35/07/05
تحمیل
الموضوع:- التعارض
غير المستقر / أحكام التعارض.
وينبغي الالتفات إلى شيء قد نشير إليه فيما بعد:- وهو أنه يوجد فارقٌ بين شاهد الجمع وكبرى انقلاب النسبة، فإن ذلك الدليل الثالث الذي كنا نقول هو الأخصّ من الأوّل تارةً يكون له مفهومٌ ومنطوقٌ وأخرى لا يكون له مفهوم، فإن كان له مفهومٌ فهو إذن يدلّ على التفصيل ويكون شاهد جمعٍ، وأمّا إذا لم يكن له مفهومٌ فهنا يكون مورد انقلاب النسبة ولا يكون شاهدَ جمعٍ لأنّه لا يدلّ على التفصيل إذ له منطوقٌ فقط دون المفهوم، وهذه قضية يجدر الالتفات إليها.
ولذلك متى ما ذكر مثالٌ لانقلاب النسبة يلزم أن يكون الدليل الثالث ليس له مفهومٌ، فلاحظ هذا المثال:- وهو إنه في باب تنجّس الماء توجد ثلاث طوائف من الروايات الأولى ما دلّ على أن الماء لا يتنجّس إلّا إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه - يعني أحد الأوصاف الثلاثة - كما جاء ذلك في مرسلة المحقّق في المعتبر التي نصّها:- ( خلق الله الماء طهوراً لا ينجّسه شيء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه )[1]، وهناك طائفة ثانية دلّت على أن الماء إذا كان كرّاً لا ينجّسه شيء - يعني حتى لو تغيّر - فبالإطلاق تدلّ أنه حتى لو تغيّر فلا يتنجّس كصحيحة معاوية بن عمّار:- ( إذا بلغ الماء قدر كرٍّ لا ينجّسه شيء )[2]، ولو خُلّينا نحن وهاتين الطائفتين فالنسبة بينهما هي العموم من وجه فيتعارضان في مادّة الاجتماع وهي إذا كان كرّاً وقد تغيّر بالنجاسة، فالأولى تقول هو قد تنجّس لأنه تغيّر الثانية تقول هو طاهرٌ لأنه كرٌّ والكرّ لا يتنجّس حتى لو تغيّر فيتعارضان في مادة الاجتماع هذه . ومادّة الافتراق في الروية الأولى هي القليل الذي تغيّر وهي تقول إن القليل الذي تغيّر هو نجسٌ، والرواية الثانية ساكتة عنه فهي تقول إذا بلغ الماء كرّاً فهو لا يتنجّس وأمّا إذا كان أقل من ذلك فيتنجّس، فهي توافق الأولى ولا مخالفة بينهما، ومادّة الافتراق في الرواية الثانية هي ما إذا فرضنا أنه كان لدينا كرّ ولاقته نجاسة ولم يتغيّر فالرواية الثانية تقول هو لا ينجّس والأولى أيضاً لا تعارضها لأنها تقول إذا لم يتغيّر فلا ينجس، وهذا ليس بمهم.
والمهمّ هو أنّ النسبة بينهما هو العموم من وجه فيتعارضان في ماء الكرّ إذا لاقته نجاسة وقد تغيّر فإن الطائفة الأولى تدلّ على أنه ينجس والطائفة الثانية تقول لا ينجس.
وهناك طائفة ثالثة وردت في الماء القليل ودلت على أنه إذا لاقته نجاسة فإنه يتنجّس - يعني بمجرّد الملاقاة - وهي مثل موثقة عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سئل عن رجل معه إناءان وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو وليس يقدر على ماءٍ غيرهما، قال:- يهريقهما جميعاً ويتيمم )[3]، إن هذه الرواية دلّت على أنّ الماء القليل يتنجّس بملاقاة النجاسة وليس لها مفهومٌ وإنّما سأل السائل عن ماءٍ في إناءٍ ولا قته النجاسة فقال له الإمام ( ينجس ) وهذا ليس فيه مفهومٌ والإناء عادة هو الظرف الصغير وليس الكبير، فإذن هي ليس لها مفهومٌ حتى تكون من قبيل شاهد الجمع . وهنا هذه تخصّص الأولى التي دلّت على أن الماء لا يتنجّس إلّا بالتغيّر فهذه تأتي وتقول إنه حتى إذا لم يتغيّر فهو يتنجس إذا كان قليلاً فهي أخصّ منها، ولماذا جعلنا هذه مخصّصة للأولى ولم نجعلها مخصّصة للثانية ؟ وجوابه:- أنها موافقة للثانية فكيف تخصّصها ؟!! والتخصيص فرع الاختلاف وهي تختلف في الحكم مع الأولى ولا تختلف في الحكم مع الثانية، فإذن هي تحصّص الأولى فتخرج منها القليل - يعني أنه يتنجّس بالملاقاة وإن لم يتغير - ويبقى الكثير فقط تحت الأولى إذا تغيّر، فتصير نتيجة الأولى بعد التخصيص هي أن الماء الكرّ يتنجّس إذا تغيّر لأن غير الكرّ قد خرج بسبب الرواية الثالثة فبقي الكرّ فقط فهو إذا تغيّر تنجّس، وهذا المضمون أخصّ مطلقاً من الرواية الثانية التي تقول إن الكرّ لا يتنجّس أبداً فتأتي هذه وتقول كلّا بل إذا تغيّر الكرّ فهو يتنجّس فتصير النتيجة هي[4]:- ( أن الكرّ إذا تغير فهو يتنجّس ) تمسكاً بالرواية الأولى وإذا لم يتغيّر فلا يتنجّس تمسكاً بالرواية الثانية.
