35/08/02
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة/ تنبيهات العلم الإجمالي
انتهى الكلام إلى النقض بالأصول الّلفظية: وأنّه ما الفرق بين الأصول العملية والأصول اللّفظية ؟ لماذا يفرّق بينهما ؟ في الأصول العملية التي هي محل الكلام يُبنى على عدم الرجوع إلى الأصل الطولي وأنّ الأصل الطولي في محل الكلام يدخل في المعارضة وتتساقط الأصول جميعاً، بينما في الأصول اللّفظية يبنى على الرجوع إلى الأصل الطولي، في مسألة العموم من الواضح جدّاً أنّه بعد تعارض الخاصّين وتساقطهما يُرجع إلى العام الفوقاني مع أنّه أيضاً هو في طول أحد الخاصّين كما بيّنّا، وبعبارة أخرى: أنّ النوبة لا تصل إليه إلاّ إذا لم يكن له مخصص، يعني إذا تمّ هذا الخاص المخالف لا تصل النوبة إلى العموم، وإنّما تصل النوبة إلى أصالة العموم عندما يسقط الخاص المخالف الذي يقول(لا تكرم زيداً العالم)، إذا سقط هذا بالمعارضة مع الخاص الآخر؛ حينئذٍ تصل النوبة إلى العموم. إذن: العموم أيضاً هو في طول أحد الخاصّين، وفي محل الكلام الأصل الطولي هو أيضاً في طول أحد الأصلين العرضيين المتعارضين بحسب الفرض، فلماذا نفرّق بينهما بذلك.
الجواب عن هذا الاعتراض: أنّ الأصل الطولي في المقام كما تبيّن من خلال أجوبة الوجوه السابقة، ليس في طول سقوط الأصل العرضي في الطرف الآخر ــــــــــــ هذه نقطة مهمّة جدّاً ــــــــــــــ وإنّما هو في طول سقوط الأصل العرضي في نفس الطرف الذي يجري فيه والذي عبّرنا عنه بسقوط الأصل الحاكم، الأصل المحكوم الذي هو الأصل الطولي في هذا الطرف هو في طول سقوط الأصل الحاكم في نفس الطرف؛ لأنّ النوبة لا تصل إلى الأصل المحكوم، إلاّ بعد سقوط الأصل الحاكم، فالطولية الموجودة في محل الكلام ليست بين الأصل الطولي والأصل المخالف له، وإنّما بين الأصل الطولي والأصل الموافق له الجاري في نفس طرفه، وأمّا إذا لاحظنا الأصل الطولي مع الأصل العرضي في الطرف الآخر، فلا طولية بينهما؛ بل هما في مرتبةٍ واحدةٍ وفي عرضٍ واحد؛ ولذا قلنا بأنّ الأصل الطولي يدخل في المعارضة، بمعنى أنّ الأصل العرضي في الطرف الآخر كما يعارض الأصل الحاكم، كذلك يعارض الأصل الطولي المحكوم؛ لأنّ الأصل الطولي المحكوم هو في رتبة الأصل العرضي في الطرف الآخر وليس في طوله؛ ولذا يكون معارضاً له، فيدخل في المعارضة وتتساقط كل الأصول. هذا في محل الكلام.
وأمّا في الأصول اللّفظية، فالأمر بالعكس، بمعنى أنّ الطولية محفوظة بين أصالة العموم في العام وبين الخاص المخالف، أصالة العموم في(أكرم كل عالم) هي في طول سقوط الأصل الخاص المخالف القائل(لا تكرم زيداً العالم) لما قلناه من أنّه لا تصل النوبة إلى أصالة العموم في العام، إلاّ بعد سقوط الأصل المخالف، وإلاّ لو كان الأصل المخالف ثابتاً وليس ساقطاً وكان معتبراً بحسب الفرض؛ فحينئذٍ لا يمكن التمسّك بأصالة العموم؛ لقيام الدليل الخاص على إخراج زيدٍ العالم من العموم، فكيف يمكن التمسّك بأصالة العموم في العام، إذن: لا تصل النوبة إلى أصالة العموم في العام إلاّ بعد سقوط الخاص المخالف، وهذا هو معنى الطولية بينهما، إذن: هما ليسا في عرضٍ واحد وفي مرتبةٍ واحدة؛ بل أصالة العموم هي في طول سقوط الخاص المخالف، وهذه الطولية المفهومة عرفاً والتي يبني عليها العرف؛ لأنّ العرف يبني على تعارض الخاصّين، يعني بمقتضى الفهم العرفي تعارض الخاصّين وتساقطهما والرجوع إلى أصالة العموم، وهذا لا يكون إلاّ باعتبار الطولية، هذه الطولية وتعددّ المرتبة في هذين الأصلين اللّفظيين في أصالة العموم في العام وأصالة الظهور في الخاص المخالف، هذه الطولية هي التي تمنع من دخول أصالة العموم طرفاً في المعارضة، ويصحّ حينئذٍ أن يقال أنّه في الرتبة السابقة يتعارض الأصلان الخاصّان ويتساقطان، فتصل النوبة إلى أصالة العموم في العام. تمام النكتة في الجواب هي أنّ الطولية في محل الكلام غير موجودة، بينما الطولية في الأصول اللّفظية موجودة ومفهومة عرفاً ولا يُشك فيها كذلك، هذه الطولية في الأصول اللّفظية بين أصالة العموم والخاص المخالف تمنع من ادخال أصالة العموم طرفاً في المعارضة، فتصل النوبة إليها بعد تساقط الخاص المخالف بالمعارضة، بينما هذه الطولية ليست موجودة في محل الكلام؛ لما قلناه مراراً من أنّ الأصل الطولي ليس في طول سقوط الأصل العرضي في الطرف الآخر، وإن كان هو في طول سقوط الأصل الحاكم، ومن هنا لا طولية بينه وبين الأصل العرضي في الطرف الآخر، فلا مانع من أن يكون الأصل العرضي في الطرف الآخر معارضاً له كما هو معارض للأصل الحاكم، وهذا معنى أنّ الأصول الثلاثة تتعارض وتتساقط جميعاً؛ فحينئذٍ لا تصل النوبة إلى الأصل الطولي في محل الكلام.
