مالك الأشتر ( رضوان الله عليه )
اسمه ونسبه :
هو مالك بن الحارث بن عبد يَغوث بن سَلِمة بن ربيعة .. بن يَعرُب بن قحطان . ولُقِّب بـ ( الأشتر ) لأن إحدى عينيه شُتِرَت – أي شُقّت – في معركة اليرموك .
ولادته :
لم تذكر لنا المصادر التاريخية تاريخاً محدِّداً لولادته ، ولكن توجد قرائن تاريخية نستطيع من خلالها معرفة ولادته على وجهٍ تقريبيٍّ تخمينيٍّ . فقد قُدِّرت ولادته بين سنة ( 25-30 ) قبل الهجرة النبوية الشريفة .
مواقفه :
عاصر مالك الأشتر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولكنه لم يره ولم يسمع حديثه ، وذكر عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال فيه النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إنه المؤمن حقاً ، وهذه شهادة تعدل شهادة الدنيا بأسرها . كما عُدَّ مالك من بين المجاهدين الذين أبلَوا بلاءً حسناً في حروب الردَّة . كما أنه ذُكر في جملة المحاربين الشُّجعان الذين خاضوا معركة اليرموك ، وهي المعركة التي دارت بين المسلمين والروم سنة ( 13 هـ ) . وثمَّة إشارات تدل على أن مالكاً كان قبل اليرموك يشارك في فتوح الشام ، ويدافع عن مبادئ الإسلام وقيمه السامية ، ويدفع عن كيان الإسلام وثغور المسلمين شرور الكفار . وحين دَبَّ الخلاف والاختلاف بين المسلمين في زمن عثمان ، بسبب مخالفة البعض لتعاليم القرآن الكريم وسنة النبي الأمين ( صلى الله عليه وآله ) لم يَسَع الأشترَ السكوتُ . فجاهد في سبيل الله بلسانه عندما رأى عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل قد كُسر ضلعه ، وأُخرج بالضرب من المسجد النبوي . ونال عمّارُ بن ياسر من العنف والضرب ما ناله ، وهو الصحابي الشهم المخلص المضحي . ولقي أبو ذرّ ما لقي من النفي والتشريد ، وقطع عطائه والتوهين بكرامته ، وهو الذي مُدح مدحاً جليلاً على لسان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
ولاؤه لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
وفي خلافة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وحكومته ، كانت مواقف الأشتر واضحةً جَليَّة المعالم . فهذا العملاق الشجاع أصبح جُندياً مخلصاً لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فلم يفارق الإمام ( عليه السلام ) قطٌّ ، كما كان من قَبلِ تَسَلُّمِ الإمامِ لخلافَتِهِ الظاهرية . فلم يَرِد ولم يصدُر إلا عن أمر الإمام علي ( عليه السلام ) حتى جاء المدح الجليل على لسان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فكان أن كتب ( عليه السلام ) في عهده له إلى أهل مصر ، حين جعله والياً على هذا الإقليم : أما بعد ، فقد بَعثتُ إليكم عبداً من عباد الله ، لا ينام أيّامَ الخوف ، ولا يَنكُل عن الأعداء ساعاتِ الرَّوع ، أشدُّ على الفُجار من حريق النار ، وهو مالك بن الحارث أخو مَذْحِج . ولهذا القول الشريف مصاديق مشرقة ، فقد كان لمالك الأشتر هذه المواقف والأدوار الفريدة : أولاً : قيل : أنه أول مَن بايَعَ الإمامَ علياً ( عليه السلام ) على خلافته الحقة ، وطالب المُحجِمين عن البيعة بأن يقدموا ضمانة على أن لا يُحدِثوا فِتَناً ، لكن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أمره بتركهم ورأيَهُم . ثانياً : زَوَّد أميرَ المؤمنين ( عليه السلام ) بالمقاتلين والإمدادات من المحاربين في معركة الجمل الحاسمة ، مستثمراً زعامته على قبيلة مِذحج خاصة ، والنَّخَع عامة ، فحشَّد منهم قواتٍ مهمة . فيما وقف على ميمنة الإمام ( عليه السلام ) في تلك المعركة يفديه ويُجندِل الصَّناديد ، ويكثر القتل في أصحاب الفتنة ، والخارجين على طاعة إمام زمانهم . ثالثاً : وفي مقدمات معركة صفين عمل مالك الأشتر على إنشاء جسر على نهر الفرات ليعبر عليه جيش الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فيقاتل جيش الشِّقاق والانشقاق بقيادة معاوية بن أبي سفيان . وكان له بَلاء حَسَن يوم السابع من صفر عام ( 37 هـ ) حين أوقع الهزيمة في جيش معاوية . ولمّا رفع أهل الشام المصاحف ، يخدعون بذلك أهل العراق ، ويستدركون انكسارهم وهلاكهم المحتوم ، انخدع الكثير ، بَيْد أن مالكاً لم ينخدع ولم يتراجع حتى اضطَرَّهُ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى الرجوع . كما اضطُرَّ إلى قبول صحيفة التحكيم – وكان لها رافضاً – خضوعاً إلى رضى إمامه
( عليه السلام ) .
