36/08/01
تحمیل
الموضـوع:- مسألة (
15 ) - المكاسب المحرمة -كتاب
التجارة.
وفيه:-
أوّلاً:- إنّ حكم العقل المذكور إنما نسلّمه في الحالة الأولى من الحالتين السابقتين - أعني ما إذا فرض أنّ تحقّق الاعانة ينحصر بي فقط فالمحلّ الذي يبيع الخاتم الذهبي للرجال ينحصر بمحلّي ولا يوجد محٌّل آخر - من باب أنّ هذا تهيئةً لأجواء المحرّم ومساعدة على تحقيقه فحكم العقل بالقبح في هذه الحالة وجيه فإنّك لو قلت له لا أبيعك فسوف لا تتحقّق مساعدته على الحرام ولا يرتكبه أمّا أن تعطيه له فقد ساعدته على الحرام وهيأت له أجواءه والعقل يحكم بالقبح.
ولكن قلنا إنّ الحالة الأولى ينبغي إخراجها عن حريم النزاع، يعني أنّ الحرمة ثابتة هنا بلا إشكال، إنما الكلام في الحالة الثانية - أي إذا فرض وجود محلّات أخرى مستعدّة لبيع الخاتم الذهبي فسواء بعت أنا أم لم أبع فتوجد محلّات أخرى تبيعه – فهنا إذا أردت أن أبيعه الخاتم لا يصدق عنوان أنّي هيأت له أجواء الحرام وساعدته عليه حتى يحكم العقل بالقبح لأنّ الأجواء هي مهيأة من قِبَلِ غيري، فسواء فرض أني بعت أم لم أبع فهذا لا يؤثر شيئاً.
إذن ما ذكره من حكم العقل بالقبح يتمّ في الحالة الأولى دون الثانية، فدليله إذن أخصّ من المدّعى - إنّ صح التعبير -، أو مغايرٌ للمدّعى، فمدّعانا المهم هو الحالة الثانية أمّا الحالة الأولى فيمكن أن نتّفق على حرمتها، وأما إذا لم نتّفق عليها ولم نخرجها عن حريم النزاع فقل إنّ دليله صار أخصّ من المدّعى ولا يفي بالحرمة في كلتا الحالتين.
ثانياً:- إنّ ما ذكره يتمّ بناءً على تماميّة قاعدة الملازمة بين حكم العقل بالقبح وحكم الشرع بالحرمة وقبولها، أمّا إذا رفضناه وقلنا بأنها لم تثبت فالحرمة الشرعيّة سوف لا تثبت، وفي كلامنا الآن نريد أن نثبت الحرمة الشرعيّة للإعانة أمّا مجرّد حكم العقل بالقبح فهذا لا يسمن ولا يغني من جوع إذا لم نضمّ إليه حكم الشرع بالحرمة.
إذن تماميّة هذا الدليل مبنيّة على ضمّ قاعدة الملازمة - الكبرى - ولعلّه لم يذكر ذلك لشدّة وضوح المطلب.
ولكن نقول:- إنّ قاعدة الملازمة ليست ثابتة عندنا إذ تقدّم في أبحاثٍ سابقةٍ - أكثر من مرّة - حيث قلنا إنّ ضرورة الوجود والثبوت ليست ثابتة، كما أنَّ ضرورة العدم ليست ثابتة أيضاً، فيمكن أن يحكم الشرع على طبق العقل ويمكن أن لا يحكم فسلب الضرورتين من ناحية الثبوت ومن ناحية العدم، فلعل الشرع لا يحكم اكتفاءً بحكم العقل فإذن لا ضرورة للحكم من قبل الشارع، كما أنّه لا ضرورة للعدم يعني يقال إنّه إذا حكم العقل يلزم أن لا يحكم الشرع فهذا لا معنى له إذ أنّ حكم الشارع يمكن أن يكون مؤكّداً لحكم العقل والشخص ربما لا يتحرّك من حكم العقل وحده فيحتاج إلى مؤكدٍ وهو حكم الشرع فحكم الشرع مع العقل يكون مؤكداً، فعلى هذا الأساس لا نسلّم أنّه حتماً يلزم أن يحكم الشرع أو حتماً يلزم أن لا يحكم وإنما القضيّة ممكنة، وما دامت القضيّة ممكنة فمجرد حكم العقل بالقبح لا يمكن أن نثبت من خلاله أنّه يحرم شرعاً.