هذا الذي تقدّم كلّه كان مبنياً على افتراض عدم اختصاص الحكومة والطولية بالأصول المتخالفة؛ بل كما هي موجودة في الأصول المتخالفة هي موجودة في الأصول المتوافقة، فاستصحاب الطهارة وإن كان موافقاً مع أصالة الطهارة هو أيضاً حاكم عليها، وهي في طوله، هنا تكون حكومة وتكون هناك طولية، بالرغم من توافقهما، أنّ الحكومة لا تختص بالأصول المتخالفة؛ بل تشمل حتّى الأصول المتوافقة. الكلام كلّه كان مبنياً على هذا.
وأمّا إذا قلنا أنّ الطولية والحكومة تختصّ بخصوص الأصول المتخالفة أمّا الأصول المتوافقة، فلا طولية بينها، وإنّما هي تجري في عرضٍ واحدٍ؛ حينئذٍ في محل الكلام لا معنى لكل هذا الكلام المتقدّم؛ لأنّ الأصول الثلاثة التي هي أصول ترخيصية بحسب الفرض، أصلان ترخيصيان عرضيان في الطرفين ويختص أحد الطرفين بأصلٍ ترخيصي آخر، فإذا قلنا أنّ هذا الأصل الترخيصي الآخر الموافق للأصلين العرضيين؛ لأنّ كلاً منهما ترخيصي، هذه الأصول الترخيصية لا حكومة فيما بينها، وإنّما هي تجري في عرضٍ واحد، فإذا كانت تجري في عرضٍ واحد؛ فحينئذٍ لا داعي لكل الكلام المتقدّم؛ لأنّها تجري في عرضٍ واحد وتتعارض في عرضٍ واحد، وتتساقط جميعاً، فلا مجال للقول بأنّ النوبة تصل إلى الأصل الذي نسمّيه بالطولي، الكلام كلّه كان مبنياً على افتراض الطولية، أنّ هذا الأصل في طول هذا الأصل. هذا بناءً على ثبوت الطولية بين الأصول مطلقاً، متوافقة ومتخالفة يكون كلاماً معقولاً؛ لأنّ هذه الأصول متوافقة ويوجد فيما بينها طولية، فيجري الكلام السابق؛ لأنّ هذا في طول ذاك وإن كان موافقاً له. أمّا إذا أنكرنا ذلك وقلنا أنّ الحكومة تثبت فقط بين الأصول المتخالفة، أمّا المتوافقة فلا حكومة ولا طولية فيما بينها؛ فحينئذٍ المسألة محلولة؛ لأنّها كلّها تكون في عرضٍ واحد وفي مرتبةٍ واحدة؛ حينئذٍ تدخل جميعاً في التعارض وتتساقط جميعاً، وهذا أيضاً أمر واضح وقد نبهنا عليه سابقاً.
يبقى الكلام في ذيل هذا التنبيه في ما نقلناه عن المحقق النائيني(قدّس سرّه) في أول البحث عن هذا التنبيه، حيث نقلنا عنه(قدّس سرّه) أنّه منع من الثمرة، ويقول لا ثمرة بين القول بالعلّية وبين القول بالاقتضاء، الآن نريد أن نرجع إلى إنكاره للثمرة، اصل الثمرة بين القول بالعلّية وبين القول بالاقتضاء تظهر في جريان الأصل النافي الترخيصي في أحد الطرفين إذا لم يكن له معارض في الطرف الآخر على القول بالاقتضاء وعدم جريانه على القول بالعلّية، هذه هي الثمرة، أنّه إذا كان في أحد الطرفين أصل مؤمّن نافٍ دون الطرف الآخر، الطرف الآخر ليس فيه هذا الأصل الترخيصي النافي لأي سببٍ من الأسباب؛ حينئذٍ تظهر الثمرة في هذا المورد، على القول بالاقتضاء لا مانع من الرجوع إلى هذا الأصل النافي في هذا الطرف؛ لأنّ المانع من جريانه هو المعارضة، فإذا لم يكن له معارض فيجري، بينما على القول بالعلّية لا يجري هذا الأصل النافي في هذا الطرف وإن لم يكن له معارض في الطرف الآخر.
