35/08/01
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة/ تنبيهات العلم الإجمالي
انتهى الكلام إلى الوجه الخامس: من الوجوه التي قد تُذكر لإثبات عدم دخول الأصل الطولي في محل الكلام في المعارضة، وأنّ التعارض يقع بين الأصلين العرضيين، وبعد تعارضهما وتساقطهما تصل النوبة إلى الأصل الطولي. قلنا هناك وجوه تذكر لإثبات هذا المطلب في مقابل أنّ الأصل الطولي يدخل في المعارضة، وبالتالي تتساقط كل الأصول الثلاثة في الأطراف، وهو الرأي الذي تبنّاه السيّد الخوئي(قدّس سرّه) على ما نقلنا عنه، عندما يكون الأصلان العرضيان غير متسانخين، هو ذكر بأنّ الأصل الطولي يدخل في المعارضة ويسقط ولا مجال لأن نقول يتعارض الأصلان العرضيان وبعد التعارض والتساقط تصل النوبة إلى الأصل الطولي.
الوجه الأخير الذي انتهى الكلام إليه وهو الوجه الخامس، وحاصله: أن يُدّعى أنّ هنا يوجد علمان إجماليان بينهما طرف مشترك، فنطبّق على ذلك المبنى الذي يقول بأنّ الطرف المشترك لا يقبل أن يكون منجّزاً بالعلم الإجمالي الثاني بعد أن كان منجّزاً بالعلم الإجمالي الأوّل.
أو بعبارةٍ أخرى: أنّ العلمين الإجماليين إذا كان بينهما طرف مشترك وكانت منجّزية العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك في طول منجّزية العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك، في حالةٍ من هذا القبيل هناك مبنى يرى أنّ العلم الإجمالي الثانييسقط عن التنجيز ولا يكون منجّزاً للطرف المشترك. وبعبارة أخرى نستطيع أن نقول أنّ العلم الإجمالي ينحل؛ لأنّ أحد أطراف العلم الإجمالي قد تنجّز بمنجّزٍ في مرتبةٍ سابقة. إذن: هذا العلم الإجمالي لا يكون منجّزاً لمعلومه على كل تقدير، وإنّما يكون منجّزاً لمعلومه على أحد التقديرين، أمّا على تقدير أن يكون معلومه هو الطرف المشترك، فالمفروض أنّ الطرف المشترك قد تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي السابق، إذن، هذا العلم الإجمالي الثاني لا يصلح أن ينجّز معلومه على كل تقديرٍ، وهذا شرط في منجّزية العلم الإجمالي؛ ولذا لا يكون العلم الإجمالي منجّزاً، إذا لم يكن العلم الإجمالي الثاني منجّزاً، سقط عن التنجيز وأنحل؛ حينئذٍ لا مانع من الرجوع إلى الأصل الطولي؛ لأنّ هذا العلم الإجمالي الذي طرفاه الأصل الطولي هنا، والأصل العرضي في الطرف الآخر، يعني يكون هناك تعارض بين الأصل العرضي في الطرف الآخر وبين الأصل الطولي في هذا الطرف، هذا العلم الإجمالي ينحل، ولو حكماً ويسقط عن المنجّزية، فإذن، لا يكون مانعاً من الرجوع إلى الأصل الطولي، بناءً على هذه الفكرة.
تطبيق هذه الفكرة في محل الكلام واضح، وهو أن يقال: أنّ العلم الإجمالي الثاني في محل الكلام هو في طول الأصل الطولي الذي يتولّد بعد سقوط الأصل الحاكم عليه، وسقوط الأصل الحاكم عليه هو حاصل بعد فرض تنجيز العلم الإجمالي الأوّل، وهذا معناه أنّ العلم الإجمالي الثاني هو في طول العلم الإجمالي الأوّل؛ لأنّ العلم الإجمالي الثاني إنمّا يحصل عندما تصل النوبة إلى الأصل الطولي، فنقول أنّ هذا الأصل الطولي مع الأصل العرضي في الطرف الآخر نعلم بكذب أحدهما. إذن: هذا العلم الإجمالي الثاني هو في طول تولّد الأصل الطولي ووصول النوبة إليه، ووصول النوبة إلى الأصل الطولي هو في طول سقوط الأصل الحاكم، وإلاّ لو كان الأصل الحاكم جارياً لما وصلت النوبة إلى الأصل الطولي المحكوم، وسقوط الأصل الحاكم متفرّع على منجّزية العلم الإجمالي الأوّل. إذن: العلم الإجمالي الأوّل يحصل وينجّز أطرافه، فيسقط الأصل الحاكم، فيتولّد الأصل الطولي، وفي طول تولّد الأصل الطولي يحصل العلم الإجمالي الثاني بأنّه إمّا هذا الأصل الطولي كاذب، أو الأصل العرضي الجاري في الطرف الآخر. إذن: الطولية موجودة، فتأتي هذه القاعدة وتقول: ما دام كانت هناك طولية بين علمين إجماليين بأن يكون العلم الإجمالي الثاني في طول منجّزية العلم الإجمالي الأوّل، عندما يكون بينهما طرف مشترك يستحيل أن يتلقّى هذا الطرف المشترك التنجيز مرّة أخرى من العلم الإجمالي الثاني؛ لأنّه بما هو منجّز يستحيل أن يكون منجّزاً مرّة أخرى، الطرف المشترك بحسب الفرض تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل، ومع كونه تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل؛ حينئذٍ لا يُعقل أن يتلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الثاني؛ لأنّ العلم الإجمالي الثاني بحسب الفرض في طول العلم الإجمالي الأوّل، يعني نفترض العلم الإجمالي الأوّل ومنجّزيته لأطرافه، ثمّ تصل النوبة للعلم الإجمالي الثاني ونريد أن نقول أنّ هذا العلم الإجمالي الثاني ينجّز الطرف المشترك، هذا غير ممكن؛ لأنّ المنجّز بما هو منجّز يستحيل أن يتعلّق به التنجيز مرّة أخرى، وهذا معناه في الحقيقة أنّ العلم الإجمالي الثاني لا يستطيع أن ينجّز أطرافه؛ لاختلال شرطٍ من شرائط المنجّزية للعلم الإجمالي وهو أنّ العلم الإجمالي لابدّ أن يكون منجّزاً لمعلومه على كل تقدير، يعني سواء كان معلومه في هذا الطرف هو ينجّزه، أو كان في هذا الطرف أيضاً هو ينجّزه، بينما في المقام هذا الشرط مختل؛ لأنّ العلم الإجمالي لا ينجّز معلومه على تقدير أن يكون متحققاً في الطرف الآخر؛ لأنّ الطرف الآخر تلقّى التنجيز في مرتبةٍ متقدّمة، فلا مانع حينئذٍ من الرجوع إلى الأصل الطولي.
