37/07/04
تحمیل
الموضوع: استثناء مؤنة العيال وأنها مؤنة السنة
وفي أرباح التجارات والصناعات والزراعات الزيادة عن مؤنة السنة(1) له ولعياله[1]
(1) الكلام في استثناء المؤنة يقع عن أصل استثناء المؤنة وعن ان المؤنة هي مؤنة السنة. فالكلام يقع في مقامين:
الأول: في استثناء المؤنة والظاهر انه بلا خلاف فيه. وعن الجواهر انه صرح به اكثرهم وعن السرائر وظاهر الانتصار والخلاف والمعتبر والتذكرة والمدارك وغيرها: دعوى الاجماع عليه، وعن شرح المفاتيح: انه اجماعي بل من ضروريات المذهب.
ويشهد به عدة نصوص:
كصحيح علي بن مهزيار، عن محمد بن الحسن الأشعري قال: "كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: الخمس بعد المؤونة"[2] .
فان قوله ع: "ما يستفيد الرجل" ظاهر في مؤنة الرجل لا مؤنة التحصيل لاختصاص السؤال عما استفاده الرجل وهو لا يصدق على مؤنة التحصيل كما تقدم.
وخبر علي بن مهزيار، عن علي بن محمد بن شجاع النيسابوري أنه "سأل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا وبقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقع (عليه السلام): لي منه الخمس مما يفضل من مؤونته"[3] .
فان قوله ع: "يفضل من مؤونته" ظاهر في مؤنة الرجل دون التحصيل لإضافة المؤنة للضمير العائد للرجل.
ومثله صحيح علي بن مهزيار قال: "قال لي أبو علي بن راشد قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأي شيء حقه؟ فلم أدر ما اجيبه؟ فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت: ففي أي شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم، قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: إذا أمكنهم بعد مؤونتهم. لإضافة المؤنة إليهم"[4] .
واما صحيح علي بن مهزيار قال: "كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني: "أقرأني على كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع أنه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة، وأنه ليس على من لم يقم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرجل وعياله. فكتب ـ وقرأه علي بن مهزيار ـ عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وبعد خراج السلطان"[5] .
فهي صريحة في استثناء مؤنة الرجل غاية الامر ان قوله ع: "وبعد خراج السلطان" ان جعلناها مؤنة تحصيل تكون الرواية مستثنية للمؤنتين معا كما فهم منها جملة من الاصحاب، وان جعلناها من جملة مصارفه ـ كما هو قريب ـ كانت الصحيحة مختصة باستثناء مؤنة الرجل وعياله. وعلى أي حال فهي مستثنية لمؤنة الرجل وعياله.
وأصرح منها صحيحة علي بن مهزيار الطويلة التي يقول فيها: "فأما الذي اوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤونته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك"[6] .
نعم قد يقال: لما كان الحكم في هذه الفقرة مبنياً على تخفيف الخمس فاستثناء المؤنة فيها لا يستلزم استثناءها في أصل الخمس في غير مورد التخفيف المذكور، لاحتمال ان استثناء المؤنة في الصحيحة وارد للتخفيف ايضا، فلا يشمل غير مورد التخفيف.
وعليه فالصحيحة ـ بحد ذاتها ـ لا يمكن الاستدلال بها على استثناء المؤنة في سائر الموارد الا بضميمة النصوص الاخرى الدالة على استثناء المؤنة حيث يكشف ذلك عن ان الاستثناء في الصحيحة ليس للتخفيف، لقرب مشاركة الصحيحة لبقية النصوص في مقتضاها، واقتصار التخفيف فيه على خصوص الاكتفاء فيه بنصف السدس. لكن الدليل في الحقيقة يكون تلك النصوص.
ومن الظاهر ان الاشكال ـ لو تم ـ لا يختص بهذه الرواية بل يرد في صحيحة ابن مهزيار الاخرى المتضمنة لمكاتبة الهمداني لأن السؤال والجواب فيها عن مؤنة الضيعة المذكورة في روايتنا فتشترك معها اشكالا وجوابا.
هذا وقد يقال: ان رواية محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات): عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر قال: "قرأت عليه آية الخمس فقال: ما كان لله فهو لرسوله، وما كان لرسوله فهو لنا، ثم قال: والله لقد يسر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحدا وأكلوا أربعة أحلاء ثم قال: هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به ولا يصبر عليه إلا ممتحن قلبه للإيمان"[7] . ظاهرة في عدم وجوب الخمس في هذا القسم. لأنها ظاهرة في عدم استثناء المؤنة، لظهورها في أن ما يحل لهم أكله هو ماعدا الخمس. علما الرواية واردة في هذا القسم من الخمس لإطلاق الرزق فيه.
واجيب: بانه "لابد من حمله على الأكل في غير المؤنة المستثناة، كما هو الحال في إطلاقات الخمس جميعاً مع النصوص المتقدمة. أو على أن استثناء المؤنة حكم تفضلي من الأئمة (عليهم السلام) بمقتضى ولايتهم على الخمس وأربابه"[8] .
لكن من الظاهر ان الرواية بصدد بيان يسر التكليف بالخمس وان الله بالوقت الذي رزقهم اياه لم يكلفهم بأكثر من الخمس ومع ذلك يستصعب الناس دفعه فقال "هذا من حديثنا صعب مستصعب..."
وان شئت قلت: ان هذا الحديث شأنه شأن الآية الشريفة حيث جعلت لأهل الخمس خمس الفائدة والغنيمة فكما ان الآية لا تمنع من وجود شروط وآليات لوجوب الخمس كذلك الرواية غاية الامر ان الآية مسوقة لتشريع الخمس والرواية مسوقة لبيان يسر التشريع.
فلا حاجة لتأويله بان المؤنة حكم ولائي لا من أصل التشريع، ونحوه.
على ان الرواية ضعيفة السند فلا يعتد بها، كيف وتسالم الاصحاب على خلافها.
هذا ويمكن ان يستدل لاستثناء المؤنة بما نسب[9] لبعض المحققين وهو ان الوارد الذي يصرفه الانسان في مؤنته ومؤنة عياله لا يصدق عليه عنوان الفائدة.
وعليه يكون استثناء مؤنة الرجل خارجة عن وجوب الخمس تخصصا لا تخصيا.
وهو غريب اذ لا اشكال في صدق الفائدة على كل ما يدخل اليه من المنافع نعم لا يصدق على ما يصرفه في سبيل تحصيل الفائدة كما أشرنا اليه سابقا.
والمتحصل انه لا اشكال في استثناء مؤنة الرجل وعياله.