37/08/09
تحمیل
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – آية النبأ
الوجه الثاني: ما ذكره المحقق الخراساني[1] أيضا وحاصل هذا الوجه: أن موضوع الحجية في الأخبار مع الواسطة طبيعي الخبر وطبيعي الأثر فموضوع حجية خبر الكليني إذا أخبر الكليني عن الصفار والصفار عن الإمام فموضوع حجية خبر الكليني طبيعي خبر الصفار وطبيعي الأثر المترتب على خبر الصفار فعندئذ لا يلزم من شمول دليل الحجية لخبر الكليني محذور اتحاد الحكم مع الموضوع أو تقدم الحكم على الموضوع فإن الموضوع هو طبيعي الأثر وطبيعي الأثر مباين للحجية مفهوما فلا يمكن فرض الاتحاد بينهما فالحجية حكم وطبيعي الأثر مأخوذ في موضوعه وكذلك طبيعي خبر الصفار موضوع للحجية فلا يلزم تقدم الحكم على الموضوع لأن طبيعي خبر الصفار ليس متأخرا عن الحجية وليس ثبوته متوقفا على الحجية لأن طبيعي خبر الصفار مفهوم في عالم الذهن وهو لا يتوقف على حجية خبر الصفار وما هو متوقف على حجية خبر الكليني هو ثبوت خبر الصفار في الخارج لا طببعي خبر الصفار الذي هو مفهوم في عالم الذهن فلا يلزم شيء من المحذورين المتقدمين لا اتحاد الحكم مع الموضوع لأن الموضوع هو طبيعي الأثر والحكم هو الحجية ولا تقدم الحكم على الموضوع لأن الموضوع هو طبيعي الخبر لا واقع الخبر وطبيعي الخبر ليس متأخرا عن الحكم والحكم ليس متقدما عليه حتى يلزم تأخر الموضوع على الحكم وتقدم الحكم على الموضوع.
فإذاً لا يلزم من شمول دليل الحجية لخبر الكليني اتحاد الحكم مع الموضوع وتقدم الحكم على الموضوع.
ولكن للمناقشة فيه مجال، فإن هذا المحذور وإن كان لا يلزم في مرحلة الجعل فما ذكره إنما يدفع هذين المحذورين في مرحلة الجعل وفي مرحلة الاعتبار فإن في مرحلة الجعل والاعتبار ليس حجية خبر الكليني متحدا مع طبيعي الأثر فإن طبيعي الأثر في مرحلة الاعتبار والجعل لا وجود له الا في عالم الذهن وكذلك طبيعي الخبر لا وجود له في عالم الاعتبار والجعل الا في عالم الذهن فلا يلزم تقدم الحكم على الموضوع لأن حجية خبر الكليني ليست متقدمة على طبيعي الخبر فإن طبعي الخبر مفهوم ذهني وكذلك حجية خبر الكليني ليست متحدة مع طبيعي الأثر لأن طبيعي الأثر مفهوم ذهني فلا وجود له الا في عالم الاعتبار.
ومحل الكلام في المقام إنما هو في مرحلة الانطباق ومرحلة الفعلية فهذان المحذوران إنما يأتيان في هذه المرحلة أي مرحلة الفعلية والانطباق فإن طبيعي الأثر ينطبق على الحجية أيضا فإن الحجية من أحد مصاديق طبيعي الأثر وانطباق طبعي الأثر على الحجية من قبيل انطباق الطبيعي على أحد أفراده فإذا أخبر الكليني عن الصفار وهو اخبر عن الإمام فالمخبر به بخبر الكليني هو خبر الصفار فخبر الصفار ليس بنفسه حكما شرعيا فلا موضوع للأثر الشرعي والأثر الشرعي المترتب على خبر الصفار هو الحجية فيلزم اتحاد الحكم مع الموضوع فإن الحجية حكم والمفروض أن هذه الحجية مأخوذة في موضوع الحكم والمفروض في المقام ان المجعول حجية واحدة لا حجية متعددة.
فإذاً لا يعقل أن تكون الحجية حكما وموضوعا معا أي يلزم اتحاد الحكم مع الموضوع وثبوت خبر الصفار موضوع الحجية وهو متوقف على حجية خبر الكليني فإن خبر الكليني إذا كان حجة يدل على ثبوت خبر الصفار والمفروض ان ثبوت خبر الصفار موضوعا للحجية فيلزم تقدم الحكم على الموضوع وتأخر الحكم عن الموضوع فإن هذه الحجية سبب لثبوت خبر الصفار وعلة لثبوته فهو متقدم على ثبوت خبر الصفار فليزم هذين المحذورين.
