أنت هنا: الرئيسية أمير المؤمنين اصحاب عمار بن ياسر ( رضوان الله عليه )
 
 


عمار بن ياسر ( رضوان الله عليه )

البريد الإلكتروني طباعة

عمار بن ياسر ( رضوان الله عليه )

اسمه ونسبه :

عمَّار بن ياسر بن عامر بن مالك .. بن يَعرُب بن قَحطان .

ولادته :

وُلد بمكة المكرمة بين سنة ( 53 و 57 ) قبل الهجرة النبوية .

سيرته :

يُعدُّ عمار من المسلمين الأوائل الذين تحملوا أصناف التعذيب والتنكيل ، وكان من المهاجرين إلى المدينة . فصلى إلى القِبلتَين ، واتَّخذ في بيته مسجداً ، وكان أول من بنى مسجداً في الإسلام . وشهد بدراً والخندق والمشاهد كلها ، وقَتَل مجموعة من رؤوس الكفر والشرك . ودعا إلى بيعة أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، وكان من السابقين إلى الالتحاق به والمدافعين عنه حين هوجمت دار الزهراء ( عليها السلام ) . وكان من الخواص الذين صلَّوا على جثمان الصديقة فاطمة ( عليها السلام ) ، وشيَّعوها ودفنوها سرّاً . وَلِيَ الكوفة ، وشارك في فتح مدينة تُستَر ، وساهم في تعبئة الجيوش لفتح الرَّيِّ ، والدستبي ، ونهاوند ، وغيرها . مواقفه مشهودة في الاعتراض على السقيفة والشورى التي غصبت حقوق أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فكان يجاهر بنصرة الحق ، ولم يُداهن الولاة ، حتى دِيست بطنه وأصابه الفتق وغُشي عليه . وكان من المشاركين في توديع أبي ذر حين نُفي إلى الربذة ، رغم المرسوم الصادر بالمنع من ذلك ، كما أنه قد هُدِّدَ بالنفي ، وكاد يقع لولا احتجاج الإمام علي ( عليه السلام ) وبني مخزوم . وسارع إلى مبايعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وَوَبَّخَ الذين شقُّوا عصا الطاعة وأحدثوا الفُرقة في عهد الخليفة الحق . توجه بأمر الإمام علي ( عليه السلام ) مع الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ومِن بعدهما ثلّة من المؤمنين لعزل أبي موسى الأشعري عن الكوفة ، واستنفار أهلها . فخطب هناك واحتَجَّ احتجاجات رائعة ، وسحب أبا موسى من على المنبر . ولشجاعته وشهامته وإقدامه وَلاَّهُ أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) مناصبَ حَربِيَّةٍ عديدة في معركة الجمل . وقد قتل عدداً من صناديد جيش الناكثين ، وشارك في عقر جمل الفتنة . كما أنه كان من أوائل المُشَاوَرين في حكومة الإمام علي ( عليه السلام ) قُبيل واقعة الجمل ، وقبيل وقعة صفين التي أبلى فيها بلاءً كبيراً . فقاتل فيها قتالاً شديداً ، وما حجزه عن المواصلة إلا الليل ، وكان له أثر واضح في الظفر ، ثم كان فيها شهادته .

ولاؤه وإيمانه :

يُعدُّ عمار بن ياسر من القلة القليلة التي شهد لهم الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) وأئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) بالدرجات الرفيعة ، والمراتب العالية من الإيمان . ففي كتاب الله تعالى تُذكر ظُلامته من جهة ، ويُوصف قلبه المؤمن بالاطمئنان من جهة ثانية ، ومن جهة ثالثة يُلتمَس له العذر ويُصبح موقفه حكماً شرعياً . فأنزل الله عز وجل قوله الكريم : ( إلاَّ مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) [ النحل : 106 ] . فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندها : يا عمار ، إن عادوا فعُد ، فقد أنزل الله عز وجل عُذرك ، وأمرك أن تعود إن عادوا . وقد كان عمار من أهل الولاية ، ومن الموالين لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) والمخلصين المتفانين في محبته ، والمستشهَدين على هداه . أما كلمات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عمار فهي كثيرة ووافرة ، وصريحة ومتظافرة ، وتشير إلى جلالته ، ورفعة مقامه ، وسموِّ درجاته في الدنيا والآخرة . فمن أقواله ( صلى الله عليه وآله ) فيه : 1 - إن عماراً مُلئ إيماناً من قَرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه . 2 - مرحباً بالطيِّب المطيَّب ، إئذنوا له . 3 - دم عمار ولحمه وعظمه حرام على النار . 4 - الجنّة تشتاق إليك [ يا علي ] وإلى عمار ، وإلى سلمان ، وإبي ذر ، والمِقداد . ولما أخذ المسلمون يبنون مسجد المدينة ، جعل عمار يحمل حَجَرينِ حَجَرين ، فمسح النبي ( صلى الله عليه وآله ) ظهره ، ثم قال : إنك من أهل الجنة ، تقتلك الفئة الباغية . وقال ( صلى الله عليه وآله ) له مبشِّراً : أبشر يا أبا اليقظان ، فإنك أخو علي في ديانته ، ومن أفاضل أهل ولايته ، ومن المقتولين في محبته ، تقتلك الفئة الباغية ، وآخر زادك من الدنيا ضياح من لبن ( أي لبن رقيق كثير ماؤه ) .