الجواب عن هذا الوجه مرّة يكون جواباً مبنائياً، بإنكار هذا المبنى أساساً، فيقال بأننا لا نلتزم بسقوط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز إذا كان أحد أطرافه منجّزاً بعلمٍ إجمالي في مرتبةٍ سابقة؛ بل يبقى العلم الإجمالي الثاني منجّزاً ولا يسقط عن المنجّزية بمجرّد أن أحد أطرافه قد تلقّى التنجيز من علمٍ إجمالي متقدّمٍ. وفي الحقيقة إذا بنينا على إنكار هذا المبنى؛ حينئذٍ هذا يمنع من جريان الأصل الطولي؛ لأنّ العلم الإجمالي الثاني يبقى على تنجيزه، كما أنّ العلم الإجمالي الأوّل منجّز، العلم الإجمالي الثاني أيضاً يبقى على التنجيز؛ لأنّه لا مانع من أن يكون العلم الإجمالي الثاني منجّزاً لأطرافه بالرغم من وجود طرفٍ مشترك بينه وبين علم إجمالي آخر تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي السابق. وسيأتي تحقيق هذا المطلب في باب الانحلال، فبناءً على إنكار هذا المبنى؛ حينئذٍ يكون الجواب واضحاً في محل الكلام.
وأخرى يُراد الجواب عن هذا الوجه الخامس مع تسليم هذا المبنى الذي يبتني عليه، بمعنى تسليم أنّ العلم الإجمالي الثاني يسقط عن التنجيز إذا كان أحد أطرافه قد تلقّى التنجيز من علمٍ إجمالي في مرتبةٍ أسبق، فينحل ويسقط عن المنجّزية. هذه الكبرى نسلّمها الآن فعلاً؛ وحينئذٍ يقال في مقام الجواب عن الوجه الخامس بأنّ سقوط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز هو متفرّع ومبني على افتراض انحلال العلم الإجمالي الثاني؛ وحينئذٍ يسقط عن التنجيز وصلاحيته للتنجيز، فلا يمنع من جريان الأصل الطولي في طرفه. الانحلال ــــــــــــ بناءً على هذه الكبرى ـــــــــــــ إنّما يكون باعتبار أنّ التنجيز الذي يتلقّاه الطرف المشترك من العلم الإجمالي الثاني هو في مرتبة متأخّرة رتبة عن التنجيز الذي يتلقّاه من العلم الإجمالي الأوّل، أنّ هذا الطرف المشترك يتلقّى التنجيز من علمين إجماليين لكن بينهما طولية، بينهما تقدّم وتأخّر في الرتبة، التنجيز الذي يتلقّاه الطرف المشترك من العلم الإجمالي الثاني هو في طول التنجيز الذي يتلقّاه من العلم الإجمالي الأوّل، حينما يُفترض ذلك؛ حينئذٍ يقال بأنّ هذا محال، لما تقدّم من أنّ المنجّز بما هو منجّز يستحيل أن يكون قابلاً للتنجيز مرّة أخرى، وفي المقام فُرض أنّ هذا الطرف المشترك تلقّى التنجيز في مرتبةٍ أسبق من العلم الإجمالي الأوّل، فلا يُعقل أن يكون منجّزاً بالعلم الإجمالي الثاني، وهذا هو الذي يوجب الانحلال واختلال شرطٍ من شرائط منجّزية العلم الإجمالي وهو أن يكون العلم الإجمالي منجّزاً لمعلومه على كل تقدير؛ فحينئذٍ يسقط عن التنجيز وينحل. هذا هو الوجه في تطبيق الكبرى في محل الكلام، وهذا معناه أنّ انحلال العلم الإجمالي الثاني يتوقّف على أن يكون تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك، وعبّرنا عنه بأنّه يتوقّف على أن يكون الطرف المشترك يتلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الثاني في طول تلقّيه التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل.
هذه الطولية إذا بقيت محفوظة يأتي هذا المبنى الذي يقول أنّ العلم الإجمالي الثاني لابدّ أن ينحل؛ لأنّ الطرف المشترك فُرض أنّه تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل، أنّ العلم الإجمالي الأوّل نجّز الطرف المشترك، فالطرف المشترك اكتسب التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل في مرتبةٍ سابقةٍ؛ حينئذٍ هذا العلم الإجمالي الثاني لا يستطيع أن ينجّزه مرّة أخرى، فيختل شرط منجّزية العلم الإجمالي، فينحل ويسقط هذا العلم الإجمالي، فلا مانع من الرجوع إلى الأصل الطولي. هذه هي الفكرة.