تقدّم سابقاً أننا نقلنا كلاماً للمحقق النائيني(قدّس سرّه) يظهر منه إنكار هذه الثمرة، وفسّرنا كلامه على ضوء ما يُفهم من عبارته التي نقلناها عنه سابقاً بهذا التفسير: قلنا الظاهر أنّ مقصوده هو أنّه يستبعد افتراض مورد تظهر فيه الثمرة؛ بل في عبارةٍ له أنّه من غير الممكن تصوّره؛ لأنّ الثمرة إنّما تظهر عندما نفترض اختصاص أحد الطرفين بالأصل المؤمّن النافي، وإلاّ إذا لم يكن يختص، فمن الواضح أنّ الأصل لا يجري في هذا الطرف، سواء قلنا بالعلّية أو قلنا بالاقتضاء، إذا قلنا بالعلّية فعدم جريان الأصل في هذا الطرف واضح، وإذا قلنا بالاقتضاء أيضاً لا يجري الأصل في هذا الطرف للمعارضة، إذن: لابدّ أن نفترض عدم وجود المعارض ولابدّ أن نفترض اختصاص أحد الطرفين بالأصل المؤمّن الترخيصي. والأمر الثاني هو أننّا لابدّ أن نفترض عدم وجود أصل مثبت للتكليف في الطرف الآخر؛ لأنّه إذا كان هناك أصل مثبت للتكليف في الطرف الآخر، هذا الأصل يوجب سقوط العلم الإجمالي عن المنجّزية، يوجب انحلال العلم الإجمالي بناءً على أنّ العلم الإجمالي ينحل بالأصل المثبت في أحد الطرفين، أنّ التكليف إذا تنجّز في أحد الطرفين بأصلٍ شرعي أو عقلي على ما تقدّم، هذا يوجب انحلال العلم الإجمالي، فإذا انحل العلم الإجمالي؛ فحينئذٍ يجوز الرجوع إلى الأصل المؤمّن في هذا الطرف على كلا القولين؛ لأنّ العلم الإجمالي انحل وسقط عن المنجّزية، إذا قلنا بالاقتضاء، فمن الواضح جواز الرجوع إلى الأصل المؤمّن في هذا الطرف، وعلى القول بالعلّية أيضاً يجوز الرجوع؛ لأنّ من يقول بالعلّية يقول أنّ العلم الإجمالي المنجّز هو الذي يمنع من الرجوع إلى الأصل المؤمّن في أحد الطرفين ولو لم يكن له معارض، الذي يوجب عدم جواز الرجوع إليه هو منجّزية العلم الإجمالي، فإذا فرضنا أنّ في الطرف الآخر أصل مثبت للتكليف، وهذا الأصل المثبت للتكليف يوجب انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن المنجّزية، إذن: حتّى على القول بالعلّية لا مانع من الرجوع إلى الأصل المؤمّن في هذا الطرف، فلا تظهر الثمرة. المحقق النائيني(قدّس سرّه) كأنّه يريد أن يقول أنّ الثمرة إنّما تظهر بهذين الشرطين:
الشرط الأوّل: أن يختص أحد الطرفين بالأصل المؤمّن.
الشرط الثاني: أن لا يكون في الطرف الآخر أصل مثبت للتكليف؛ حينئذٍ يمكن تصوّر ظهور الثمرة، ويقول بأنّ هذا فرض بعيد؛ بل لا واقع له، أن نفترض أنّ الأصل المؤمّن يجري في أحد الطرفين دون الآخر من دون افتراض أنّه في الطرف الآخر يوجد أصل مثبت للتكليف، يقول هذا فرض غير واقع؛ لأنّ الأصل المؤمّن إذا جرى في هذا الطرف، فهو يجري في الطرف الآخر، وإنّما يمنع من جريانه في الطرف الآخر وجود الأصل المثبت للتكليف، هذا هو الذي يمنع من جريان الأصل المؤمّن في الطرف الآخر، الأصل المثبت للتكليف في الطرف الآخر يمنع من إجراء هذه الأصول المؤمّنة، وإلاّ الأصول المؤمّنة بحسب إطلاقها تشمل كلا الطرفين. نعم، إذا جرى الأصل المثبت في أحد الطرفين كاستصحاب التكليف وأمثاله واصالة الاشتغال؛ حينئذٍ لا يجري الأصل المؤمّن في الطرف الآخر. إذن: يدور الأمر بين شيئين: إمّا أن نفترض أنّ الأصل المؤمّن يجري في كلا الطرفين إذا لم يجرِ في الطرف الآخر أصل مثبت، يقول: لابدّ من افتراض أنّ الأصل المؤمّن يجري في الطرفين، وإذا جرى الأصل المؤمّن في الطرفين، فالأصل المؤمّن في هذا الطرف لا يجري على كلا القولين، فلا تظهر الثمرة. وإمّا أن نفترض أنّ الأصل المثبت للتكليف موجود في هذا الطرف، في هذه الحالة أيضاً يجوز إجراء الأصل المؤمّن في هذا الطرف على كلا القولين. إذن: في أحدى الحالتين لا يجوز إجراء الأصل المؤمّن في هذا الطرف على كلا القولين حتّى على القول بالاقتضاء؛ وذلك لوجود المعارض، هذا إذا كان له معارض، يعني أصل مؤمّن يجري في الطرف الآخر، فلا تظهر الثمرة، لا يجوز إجراءه هنا مطلقاً حتّى على القول بالاقتضاء، إذا لم يكن هناك أصل مؤمّن في الطرف الآخر، فلابدّ أن يكون أصل مثبت في الطرف الآخر، وإذا وُجد الأصل المثبت في الطرف الآخر أيضاً لا تظهر الثمرة؛ لأنّه يجوز إجراء الأصل المؤمّن في هذا الطرف حتّى على القول بالعلّية؛ لأنّ الأصل المثبت للتكليف في أحد الطرفين يوجب انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن المنجّزية، ومع سقوط العلم الإجمالي عن المنجّزية حتّى القائل بالعلّية يقول يجوز إجراء الأصل المؤمّن في أحد الطرفين.