ثالثاً:- لو سلّمنا الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع فهي تنفع فيما لو كان القبح العقلي المذكور فعلياً لا فاعلياً.
وبتعبيرٍ آخر:- مرّةً نقول إنَّ الفعل الذي تتحقّق به الاعانة - وهو اعطاء الخاتم له - نريد أن نثبت حرمته وأنّه حرام أو ليس بحرام، فالقبح لابدّ وأن يكون ثابتاً للفعل حتى نستنتج من الملازمة أنّه حرام.
وأمّا إذا قلنا أنّ القبح فاعليّ بمعنى أنّ الفعل ليس بقبيحٍ وإنما حيثيّة الصدور والفاعليّة هي قبيحة فصدور هذا الفعل من العالم بأنّ هذا سوف يلبس الخاتم ويتحقّق بذلك الحرام والفاعليّة تكون قبيحة، فإذا قلنا هذا فهذا لا ينفعنا في إثبات حرمة الفعل فإنّا نريد أن نثبت حرمة الفعل - يعني نفس الدفع والاعطاء بعبارة أخرى - أمّا حيثية الصدور فلسنا في صددها.
وهذا الكلام شبيهه ما يقال في باب التجرّي وأنّ الإنسان إذا تجرأ وتناول الإناء الذي يعتقد أنّه خمر وفي الواقع هو ليس بخمر فقد وقع الكلام في أنّ القبيح هل هو نفس الفعل وهذا الشرب أو أنّ القبيح هو حيثيّة الفاعليّة والقصد والصدور ممّن يعتقد أنّ هذا حرام ؟ والشيخ الأعظم(قده) في الرسائل يميل إلى الثاني، وهنا أيضاً كذلك فالمهم هو إثبات قبح الفعل لا قبح الفاعليّة والصدور.
وهذا مطلبٌ الذي ذكرته ليس تسجيلاً للإشكال وإنما هو إثارة وفتحُ أفقٍ للتأمل في هذا - وهو أنّ القبح للفعل أو أنّ القبح هو لحيثية الصدور والنافع هو أن يكون القبح للفعل - أما ما هو الصحيح ؟ هذه قضيّة راجعة للوجدان فقد تقول العقل يرى أنّ نفس الفعل قبيح، وأنا ليس عنديّ واضحاً أنّ القبح للفعل أو لحيثيّة الفاعليّة، فكلاهما محتملٌ والجزم بأحد الطرفين ليس بحاصلٍ عندي، والمهم عندّي في الإشكال هو الأوّل والثاني.
إذن هذا الدليل لا يمكن الاعتماد عليه.
الدليل الثاني:- ما أفاده المحقّق الأردبيلي(قده)[1] وحاصله:- إنّ المستفاد من أدلّة وجوب النهي عن المنكر أنّ النهي عن النكر واجبٌ - يعني رفع المنكر بعد تحقّقه -، كما أنّ الدفع واجبٌ - والدفع هو الحيلولة قبل تحقّق المنكر قبل وقوعه -، والدفع إنما يتحقّق بما إذا لم أبع له الخاتم . فإذن بيع الخاتم لا يجوز لأنّ الدفع واجبٌ كالرفع، واستفدنا وجوبه من دليل وجوب الرفع - يعني النهي عن المنكر-.
يعني يريد أن يقول:- إنّ آية:- ﴿ ولكتن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ﴾ مثلاً تدلّ على مطلبين، فهي تدلّ بالمباشرة على وجوب رفع المنكر لو تحقّق، ويستفاد منها بصورة غير مباشرية أنّ الدفع للمنكر لازم - يعني يلزم أن تحول دون تحقق المنكر -، وكيف تصير الحيلولة ؟ ذلك بأن لا أبيع له الخاتم مادمت أعلم أنّه سوف يلبسه بعد دفعه إليه.