شعره وأدبه :
لما كان مالك الأشتر صاحب تلك المواقف الشامخة حاول بعضهم أن يهملوا شعره ويطمسوه ، لكنهم لم يفلحوا في إطفاء الشمس . ومن خصائص شعر مالك أن الغالب عليه غرضُ الحماسة والبطولة ، وهو انعكاس للصراع الخطير والمرحلة التاريخية الحساسة التي كان يمر بها الإسلام . وقد جادت به قريحته النابضة الحَيَّة فيه ، ولعل الشعر البُطُولِيِّ هو الغالب العام في قصائده ، بما يمتاز به من سلاسة وروعة . نذكر هذين البيتين كنموذج قالهما لعمرو بن العاص في صفين :
يا ليت شعري كيف لي بعمرو |
ذاك الذي أجبت فيه نذري |
ذاك الذي أطلبه بوتري |
ذلك الذي فيه شفاء صدري |
وإلى موهبته الشاعرية الهادفة كان الأشتر ذا قوة خطابيّة فائقة ، مشفوعة بحُجَّةٍ
واضحة ، وقدرة نادرة على تقديم البراهين المقنعة والأجوبة المُفحِمة . وكان من خطبه في أحد أيام صفين قوله : ( الحمد لله الذي جعلَ فينا ابنَ عمِّ نبيِّه ، أقدَمُهُم هجرة ، وأوّلُهم إسلاما ، سيفٌ من سيوف الله صَبَّه على أعدائه ، فانظروا إذا حمِيَ الوَطيسُ ، وثار القَتام ، وتكسَّر المُرَّان ، وجالَت الخيلُ بالأبطال ، فلا أسمع إلا غَمغمةً أو همهمة ، فاتَّبِعوني وكوني في أثري ) .
شهادته :
وبعد حياة حافلة بالعز والجهاد ، وتاريخ مشرق في نصرة الإسلام والنبوة والإمامة ، يكتب الله تعالى لهذا المؤمن الكبير خاتمةً مشرِّفة ، هي الشهادة على يد أرذل الخَلْق . فكان لأعداء الله طمع في مصر ، لقربها من الشام ولكثرة خراجها ، ولتمايل أهلها إلى أهل البيت ( عليهم السلام ) وكراهتهم لأعدائهم . فبادر معاوية بإرسال الجيوش إليها ، وعلى رأسها عمرو بن العاص ، ومعاوية بن حديج ليحتلَّها . فكان من الخليفة الشرعي الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أن أرسل مالكَ الأشتر ( رضوان الله عليه ) والياً له على مصر . فاحتال معاوية في قتله ( رضوان الله عليه ) داسّاً إليه سُمّاً بواسطة الجايستار – وهو رجل من أهل الخراج – . وقيل : كان دهقان القُلْزُم ، وكان معاوية قد وعد هذا ألا يأخذ منه الخراج طيلة حياته إن نفذ مهمته الخبيثة تلك . فسقاه السم وهو في الطريق إلى مصر ، فقضى مالك الأشتر ( رضوان الله عليه ) شهيداً عام ( 38 هـ ) .