إذن: يقول(قدّس سرّه): ليس هناك مورد تظهر فيه الثمرة؛ لأنّ أيّ موردٍ نفرضه، إمّا أن يجري الأصل المؤمّن في كلا طرفيه، فلا يجري الأصل المؤمّن في هذا الطرف مطلقاً على القول بالعلّية والاقتضاء، فلا تظهر الثمرة، وإمّا أن يوجد في أحد طرفيه أصل مثبت للتكليف، وهنا أيضاً لا تظهر الثمرة لجواز إجراء الأصل المؤمّن في هذا الطرف على القول بالعلّية وعلى القول بالاقتضاء. هذا ما يُفهم من كلام المحقق النائيني(قدّس سرّه).
ويلاحظ على هذا الكلام الذي يمكن أن يُفسّر به كلام المحقق النائيني(قدّس سرّه):
أولاً: أصل المبنى، وهو مسألة أنّ وجود الأصل المثبت في أحد طرفي العلم الإجمالي يوجب انحلاله وسقوطه عن التنجيز؛ لأنّه إذا لم نلتزم بذلك تظهر الثمرة حتّى إذا كان هناك أصل مثبت للتكليف في الطرف الآخر، تظهر الثمرة في هذا الطرف الذي فيه أصل مؤمّن، على القول بالاقتضاء يجوز إجراء الأصل المؤمّن، بينما على القول بالعلّية لا يجوز إجراء الأصل المؤمّن، فالثمرة أنّما لا تظهر على ما يقول فيما إذا قلنا أنّ الأصل المثبت للتكليف في أحد الطرفين يوجب انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن التنجيز، وأمّا إذا قلنا أنّه لا يوجب ذلك، يبقى العلم الإجمالي على منجّزيته، هنا يكون فرق بين الاقتضاء والعلّية، بناءً على العلّية لا يجري الأصل المؤمّن في هذا الطرف؛ لأنّ العلم الإجمالي منجّز، بينما القائل بالاقتضاء يقول العلم الإجمالي لا يمنع من إجراء الأصل المؤمّن في أحد الطرفين، فإذن تظهر الثمرة بينهما إذا أنكرنا هذا المبنى. هذا الجواب مبنائي.
ثانياً: تبيّن من بعض الأبحاث السابقة أنّه يمكن فرض ظهور الثمرة في بعض الموارد حتّى إذا سلّمنا هذا المبنى المتقدّم، يعني حتّى إذا قلنا بأنّ وجود الأصل المثبت للتكليف في أحد الطرفين يوجب انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن المنجّزية يمكن أن نفترض ظهور الثمرة في بعض الموارد:
المورد الأوّل: المقام الأوّل الذي تقدّم بحثه تعليقاً على كلام السيد الخوئي(قدّس سرّه)، هناك ذُكر هذا المورد، وهو أنّه إذا كان هناك أصلان ترخيصيان عرضيان في الطرفين وكانا من سنخٍ واحدٍ، وكان هناك أصل آخر من غير سنخهما يختص بأحد الطرفين، أصالة الطهارة في هذا الطرف وأصالة الطهارة في الطرف الآخر، وكان أحد الطرفين يختصّ بأصلٍ آخرٍ ليس من سنخهما كأصالة الإباحة، في هذا المورد تقدّم سابقاً بأنّه هنا يمكن الالتزام بسقوط الأصلين العرضيين المتسانخين ووصول النوبة إلى الأصل الآخر الغير المسانخ لهما، وهناك ذكرنا بأنّه لا يُفرّق بين أن يكون هذا الأصل الآخر الغير المسانخ طولياً وبين أن يكون في عرضهما؛ لأنّ النكتة التي اعتمدت سابقاً لجواز الرجوع إلى الأصل الآخر بعد تساقط الأصلين العرضيين المتسانخين هي نكتة الإجمال في الدليل، يعني عندما يشترك الأصلان العرضيان المتسانخان في دليلٍ واحدٍ؛ حينئذٍ يكون دليلهما مجملاً، وهذا الإجمال يمنع من التمسّك بالدليل لإثبات مفاده في هذا الطرف، ويمنع من التمسّك بالدليل لإثبات مفاده في الطرف الآخر، وإثبات مفاده في كلا الطرفين غير ممكن بحسب الفرض، فيُصاب الدليل بالإجمال وهذا يمنع من إثبات مفاده في كلا الطرفين وبالتالي يوجب سقوط الأصلين العرضيين المتسانخين، فإذا سقطا؛ حينئذٍ تصل النوبة إلى الأصل الآخر؛ لأنّه ينفرد بدليلٍ يخصّه ولا يسري الإجمال من دليل الأصلين المتسانخين إلى دليل الأصل الآخر، والمفروض أنّه ليس له معارض من سنخه في الطرف الآخر بحسب الفرض؛ لأنّ الأصل الآخر يختص بأحد الطرفين، وليس له معارض من سنخه في الطرف الآخر، فلا يعرض الإجمال على دليله؛ وحينئذٍ يمكن التمسّك به لإثبات مفاده في هذا الطرف، لا مانع من الرجوع إلى الأصل الآخر، وقلنا بأنّ الطولية ليست نكتة في المقام، سواء كان طولياً، أو كان في عرضهما، النكتة هي أن يختصّ أحد الأصول الثلاثة بدليلٍ يخصّه، فلا يسري إليه الإجمال المانع من التمسّك به لإثبات مفاده في هذا المورد. هذا الذي تقدّم سابقاً.