هذا الكلام هل هو متحقق في محل الكلام، أو لا ؟ هل صحيح أنّ تلقّي الطرف المشترك التنجيز من العلم الإجمالي الثاني هو في طول تلقّي الطرف المشترك التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل ؟
بعبارةٍ أخرى: تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك هل هو في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل له، حتّى يكون هذا التنجيز في طول ذلك التنجيز ؟ فيكون هناك تنجيزان للطرف المشترك أحدهما في طول الآخر ؟ هل هذا المطلب متحقق في محل كلامنا حتّى نحقق هذه الكبرى التي تقول بأنّ العلم الإجمالي إذا كان أحد أطرافه قد تلقّى التنجيز في مرتبةٍ أسبق يسقط عن المنجّزية وينحل ؟ أو أنّ صغرى هذه الكبرى غير متحققة في محل الكلام ؟ هنا يمكن أن يقال أنّ هذه الصغرى غير متحققّة في محل الكلام؛ لما تقدّمت الإشارة إليه في أثناء استعراض الوجوه السابقة من أنّ تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك ليس في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك، الذي قلنا بأنّ الانحلال مبني على هذه الطولية؛ بل في الحقيقة تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك هو في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المختص بالعلم الإجمالي الأوّل، يعني بعبارةٍ أخرى: هو في طول سقوط الأصل الحاكم كما عبّرنا مراراً سابقاً، العلم الإجمالي الثاني يكون منجّزاً للطرف المشترك عندما يسقط الأصل الحاكم في هذا الطرف وتصل النوبة إلى الأصل المحكوم، فيكون لدينا أصلان، الأصل المحكوم الذي نعبّر عنه بالأصل الطولي، ويُعارضه الأصل العرضي في الطرف الآخر، هذان يتعارضان، نعلم بكذب أحدهما، فيحصل عندنا هذا العلم الإجمالي.
إذن: العلم الإجمالي الثاني بكذب أحد الأصلين، إمّا الأصل الطولي، أو الأصل العرضي في الطرف الآخر، هو فرع سقوط الأصل الحاكم، يعني بعبارةٍ أخرى: فرع تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المختص الذي يجري فيه الأصل الحاكم؛ لأنّ العلم الإجمالي ينجّز طرفيه وهما الأصلان العرضيان، فيمنع من جريان الأصلين العرضيين، العلم الإجمالي الثاني ليس متفرّعاً على سقوط الأصل في الطرف الآخر، وإنّما هو متفرّع على سقوط الأصل الحاكم في الطرف المختص بالعلم الإجمالي الأوّل، فالعلم الإجمالي الأوّل فيه طرف مختص وفيه طرف مشترك مع العلم الإجمالي الثاني، وهو متفرّع على سقوط الأصل الحاكم في الطرف المختص بالعلم الإجمالي الأوّل، فإذا سقط الأصل الحاكم تصل النوبة إلى الأصل الطولي، فيتولّد لدينا علم إجمالي ثانٍ وهو أن نعلم بأنّه إمّا هذا الأصل الطولي كاذب، أو الأصل العرضي في الطرف الآخر؛ لأنّه يستحيل الجمع بينهما، إذن: منجّزية العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك ليست في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك حتّى نطبّق الكبرى أنّ هذا الطرف المشترك تلقّى التنجيز من علمين إجماليين وبين التنجيزين توجد طولية، بمعنى أنّ تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك هو في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل له، الكبرى تقول هذا محال؛ لأنّك تفترض أنّ الطرف المشترك تلقّى تنجيزه من العلم الإجمالي الأوّل، وبعد أن تفترض أنّه تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل يأتي العلم الإجمالي الثاني وينجّزه، هذا محال؛ لأنّ المنجّز بما هو منجّز لا يقبل التنجيز مرّة أخرى، فيختل شرط تنجيز العلم الإجمالي ويسقط العلم الإجمالي وينحل، لكن لابدّ أن نثبت أن تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك هو في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك، وهذا غير متحقق في محل الكلام. في محل الكلام تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك ليس في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك؛ بل هو في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المختص الذي هو عبارة عن سقوط الأصل الحاكم؛ لأنّ العلم الإجمالي الأوّل عندما ينجّز الطرفين، وهما الطرف المشترك وهو محتمل الغصبية، والطرف الآخر محتمل النجاسة، هو ينجّز كلا الطرفين، يعني يمنع من جريان الأصل المؤمّن في كلا الطرفين، يعني يوجب سقوط الأصل الحاكم في هذا الطرف الذي هو قاعدة الطهارة، إذا سقط الأصل الحاكم يتفرّع على سقوطه تولّد الأصل المحكوم الذي هو أصالة الإباحة، أو الحلّية في محتمل النجاسة، فإذن: تولّد الأصل المحكوم هو في طول سقوط الأصل الحاكم، يعني في طول منجّزية العلم الإجمالي الأوّل للطرف المختص وليس في طول منجّزية العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك، وإنّما هو في طول سقوط الأصل الحاكم، يسقط الأصل الحاكم، فيتولّد الأصل المحكوم، وإذا تولّد الأصل المحكوم صار لدينا علم إجمالي ثانٍ بأنّه إمّا هذا الأصل المحكوم كاذب، أو الأصل في الطرف المشترك كاذب، هذا علم إجمالي ثانٍ تولّد بعد تولّد الأصل المحكوم الذي هو في طول سقوط الأصل الحاكم الذي هو عبارة أخرى عن منجّزية العلم الإجمالي الأوّل للأصل المختص.