فلاحظ النتيجة كيف صارت، فإذا أردنا أن نُعمِل فكرة انقلاب النسبة فسوف تصير النتيجة هكذا، أمّا إذا لم نُعمِل كبرى اقلاب النسبة فالمعارضة بَعدُ موجودةٌ على حالها بين الأولى والثانية رغم أن الثالثة خصّصت الأولى . إذن هذه مسألة مهمّة.
فلنعد إلى صلب الموضوع ونقول:- هل نلاحظ النسبة الجديدة أو النسبة القديمة ؟
ولعل أوّل من أشار إلى هذا المبحث - وهذا من الأبحاث الأصولية الجديدة - هو الشيخ النراقي(قده)[5]، وعلى إثر ذلك تعرّض الشيخ(قده) في الرسائل إلى ذلك[6] وذهب إلى تفصيلٍ في المسألة ولعلّه يأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى، كما وتعرّض الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية إلى ذلك[7] ورفض هذه الفكرة من الأساس من دون تفصيلٍ، وأمّا الشيخ النائيني(قده)[8] وهكذا السيد الخوئي(قده)[9] فقبّلاها.
إذن هذه الفكرة بين رافضٍ ومسلّمٍ ومفصّل.
ولعلّ أحسن ما يقال في توجيه كبرى انقلاب النسبة ما أشار إليه الشيخ النائيني(قده) وحاصله:- إن الدليل الأوّل إذا خُصِّص بالثالث وخرج منه الماء القليل مثلاً وبقي تحته الكرّ فقط فسوف لا يكون الأوّل حجّةً في تمام مدلوله الاستعمالي وإنما يكون حجّة في قسمٍ منه أي في خصوص الكرّ وأمّا الأقل منه فقد خرج حسب الفرض بالمخصّص، ومادام ليس حجّة في مجموع مدلوله الاستعمالي - أعني الكرّ والقليل - بل هو حجّة في خصوص الكرّ فحينما يعارض الثاني لابد وأن نلحظ الأوّل بالمقدار الذي هو حجّة فيه وأما المقدار الذي هو ليس حجّة فيه فلا معنى لإدخاله في الحساب والمعارضة فإن ذلك من قبيل تعارض الحجّة واللاحجّة إذ المفروض أنّ الأوّل ليس حجّة في تمام مدلوله فهو ليس حجّة فلا معنى لأن يعارض بتمام مدلوله لذاك بل لابد وأنّ هذا الأوّل يعارض الثاني بمقدار مدلوله الذي هو حجّة فيه وهو خصوص الكرّ لأن الأقل من لكرّ قد خرج بالدليل الثالث، وهذا معناه أنه لابد من ملاحظة النسبة الجديدة دون النسبة القديمة، هكذا أفاد(قده)، ونصّ عبارته:- ( ثم إن التعارض لابد وأن يلاحظ بين كلّ واحدٍ من الدليلين أو الأدلة بما له من الكاشفيّة عن المراد ضرورة أن ما ليس له الحجيّة في حدّ ذاته كيف يمكن أن يعارَض به الدليل الآخر !! فمن هنا يظهر وجه انقلاب النسبة فيما إذا كان أحد الدليلين المتعارضين مقروناً بقرينة منفصلة موجبة لانقلاب ظهروه التصديقي الكاشف عن المراد النفس الأمري[10] عمّا هو عليه مع عدم القرينة.. ) ، إذن ما تمسّك به هو هذا المطب، وإنما قيّد بما إذا كانت القرينة منفصلة يعني أن الدليل الثالث الذي هو مخصِّصٌ كان منفصلاً - كما ذكرنا فنحن ذكرناه منفصلاً -احترازاً عن المتّصل لأنه لو كان متّصلاً بالأوّل يعني بأن كانت لرواية الأولى تقول:- ( خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيءٌ إلا ما غيّر، غير القليل فإنه ينجس بمجرد الاصابة والملاقاة ) فإذا كانت القرينة متّصلة فلا إشكال في أن الأوّل من البداية ينعقد ظهوره الاستعمالي فضلاً عن الجدّي وهو ضيّقٌ ولا يكون وسيعاً، يعني هو من البداية يكون مختصّاً بماء الكرّ وأنه لا ينجس إلّا إذا تغيّر ولا إشكال