32/06/11
تحمیل
ولعل المستند:- هو روايات القبة والكنيسة ، فان التظليل فيهما يكون من فوق الرأس.
ولكن يرد على ذلك :- انه لو كان المستند منحصراً بما ذكر لكان لما أفيد وجه ، بيد انه توجد مستندات أخرى يمكن استفادة التعميم منها من قبيل صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق المتقدمة ( سألت أبا عبد الله عيه السلام هل يستتر المحرم من الشمس ؟ فقال: لا ) إن هذا يمكن استفادة التعميم منه ، وحيث انه عليه السلام لم يستفصل نفهم أن الاستتار من الشمس لا يجوز في حق المحرم بجميع أنحاءه ، وهكذا بالنسبة إلى صحيحة عبد الله بن المغيرة (أظلل وأنا محرم ؟ قال: لا ) انه يمكن استفادة التعميم منه . إذن لا فرق في حرمة التظليل بين أن تكون من فوق الرأس أو من أحد الجانبين.
نعم ينبغي أن نستدرك ونقول متى ما صدق الاضحاء كفى ذلك فان بعض الروايات جعلت العبرة بالاضحاء من قبيل صحيحة ابن المغيرة الأخرى ( سالت أبا الحسن عن الظلال للمحرم ، فقال: أضح لمن أحرمت له ) وعلى منوالها موثقة عثمان بن عيسى حيث جاء فيها ( إن كان كما زعم فليظلل ، وإما أنت فأضح لمن أحرمت له ) انه يستفاد من هاتين الروايتين إن العبرة بالاضحاء ، وعلى هذا الأساس فمتى ما صدق الاضحاء كفى ، فلو فرضنا أن شخصاً أخذ المظلة من أحد الجانبين بشكل صدق معه عنوان الاضحاء والبروز للشمس كفى ذلك ، إن هذه قضية جديرة بالالتفات .
ومن هنا تنحل المشكلة التي كنا نواجهها في الزمن السابق ، حيث كنا في السنوات السابقة قبل عشرين سنة تقريباً حينما نذهب إلى الحج ونريد الإحرام كانت السلطات تفسح المجال بالركوب في السيارات غير المسقوفة - ومقصودي السيارات القديمة المستهلكة التي لا تتداول ولكن في أيام الحج يفسح المجال باستعمالها فيرفع سقفها ولكن تبقى الجوانب على ما هي عليه - والسؤال هل يجوز أن يركب الشخص في مثل السيارات المذكورة ؟ - وطبيعي المشكلة في الوسط أقل ، يعني من يجلس في الوسط وليس إلى جانب الشباك أو الزجاجة أمره أهون ولكن الذي يجلس إلى جانب الزجاجة - كان السيد الخوئي ( قده) يستشكل في ذلك ، باعتبار أن هذا نحو من التظليل الجانبي ، إذ مع وجود الأعمدة والزجاجة بل ومن الأسفل سوف يصدق التظليل ، والمفروض أن التظليل عنده لا يختص بما إذا كان من الشمس بل يعم ما إذا كان من الريح ونحوها ، إذن سوف يصدق التظليل الجانبي .
هذا ولكن بناءاً على ما ذكرناه يمكن أن يهون الأمر ، باعتبار إن المهم هو عنوان الاضحاء ، وهو يمكن أن يقال بصدقه حتى لمن جلس إلى جانب الزجاجة .
إن قلت :- انه أُخذ في الروايات عنوانان ، ففي بعضها أُخذ عنوان الاضحاء كما في الروايتين اللتين أشرنا إليهما ، بينما في الروايات الأخرى أُخذ عنوان التظليل ( أظلل وانأ محرم ؟ قال: لا ) فلماذا تنظر إلى العنوان الأول وهو الاضحاء ولا تنظر إلى العنوان الثاني وهو التظليل ، فان السيد الخوئي (قده) نظر إلى عنوان التظليل وبعد تعميمه بلحاظ غير الشمس سوف يكون صادقاً غايته من جهة الجانب وليس من جهة الأعلى ، فلماذا لا نأخذ بعنوان التظليل وتنرك عنوان الاضحاء ، إن هذا تساؤل قد يوجه ألينا ، وبالتالي هو دفاع عن السيد الخوئي (قده).
قلت:- إن عنوان الاضحاء بمثابة المقيد لما دل على حرمة التظليل ، فانه عليه السلام حينما قال في صحيحة ابن المغيرة ( سالت أبا الحسن عن الظلال للمحرم ، فقال: أضح لمن أحرمت له ) يفهم منه أن عنوان الاضحاء هو اللازم وهو أخص وأضيق من عنوان التظليل فيصير مقيداً إلى حرمة التظليل ، فالتظليل المحرم هو ما إذا لم يصدق معه عنوان الاضحاء. إذن إذا أخذنا بعنوان والاضحاء يمكن أن تخف المشكلة عملاً في ركوب مثل السيارات المذكورة . وهذه فائدة يجدر الالتفات إليها .
النقطة السابعة:- يجوز للمحرم أن يستتر من الشمس بيديه ، والوجه في ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ( لا بأس بأن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس ولا بأس بأن يستر بعض جسده ببعضٍ )[1] إنها واضحة في جواز الستر بمثل اليد .