إذن: لا يمكن تطبيق الكبرى في محل الكلام؛ لأنّ تطبيقها يحتاج إلى افتراض أن يكون هناك تنجيزان مترتبان، أحدهما في طول الآخر يتعلّقان بالطرف المشترك، علمان إجماليان بينهما طرف مشترك، تنجيز العلم الإجمالي الأوّل في مرتبةٍ اسبق من تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك بحيث يكون الطرف المشترك يتلقّى التنجيز من كلٍ منهما مع افتراض الطولية، الكبرى تطبّق هنا، فتقول هذا محال وغير معقول، هذا في محل الكلام غير متحقق؛ لأنّه يتوقف على افتراض أن يكون منجزية العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك في طول منجّزية العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك، بينما الأمر ليس هكذا.
تبيّن ممّا تقدّم عدم تمامية شيءٍ من الوجوه السابقة التي ذُكرت لإخراج الأصل الطولي الترخيصي عن المعارضة، وإثبات اختصاص المعارضة بالأصلين العرضيين في الطرفين، فالصحيح أن المعارضة تسري إلى الأصل الطولي كما قال السيد الخوئي(قدّس سرّه)، وتسقط كل الأصول الثلاثة في الأطراف.
هنا قد يُعترض باعتراضٍ لا بأس بالتعرّض له، وحاصله: أنّه يقال ما هو الفرق بين الأصول العملية التي نتكلّم عنها وبين الأصول اللّفظية ؟ لأنّه في الأصول العملية في محل الكلام انتهينا إلى أنّ الأصل الطولي يدخل في المعارضة ويسقط مع الأصلين العرضيين لا أن الأصلين العرضيين يتعارضان ويتساقطان، ثمّ تصل النوبة إلى الأصل الطولي. الأمر ليس هكذا؛ بل الأصل الطولي يسقط مع الأصلين العرضيين.
الاعتراض يقول: أنتم في الأصول اللّفظية لا تلتزمون بذلك؛ بل تلتزمون بأنّ الخاصّين ـــــــــــ مثلاً ـــــــــــ المتعارضين بعد تعارضهما يتساقطان ونرجع إلى العموم الفوقاني مع أنّهما من وادٍ واحد، حيث لدينا خاصّان متعارضان، أحدهما يقول(أكرم زيداً العالم) والآخر يقول(لا تكرم زيداً العالم)، فهنا بينهما تعارض وموضوعهما واحد وهو(زيد العالم)، ولدينا عام فوقاني(أكرم كل عالمٍ). عملاً وبلا خلاف لا إشكال عندهم في جواز الرجوع إلى العام الفوقاني بعد تعارض هذين الخاصّين وتساقطهما لعدم المرجّح لأحدهما، فالسؤال يقول ما هو الفرق بين محل الكلام وبين هذا ؟ مع أنّهما متشابهان؛ لأنّه لدينا عام فوقاني(أكرم كل عالم) وأحد الخاصّين(أكرم زيداً العالم) موافق له، والخاصّ الآخر(لا تكرم زيداً العالم) مخالف له. واضح أنّ الأصل الفوقاني هو في طول أحد الخاصّين، بمعنى أنّ النوبة لا تصل إلى اصالة العموم عند وجود(لا تكرم زيداً العالم)، إنّما تصل النوبة إلى اصالة العموم بعد سقوط هذا الخاص المخصص للعام، وهذا واضح؛ لأنّ العام لا يمكن التمسّك بعمومه إلاّ إذا لم يكن هناك مخصص له، أمّا إذا كان له مخصص فمن الواضح عدم جواز التمسّك بعمومه، فإذن لا تصل النوبة إلى أصالة العموم في العام إلاّ بعد فرض عدم المخصص له، وإثبات عدم المخصص له يكون بالتعارض، يعني يسقط المخصص له(لا تكرم زيداً العالم) بالمعارضة، ولو لم يسقط بالمعارضة لكان مخصصّاً للعام ومانعاً من انعقاد أصالة العموم فيه، لكن(لا تكرم زيداً العالم) وُجد له معارض وهو(أكرم زيداً العالم)، فيتعارضان، ويتكاذبان، ولا مرجّح لأحدهما، فيتساقطان؛ وحينئذٍ تصل النوبة إلى العام؛ لأنّ هذا العام لم يثبت أنّ له مخصص؛ لأنّ ما يصلح أن يكون مخصصاً له قد سقط بالتعارض، فتصل النوبة إلى أصالة العموم مع أنّ أصالة العموم أيضاً واقعة في طول ذلك المخصص؛ لأنّ النوبة لا تصل إلى أصالة العموم في العام إلاّ إذا فرضنا عدم وجود مخصص له، وإلاّ مع وجود المخصص لا تصل النوبة إلى العام.