آنذاك في أنّه يصير مخصِّصاً للدليل الثاني بلا حاجة إلى كبرى انقلاب النسبة إذ من البداية هي نسبة العموم والخصوص المطلق، يعني أنّ الأول يكون أخصّ مطلقاً من الثاني من البداية، فلذلك كبرى انقلاب النسبة يكون موردها ومساحتها ومجالها هو ما إذا كان لدليل الثالث المخصِّص للأوّل يلزم إذا كان منفصلاً لا ما إذا كان متّصلاً فإنه ليس من كبرى انقلاب النسبة بل من كبرى التخصيص العادي فيصير المورد من نسبة الأخصّ مطلقاً إلى الأعم مطلقاً، وهذه قضيّة واضحة.
وعلى أيّ حال استدل الشيخ النائيني(قده) بهذا الوجه، وقد تمسّك به السيد الخوئي(قده) أيضاً وذكر هذه الاضافة قائلاً:- ( التصديق بانقلاب النسبة لا يحتاج إلى أزيد من تصوره )[11]، يعني مثل قضية ( الكلّ أكبر من الجزء ) فإذا قلنا الكلّ أكبر من الجز فإن تصّور هذه القضية يكفي في التصديق بها، فتوجد قضايا يكفي تصورها للتصديق بها، فالسيد الخوئي(قده) يريد أن يقول إن كبرى انقلاب النسبة من هذا القبيل.
وينبغي الالتفات إلى شيء قد نشير إليه فيما بعد:- وهو أنه يوجد فارقٌ بين شاهد الجمع وكبرى انقلاب النسبة، فإن ذلك الدليل الثالث الذي كنا نقول هو الأخصّ من الأوّل تارةً يكون له مفهومٌ ومنطوقٌ وأخرى لا يكون له مفهوم، فإن كان له مفهومٌ فهو إذن يدلّ على التفصيل ويكون شاهد جمعٍ، وأمّا إذا لم يكن له مفهومٌ فهنا يكون مورد انقلاب النسبة ولا يكون شاهدَ جمعٍ لأنّه لا يدلّ على التفصيل إذ له منطوقٌ فقط دون المفهوم، وهذه قضية يجدر الالتفات إليها.
ولذلك متى ما ذكر مثالٌ لانقلاب النسبة يلزم أن يكون الدليل الثالث ليس له مفهومٌ، فلاحظ هذا المثال:- وهو إنه في باب تنجّس الماء توجد ثلاث طوائف من الروايات الأولى ما دلّ على أن الماء لا يتنجّس إلّا إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه - يعني أحد الأوصاف الثلاثة - كما جاء ذلك في مرسلة المحقّق في المعتبر التي نصّها:- ( خلق الله الماء طهوراً لا ينجّسه شيء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه )[1]، وهناك طائفة ثانية دلّت على أن الماء إذا كان كرّاً لا ينجّسه شيء - يعني حتى لو تغيّر - فبالإطلاق تدلّ أنه حتى لو تغيّر فلا يتنجّس كصحيحة معاوية بن عمّار:- ( إذا بلغ الماء قدر كرٍّ لا ينجّسه شيء )[2]، ولو خُلّينا نحن وهاتين الطائفتين فالنسبة بينهما هي العموم من وجه فيتعارضان في مادّة الاجتماع وهي إذا كان كرّاً وقد تغيّر بالنجاسة، فالأولى تقول هو قد تنجّس لأنه تغيّر الثانية تقول هو طاهرٌ لأنه كرٌّ والكرّ لا يتنجّس حتى لو تغيّر فيتعارضان في مادة الاجتماع هذه . ومادّة الافتراق في الروية الأولى هي القليل الذي تغيّر وهي تقول إن القليل الذي تغيّر هو نجسٌ، والرواية الثانية ساكتة عنه فهي تقول إذا بلغ الماء كرّاً فهو لا يتنجّس وأمّا إذا كان أقل من ذلك فيتنجّس، فهي توافق الأولى ولا مخالفة بينهما، ومادّة الافتراق في الرواية الثانية هي ما إذا فرضنا أنه كان لدينا كرّ ولاقته نجاسة ولم يتغيّر فالرواية الثانية تقول هو لا ينجّس والأولى أيضاً لا تعارضها لأنها تقول إذا لم يتغيّر فلا ينجس، وهذا ليس بمهم.