وما ذكره(قده) من عدم اللزوم مبني على الخلط بين مرحلة الجعل ومرحلة الفعلية والانطباق ومحل الكلام إنما هو في مرحلة الفعلية والانطباق لا في مرحلة الجعل لأن في مرحلة الجعل لا يلزم شيء من المحذورين.
فالنتيجة ان ما ذكره المحقق الخراساني غير تام ولا يمكن المساعدة عليه.
الوجه الثالث: ما ذكرته مدرسة المحقق النائيني(قده) ومنهم السيد الاستاذ(قده)[2] هو أن المجعول في باب الأمارات الطريقية والكاشفية والجامع هو العلم التعبدي فالمجعول في باب الأمارات هو العلم التعبدي يعني أن الشارع جعل خبر الثقة علما فإذا كان علما فإذا أخبر الكليني عن الصفار والصفار عن الإمام فمعنى حجية خبر الكليني أنه علم بخبر الصفار فشمول دليل الحجية لخبر الكليني حينئذ لا يتوقف على ان يكون خبر الصفار حكما شرعيا في نفسه او موضوعا لحكم شرعي لأن خبر الكليني علم وإذا كان علما فهو يفيد العلم بخبر الصفار وهذا المقدار يكفي في شمول دليل الحجية وحيث أن الصفار ثقة فخبره علم بقول المعصوم(ع) وعلى هذا فإذا اخبر الكليني عن شخص وهذا الشخص أخبر عن الصفار والصفار أخبر عن الإمام فحيث أن خبر الكليني حجة فدليل الحجية يقول أن خبره علم بخبر هذا الشخص وحيث أن هذا الشخص ثقة فيكون مشمولا لدليل الحجية فيكون خبره علما بخبر الصفار وحيث أن الصفار ثقة فخبره علم بمقتضى دليل حجية خبر الثقة وحينئذ يكون خبره علما بقول المعصوم(ع)، فإذاً لا مانع من تطبيق دليل الحجية على الأخبار مع الواسطة بتمام السلسلة.
فلا يلزم شيء من المحذورين لا محذور اتحاد الحكم مع الموضوع ولا محذور تقدم الحكم على الموضوع.
نعم لو كان المجعول في باب الأمارات التنزيل أي تنزيل أخبار الثقة منزلة العلم الوجداني او المجعول في باب الأمارات هو الحكم الظاهري الطريقي المماثل للحكم الواقعي في صور المطابقة والمخالف له في صور المخالفة وعلى هذين المسلكين يلزم المحذرين المذكورين فإن تنزيل خبر الثقة منزلة العلم بحاجة إلى أثر شرعي والأثر الشرعي للخبر إنما هو حجيته فعندئذ يلزم محذور تقدم الحكم على الموضوع واتحاد الحكم مع الموضوع فلا يمكن شمول دليل الحجية للأخبار مع الواسطة.
وأما على مسلك الطريقية وأن المجعول هو الطريقية والعلم التعبدي فلا يلزم هذا المحذور.
هذا ما ذكرته مدرسة المحقق النائيني(قده).
ولكن للمناقشة فيه مجالا:
أما أولاً: ما ذكرناه غير مرة من أنه لا جعل ولا مجعول في باب الأمارات فإن عمدة الدليل على حجية الأمرات السيرة القطعية من العقلاء الممضاة شرعا وليس لسان السيرة لسان الجعل بل لسانها لسان العمل فإن العقلاء يعملون بأخبار الثقة في أغراضهم الاجتماعية والشخصية والدينية وغيرها والشارع أمضى هذه السيرة ويكفي في امضاء الشارع سكوته عن هذه السيرة فإن الناس يعملون بأخبار الثقة بمرأى ومسمع من النبي الأكرم مع انه ساكت عن ذلك ومن الواضح أن هذه السيرة لو كانت مخالفة للأغراض التشريعية لمنع النبي عنها وسكوته عن ذلك وعدم صدور الردع عن هذه السيرة دليل على أنها ليست مخالفة للأغراض التشريعية.
هذا مضافا إلى أن جعل الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي في نفسه غير معقول أي في مقام الثبوت لأن مثل هذا الجعل لغو ولا يترتب عليه أي أثر لأن الجعل الشرعي الاعتباري لا يؤثر في التكوين فلا يؤثر في خبر الثقة ولا يزيد في كاشفيتها وطريقيتها الى الواقع سواء جعلها الشارع علما او لم يجعلها علما فالاعتبار لا يؤثر في الأمور التكوينية.