إذن: أصالة العموم هي في طول أحد الخاصّين المتعارضين كما هو الحال في محل الكلام، الأصل الطولي في محل الكلام هو في طول أحد الأصلين العرضيين المتعارضين، فإذن: ما نحن فيه هو من قبيل أصالة العموم في المثال السابق، فلماذا يُفرّق بينهما ويُلتزم في محل الكلام بعدم الانتهاء إلى الأصل الطولي بعد تساقط الأصلين العرضيين، بينما هناك يُلتزم بالانتهاء والرجوع إلى أصالة العموم في العام بعد تعارض الخاصّين وتساقطهما ؟
انتهى الكلام إلى الوجه الخامس: من الوجوه التي قد تُذكر لإثبات عدم دخول الأصل الطولي في محل الكلام في المعارضة، وأنّ التعارض يقع بين الأصلين العرضيين، وبعد تعارضهما وتساقطهما تصل النوبة إلى الأصل الطولي. قلنا هناك وجوه تذكر لإثبات هذا المطلب في مقابل أنّ الأصل الطولي يدخل في المعارضة، وبالتالي تتساقط كل الأصول الثلاثة في الأطراف، وهو الرأي الذي تبنّاه السيّد الخوئي(قدّس سرّه) على ما نقلنا عنه، عندما يكون الأصلان العرضيان غير متسانخين، هو ذكر بأنّ الأصل الطولي يدخل في المعارضة ويسقط ولا مجال لأن نقول يتعارض الأصلان العرضيان وبعد التعارض والتساقط تصل النوبة إلى الأصل الطولي.
الوجه الأخير الذي انتهى الكلام إليه وهو الوجه الخامس، وحاصله: أن يُدّعى أنّ هنا يوجد علمان إجماليان بينهما طرف مشترك، فنطبّق على ذلك المبنى الذي يقول بأنّ الطرف المشترك لا يقبل أن يكون منجّزاً بالعلم الإجمالي الثاني بعد أن كان منجّزاً بالعلم الإجمالي الأوّل.
أو بعبارةٍ أخرى: أنّ العلمين الإجماليين إذا كان بينهما طرف مشترك وكانت منجّزية العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك في طول منجّزية العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك، في حالةٍ من هذا القبيل هناك مبنى يرى أنّ العلم الإجمالي الثانييسقط عن التنجيز ولا يكون منجّزاً للطرف المشترك. وبعبارة أخرى نستطيع أن نقول أنّ العلم الإجمالي ينحل؛ لأنّ أحد أطراف العلم الإجمالي قد تنجّز بمنجّزٍ في مرتبةٍ سابقة. إذن: هذا العلم الإجمالي لا يكون منجّزاً لمعلومه على كل تقدير، وإنّما يكون منجّزاً لمعلومه على أحد التقديرين، أمّا على تقدير أن يكون معلومه هو الطرف المشترك، فالمفروض أنّ الطرف المشترك قد تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي السابق، إذن، هذا العلم الإجمالي الثاني لا يصلح أن ينجّز معلومه على كل تقديرٍ، وهذا شرط في منجّزية العلم الإجمالي؛ ولذا لا يكون العلم الإجمالي منجّزاً، إذا لم يكن العلم الإجمالي الثاني منجّزاً، سقط عن التنجيز وأنحل؛ حينئذٍ لا مانع من الرجوع إلى الأصل الطولي؛ لأنّ هذا العلم الإجمالي الذي طرفاه الأصل الطولي هنا، والأصل العرضي في الطرف الآخر، يعني يكون هناك تعارض بين الأصل العرضي في الطرف الآخر وبين الأصل الطولي في هذا الطرف، هذا العلم الإجمالي ينحل، ولو حكماً ويسقط عن المنجّزية، فإذن، لا يكون مانعاً من الرجوع إلى الأصل الطولي، بناءً على هذه الفكرة.
تطبيق هذه الفكرة في محل الكلام واضح، وهو أن يقال: أنّ العلم الإجمالي الثاني في محل الكلام هو في طول الأصل الطولي الذي يتولّد بعد سقوط الأصل الحاكم عليه، وسقوط الأصل الحاكم عليه هو حاصل بعد فرض تنجيز العلم الإجمالي الأوّل، وهذا معناه أنّ العلم الإجمالي الثاني هو في طول العلم الإجمالي الأوّل؛ لأنّ العلم الإجمالي الثاني إنمّا يحصل عندما تصل النوبة إلى الأصل الطولي، فنقول أنّ هذا الأصل الطولي مع الأصل العرضي في الطرف الآخر نعلم بكذب أحدهما. إذن: هذا العلم الإجمالي الثاني هو في طول تولّد الأصل الطولي ووصول النوبة إليه، ووصول النوبة إلى الأصل الطولي هو في طول سقوط الأصل الحاكم، وإلاّ لو كان الأصل الحاكم جارياً لما وصلت النوبة إلى الأصل الطولي المحكوم، وسقوط الأصل الحاكم متفرّع على منجّزية العلم الإجمالي الأوّل. إذن: العلم الإجمالي الأوّل يحصل وينجّز أطرافه، فيسقط الأصل الحاكم، فيتولّد الأصل الطولي، وفي طول تولّد الأصل الطولي يحصل العلم الإجمالي الثاني بأنّه إمّا هذا الأصل الطولي كاذب، أو الأصل العرضي الجاري في الطرف الآخر. إذن: الطولية موجودة، فتأتي هذه القاعدة وتقول: ما دام كانت هناك طولية بين علمين إجماليين بأن يكون العلم الإجمالي الثاني في طول منجّزية العلم الإجمالي الأوّل، عندما يكون بينهما طرف مشترك يستحيل أن يتلقّى هذا الطرف المشترك التنجيز مرّة أخرى من العلم الإجمالي الثاني؛ لأنّه بما هو منجّز يستحيل أن يكون منجّزاً مرّة أخرى، الطرف المشترك بحسب الفرض تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل، ومع كونه تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل؛ حينئذٍ لا يُعقل أن يتلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الثاني؛ لأنّ العلم الإجمالي الثاني بحسب الفرض في طول العلم الإجمالي الأوّل، يعني نفترض العلم الإجمالي الأوّل ومنجّزيته لأطرافه، ثمّ تصل النوبة للعلم الإجمالي الثاني ونريد أن نقول أنّ هذا العلم الإجمالي الثاني ينجّز الطرف المشترك، هذا غير ممكن؛ لأنّ المنجّز بما هو منجّز يستحيل أن يتعلّق به التنجيز مرّة أخرى، وهذا معناه في الحقيقة أنّ العلم الإجمالي الثاني لا يستطيع أن ينجّز أطرافه؛ لاختلال شرطٍ من شرائط المنجّزية للعلم الإجمالي وهو أنّ العلم الإجمالي لابدّ أن يكون منجّزاً لمعلومه على كل تقدير، يعني سواء كان معلومه في هذا الطرف هو ينجّزه، أو كان في هذا الطرف أيضاً هو ينجّزه، بينما في المقام هذا الشرط مختل؛ لأنّ العلم الإجمالي لا ينجّز معلومه على تقدير أن يكون متحققاً في الطرف الآخر؛ لأنّ الطرف الآخر تلقّى التنجيز في مرتبةٍ متقدّمة، فلا مانع حينئذٍ من الرجوع إلى الأصل الطولي.