وفيه:- نحن نسلّم هذا المطلب في الحالة الأولى من الحالتين السابقتين فإنّ الحيلولة في الحالة الأولى التي ينحصر فيها المحلّ بواحدٍ وهو محلّي فإذا لم أبع له فسوف أحول دون ارتكاب الحرام فهذا صحيح نسلّم أنه يلزم أن لا أبيع له فإنّ البيع كما قلنا فيه تهيئة للأجواء وفيه مساعدة على تحقيق الحرام فنفس أدلّة النهي عن المنكر تدلّ على تحريم تهيئة الأجواء المساعدة على ارتكاب الحرام، أمّا في الحالة الثانية فالمفروض أنّه توجد محلّات أخرى فأنا سواء بعت أم لم أبع لا يؤثر شيئاً فإنّ الأجواء مهيأة وعدم بيعي لا يسدّ الأجواء.
وبكلمة أخرى:- إنَّ دفع المنكر لا يتحقّق فإنّه يتحقّق بما ذا فرض أنّ الغير لا يبيع، أمّا إذا كنت أعلم أنّ الغير مستعدٌّ للبيع فإذا لم أبع أنا هل يتحقّق الدفع ؟! إنّه لا يمكن تحقيقه.
إذن ما ذكره يتمّ في الحالة الأولى ونحن نسلّم بالحرمة فيها وإنما النزاع في الحالة الثانية، فدليله إذن أخصّ من المدّعى لو لم يكن في غير المتنازع فيه.
إن قلت:- ينبغي أن يكون الدفع من كلّ واحدٍ لازم سواءً فرض أنّه تحقّق الدفع للحرام من قبل الغير أم لا فإنّ هذا ليس بمهم والمهم هو أنّي لابد وأن أدفع الحرام سواءً فرض أنّ الغير دفع الحرام أم لم يدفعه، من قبيل أنّه يلزمني أن أصلّي سواء صلّى الغير أم لم يصلّ فهل هناك مبرّر فنقول مادام الغير لم يصلّ فأنا لا يلزمني الصلاة إذن ؟! وهنا الأمر كذلك، فالغير سواء فرض أنّه يتحقّق منه الدفع أو لا ولكن المهم هو أنّ يتحقّق الدفع منّي.
قلت:- إنَّ قياس موردنا على مثال الصلاة قياسٌ مع الفارق، فإنه في باب الصلاة يوجد في حّق كلّ إنسانٍ تكليفٌ يختصّ به لا أنه تكليفٌ واحد، فسواءً امتثل الغير أم لم يمتثل فهذا لا يؤثر عليًّ شيئاً، وهذا بخلافه في مقامنا فإنّ المطلوب هو الدفع، يعني الحيلولة دون تحقق الحرام في عالم لوجود يعني لا نريد أن يلبس هذا الرجل خاتم الذهب فنحن نريد أن لا يتحقق هذا الحرام منه، ففي مثل هذه الحالة لو فرض أنّ الغير يبيعه ويدفع له فامتناعي من الدفع سوف لا يحقّق شيئاً.
وبتعبيرٍ آخر:- لا توجد هنا تكاليف مستلّقة بحيث يجب على كلّ واحدٍ الدفع بل المطلوب هو شيءٌ واحد وهو أنّ لا يتحقّق المنكر وهذا إنّما يتمّ فيما إذا اتفق الجميع على ترك البيع، أمّا إذا لم يتّفق الجميع فحينئذٍ الدفع لا يمكن تحقيقه.
وإن شئت قلت:- نحن استفدنا وجوب الدفع على حسب ما ذكر(قده) من وجوب الرفع وإنما يجب رفع المنكر إذا احتمل التأثير - يعني أحتمل أن يكون النهي عن المنكر مؤثراً في رفع المنكر - أمّا إذا لم يكن مؤثراً في رفع المنكر فلا يجب وهذا واضح، والدفع أيضاً كذلك فأنا يلزمني دفع المنكر إذا احتمل أنّ دفعي سوف يؤثّر، وإنما يؤثّر دفعي لو امتنع الغير، أمّا إذا لم يمتنع الغير فدفعي وامتناعي عن البيع لا يؤثر شيئاً.
الدليل الثالث:- قوله تعالى:- ﴿ وتعانوا على البّر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾[2]، إنّ هذه الآية الكريمة نهت عن الإثم والعدوان وبيعي هذا الخاتم على هذا الشخص هو تعاونٌ على الإثم والعدوان فيكون حراماً بمقتضى هذه الآية الكريمة . وهذا هو أهمّ الأدلّة.