هذا المورد المتقدّم سابقاً يمكن جعله مورداً تظهر فيه الثمرة بين القولين حتّى إذا قلنا بأنّ وجود الأصل المثبت في أحد الطرفين يوجب انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن المنجّزية، حتّى إذا قلنا بذلك تظهر فيه الثمرة؛ لأنّه في هذا المورد لا يوجد أصل مثبت في الطرف الآخر، وإنّما الأصل الموجود في الطرف الآخر في هذا المورد هو أصل ترخيصي مسانخ للأصل الترخيصي الموجود في الطرف الأوّل، فإذن، لا يوجد فيه أصل مثبت ويختص بأصلٍ ترخيصي خاصٍ به وهو ــــــــــ فرضاً ــــــــــ أصالة الحلّية، وأصالة الحلّية هذه ليس لها معارض في الطرف الآخر؛ حينئذٍ نقول أنّ هذا الأصل الترخيصي الذي ليس له معارض في الطرف الآخر والذي يختلف سنخاً عن الأصلين العرضيين على القول بالاقتضاء يمكن إجراءه، لكن على القول بالعلّية لا يمكن إجراءه، فتظهر الثمرة في هذا المورد، يعني هنا استطعنا أن نصوّر أنّ أحد الطرفين يختص بأصلٍ ترخيصيٍ خاصٍ به على خلاف ما قاله هو(قدّس سرّه) من أنّ الأصل الترخيصي لا يختص بأحد الطرفين، إذا كان موجوداً في هذا الطرف، فلابدّ أن يكون موجوداً في الطرف الآخر، وإنّما الذي يمنع من وجوده في الطرف الآخر هو كون الطرف الآخر مورداً لأصلٍ مثبتٍ للتكليف، نحن نقول أننا استطعنا أن نصوّر اختصاص الأصل الترخيصي في أحد الطرفين من دون أن يكون في الطرف الآخر أصل مثبت للتكليف كما في محل الكلام؛ لأننا قلنا بأنّ الأصلين العرضيين المتسانخين يتساقطان على اساس نكتة الإجمال، فتصل النوبة إلى الأصل الآخر الغير المسانخ لهما؛ لأنّ هذا غير مبتلى بالإجمال، فهذا أصل ترخيصي يجري في أحد الطرفين وليس له معارض في الطرف الآخر كما أنّ الطرف الآخر ليس فيه أصل مثبت للتكليف فتظهر فيه الثمرة، فعلى القول بالعلّية لا يجري، بينما على القول بالاقتضاء يجري. هذا المورد الأوّل الذي يمكن تصوّر ظهور الثمرة فيه من دون أن نقع في المحذور الذي ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه)، المورد الثاني يأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى.
انتهى الكلام إلى النقض بالأصول الّلفظية: وأنّه ما الفرق بين الأصول العملية والأصول اللّفظية ؟ لماذا يفرّق بينهما ؟ في الأصول العملية التي هي محل الكلام يُبنى على عدم الرجوع إلى الأصل الطولي وأنّ الأصل الطولي في محل الكلام يدخل في المعارضة وتتساقط الأصول جميعاً، بينما في الأصول اللّفظية يبنى على الرجوع إلى الأصل الطولي، في مسألة العموم من الواضح جدّاً أنّه بعد تعارض الخاصّين وتساقطهما يُرجع إلى العام الفوقاني مع أنّه أيضاً هو في طول أحد الخاصّين كما بيّنّا، وبعبارة أخرى: أنّ النوبة لا تصل إليه إلاّ إذا لم يكن له مخصص، يعني إذا تمّ هذا الخاص المخالف لا تصل النوبة إلى العموم، وإنّما تصل النوبة إلى أصالة العموم عندما يسقط الخاص المخالف الذي يقول(لا تكرم زيداً العالم)، إذا سقط هذا بالمعارضة مع الخاص الآخر؛ حينئذٍ تصل النوبة إلى العموم. إذن: العموم أيضاً هو في طول أحد الخاصّين، وفي محل الكلام الأصل الطولي هو أيضاً في طول أحد الأصلين العرضيين المتعارضين بحسب الفرض، فلماذا نفرّق بينهما بذلك.
الجواب عن هذا الاعتراض: أنّ الأصل الطولي في المقام كما تبيّن من خلال أجوبة الوجوه السابقة، ليس في طول سقوط الأصل العرضي في الطرف الآخر ــــــــــــ هذه نقطة مهمّة جدّاً ــــــــــــــ وإنّما هو في طول سقوط الأصل العرضي في نفس الطرف الذي يجري فيه والذي عبّرنا عنه بسقوط الأصل الحاكم، الأصل المحكوم الذي هو الأصل الطولي في هذا الطرف هو في طول سقوط الأصل الحاكم في نفس الطرف؛ لأنّ النوبة لا تصل إلى الأصل المحكوم، إلاّ بعد سقوط الأصل الحاكم، فالطولية الموجودة في محل الكلام ليست بين الأصل الطولي والأصل المخالف له، وإنّما بين الأصل الطولي والأصل الموافق له الجاري في نفس طرفه، وأمّا إذا لاحظنا الأصل الطولي مع الأصل العرضي في الطرف الآخر، فلا طولية بينهما؛ بل هما في مرتبةٍ واحدةٍ وفي عرضٍ واحد؛ ولذا قلنا بأنّ الأصل الطولي يدخل في المعارضة، بمعنى أنّ الأصل العرضي في الطرف الآخر كما يعارض الأصل الحاكم، كذلك يعارض الأصل الطولي المحكوم؛ لأنّ الأصل الطولي المحكوم هو في رتبة الأصل العرضي في الطرف الآخر وليس في طوله؛ ولذا يكون معارضاً له، فيدخل في المعارضة وتتساقط كل الأصول. هذا في محل الكلام.