منزلته :

حظي عمار بن ياسر بمراقي الشرف والكرامة ، لموالاته للنبي وآله ( عليهم السلام ) . فتسنم المنازل الرفيعة والمراتب السامقة ، إذ جرى ذِكر فضائله على لسان أهل بيت النبوة والعصمة ( عليهم السلام ) . فكان أحدَ الأركان الأربعة مع سلمان والمقداد وأبي ذر ، وكان أحد الماضين على منهاج نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) من جماعة الصحابة ، الأبرار الأتقياء الذين لم يبدلوا تبديلاً . وكان عمار من السبعة الذين بهم يُرزَق الناس وبهم يُمطَرون ، وبهم يُنصَرُون ، فسيدهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ومنهم سلمان ، والمقداد ، وأبو ذر ، وعمار ، وحذيفة ، وعبد الله بن مسعود . وهم الذين صَلَّوا على جثمان فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) . وللمكانة الرفيعة التي كان يحتلُّها عمّار بن ياسر عند الإمام علي ( عليه السلام ) أنه كان من شرَطة الخميس . وقد سئل الأصبغ : كيف سُمِّيتم شرطة الخميس ؟ فقال : إنا ضَمِنَّا له – أي لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) – الذَّبح ، وضمنَ لنا الفَتح .

أشعاره وخطبه :

وكان شعر عمار مرآة عاكسةً لما جال في قلبه ، فترنَّم بأمجاد إمامه أمير المؤمنين
( عليه السلام ) وفضائله . فَتَغَنَّى بمنهجه وهو الصراط المستقيم ، ونابذ أعداءه الذين أخطأوا حظهم فاختاروا معصية الله تعالى . فكان يقول :

طلحة فيها والزبير غادرُ والحقُّ في كفِّ علي ظاهرُ

ويقول أيضاً :

سِيرُوا إلى الأحزاب أَعداء النَّبي سِيروا فَخَيرُ النَّاس أَتبَاعُ عَليٍّ

أما خطبه فهي مثمرة بروائع من الكلمات والاحتجاجات الغلاَّبة ، فيصدع بالمتخاذلين ، والناكثين ، والمنهزمين قائلاً : معاشر المسلمين ، إنا قد كُنَّا وما نستطيع الكلام ؛ قلّةً وذِلَّة ، فأعزَّنا الله بدينه ، وأكرمنا برسوله ، فالحمد لله رب العالمين . يا معشرَ قريش ، إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نَبِيِّكم ؟! تُحَوِّلُونه ها هنا مرة ، وها هنا مرة ، وما أنا آمنٌ أن ينزعه الله منكم ويضعَه في غيركم ، كما نزعتموه من أهله ، ووضعتموه في غير أهله . وكأننا بعمار بن ياسر يَتَرَسَّم خُطى إمامه ( عليه السلام ) ويقتدي به في بيان الحق ونصرته ، وفضح الباطل وتخذيله .

شهادته :

من عنايات الله تبارك وتعالى لعباده الصالحين المخلصين أن اختار لهم خاتمة الشرف والكرامة ، حيث رُزقوا الشهادة ولو بعد عمر مديد . وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يبشره ( رضوان الله عليه ) قائلاً : يا عمَّار ، إنك ستقاتل بعدي مع عليٍّ صنفين ، الناكثين والقاسطين ، ثم تقتلك الفئة الباغية . ففي معركة صفين برز عمار ( رضوان الله عليه ) إلى القتال وقد دعا بشربة من ماء ، فقيل له : مَا مَعَنَا ماء ، فقام إليه رجل من الأنصار فأسقاه شربة من لبن ، فشربه ثم قال : هكذا عهد إلي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من اللبن . ثم حمل ( رضوان الله عليه ) على القوم فقتل منهم ثمانية عشر ، وحمل عليه ابن جَون السكوني ، وأبو العادية الفزاري ، فكان الفزاري أن طعنه ، أما ابن جون فقد احتز رأسه
( رضوان الله عليه ) . جرى ذلك في شهر صفر سنة ( 37 ) من الهجرة الشريفة ، وكان عمر عمار يوم استُشهد ( رضوان الله عليه ) واحداً وتسعين عاماً ، أو أربعاً وتسعين . أما أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقد أبَّنَه أروع تأبين ، واقفاً عليه وقفة إكبار وإجلال واعتزاز ، إذ جاءه إلى مصرعه وجلس إليه ووضع رأسه في حِجره . ثم قال ( عليه السلام ) : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إن امرئٍ لم تدخل عليه مصيبة مِن قتل عمار فما هو من الإسلام في شيء . ثم قال : رحم الله عماراً يوم يُبعث ، ورحم الله عماراً يوم يُسأل . ثم قال : قاتلُ عمار ، وسالب عمار ، وشاتم عمار في النار ، ثم صلى أمير المؤمنين
( عليه السلام ) على عمار بن ياسر ودفنه بثيابه ( رضوان الله عليه ) .