وأشكل الحاج ميرزا علي الايرواني(قده)[3]على التمسّك بالآية الكريمة بإشكالين:-
الاشكال الأوّل:- إنّ قوله تعالى ﴿ ولا تعاونوا ﴾ لم يثبت أنّه نهيٌ إلزاميّ وذلك لقرينة السياق فإنّها تزعزع الظهور في الإلزام لأنّ الآية الكريمة قالت ﴿ وتعاونوا على البرّ والتقوى ﴾ وهذا الأمر بالتعاون استحبابيٌّ جزماً لأنّه لو كان وجوبياً للزم حينئذٍ أنّه لو قلت لي اعطني القلم فيجب عليّ إعطاؤه لك، أو قلت لي أعطني مليون دينا فيلزم أن أعطيه لك ..... وهكذا وهل تلتزم بذلك ؟ كلّا، بل هذا أمرٌ استحبابيٌّ وليس إلزاميّاً، فإذن النهي قد اقترن بهذا فيتزعزع الظهور في الإلزام.
الثاني:- هناك فرقٌ بين التعاون وبين الاعانة وكلامنا هو في الاعانة دون التعاون . والفارق بينهما هو أنّه في التعاون ينتسب الفعل إلى الجميع بنسبةً واحدةً كما لو فرض أنّ أنّي ضربت شخصاً بالسكين وضربه ثاني بالسكين ضبره ثالث كذلك فنقول ( تعاونّا على قتله ) فهناك ثلاث طعنات قد مات بها، وهذا يقال له أنّه تعاون على الإثم والعدوان، أمّا إذا انتسب الفعل إلى واحدٍ كأن طعنه شخصٌ واحدٌ أما الثاني فقد قدّم له السكين والثالث حدّها فالقتل هنا ينتسب لمن طعنه فيقال إنَّ هذا الذي طعنه هو القاتل أمّا البقية فقد أعانوه على القتل، والآية الكريمة تحرّم التعاون دون الاعانة ومحلّ كلامنا هو في الاعانة، فأنا بعت له الخاتم الذهبي وهذه إعانة وليست تعاون، فإذن لا يثبت حرمة الاعانة بالآية الركيمة.
وفيه:-
أوّلاً:- إنّ حكم العقل المذكور إنما نسلّمه في الحالة الأولى من الحالتين السابقتين - أعني ما إذا فرض أنّ تحقّق الاعانة ينحصر بي فقط فالمحلّ الذي يبيع الخاتم الذهبي للرجال ينحصر بمحلّي ولا يوجد محٌّل آخر - من باب أنّ هذا تهيئةً لأجواء المحرّم ومساعدة على تحقيقه فحكم العقل بالقبح في هذه الحالة وجيه فإنّك لو قلت له لا أبيعك فسوف لا تتحقّق مساعدته على الحرام ولا يرتكبه أمّا أن تعطيه له فقد ساعدته على الحرام وهيأت له أجواءه والعقل يحكم بالقبح.
ولكن قلنا إنّ الحالة الأولى ينبغي إخراجها عن حريم النزاع، يعني أنّ الحرمة ثابتة هنا بلا إشكال، إنما الكلام في الحالة الثانية - أي إذا فرض وجود محلّات أخرى مستعدّة لبيع الخاتم الذهبي فسواء بعت أنا أم لم أبع فتوجد محلّات أخرى تبيعه – فهنا إذا أردت أن أبيعه الخاتم لا يصدق عنوان أنّي هيأت له أجواء الحرام وساعدته عليه حتى يحكم العقل بالقبح لأنّ الأجواء هي مهيأة من قِبَلِ غيري، فسواء فرض أني بعت أم لم أبع فهذا لا يؤثر شيئاً.
إذن ما ذكره من حكم العقل بالقبح يتمّ في الحالة الأولى دون الثانية، فدليله إذن أخصّ من المدّعى - إنّ صح التعبير -، أو مغايرٌ للمدّعى، فمدّعانا المهم هو الحالة الثانية أمّا الحالة الأولى فيمكن أن نتّفق على حرمتها، وأما إذا لم نتّفق عليها ولم نخرجها عن حريم النزاع فقل إنّ دليله صار أخصّ من المدّعى ولا يفي بالحرمة في كلتا الحالتين.