وأمّا في الأصول اللّفظية، فالأمر بالعكس، بمعنى أنّ الطولية محفوظة بين أصالة العموم في العام وبين الخاص المخالف، أصالة العموم في(أكرم كل عالم) هي في طول سقوط الأصل الخاص المخالف القائل(لا تكرم زيداً العالم) لما قلناه من أنّه لا تصل النوبة إلى أصالة العموم في العام، إلاّ بعد سقوط الأصل المخالف، وإلاّ لو كان الأصل المخالف ثابتاً وليس ساقطاً وكان معتبراً بحسب الفرض؛ فحينئذٍ لا يمكن التمسّك بأصالة العموم؛ لقيام الدليل الخاص على إخراج زيدٍ العالم من العموم، فكيف يمكن التمسّك بأصالة العموم في العام، إذن: لا تصل النوبة إلى أصالة العموم في العام إلاّ بعد سقوط الخاص المخالف، وهذا هو معنى الطولية بينهما، إذن: هما ليسا في عرضٍ واحد وفي مرتبةٍ واحدة؛ بل أصالة العموم هي في طول سقوط الخاص المخالف، وهذه الطولية المفهومة عرفاً والتي يبني عليها العرف؛ لأنّ العرف يبني على تعارض الخاصّين، يعني بمقتضى الفهم العرفي تعارض الخاصّين وتساقطهما والرجوع إلى أصالة العموم، وهذا لا يكون إلاّ باعتبار الطولية، هذه الطولية وتعددّ المرتبة في هذين الأصلين اللّفظيين في أصالة العموم في العام وأصالة الظهور في الخاص المخالف، هذه الطولية هي التي تمنع من دخول أصالة العموم طرفاً في المعارضة، ويصحّ حينئذٍ أن يقال أنّه في الرتبة السابقة يتعارض الأصلان الخاصّان ويتساقطان، فتصل النوبة إلى أصالة العموم في العام. تمام النكتة في الجواب هي أنّ الطولية في محل الكلام غير موجودة، بينما الطولية في الأصول اللّفظية موجودة ومفهومة عرفاً ولا يُشك فيها كذلك، هذه الطولية في الأصول اللّفظية بين أصالة العموم والخاص المخالف تمنع من ادخال أصالة العموم طرفاً في المعارضة، فتصل النوبة إليها بعد تساقط الخاص المخالف بالمعارضة، بينما هذه الطولية ليست موجودة في محل الكلام؛ لما قلناه مراراً من أنّ الأصل الطولي ليس في طول سقوط الأصل العرضي في الطرف الآخر، وإن كان هو في طول سقوط الأصل الحاكم، ومن هنا لا طولية بينه وبين الأصل العرضي في الطرف الآخر، فلا مانع من أن يكون الأصل العرضي في الطرف الآخر معارضاً له كما هو معارض للأصل الحاكم، وهذا معنى أنّ الأصول الثلاثة تتعارض وتتساقط جميعاً؛ فحينئذٍ لا تصل النوبة إلى الأصل الطولي في محل الكلام.
هذا الذي تقدّم كلّه كان مبنياً على افتراض عدم اختصاص الحكومة والطولية بالأصول المتخالفة؛ بل كما هي موجودة في الأصول المتخالفة هي موجودة في الأصول المتوافقة، فاستصحاب الطهارة وإن كان موافقاً مع أصالة الطهارة هو أيضاً حاكم عليها، وهي في طوله، هنا تكون حكومة وتكون هناك طولية، بالرغم من توافقهما، أنّ الحكومة لا تختص بالأصول المتخالفة؛ بل تشمل حتّى الأصول المتوافقة. الكلام كلّه كان مبنياً على هذا.
