33/07/08
تحمیل
الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
القسم الثالث:- روايات منع فضل الماء.
وهي تنحصر برواية واحدة والراوي لها عقبة أيضاً ، وقد رواها الشيخ الكليني بنفس سند رواية الشفعة ، يعني ( عن محمد بن يحيى عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يُمنع نقع الشيء ، وقضى بين أهل البادية أنه لا يُمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء وقال لا ضرر ولا ضرار )
[1]
فان حديث لا ضرر قد ذكر في هذه الرواية عقيب المنع من فضل الماء.
والوارد في هذه الرواية ( انه لا يمنع نفع الشيء ) هكذا ورد في الكافي ، ولكن المناسب كما ذكر الفيض
[2]
أن المناسب اما نقع الشيء أو نقع البئر والنقع هو الفاضل من الماء وإنما سمّي الفاضل بالنقع باعتبار أن النقع هو عبارة عن الارتواء من الماء وحيث أن الفاضل من الماء يرتوي به الحيوان أو الإنسان فسمّي بالنقع فنقع الشيء أو نقع البئر هو الماء الفاضل . وعلى هذا الأساس يكون المعنى أن الرسول صلى الله عليه وآله قال لأهل النخيل ( لتشرب نخيلكم والزائد عن حاجتكم لا يجوز لكم أن تمنعوا منه ).
وهنا قضية جانبية ظريفة:- وهي أنه إذا حفر إنسان بئراً من الماء أو حفر وحصل على معدن كالنفط مثلاً فهل يملكه كلّه أو أنه يملك مقدار حاجته ؟ قد يقال:- ان هذه الرواية قد يشم منها أو يستفاد منها أنه يملك مقدار حاجته . هذا كله بالنسبة إلى الفقرة الأولى
ثم قال ( وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلأ ) وهذه الجملة ذكرت لها عدة احتمالات ولعل أوجهها هو أنه لا يجوز لأهل البادية أن يمنعوا الفاضل من الماء فان عاقبة المنع منه هو أنه سوف لا يأتي بقيّة أصحاب المواشي وإذا لم يأتوا إلى الماء فسوف يذهب فاضل الكلاء هدراً ( وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماءٍ ليمنع
[3]
من فضل كلاء ) ومضمون الجملتين - النهي لأهل المدينة والنهي لأهل البادية - واحد ولكن التعبير قد اختلف.
كما أنه يوجد نفس الاشكال السابق في سند هذه الرواية لأنه نفس سند الرواية السابقة إذ أن عقبة ومحمد بن هلال لم يذكرا بتوثيق صريح ، نعم من هنا وهناك يمكن ذلك وسوف يأتينا فيما بعد انشاء الله تعالى.
القسم الرابع:- موارد مستقلة.
ونقصد من ذلك الموارد التي ورد فيها حديث لا ضرر من دون أن يكون منضمّاً إلى مسألة الشفعة مثلاً أو المنع من فضل الماء أو غير ذلك ، وهذا النهي المستقل قد ورد في موارد متعددة ، منها ما ذكره الشيخ الصدوق
[4]
في باب الارث فانه هناك كلام وهو أنه لو مات المسلم وكان له وارث كافر فهل هذا الوارث الكافر يرث المسلم ؟ كلا فان الكافر لا يرث المسلم وهذا شيء مسلم ، وإنما الكلام بالعكس فلو فرض أن الميت كان كافراً والوارث كان مسلما فهل يرث هذا المسلم من الكافر ؟ هناك رأي يقول لا أرث ، والشيخ الصدوق صار في صدد الرد على ذلك فقال:- كيف لا يرث المسلم الكافر ؟! ان هذا معناه أن الاسلام أوجب أن تترتب نتائج وخيمة على هذا الشخص بسبب اسلامه والحال أن النبي صلى الله عليه وآله يقول ( الاسلام يزيد ولا ينقص ) أي يزيد المسلم شرفاً ولا ينقصه ، وقال أيضاً ( لا ضرر ولا اضرار في الاسلام ) فاذا لم يرث فهذا معناه أن الاسلام صار سبباً للإضرار وهذا يتنافى مع قول النبي ( لا ضرر ولا اضرار ) ، فالشيخ الصدوق ذكر هذا الحديث بهذه المناسبة .