ثانياً:- إنّ ما ذكره يتمّ بناءً على تماميّة قاعدة الملازمة بين حكم العقل بالقبح وحكم الشرع بالحرمة وقبولها، أمّا إذا رفضناه وقلنا بأنها لم تثبت فالحرمة الشرعيّة سوف لا تثبت، وفي كلامنا الآن نريد أن نثبت الحرمة الشرعيّة للإعانة أمّا مجرّد حكم العقل بالقبح فهذا لا يسمن ولا يغني من جوع إذا لم نضمّ إليه حكم الشرع بالحرمة.
إذن تماميّة هذا الدليل مبنيّة على ضمّ قاعدة الملازمة - الكبرى - ولعلّه لم يذكر ذلك لشدّة وضوح المطلب.
ولكن نقول:- إنّ قاعدة الملازمة ليست ثابتة عندنا إذ تقدّم في أبحاثٍ سابقةٍ - أكثر من مرّة - حيث قلنا إنّ ضرورة الوجود والثبوت ليست ثابتة، كما أنَّ ضرورة العدم ليست ثابتة أيضاً، فيمكن أن يحكم الشرع على طبق العقل ويمكن أن لا يحكم فسلب الضرورتين من ناحية الثبوت ومن ناحية العدم، فلعل الشرع لا يحكم اكتفاءً بحكم العقل فإذن لا ضرورة للحكم من قبل الشارع، كما أنّه لا ضرورة للعدم يعني يقال إنّه إذا حكم العقل يلزم أن لا يحكم الشرع فهذا لا معنى له إذ أنّ حكم الشارع يمكن أن يكون مؤكّداً لحكم العقل والشخص ربما لا يتحرّك من حكم العقل وحده فيحتاج إلى مؤكدٍ وهو حكم الشرع فحكم الشرع مع العقل يكون مؤكداً، فعلى هذا الأساس لا نسلّم أنّه حتماً يلزم أن يحكم الشرع أو حتماً يلزم أن لا يحكم وإنما القضيّة ممكنة، وما دامت القضيّة ممكنة فمجرد حكم العقل بالقبح لا يمكن أن نثبت من خلاله أنّه يحرم شرعاً.
ثالثاً:- لو سلّمنا الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع فهي تنفع فيما لو كان القبح العقلي المذكور فعلياً لا فاعلياً.
وبتعبيرٍ آخر:- مرّةً نقول إنَّ الفعل الذي تتحقّق به الاعانة - وهو اعطاء الخاتم له - نريد أن نثبت حرمته وأنّه حرام أو ليس بحرام، فالقبح لابدّ وأن يكون ثابتاً للفعل حتى نستنتج من الملازمة أنّه حرام.
وأمّا إذا قلنا أنّ القبح فاعليّ بمعنى أنّ الفعل ليس بقبيحٍ وإنما حيثيّة الصدور والفاعليّة هي قبيحة فصدور هذا الفعل من العالم بأنّ هذا سوف يلبس الخاتم ويتحقّق بذلك الحرام والفاعليّة تكون قبيحة، فإذا قلنا هذا فهذا لا ينفعنا في إثبات حرمة الفعل فإنّا نريد أن نثبت حرمة الفعل - يعني نفس الدفع والاعطاء بعبارة أخرى - أمّا حيثية الصدور فلسنا في صددها.
وهذا الكلام شبيهه ما يقال في باب التجرّي وأنّ الإنسان إذا تجرأ وتناول الإناء الذي يعتقد أنّه خمر وفي الواقع هو ليس بخمر فقد وقع الكلام في أنّ القبيح هل هو نفس الفعل وهذا الشرب أو أنّ القبيح هو حيثيّة الفاعليّة والقصد والصدور ممّن يعتقد أنّ هذا حرام ؟ والشيخ الأعظم(قده) في الرسائل يميل إلى الثاني، وهنا أيضاً كذلك فالمهم هو إثبات قبح الفعل لا قبح الفاعليّة والصدور.
