34/06/26
تحمیل
الموضوع:- الدليل الثالث للاستصحاب ( التمسك بالأخبار ) / أدلة الاستصحاب / الاستصحـاب / الأصول العملية.
الجواب الثالث:- ما ذكره لشيخ النائيني(قده)
[1]
وحاصله ما أشرنا إليه وهو أن الشاك في الإتيان بالرابعة تكون وظيفته واقعاً هو الفصل ولكن فيما إذا لم يكن قد أتى بالرابعة وشك فالوظيفة هي الإتيان بها منفصلة وفي المقام الشك ثابت بالوجدان وأما الجزء الأول - وهو عدم الإتيان - بها فيثبت بالاستصحاب ، إذن الإمام عليه السلام أجرى الاستصحاب لإثبات الجزء الأول - وهو عدم الإتيان - من دون أن يكون المستصحب هو عدم الاتيان بالمتصلة كلا بل المستصحب هو عدم الإتيان لا أكثر حتى يثبت الجزء الأول وأما الجزء الثاني فالمفروض أنه ثابت بالوجدان فيجب آنذاك الإتيان بالركعة الرابعة منفصلة وعليه فلا يلزم الإشكال ، وبناءً على هذا سوف يتقيد دليل الاتصال بين الركعات الأربع وتصير النتيجة هكذا:- ( يلزم أن تكون الركعات متصلة إلا في حالة الشك فإنه يلزمه الإتيان بها منفصلة ) بحيث يكون الموضوع مركب من جزأين أحدهما عدم الإتيان والثاني هو الشك فآنذاك يثبت لزوم الإتيان بها منفصلة والإمام عليه السلام أجرى الاستصحاب لإثبات الجزء الأول وضمّه إلى الجزء الثاني الثابت بالوجدان ، هكذا ذكر الشيخ النائيني(قده) .
وهو شيء وجيه ثبوتاً بمعنى أنه لا يرد عليه إشكال ثبوتاً ، على خلاف ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) فإنه يرد عليه الإشكال ثبوتاً بقطع النظر عن عالم الإثبات فثبوتاً كنّا نقول له إن المتيقن هو اشتغال الذمة بالرابعة المتصلة وهو يتيقن أنه لم يأتِ بها سابقاً فنستصحب ذلك فيكون الاتصال من مقتضيات ذات الاستصحاب وهذا إشكال ثبوتي وليس إثباتياً ، ثم قلنا إنه لو تنزلنا وقيّدنا فالركعة المأتي بها يُجزم بأنها باطلة وهذا أيضاً إشكال ثبوتي . إذن ما ذكره الشيخ النائيني(قده) ليس فيه إشكال ثبوتي على خلاف ما أفاده الخراساني(قده) ولكن الذي يرد عليه هو أن صحيحة زرارة الثالثة لا تتحمل إرادة ما ذكره(قده) فإنه بناءً على هذا الجواب سوف تكون القضية المهمّة في الجواب هي أنه في حالة الشك تصير الوظيفة واقعاً هي الركعة المنفصلة دون لمتصلة فلو كانت هي المقصودة للإمام عليه السلام لكان من المناسب أن يسلط الأضواء عليها لا أن يسلط الأضواء على الاستصحاب دون الإشارة إليها فإنها ركن ركين في هذا الجواب والحال أنه عليه السلام علل بقوله ( لا تنقض اليقين بالشك ) وكان من المناسب له أن يضم إلى ذلك هذه العبارة ( لا تنقض اليقين بالشك بعد الالتفات إلى أنه في حالة الشك يكون الواجب واقعاً هو انفصال الركعة المشكوكة المأتي بها دون الاتصال )
[2]
لا أن تسلط الأضواء على قضية ( لا تنقض اليقين بالشك ) فقط.