والمهمّ هو أنّ النسبة بينهما هو العموم من وجه فيتعارضان في ماء الكرّ إذا لاقته نجاسة وقد تغيّر فإن الطائفة الأولى تدلّ على أنه ينجس والطائفة الثانية تقول لا ينجس.
وهناك طائفة ثالثة وردت في الماء القليل ودلت على أنه إذا لاقته نجاسة فإنه يتنجّس - يعني بمجرّد الملاقاة - وهي مثل موثقة عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سئل عن رجل معه إناءان وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو وليس يقدر على ماءٍ غيرهما، قال:- يهريقهما جميعاً ويتيمم )[3]، إن هذه الرواية دلّت على أنّ الماء القليل يتنجّس بملاقاة النجاسة وليس لها مفهومٌ وإنّما سأل السائل عن ماءٍ في إناءٍ ولا قته النجاسة فقال له الإمام ( ينجس ) وهذا ليس فيه مفهومٌ والإناء عادة هو الظرف الصغير وليس الكبير، فإذن هي ليس لها مفهومٌ حتى تكون من قبيل شاهد الجمع . وهنا هذه تخصّص الأولى التي دلّت على أن الماء لا يتنجّس إلّا بالتغيّر فهذه تأتي وتقول إنه حتى إذا لم يتغيّر فهو يتنجس إذا كان قليلاً فهي أخصّ منها، ولماذا جعلنا هذه مخصّصة للأولى ولم نجعلها مخصّصة للثانية ؟ وجوابه:- أنها موافقة للثانية فكيف تخصّصها ؟!! والتخصيص فرع الاختلاف وهي تختلف في الحكم مع الأولى ولا تختلف في الحكم مع الثانية، فإذن هي تحصّص الأولى فتخرج منها القليل - يعني أنه يتنجّس بالملاقاة وإن لم يتغير - ويبقى الكثير فقط تحت الأولى إذا تغيّر، فتصير نتيجة الأولى بعد التخصيص هي أن الماء الكرّ يتنجّس إذا تغيّر لأن غير الكرّ قد خرج بسبب الرواية الثالثة فبقي الكرّ فقط فهو إذا تغيّر تنجّس، وهذا المضمون أخصّ مطلقاً من الرواية الثانية التي تقول إن الكرّ لا يتنجّس أبداً فتأتي هذه وتقول كلّا بل إذا تغيّر الكرّ فهو يتنجّس فتصير النتيجة هي[4]:- ( أن الكرّ إذا تغير فهو يتنجّس ) تمسكاً بالرواية الأولى وإذا لم يتغيّر فلا يتنجّس تمسكاً بالرواية الثانية.
فلاحظ النتيجة كيف صارت، فإذا أردنا أن نُعمِل فكرة انقلاب النسبة فسوف تصير النتيجة هكذا، أمّا إذا لم نُعمِل كبرى اقلاب النسبة فالمعارضة بَعدُ موجودةٌ على حالها بين الأولى والثانية رغم أن الثالثة خصّصت الأولى . إذن هذه مسألة مهمّة.
فلنعد إلى صلب الموضوع ونقول:- هل نلاحظ النسبة الجديدة أو النسبة القديمة ؟
ولعل أوّل من أشار إلى هذا المبحث - وهذا من الأبحاث الأصولية الجديدة - هو الشيخ النراقي(قده)[5]، وعلى إثر ذلك تعرّض الشيخ(قده) في الرسائل إلى ذلك[6] وذهب إلى تفصيلٍ في المسألة ولعلّه يأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى، كما وتعرّض الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية إلى ذلك[7] ورفض هذه الفكرة من الأساس من دون تفصيلٍ، وأمّا الشيخ النائيني(قده)[8] وهكذا السيد الخوئي(قده)[9] فقبّلاها.