وأمّا إذا قلنا أنّ الطولية والحكومة تختصّ بخصوص الأصول المتخالفة أمّا الأصول المتوافقة، فلا طولية بينها، وإنّما هي تجري في عرضٍ واحدٍ؛ حينئذٍ في محل الكلام لا معنى لكل هذا الكلام المتقدّم؛ لأنّ الأصول الثلاثة التي هي أصول ترخيصية بحسب الفرض، أصلان ترخيصيان عرضيان في الطرفين ويختص أحد الطرفين بأصلٍ ترخيصي آخر، فإذا قلنا أنّ هذا الأصل الترخيصي الآخر الموافق للأصلين العرضيين؛ لأنّ كلاً منهما ترخيصي، هذه الأصول الترخيصية لا حكومة فيما بينها، وإنّما هي تجري في عرضٍ واحد، فإذا كانت تجري في عرضٍ واحد؛ فحينئذٍ لا داعي لكل الكلام المتقدّم؛ لأنّها تجري في عرضٍ واحد وتتعارض في عرضٍ واحد، وتتساقط جميعاً، فلا مجال للقول بأنّ النوبة تصل إلى الأصل الذي نسمّيه بالطولي، الكلام كلّه كان مبنياً على افتراض الطولية، أنّ هذا الأصل في طول هذا الأصل. هذا بناءً على ثبوت الطولية بين الأصول مطلقاً، متوافقة ومتخالفة يكون كلاماً معقولاً؛ لأنّ هذه الأصول متوافقة ويوجد فيما بينها طولية، فيجري الكلام السابق؛ لأنّ هذا في طول ذاك وإن كان موافقاً له. أمّا إذا أنكرنا ذلك وقلنا أنّ الحكومة تثبت فقط بين الأصول المتخالفة، أمّا المتوافقة فلا حكومة ولا طولية فيما بينها؛ فحينئذٍ المسألة محلولة؛ لأنّها كلّها تكون في عرضٍ واحد وفي مرتبةٍ واحدة؛ حينئذٍ تدخل جميعاً في التعارض وتتساقط جميعاً، وهذا أيضاً أمر واضح وقد نبهنا عليه سابقاً.
يبقى الكلام في ذيل هذا التنبيه في ما نقلناه عن المحقق النائيني(قدّس سرّه) في أول البحث عن هذا التنبيه، حيث نقلنا عنه(قدّس سرّه) أنّه منع من الثمرة، ويقول لا ثمرة بين القول بالعلّية وبين القول بالاقتضاء، الآن نريد أن نرجع إلى إنكاره للثمرة، اصل الثمرة بين القول بالعلّية وبين القول بالاقتضاء تظهر في جريان الأصل النافي الترخيصي في أحد الطرفين إذا لم يكن له معارض في الطرف الآخر على القول بالاقتضاء وعدم جريانه على القول بالعلّية، هذه هي الثمرة، أنّه إذا كان في أحد الطرفين أصل مؤمّن نافٍ دون الطرف الآخر، الطرف الآخر ليس فيه هذا الأصل الترخيصي النافي لأي سببٍ من الأسباب؛ حينئذٍ تظهر الثمرة في هذا المورد، على القول بالاقتضاء لا مانع من الرجوع إلى هذا الأصل النافي في هذا الطرف؛ لأنّ المانع من جريانه هو المعارضة، فإذا لم يكن له معارض فيجري، بينما على القول بالعلّية لا يجري هذا الأصل النافي في هذا الطرف وإن لم يكن له معارض في الطرف الآخر.
تقدّم سابقاً أننا نقلنا كلاماً للمحقق النائيني(قدّس سرّه) يظهر منه إنكار هذه الثمرة، وفسّرنا كلامه على ضوء ما يُفهم من عبارته التي نقلناها عنه سابقاً بهذا التفسير: قلنا الظاهر أنّ مقصوده هو أنّه يستبعد افتراض مورد تظهر فيه الثمرة؛ بل في عبارةٍ له أنّه من غير الممكن تصوّره؛ لأنّ الثمرة إنّما تظهر عندما نفترض اختصاص أحد الطرفين بالأصل المؤمّن النافي، وإلاّ إذا لم يكن يختص، فمن الواضح أنّ الأصل لا يجري في هذا الطرف، سواء قلنا بالعلّية أو قلنا بالاقتضاء، إذا قلنا بالعلّية فعدم جريان الأصل في هذا الطرف واضح، وإذا قلنا بالاقتضاء أيضاً لا يجري الأصل في هذا الطرف للمعارضة، إذن: لابدّ أن نفترض عدم وجود المعارض ولابدّ أن نفترض اختصاص أحد الطرفين بالأصل المؤمّن الترخيصي. والأمر الثاني هو أننّا لابدّ أن نفترض عدم وجود أصل مثبت للتكليف في الطرف الآخر؛ لأنّه إذا كان هناك أصل مثبت للتكليف في الطرف الآخر، هذا الأصل يوجب سقوط العلم الإجمالي عن المنجّزية، يوجب انحلال العلم الإجمالي بناءً على أنّ العلم الإجمالي ينحل بالأصل المثبت في أحد الطرفين، أنّ التكليف إذا تنجّز في أحد الطرفين بأصلٍ شرعي أو عقلي على ما تقدّم، هذا يوجب انحلال العلم الإجمالي، فإذا انحل العلم الإجمالي؛ فحينئذٍ يجوز الرجوع إلى الأصل المؤمّن في هذا الطرف على كلا القولين؛ لأنّ العلم الإجمالي انحل وسقط عن المنجّزية، إذا قلنا بالاقتضاء، فمن الواضح جواز الرجوع إلى الأصل المؤمّن في هذا الطرف، وعلى القول بالعلّية أيضاً يجوز الرجوع؛ لأنّ من يقول بالعلّية يقول أنّ العلم الإجمالي المنجّز هو الذي يمنع من الرجوع إلى الأصل المؤمّن في أحد الطرفين ولو لم يكن له معارض، الذي يوجب عدم جواز الرجوع إليه هو منجّزية العلم الإجمالي، فإذا فرضنا أنّ في الطرف الآخر أصل مثبت للتكليف، وهذا الأصل المثبت للتكليف يوجب انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن المنجّزية، إذن: حتّى على القول بالعلّية لا مانع من الرجوع إلى الأصل المؤمّن في هذا الطرف، فلا تظهر الثمرة. المحقق النائيني(قدّس سرّه) كأنّه يريد أن يقول أنّ الثمرة إنّما تظهر بهذين الشرطين:
الشرط الأوّل: أن يختص أحد الطرفين بالأصل المؤمّن.