وبهذا اتضح أن الإشكال الذي ذكره الشيخ الأعظم(قده) لا يندفع بهذه الأجوبة الثلاثة ، وعليه فما هي النتيجة ؟
والجواب:- يتعين حمل الصحيحة على الاحتمال الآخر الذي أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) وهو أن يكون المقصود منها الإشارة إلى قاعدة اليقين بمعناها الجديد - أي قاعدة لزوم تحصيل اليقين بعد الاشتغال اليقيني - فنصير إلى هذا وإن كان مخالفاً للظاهر ، ووجه كونه مخالفاً للظاهر هو أن ظاهر قوله عليه السلام ( ولا تنقض القين ) هو أن هناك يقين موجود ولكن لا تنقضه بينما بناءً على إرادة قاعدة اليقين فلا يوجد يقين بل أنت عليك أيها المكلف أن تحصِّل اليقين ببراءة الذمة فاليقين ليس بموجودٍ وإنما يلزم تحصيله فيكون المطلوب هو تحصيل اليقين بينما ظاهر التعبير هو أن اليقين موجود ولا يجوز نقضه ، فنحن نسلم بأن إرادة هذه القاعدة من هذا التعبير مخالف للظاهر ولكن من باب أنه لا يمكن حملها على الاستصحاب نحملها على هذا المعنى ، هكذا قل.
أو قل:- إن كلا الاحتمالين مخالف لظاهر الرواية وبالتالي تبقى مردّدة ومجملة وعلى كلا التقديرين لا يمكن التمسك بها لإثبات حجيّة الاستصحاب .
إذن هذه الصحيحة لا يمكن التمسك بها إما لأنه يرد عليها الإشكال بناءً على حملها على الاستصحاب والإشكال هو ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) وحينئذ نحملها على إرادة قاعدة اليقين ، وإذا قيل إن إرادة قاعدة اليقين مخالف للظاهر أيضاً وبالتالي يكون كلاهما مخالف للظاهر فتعود الرواية إذن مجملة . والذي نريد أن نقوله هو أن الرواية لا يمكن التمسك بها لإثبات حجيَّة الاستصحاب.
إشكالان على الرواية غير ما سبق:-
هناك اشكالان آخران غير الإشكال الذي أثاره الشيخ الأعظم(قده) وهما:-
الإشكال الأول:- إن هذه الرواية حتى لو تمت دلالتها على الاستصحاب فهي خاصة بباب الركعات ولا ينتفع منها الفقيه في الموارد الأخرى والمهم للفقيه هو الحصول على قاعدة عامة وأما باب الركعات فالحكم فيه ثابت بقطع النظر عن الاستصحاب ، وعليه فلا يمكن التمسك بها.
وفيه:- إن قوله عليه السلام ( ولا ينقض اليقين بالشك ) الذي ذكر عقيب قوله ( قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه ) يفهم منه أنه جيء به للتعليل ويلزم في باب التعليل أن يكون ممّا يتقبّله الذهن إذ لو لم يتقبّله الذهن فلا يصلح أن يذكر للطرف المقابل فأنت متى ما أردت أن تذكر تعليلاً لحكمٍ تذكره فلابد وأن يكون هذا العليل عقلائياً يقبله الطرف الآخر فيلزم أن يكون له جنبة عموميّة وأن كلّ يقين لا ينقض بالشك فإن هذا مطلب عقلائي مقبول بخلاف ما إذا كان المقصود هو اليقين في باب الركعات فإنه ليس أمراً مرتكزاً في أذهان العقلاء حتى يصلح التعليل به. إذن الإشكال قابل للدفع من هذه الناحية.
الإشكال الثاني:- ما أشار إليه الشيخ العراقي(قده)
[3]
وحاصله:- إن الواجب على المصلّي هو أن يأتي بالتشهد والتسليم الأخير في الركعة الرابعة ، وحينئذ نقول:- سلمنا أنا نستصحب عدم الإتيان بالرابعة ولكن غاية ما يثبت هو أنك لم تأتِ بالرابعة أما أن هذه الركعة التي سوف تأتي بها بعد إجراء الاستصحاب هي رابعة فهذا ثابت بالملازمة العقلية وليس بالملازمة الشرعية إذ لا يوجد نصٌّ يقول ( يا أيها الذين آمنوا إذا لم تأتوا بالرابعة فما سوف تأتون به هو رابعة ) وعليه فلا يمكن أن نثبت بالاستصحاب أن هذه رابعة وإذا لم يمكن إثبات أنها رابعة فكيف تأتي بالتشهد والتسليم فإنه يلزم أن يؤتى بهما بعد الركعة الرابعة ؟
[1] فوائد الأصول، النائيني، ج4، ص363 ، أجود التقريرات، ج2 ص370.
[2] ويكون ذلك باللسان المناسب.
[3] نهاية الأفكار، العراقي، ج4، ص59.