحتمل صحّة الصلاة بلا تيمّم لفرض أنّ لا صلاة إلاّ بطهور.
أمّا إذا لم يدلّ الدليل على ذلك وإنّما دلّ على أنّ مَنْ يتمكن من الغُسل فلا يصح منه الصوم إلاّ بالغُسل فلا يمكن أن يستفاد منه اعتبار التيمّم، فلعلّ الصوم مشروط بخصوص الطهارة المائية لمن كان متمكناً منها، وأمّا غير المتمكن فصحّة صومه ليست مشروطة بالطهارة المائية ولا الترابية، إن هذا أمر محتمل بعد فرض عدم الدليل على أن لا صوم إلاّ بطهور، ومعه فيكون وجوب التيمّم مشكوكاً فينفى بالبراءة ويصح ما أفاده صاحب (المدارك) قدّس سرّه.
إن قلت: لِما لا نتمسك بما دلّ على أنّ التراب أحد الطهورين وأن ربّ الماء ربّ الصعيد.
قلت: إنّ التمسّك بذلك وجيه لو دلّ الدليل على أنّ لا صوم إلاّ بطهور، فإنّه آنذاك يقال حيث لا يمكن ذلك الطهور المائي فينتقل إلى الطهور الترابي، ولكنّ المفروض أن مثل هذا ليس بثابت، وإنّما الثابت أنّ الغُسل لمن يتمكن عليه شرط في صحّة الصوم، وأمّا من لم يتمكن عليه فلعلّه لا يعتبر في حقّه شيء رأساً.
ومّما يؤكد ذلك صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السلام ـ في حديث: أنّه سأله عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثمّ ينام؟ أنّه قال: «إن استيقظ قبل أن يطلع الفجر فإن انتظر ماء يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه»[6] وغيرها.
وتقريب الدلالة أنّ التيمّم لو كان لازماً لأمره الإمام ـ عليه السلام ـ به بعد تعذُر الغُسل، فعدم أمره بالغُسل دليل على عدم لزومه، اللهم إلاّ أنّ يقال: إنّ المفروض في الصحيحة أن الشخص كان يظن سعة الوقت وانشغل بتسخين الماء أو الاستقاء وفوجأه طلوع الفجر، وفي مثل ذلك حكم ـ عليه السلام ـ بعدم لزوم القضاء، وإنّما لم يأمره بالتيمّم لأنّ الفجر طلع فجأةً من دون اطلاع سابق على ذلك.
وعلى أي حال إن كان مقصود صاحب (المدارك) الاحتمال الأوّل فيردّ عليه ما أشرنا إليه، وإن كان مقصوده الاحتمال الثاني فهو وجيه كما أوضحنا.
________________________
[1] مستند العروة الوثقى 1: 189.
[2] مدارك الأحكام 6: 58.
[3] الوسائل 3: 370، أبواب التيمّم، ب 14، ح 13.
[4] الوسائل 3: 370، أبواب التيمّم، ب 14، ح 15.
[5] الوسائل 1: 365، أبواب الوضوء، ب 1، ح 1.
[6] الوسائل 10: 60، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب 14، ح 1.