الجواب عن هذا الوجه مرّة يكون جواباً مبنائياً، بإنكار هذا المبنى أساساً، فيقال بأننا لا نلتزم بسقوط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز إذا كان أحد أطرافه منجّزاً بعلمٍ إجمالي في مرتبةٍ سابقة؛ بل يبقى العلم الإجمالي الثاني منجّزاً ولا يسقط عن المنجّزية بمجرّد أن أحد أطرافه قد تلقّى التنجيز من علمٍ إجمالي متقدّمٍ. وفي الحقيقة إذا بنينا على إنكار هذا المبنى؛ حينئذٍ هذا يمنع من جريان الأصل الطولي؛ لأنّ العلم الإجمالي الثاني يبقى على تنجيزه، كما أنّ العلم الإجمالي الأوّل منجّز، العلم الإجمالي الثاني أيضاً يبقى على التنجيز؛ لأنّه لا مانع من أن يكون العلم الإجمالي الثاني منجّزاً لأطرافه بالرغم من وجود طرفٍ مشترك بينه وبين علم إجمالي آخر تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي السابق. وسيأتي تحقيق هذا المطلب في باب الانحلال، فبناءً على إنكار هذا المبنى؛ حينئذٍ يكون الجواب واضحاً في محل الكلام.
وأخرى يُراد الجواب عن هذا الوجه الخامس مع تسليم هذا المبنى الذي يبتني عليه، بمعنى تسليم أنّ العلم الإجمالي الثاني يسقط عن التنجيز إذا كان أحد أطرافه قد تلقّى التنجيز من علمٍ إجمالي في مرتبةٍ أسبق، فينحل ويسقط عن المنجّزية. هذه الكبرى نسلّمها الآن فعلاً؛ وحينئذٍ يقال في مقام الجواب عن الوجه الخامس بأنّ سقوط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز هو متفرّع ومبني على افتراض انحلال العلم الإجمالي الثاني؛ وحينئذٍ يسقط عن التنجيز وصلاحيته للتنجيز، فلا يمنع من جريان الأصل الطولي في طرفه. الانحلال ــــــــــــ بناءً على هذه الكبرى ـــــــــــــ إنّما يكون باعتبار أنّ التنجيز الذي يتلقّاه الطرف المشترك من العلم الإجمالي الثاني هو في مرتبة متأخّرة رتبة عن التنجيز الذي يتلقّاه من العلم الإجمالي الأوّل، أنّ هذا الطرف المشترك يتلقّى التنجيز من علمين إجماليين لكن بينهما طولية، بينهما تقدّم وتأخّر في الرتبة، التنجيز الذي يتلقّاه الطرف المشترك من العلم الإجمالي الثاني هو في طول التنجيز الذي يتلقّاه من العلم الإجمالي الأوّل، حينما يُفترض ذلك؛ حينئذٍ يقال بأنّ هذا محال، لما تقدّم من أنّ المنجّز بما هو منجّز يستحيل أن يكون قابلاً للتنجيز مرّة أخرى، وفي المقام فُرض أنّ هذا الطرف المشترك تلقّى التنجيز في مرتبةٍ أسبق من العلم الإجمالي الأوّل، فلا يُعقل أن يكون منجّزاً بالعلم الإجمالي الثاني، وهذا هو الذي يوجب الانحلال واختلال شرطٍ من شرائط منجّزية العلم الإجمالي وهو أن يكون العلم الإجمالي منجّزاً لمعلومه على كل تقدير؛ فحينئذٍ يسقط عن التنجيز وينحل. هذا هو الوجه في تطبيق الكبرى في محل الكلام، وهذا معناه أنّ انحلال العلم الإجمالي الثاني يتوقّف على أن يكون تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك، وعبّرنا عنه بأنّه يتوقّف على أن يكون الطرف المشترك يتلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الثاني في طول تلقّيه التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل.
هذه الطولية إذا بقيت محفوظة يأتي هذا المبنى الذي يقول أنّ العلم الإجمالي الثاني لابدّ أن ينحل؛ لأنّ الطرف المشترك فُرض أنّه تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل، أنّ العلم الإجمالي الأوّل نجّز الطرف المشترك، فالطرف المشترك اكتسب التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل في مرتبةٍ سابقةٍ؛ حينئذٍ هذا العلم الإجمالي الثاني لا يستطيع أن ينجّزه مرّة أخرى، فيختل شرط منجّزية العلم الإجمالي، فينحل ويسقط هذا العلم الإجمالي، فلا مانع من الرجوع إلى الأصل الطولي. هذه هي الفكرة.