وهذا مطلبٌ الذي ذكرته ليس تسجيلاً للإشكال وإنما هو إثارة وفتحُ أفقٍ للتأمل في هذا - وهو أنّ القبح للفعل أو أنّ القبح هو لحيثية الصدور والنافع هو أن يكون القبح للفعل - أما ما هو الصحيح ؟ هذه قضيّة راجعة للوجدان فقد تقول العقل يرى أنّ نفس الفعل قبيح، وأنا ليس عنديّ واضحاً أنّ القبح للفعل أو لحيثيّة الفاعليّة، فكلاهما محتملٌ والجزم بأحد الطرفين ليس بحاصلٍ عندي، والمهم عندّي في الإشكال هو الأوّل والثاني.
إذن هذا الدليل لا يمكن الاعتماد عليه.
الدليل الثاني:- ما أفاده المحقّق الأردبيلي(قده)[1] وحاصله:- إنّ المستفاد من أدلّة وجوب النهي عن المنكر أنّ النهي عن النكر واجبٌ - يعني رفع المنكر بعد تحقّقه -، كما أنّ الدفع واجبٌ - والدفع هو الحيلولة قبل تحقّق المنكر قبل وقوعه -، والدفع إنما يتحقّق بما إذا لم أبع له الخاتم . فإذن بيع الخاتم لا يجوز لأنّ الدفع واجبٌ كالرفع، واستفدنا وجوبه من دليل وجوب الرفع - يعني النهي عن المنكر-.
يعني يريد أن يقول:- إنّ آية:- ﴿ ولكتن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ﴾ مثلاً تدلّ على مطلبين، فهي تدلّ بالمباشرة على وجوب رفع المنكر لو تحقّق، ويستفاد منها بصورة غير مباشرية أنّ الدفع للمنكر لازم - يعني يلزم أن تحول دون تحقق المنكر -، وكيف تصير الحيلولة ؟ ذلك بأن لا أبيع له الخاتم مادمت أعلم أنّه سوف يلبسه بعد دفعه إليه.
وفيه:- نحن نسلّم هذا المطلب في الحالة الأولى من الحالتين السابقتين فإنّ الحيلولة في الحالة الأولى التي ينحصر فيها المحلّ بواحدٍ وهو محلّي فإذا لم أبع له فسوف أحول دون ارتكاب الحرام فهذا صحيح نسلّم أنه يلزم أن لا أبيع له فإنّ البيع كما قلنا فيه تهيئة للأجواء وفيه مساعدة على تحقيق الحرام فنفس أدلّة النهي عن المنكر تدلّ على تحريم تهيئة الأجواء المساعدة على ارتكاب الحرام، أمّا في الحالة الثانية فالمفروض أنّه توجد محلّات أخرى فأنا سواء بعت أم لم أبع لا يؤثر شيئاً فإنّ الأجواء مهيأة وعدم بيعي لا يسدّ الأجواء.
وبكلمة أخرى:- إنَّ دفع المنكر لا يتحقّق فإنّه يتحقّق بما ذا فرض أنّ الغير لا يبيع، أمّا إذا كنت أعلم أنّ الغير مستعدٌّ للبيع فإذا لم أبع أنا هل يتحقّق الدفع ؟! إنّه لا يمكن تحقيقه.
إذن ما ذكره يتمّ في الحالة الأولى ونحن نسلّم بالحرمة فيها وإنما النزاع في الحالة الثانية، فدليله إذن أخصّ من المدّعى لو لم يكن في غير المتنازع فيه.
إن قلت:- ينبغي أن يكون الدفع من كلّ واحدٍ لازم سواءً فرض أنّه تحقّق الدفع للحرام من قبل الغير أم لا فإنّ هذا ليس بمهم والمهم هو أنّي لابد وأن أدفع الحرام سواءً فرض أنّ الغير دفع الحرام أم لم يدفعه، من قبيل أنّه يلزمني أن أصلّي سواء صلّى الغير أم لم يصلّ فهل هناك مبرّر فنقول مادام الغير لم يصلّ فأنا لا يلزمني الصلاة إذن ؟! وهنا الأمر كذلك، فالغير سواء فرض أنّه يتحقّق منه الدفع أو لا ولكن المهم هو أنّ يتحقّق الدفع منّي.