إذن هذه الفكرة بين رافضٍ ومسلّمٍ ومفصّل.
ولعلّ أحسن ما يقال في توجيه كبرى انقلاب النسبة ما أشار إليه الشيخ النائيني(قده) وحاصله:- إن الدليل الأوّل إذا خُصِّص بالثالث وخرج منه الماء القليل مثلاً وبقي تحته الكرّ فقط فسوف لا يكون الأوّل حجّةً في تمام مدلوله الاستعمالي وإنما يكون حجّة في قسمٍ منه أي في خصوص الكرّ وأمّا الأقل منه فقد خرج حسب الفرض بالمخصّص، ومادام ليس حجّة في مجموع مدلوله الاستعمالي - أعني الكرّ والقليل - بل هو حجّة في خصوص الكرّ فحينما يعارض الثاني لابد وأن نلحظ الأوّل بالمقدار الذي هو حجّة فيه وأما المقدار الذي هو ليس حجّة فيه فلا معنى لإدخاله في الحساب والمعارضة فإن ذلك من قبيل تعارض الحجّة واللاحجّة إذ المفروض أنّ الأوّل ليس حجّة في تمام مدلوله فهو ليس حجّة فلا معنى لأن يعارض بتمام مدلوله لذاك بل لابد وأنّ هذا الأوّل يعارض الثاني بمقدار مدلوله الذي هو حجّة فيه وهو خصوص الكرّ لأن الأقل من لكرّ قد خرج بالدليل الثالث، وهذا معناه أنه لابد من ملاحظة النسبة الجديدة دون النسبة القديمة، هكذا أفاد(قده)، ونصّ عبارته:- ( ثم إن التعارض لابد وأن يلاحظ بين كلّ واحدٍ من الدليلين أو الأدلة بما له من الكاشفيّة عن المراد ضرورة أن ما ليس له الحجيّة في حدّ ذاته كيف يمكن أن يعارَض به الدليل الآخر !! فمن هنا يظهر وجه انقلاب النسبة فيما إذا كان أحد الدليلين المتعارضين مقروناً بقرينة منفصلة موجبة لانقلاب ظهروه التصديقي الكاشف عن المراد النفس الأمري[10] عمّا هو عليه مع عدم القرينة.. ) ، إذن ما تمسّك به هو هذا المطب، وإنما قيّد بما إذا كانت القرينة منفصلة يعني أن الدليل الثالث الذي هو مخصِّصٌ كان منفصلاً - كما ذكرنا فنحن ذكرناه منفصلاً -احترازاً عن المتّصل لأنه لو كان متّصلاً بالأوّل يعني بأن كانت لرواية الأولى تقول:- ( خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيءٌ إلا ما غيّر، غير القليل فإنه ينجس بمجرد الاصابة والملاقاة ) فإذا كانت القرينة متّصلة فلا إشكال في أن الأوّل من البداية ينعقد ظهوره الاستعمالي فضلاً عن الجدّي وهو ضيّقٌ ولا يكون وسيعاً، يعني هو من البداية يكون مختصّاً بماء الكرّ وأنه لا ينجس إلّا إذا تغيّر ولا إشكال آنذاك في أنّه يصير مخصِّصاً للدليل الثاني بلا حاجة إلى كبرى انقلاب النسبة إذ من البداية هي نسبة العموم والخصوص المطلق، يعني أنّ الأول يكون أخصّ مطلقاً من الثاني من البداية، فلذلك كبرى انقلاب النسبة يكون موردها ومساحتها ومجالها هو ما إذا كان لدليل الثالث المخصِّص للأوّل يلزم إذا كان منفصلاً لا ما إذا كان متّصلاً فإنه ليس من كبرى انقلاب النسبة بل من كبرى التخصيص العادي فيصير المورد من نسبة الأخصّ مطلقاً إلى الأعم مطلقاً، وهذه قضيّة واضحة.
وعلى أيّ حال استدل الشيخ النائيني(قده) بهذا الوجه، وقد تمسّك به السيد الخوئي(قده) أيضاً وذكر هذه الاضافة قائلاً:- ( التصديق بانقلاب النسبة لا يحتاج إلى أزيد من تصوره )[11]، يعني مثل قضية ( الكلّ أكبر من الجزء ) فإذا قلنا الكلّ أكبر من الجز فإن تصّور هذه القضية يكفي في التصديق بها، فتوجد قضايا يكفي تصورها للتصديق بها، فالسيد الخوئي(قده) يريد أن يقول إن كبرى انقلاب النسبة من هذا القبيل.