هذا الكلام هل هو متحقق في محل الكلام، أو لا ؟ هل صحيح أنّ تلقّي الطرف المشترك التنجيز من العلم الإجمالي الثاني هو في طول تلقّي الطرف المشترك التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل ؟
بعبارةٍ أخرى: تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك هل هو في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل له، حتّى يكون هذا التنجيز في طول ذلك التنجيز ؟ فيكون هناك تنجيزان للطرف المشترك أحدهما في طول الآخر ؟ هل هذا المطلب متحقق في محل كلامنا حتّى نحقق هذه الكبرى التي تقول بأنّ العلم الإجمالي إذا كان أحد أطرافه قد تلقّى التنجيز في مرتبةٍ أسبق يسقط عن المنجّزية وينحل ؟ أو أنّ صغرى هذه الكبرى غير متحققة في محل الكلام ؟ هنا يمكن أن يقال أنّ هذه الصغرى غير متحققّة في محل الكلام؛ لما تقدّمت الإشارة إليه في أثناء استعراض الوجوه السابقة من أنّ تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك ليس في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك، الذي قلنا بأنّ الانحلال مبني على هذه الطولية؛ بل في الحقيقة تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك هو في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المختص بالعلم الإجمالي الأوّل، يعني بعبارةٍ أخرى: هو في طول سقوط الأصل الحاكم كما عبّرنا مراراً سابقاً، العلم الإجمالي الثاني يكون منجّزاً للطرف المشترك عندما يسقط الأصل الحاكم في هذا الطرف وتصل النوبة إلى الأصل المحكوم، فيكون لدينا أصلان، الأصل المحكوم الذي نعبّر عنه بالأصل الطولي، ويُعارضه الأصل العرضي في الطرف الآخر، هذان يتعارضان، نعلم بكذب أحدهما، فيحصل عندنا هذا العلم الإجمالي.
إذن: العلم الإجمالي الثاني بكذب أحد الأصلين، إمّا الأصل الطولي، أو الأصل العرضي في الطرف الآخر، هو فرع سقوط الأصل الحاكم، يعني بعبارةٍ أخرى: فرع تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المختص الذي يجري فيه الأصل الحاكم؛ لأنّ العلم الإجمالي ينجّز طرفيه وهما الأصلان العرضيان، فيمنع من جريان الأصلين العرضيين، العلم الإجمالي الثاني ليس متفرّعاً على سقوط الأصل في الطرف الآخر، وإنّما هو متفرّع على سقوط الأصل الحاكم في الطرف المختص بالعلم الإجمالي الأوّل، فالعلم الإجمالي الأوّل فيه طرف مختص وفيه طرف مشترك مع العلم الإجمالي الثاني، وهو متفرّع على سقوط الأصل الحاكم في الطرف المختص بالعلم الإجمالي الأوّل، فإذا سقط الأصل الحاكم تصل النوبة إلى الأصل الطولي، فيتولّد لدينا علم إجمالي ثانٍ وهو أن نعلم بأنّه إمّا هذا الأصل الطولي كاذب، أو الأصل العرضي في الطرف الآخر؛ لأنّه يستحيل الجمع بينهما، إذن: منجّزية العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك ليست في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك حتّى نطبّق الكبرى أنّ هذا الطرف المشترك تلقّى التنجيز من علمين إجماليين وبين التنجيزين توجد طولية، بمعنى أنّ تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك هو في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل له، الكبرى تقول هذا محال؛ لأنّك تفترض أنّ الطرف المشترك تلقّى تنجيزه من العلم الإجمالي الأوّل، وبعد أن تفترض أنّه تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل يأتي العلم الإجمالي الثاني وينجّزه، هذا محال؛ لأنّ المنجّز بما هو منجّز لا يقبل التنجيز مرّة أخرى، فيختل شرط تنجيز العلم الإجمالي ويسقط العلم الإجمالي وينحل، لكن لابدّ أن نثبت أن تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك هو في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك، وهذا غير متحقق في محل الكلام. في محل الكلام تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك ليس في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك؛ بل هو في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف المختص الذي هو عبارة عن سقوط الأصل الحاكم؛ لأنّ العلم الإجمالي الأوّل عندما ينجّز الطرفين، وهما الطرف المشترك وهو محتمل الغصبية، والطرف الآخر محتمل النجاسة، هو ينجّز كلا الطرفين، يعني يمنع من جريان الأصل المؤمّن في كلا الطرفين، يعني يوجب سقوط الأصل الحاكم في هذا الطرف الذي هو قاعدة الطهارة، إذا سقط الأصل الحاكم يتفرّع على سقوطه تولّد الأصل المحكوم الذي هو أصالة الإباحة، أو الحلّية في محتمل النجاسة، فإذن: تولّد الأصل المحكوم هو في طول سقوط الأصل الحاكم، يعني في طول منجّزية العلم الإجمالي الأوّل للطرف المختص وليس في طول منجّزية العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك، وإنّما هو في طول سقوط الأصل الحاكم، يسقط الأصل الحاكم، فيتولّد الأصل المحكوم، وإذا تولّد الأصل المحكوم صار لدينا علم إجمالي ثانٍ بأنّه إمّا هذا الأصل المحكوم كاذب، أو الأصل في الطرف المشترك كاذب، هذا علم إجمالي ثانٍ تولّد بعد تولّد الأصل المحكوم الذي هو في طول سقوط الأصل الحاكم الذي هو عبارة أخرى عن منجّزية العلم الإجمالي الأوّل للأصل المختص.