وقد تقول:- هي معارضة بصحيحة سعيد الأعرج ( سأل أباعبد الله عليه السلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود ة بيده ؟ قال: لا ، إلا من علة )[2] إن هذا يدل على عدم جواز الستر باليد ، فيكون معارضاً لذلك الحديث السابق
قلت:- انه يلزم حمله على الكراهة ، فان ذاك صريح في الجواز حيث قال ( ولا بأس أن يستر بعض جسده ببعض ) وهذا ظاهر في الحرمة فان قوله عليه السلام ( لا ) ليس صريحاً في الحرمة بل هو ظاهر فيها لاحتمال إرادة الكراهة فيؤوَّل الظاهر بحمله على الكراهة بقرينة التصريح بالجواز في الحديث الآخر.
إن قلت:- لم لا نعمل فكرة التقييد دون الجمع بالحمل على الكراهة وذلك بأن يقال إن صحيح سعيد الأعرج نهى عن الستر باليد وصحيح معاوية جوز ستر بعض البدن ببعضه الآخر فيقيد هذا الحديث ويقال يجوز ستر بعض البدن ببعضه ولكن يستثنى الستر باليد ويخرج من الرواية السابقة ، وما دام الجمع بالتقييد ممكناً فلا تصل النوبة إلى الجمع بالحمل على الكراهة.
قلت :- إن الحديث المذكور يعني ( لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض ) آب عن التخصيص ، فان القدر المتيقن من هذا الحديث هو الستر باليد ، فالمحرم إذا أراد أن يستر بعض جسده ببعض فالفرد البارز والمتداول هو الستر باليد ، وإلا فالستر بغيرها إن كان ممكناً فهو شيءٌ نادرٌ ، والتخصيص بإخراج الفرد المتيقن والمتعارف مستهجن وشيء مرفوض . إذن التخصيص بغير اليد حيث انه ليس بممكنٍ فيتعين المصير إلى الكراهة .
النقطة الثامنة:- لا بأس بالاستظلال بظل المحمل حال المشي ، يعني إذا كانت الدابة تسير وعليها المحمل فانه يحدث لذلك المحمل ظل ويجوز للمحرم أثناء سيره إذا مر بالمحمل أن يمشي في ظله.
والوجه في ذلك:- صحيحة ابن بزيع المتقدمة حيث جاء فيها ( كتبت إلى الرضا عليه السلام هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل ؟ فكتب: نعم ) إنها واضحة في الجواز فتكون مقيدة لإطلاق الروايات الأخرى ومن هنا أفتى الفقهاء بالجواز ، وهذه قضية واضحة .
ولكن كان من المناسب بحث هذه القضية:- وهي أنه في الزمن السالف كانت وسيلة النقل والحمل هي الدابة أما في زماننا فالوسيلة هي السيارة ، وهي من الطبيعي يحدث لها ظل أيضا فهل يجوز للمحرم أن يمشي في ظلها ؟ أن التعدي إلى ذلك شيء وجيه ، فان السيارة هي وسيلة للحمل كالدابة ويمكن أن يجزم بعدم الفرق بينهما من هذه الناحية ، خصوصاً وانه من الوجيه أن يقال أن الجواز بالنسبة إلى ظل الدابة هو باعتبار أن التحرز عن مثل ذلك شيء صعب ، إذ الدابة تسير والناس يسيرون فإذا وجب التحرز أوجب ذلك نحواً من العسر ، وهذه النكتة موجودة في مثل السيارة أيضاً ، فان التحرز عن ظلها شيء عسري ، ولا نريد أن نجعل هذا هو الوجه في التعدي ، كلا ، بل هذا نذكره من باب المؤيد القلبي والمساعد على إلغاء خصوصية الدابة ، وإلا فالمدرك ما قلناه من أن العرف لا يفهم خصوصية للدابة سوى أنها وسيلة نقل وهذا يشمل مثل السيارة ، وطبيعي إذا فرض انه لم يحصل لك جزمٌ بإلغاء الخصوصية فيلزمك أن تقتصر على الدابة وحمل الدابة.
وهناك قضية أخرى يجدر الالتفات إليها أيضاً:- وهي أن الجواز هل يختص بحالة المشي أو يعم حالة السكون والوقوف أيضاً ، فان الوارد في الرواية هكذا ( هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل ) فالعنوان المسؤول عنه هو المشي تحت ظل المحمل ، فإذا فرضنا أن المحرم أراد أن يجلس تحت ظل المحمل من دون مشي فهل ذلك يجوز ؟ وهكذا لو فرض انه أراد أن يقف من دون جلوس ومن دون مشي فهل يجوز له ذلك أو لا ؟ إن هذه قضية كان من المناسب الإشارة إليها أيضاً ، ولا يبعد الحكم بالجواز لإلغاء الخصوصية من هذه الناحية فان المشي يمكن أن يقال هو عرفاً لا خصوصية فيه ولا فرق بينه وبين الوقوف أو الجلوس مثلاً ، وطبيعي هذا البحث نحتاج إليه بهذا الشكل فيما إذا لم نجعل المدار على عنوان الاضحاء ، أما إذا كنا ندور مداره فالأمر سوف يهون كما هو واضح ، فان من يسير في ظل محمل الدابة أو يقف أو يجلس يمكن أن يصدق عليه عنوان الاضحاء فلا مشكلة في حقه كما هو واضح .
[1] الوسائل 12- 524 67 تروك الإحرام ح3
[2] الوسائل 12 524 67 تروك الإحرام ح5