33/07/18
تحمیل
الموضوع: علاقة عالم الاعتبار والأحكام العقلية
أما النظرية الرابعة في شرح العلاقة بين عالم الاعتبار والحكم العقلي التكويني، فهي:
ان الإعتبار القانوني أو الأدبي هو عين الإعتبار العقلي الفلسفي الكلامي وليس هناك تفرقة بين الإعتبارين بل هو اعتبار واحد نفس أمري كما سنبيّن
فليس هو اعتبار فرضي تخيلي وهمي ناشئ لاغراض معينة عند العقلاء في العلوم القانونية كما اُدعي بل هو اعتبار نفس أمري
ثم ان هناك اختلاف في تعريف الإعتبار النفس الامري الفلسفي بين الفلاسفة والباحثين بالبحوث العقلية والمتكلمين
فما هو معنى الاعتبار النفس الأمري؟ فمن جهة نفس امري يعني حقيقة ومن جهة اعتبار وكأنه توليد من العقل
فكيف يمكن التوفيق بين هاتين الجنبتين
وإجمالاً اتفق الباحثون في العلوم العقلية هو ان الإعتبار نفس أمري له منشأ إنتزاع في الخارج وليس جزافا يتلاعب فيه الخيال والوهم بل له منشأ خارجي وعيني في نفس الأمر
لذا يقال له اعتبار نفس أمري غاية الأمر العقل يدركه ويقتنصه والاّ فالحس والخيال لايقتنصه بل يقتنصه العقل فمعنى الاعتبار نفس الأمري يعني يراه العقل ولايراه غير العقل من الامور وهذا هو أحد التفسيرات الأخيرة التحقيقية في علم الفلسفة وعلم الكلام
فان معنى الاعتبار العقلي هو الذي يدركه العقل ولايدركه مادونه من القوى فليس كما ذكر في التعريفات القديمة من البحوث العقلية من ان انتزاع العقل أي ان العقل يتكلف وان كان تكلفه متولد من منشأ تكويني خارجي
قديما في كتب المشّاء والإشراق والحكمة المتعالية قالوا يأتي منشأ الانتزاع في الذهن فالذهن يبدأ يفكك ويحلل ويستخرج الإعتبار النفس أمري
لكن الحقيقة بالدقة ان الاعتبار لاتدركه الحواس وهذا تام وصحيح الاّ ان الذي يدركه العقل هو اعتبار النفس امري
ففي عالم المادة وفي عالم الأجسام سواء الأجسام الدنيوية أو عالم البرزخ أو في عوالم اخرى اذا لم تدرك عين الحس والخيال والوهم بعض الحقائق وادرك العقل تلك الحقائق فيقال لتلك المدركات لها اعتبارات عقلية نفس الأمرية
أما العالم العقلي فهو من الأصل لايدرك قوة الحس وقوة الخيال وقوة الوهم لايدركه وهو فقط حصري بالعقل فلايقال له اعتبار نفس أمري بل يقال له اعتبار إدراك عقلي
فغالبا اطلاق الاعتبار العقلي النفس أمري على المدركات في عالم الاجسام اذا أردرك العقل امورا فيها لم يدركه قوة الحس والخيال والوهم يقال له اعتبار نفس أمري
وأيضا يطلقون الاعتبارات العقلية على مالو أدرك العقل من عالم العقل أو العالم الربوبي ففي الإدراك الأول اذا كان العقل لايدرك بعض الامور ففي الادراك الثاني يعبر عنه بالعقل فوق العقل او المجهر فوق المجهر فالمعاني التي تدرك ثانيا يقال لها الاعتبار العقلي نفس أمري
فالمعنى الموحد للإعتبار العقلي نفس أمري هو المعاني الثانوية المدركة اما من مدركات حسية خيالية وهمية أو من مدركات عقلية أوليّة
والتعريف الصحيح في التحقيق الأخير في بحوث المعارف هو رؤية العقل مالايراه من قوى دونه أو مالايراه نفس العقل في النظرة الاولى الساذجة
فالإعتبار العقلي النفس الأمري ليس تكلّف وتوليد من العقل بل مزيد جهد من العقل لرؤية ماهو واقع فالاعتبار النفس الأمري سمي إنتزاع بمعنى مسامحي لابمعنى إختلاقه من قبل العقل بل يستطيع ان يتأمله بجهد كما هكذا فسّر المشّاء أو الإشراق أو الحكمة المتعالية
فحقيقة الاعتبار العقلي ليس كما عُرّف قديما في المشّاء والاشراق حتى العرفاء والصحيح كما في التحقيقات الأخيرة الكلامية والفلسفية ان معنى الاعتبار العقلي النفس امري هو مُدرك خارجي وليس بينه وبين منشأ الانتزاع فرق غاية الأمر ان منشا الانتزاع هو المدرك الأول والالنتزاع هو ايضا مدرك خارجي ولكنه لايدركه العقل في النظرة الاولى الحسية أو الوهمية أو الخيالية أو العقلية الاولى وعادة يدركه بالنظرة المجهرية المجهدة الثانية وقد تكون الثالثة أو أكثر فالمهم إنه يحتاج الى سلّم من المدركات للوصول الى الطبقة الواقعية
اذن الاعتبار العقلي النفس الأمري هو مايدرك بجهد وتعمّل من ادراك العقل
والسبب في تسميته إعتبار هو ان المدرك هذا لكي يعبر الذهن اليه يحتاج الى قنطرة عبور وممر للعبور
فكل مايحتاج الى تعمّل وجهد إدراكي يعبّر عنه بالاعتبار وليس المراد منه الخيال بل ان كل مايعبر الى العقل فانه يحتاج الى قنطرة ومحل عبور
فمن خصائص الاعتبار هو إذا لم يكن المدرك العقلي إدراكه بسهوله فطبيعيا يكون المدرك العقلي غالبا مبهم ومجمل وليس بتفصيلي
فعادة تكون المعاني الاعتبارية التي تحتاج الى عبور تكون مفاهيهما مجملة ومبهمة وتفاصيلها مكدّسة تحتاج الى تفكيك وتفصيل
واذا اتضح هذا المطلب فنأتي الى اعتبار القانون الأدبي فقد سمي بالاعتبار لنفس النكتة حيث ان هناك امور من المصالح والمفاسد لايدركها الحس ولا الخيال ولا الوهم إنما يدركها العقلاء ونخب العقلاء الفنيّة وربما يدركها الوحي الشرعي فقط
لذا فالاعتبار القانوني والأدبي وفق النظرية الثانية والثالثة لابد من مصالح ومفاسد والاّ فسيكون الاعتبار القانوني كاذب وخاطئ وفقا لرؤية العدلية ومبناهم لذا يعبر عنه بالقانون الفاسد لانه لايصيب الواقع
فالاعتبار القانوني والفقهي والأدبي هو كاذب أو صادق فلو لم يحكي الحقيقة والواقع لما قيل له صادق وكاذب غاية الامر ان طبيعة الاعتبار كما الاعتبار في البحوث العقلية فكذا في البحوث القانونية مبهم ومجمل أي الإطار والسور لدائرة نفس المدرك ليست واضحة الاّ باعمال جهد أكثر فأكثر فينجلي الإبهام الى التفصيل
وهذه هي طبيعة الأمر الإعتباري فان حدوده مبهمة ومجملة