إذن هذا الحديث مستقل قد استشهد به الصدوق ونص عبارته ( وأما المسلم فلأي جرم وعقوبة يحرم الميراث وكيف صار الاسلام يزيده شراً ؟! مع قول النبي صلى الله عليه وآله الاسلام يزيد ولا ينقص ومع قوله عليه السلام لا ضرر ولا اضرار في الاسلام ، فالإسلام يزيد المسلم خيراً ولا يزيده شراً ) ، وفي الوسائل
[5]
قد قطّع هذه الاحاديث حينما نقلها عن الشيخ الصدوق فقال هكذا ( وقال
[6]
:- لا ضرر ولا ضرار
[7]
في الاسلام ) ثم قال في حديث آخر ( وقال:- الاسلام يزيد ولا ينقص ) ، وهكذا الشيخ الطوسي نقل الحديث بشكل مستقل في موارد متعددة من الخلاف
[8]
كما في باب الشفعة فقد استدل على ثبوت الشفعة بالحديث ونص عبارته ( وأيضاً قول النبي لا ضرر ولا ضرار في الاسلام يدل على ذلك ) ويوجد في هذا الحديث جملة ( في الاسلام ) ، ونقل هذا الحيث أيضاً في الخلاف
[9]
حيث قال:- ( دليلنا ما روي عن النبي انه قال لا ضرر ولا ضرار ) ، وذكره أيضاً في الخلاف
[10]
حيث قال:- ( ولأن النبي صلى الله عليه وآله قال :- لا ضرر ولا ضرار ) .
وممن نقله بشكل مستقل ابن زهرة في الغنية حيث قال في باب خيار العيب:- ( ويحتج على المخالف بقوله لا ضرر ولا ضرار )
[11]
، ونقله أيضاً القاضي النعمان المصري بشكل مستقل في عائم الاسلام
[12]
حيث قال ما نصه ( روينا عن أبي عبد الله عن آباءه عن أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:- لا ضرر ولا ضرار ) ، ونقله العلامة في التذكرة في باب خيار الغبن ، ونقله ابن الأثير أيضاً في نهايته ولكن مع قيد ( في الاسلام ) ، ونقله العامة أيضا في كلماتهم وأحاديثهم ، ومن ذلك ما جاء في سنن ابن ماجة
[13]
بسند ينتهي إلى عبادة بن الصامت ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى ان لا ضرر ولا ضرار ) ، وروى أيضا
[14]
بسند ينتهي إلى ابن عباس ( قال سول الله لا ضرر ولا ضرار ) .
هذه مواضع متعددة من كلمات العامة جاء فيها ذكر الحديث مستقلاً. والهدف من هذا هو أنه قد يكون الشخص الذي يطلع على هذا المجموع من النقل يحكم بتحقق التواتر وبالتالي لا حاجة إلى البحث عن السند ، وهذه قضية سوف نبحثها فيما بعد انشاء الله تعالى في الجهة الثانية ، فقد يتصور متصور أنه بهذه الأرقام سوف يصير الحديث متواتراً ولا حاجة إلى بحث سنده ، وبالفعل قد قالها من قالها كالشيخ الأنصاري في الرسائل وغيره.
ولكن الذي نريد ان نقوله:- ان هؤلاء لا يشكل نقلهم أرقاماً اضافية فانهم عندما ينقلون الحديث ينقلونه من باب الشاهد ، فالشيخ الصدوق مثلاً حينما ذكره في الفقيه هو لم ينقله بطريق مستقل له بل يذكره من باب الشاهد حيث أنه ورد حديث لا ضرر في قضية الشفعة أو في قضية سمرة فهو يأخذ ذلك الحديث المذكور هناك وينقله هنا من باب الشاهد والتطبيق ، وهكذا الشيخ الطوسي فهو يذكره من باب الشاهد لا أنه عنده رواية تصل إلى النبي صلى الله عليه وآله أو إلى الامام الصادق عليه السلام ، وهكذا ابن زهرة أو العلامة أو أمثال هؤلاء.
إذن لا ينبغي أن نعطي لكل نقلٍ من هؤلاء رقماً وبالتالي نقول قد حصل التواتر ، بل انهم ينقلون ما ذكره غيرهم من باب التطبيق والاستشهاد كما نحن نفعل أحياناً في مقام الاستشهاد فنستدل على خيار الغبن مثلاً أو على قضية أخرى بحديث ( لا ضرر ولا ضرار ) وهذا لا ينبغي عدّه رقماً وهؤلاء من هذا القبيل . هذه قضية علمية ينبغي الالتفات إليها عسى أن نستفيد منها في المستقبل.
[1] الكافي 5 294 ، الجديدة.25 420 7 من احياء الموات ح2.
[2] الوافي 10 136 ط جديدة .
[3] واللام هنا لام العاقبة.
[4] الفقيه 4 243 في باب الارث.
[5] الوسائل 26 14.
[6] اي الشيخ الصدوق.
[7] وصاحب الوسائل نقلها ( ضرار ) بينما الشيخ الصدوق في الفقيه نقلها ( اضرار ).
[8] الخلاف 3 440 باب الشفعة ،
[9] الخلاف3 42.
[10] الخلاف 3 81 ، ونقله أيضا في الخلاف 3 83 ... إلى آخره.
[11] الجوامع الفقهية 526 ط قديمة.
[12] مسترك الوسائل 17 118 9 من احياء الموات ح1 و ح2 .
[13] سنن ابن ماجة 2 2340.
[14] المصدر السابق 2341.