إذن: لا يمكن تطبيق الكبرى في محل الكلام؛ لأنّ تطبيقها يحتاج إلى افتراض أن يكون هناك تنجيزان مترتبان، أحدهما في طول الآخر يتعلّقان بالطرف المشترك، علمان إجماليان بينهما طرف مشترك، تنجيز العلم الإجمالي الأوّل في مرتبةٍ اسبق من تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك بحيث يكون الطرف المشترك يتلقّى التنجيز من كلٍ منهما مع افتراض الطولية، الكبرى تطبّق هنا، فتقول هذا محال وغير معقول، هذا في محل الكلام غير متحقق؛ لأنّه يتوقف على افتراض أن يكون منجزية العلم الإجمالي الثاني للطرف المشترك في طول منجّزية العلم الإجمالي الأوّل للطرف المشترك، بينما الأمر ليس هكذا.
تبيّن ممّا تقدّم عدم تمامية شيءٍ من الوجوه السابقة التي ذُكرت لإخراج الأصل الطولي الترخيصي عن المعارضة، وإثبات اختصاص المعارضة بالأصلين العرضيين في الطرفين، فالصحيح أن المعارضة تسري إلى الأصل الطولي كما قال السيد الخوئي(قدّس سرّه)، وتسقط كل الأصول الثلاثة في الأطراف.
هنا قد يُعترض باعتراضٍ لا بأس بالتعرّض له، وحاصله: أنّه يقال ما هو الفرق بين الأصول العملية التي نتكلّم عنها وبين الأصول اللّفظية ؟ لأنّه في الأصول العملية في محل الكلام انتهينا إلى أنّ الأصل الطولي يدخل في المعارضة ويسقط مع الأصلين العرضيين لا أن الأصلين العرضيين يتعارضان ويتساقطان، ثمّ تصل النوبة إلى الأصل الطولي. الأمر ليس هكذا؛ بل الأصل الطولي يسقط مع الأصلين العرضيين.
الاعتراض يقول: أنتم في الأصول اللّفظية لا تلتزمون بذلك؛ بل تلتزمون بأنّ الخاصّين ـــــــــــ مثلاً ـــــــــــ المتعارضين بعد تعارضهما يتساقطان ونرجع إلى العموم الفوقاني مع أنّهما من وادٍ واحد، حيث لدينا خاصّان متعارضان، أحدهما يقول(أكرم زيداً العالم) والآخر يقول(لا تكرم زيداً العالم)، فهنا بينهما تعارض وموضوعهما واحد وهو(زيد العالم)، ولدينا عام فوقاني(أكرم كل عالمٍ). عملاً وبلا خلاف لا إشكال عندهم في جواز الرجوع إلى العام الفوقاني بعد تعارض هذين الخاصّين وتساقطهما لعدم المرجّح لأحدهما، فالسؤال يقول ما هو الفرق بين محل الكلام وبين هذا ؟ مع أنّهما متشابهان؛ لأنّه لدينا عام فوقاني(أكرم كل عالم) وأحد الخاصّين(أكرم زيداً العالم) موافق له، والخاصّ الآخر(لا تكرم زيداً العالم) مخالف له. واضح أنّ الأصل الفوقاني هو في طول أحد الخاصّين، بمعنى أنّ النوبة لا تصل إلى اصالة العموم عند وجود(لا تكرم زيداً العالم)، إنّما تصل النوبة إلى اصالة العموم بعد سقوط هذا الخاص المخصص للعام، وهذا واضح؛ لأنّ العام لا يمكن التمسّك بعمومه إلاّ إذا لم يكن هناك مخصص له، أمّا إذا كان له مخصص فمن الواضح عدم جواز التمسّك بعمومه، فإذن لا تصل النوبة إلى أصالة العموم في العام إلاّ بعد فرض عدم المخصص له، وإثبات عدم المخصص له يكون بالتعارض، يعني يسقط المخصص له(لا تكرم زيداً العالم) بالمعارضة، ولو لم يسقط بالمعارضة لكان مخصصّاً للعام ومانعاً من انعقاد أصالة العموم فيه، لكن(لا تكرم زيداً العالم) وُجد له معارض وهو(أكرم زيداً العالم)، فيتعارضان، ويتكاذبان، ولا مرجّح لأحدهما، فيتساقطان؛ وحينئذٍ تصل النوبة إلى العام؛ لأنّ هذا العام لم يثبت أنّ له مخصص؛ لأنّ ما يصلح أن يكون مخصصاً له قد سقط بالتعارض، فتصل النوبة إلى أصالة العموم مع أنّ أصالة العموم أيضاً واقعة في طول ذلك المخصص؛ لأنّ النوبة لا تصل إلى أصالة العموم في العام إلاّ إذا فرضنا عدم وجود مخصص له، وإلاّ مع وجود المخصص لا تصل النوبة إلى العام.
إذن: أصالة العموم هي في طول أحد الخاصّين المتعارضين كما هو الحال في محل الكلام، الأصل الطولي في محل الكلام هو في طول أحد الأصلين العرضيين المتعارضين، فإذن: ما نحن فيه هو من قبيل أصالة العموم في المثال السابق، فلماذا يُفرّق بينهما ويُلتزم في محل الكلام بعدم الانتهاء إلى الأصل الطولي بعد تساقط الأصلين العرضيين، بينما هناك يُلتزم بالانتهاء والرجوع إلى أصالة العموم في العام بعد تعارض الخاصّين وتساقطهما ؟