قلت:- إنَّ قياس موردنا على مثال الصلاة قياسٌ مع الفارق، فإنه في باب الصلاة يوجد في حّق كلّ إنسانٍ تكليفٌ يختصّ به لا أنه تكليفٌ واحد، فسواءً امتثل الغير أم لم يمتثل فهذا لا يؤثر عليًّ شيئاً، وهذا بخلافه في مقامنا فإنّ المطلوب هو الدفع، يعني الحيلولة دون تحقق الحرام في عالم لوجود يعني لا نريد أن يلبس هذا الرجل خاتم الذهب فنحن نريد أن لا يتحقق هذا الحرام منه، ففي مثل هذه الحالة لو فرض أنّ الغير يبيعه ويدفع له فامتناعي من الدفع سوف لا يحقّق شيئاً.
وبتعبيرٍ آخر:- لا توجد هنا تكاليف مستلّقة بحيث يجب على كلّ واحدٍ الدفع بل المطلوب هو شيءٌ واحد وهو أنّ لا يتحقّق المنكر وهذا إنّما يتمّ فيما إذا اتفق الجميع على ترك البيع، أمّا إذا لم يتّفق الجميع فحينئذٍ الدفع لا يمكن تحقيقه.
وإن شئت قلت:- نحن استفدنا وجوب الدفع على حسب ما ذكر(قده) من وجوب الرفع وإنما يجب رفع المنكر إذا احتمل التأثير - يعني أحتمل أن يكون النهي عن المنكر مؤثراً في رفع المنكر - أمّا إذا لم يكن مؤثراً في رفع المنكر فلا يجب وهذا واضح، والدفع أيضاً كذلك فأنا يلزمني دفع المنكر إذا احتمل أنّ دفعي سوف يؤثّر، وإنما يؤثّر دفعي لو امتنع الغير، أمّا إذا لم يمتنع الغير فدفعي وامتناعي عن البيع لا يؤثر شيئاً.
الدليل الثالث:- قوله تعالى:- ﴿ وتعانوا على البّر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾[2]، إنّ هذه الآية الكريمة نهت عن الإثم والعدوان وبيعي هذا الخاتم على هذا الشخص هو تعاونٌ على الإثم والعدوان فيكون حراماً بمقتضى هذه الآية الكريمة . وهذا هو أهمّ الأدلّة.
وأشكل الحاج ميرزا علي الايرواني(قده)[3]على التمسّك بالآية الكريمة بإشكالين:-
الاشكال الأوّل:- إنّ قوله تعالى ﴿ ولا تعاونوا ﴾ لم يثبت أنّه نهيٌ إلزاميّ وذلك لقرينة السياق فإنّها تزعزع الظهور في الإلزام لأنّ الآية الكريمة قالت ﴿ وتعاونوا على البرّ والتقوى ﴾ وهذا الأمر بالتعاون استحبابيٌّ جزماً لأنّه لو كان وجوبياً للزم حينئذٍ أنّه لو قلت لي اعطني القلم فيجب عليّ إعطاؤه لك، أو قلت لي أعطني مليون دينا فيلزم أن أعطيه لك ..... وهكذا وهل تلتزم بذلك ؟ كلّا، بل هذا أمرٌ استحبابيٌّ وليس إلزاميّاً، فإذن النهي قد اقترن بهذا فيتزعزع الظهور في الإلزام.
الثاني:- هناك فرقٌ بين التعاون وبين الاعانة وكلامنا هو في الاعانة دون التعاون . والفارق بينهما هو أنّه في التعاون ينتسب الفعل إلى الجميع بنسبةً واحدةً كما لو فرض أنّ أنّي ضربت شخصاً بالسكين وضربه ثاني بالسكين ضبره ثالث كذلك فنقول ( تعاونّا على قتله ) فهناك ثلاث طعنات قد مات بها، وهذا يقال له أنّه تعاون على الإثم والعدوان، أمّا إذا انتسب الفعل إلى واحدٍ كأن طعنه شخصٌ واحدٌ أما الثاني فقد قدّم له السكين والثالث حدّها فالقتل هنا ينتسب لمن طعنه فيقال إنَّ هذا الذي طعنه هو القاتل أمّا البقية فقد أعانوه على القتل، والآية الكريمة تحرّم التعاون دون الاعانة ومحلّ كلامنا هو في الاعانة، فأنا بعت له الخاتم الذهبي وهذه إعانة وليست تعاون، فإذن لا يثبت حرمة الاعانة بالآية الركيمة.