الشرط الثاني: أن لا يكون في الطرف الآخر أصل مثبت للتكليف؛ حينئذٍ يمكن تصوّر ظهور الثمرة، ويقول بأنّ هذا فرض بعيد؛ بل لا واقع له، أن نفترض أنّ الأصل المؤمّن يجري في أحد الطرفين دون الآخر من دون افتراض أنّه في الطرف الآخر يوجد أصل مثبت للتكليف، يقول هذا فرض غير واقع؛ لأنّ الأصل المؤمّن إذا جرى في هذا الطرف، فهو يجري في الطرف الآخر، وإنّما يمنع من جريانه في الطرف الآخر وجود الأصل المثبت للتكليف، هذا هو الذي يمنع من جريان الأصل المؤمّن في الطرف الآخر، الأصل المثبت للتكليف في الطرف الآخر يمنع من إجراء هذه الأصول المؤمّنة، وإلاّ الأصول المؤمّنة بحسب إطلاقها تشمل كلا الطرفين. نعم، إذا جرى الأصل المثبت في أحد الطرفين كاستصحاب التكليف وأمثاله واصالة الاشتغال؛ حينئذٍ لا يجري الأصل المؤمّن في الطرف الآخر. إذن: يدور الأمر بين شيئين: إمّا أن نفترض أنّ الأصل المؤمّن يجري في كلا الطرفين إذا لم يجرِ في الطرف الآخر أصل مثبت، يقول: لابدّ من افتراض أنّ الأصل المؤمّن يجري في الطرفين، وإذا جرى الأصل المؤمّن في الطرفين، فالأصل المؤمّن في هذا الطرف لا يجري على كلا القولين، فلا تظهر الثمرة. وإمّا أن نفترض أنّ الأصل المثبت للتكليف موجود في هذا الطرف، في هذه الحالة أيضاً يجوز إجراء الأصل المؤمّن في هذا الطرف على كلا القولين. إذن: في أحدى الحالتين لا يجوز إجراء الأصل المؤمّن في هذا الطرف على كلا القولين حتّى على القول بالاقتضاء؛ وذلك لوجود المعارض، هذا إذا كان له معارض، يعني أصل مؤمّن يجري في الطرف الآخر، فلا تظهر الثمرة، لا يجوز إجراءه هنا مطلقاً حتّى على القول بالاقتضاء، إذا لم يكن هناك أصل مؤمّن في الطرف الآخر، فلابدّ أن يكون أصل مثبت في الطرف الآخر، وإذا وُجد الأصل المثبت في الطرف الآخر أيضاً لا تظهر الثمرة؛ لأنّه يجوز إجراء الأصل المؤمّن في هذا الطرف حتّى على القول بالعلّية؛ لأنّ الأصل المثبت للتكليف في أحد الطرفين يوجب انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن المنجّزية، ومع سقوط العلم الإجمالي عن المنجّزية حتّى القائل بالعلّية يقول يجوز إجراء الأصل المؤمّن في أحد الطرفين.
إذن: يقول(قدّس سرّه): ليس هناك مورد تظهر فيه الثمرة؛ لأنّ أيّ موردٍ نفرضه، إمّا أن يجري الأصل المؤمّن في كلا طرفيه، فلا يجري الأصل المؤمّن في هذا الطرف مطلقاً على القول بالعلّية والاقتضاء، فلا تظهر الثمرة، وإمّا أن يوجد في أحد طرفيه أصل مثبت للتكليف، وهنا أيضاً لا تظهر الثمرة لجواز إجراء الأصل المؤمّن في هذا الطرف على القول بالعلّية وعلى القول بالاقتضاء. هذا ما يُفهم من كلام المحقق النائيني(قدّس سرّه).
ويلاحظ على هذا الكلام الذي يمكن أن يُفسّر به كلام المحقق النائيني(قدّس سرّه):
أولاً: أصل المبنى، وهو مسألة أنّ وجود الأصل المثبت في أحد طرفي العلم الإجمالي يوجب انحلاله وسقوطه عن التنجيز؛ لأنّه إذا لم نلتزم بذلك تظهر الثمرة حتّى إذا كان هناك أصل مثبت للتكليف في الطرف الآخر، تظهر الثمرة في هذا الطرف الذي فيه أصل مؤمّن، على القول بالاقتضاء يجوز إجراء الأصل المؤمّن، بينما على القول بالعلّية لا يجوز إجراء الأصل المؤمّن، فالثمرة أنّما لا تظهر على ما يقول فيما إذا قلنا أنّ الأصل المثبت للتكليف في أحد الطرفين يوجب انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن التنجيز، وأمّا إذا قلنا أنّه لا يوجب ذلك، يبقى العلم الإجمالي على منجّزيته، هنا يكون فرق بين الاقتضاء والعلّية، بناءً على العلّية لا يجري الأصل المؤمّن في هذا الطرف؛ لأنّ العلم الإجمالي منجّز، بينما القائل بالاقتضاء يقول العلم الإجمالي لا يمنع من إجراء الأصل المؤمّن في أحد الطرفين، فإذن تظهر الثمرة بينهما إذا أنكرنا هذا المبنى. هذا الجواب مبنائي.
ثانياً: تبيّن من بعض الأبحاث السابقة أنّه يمكن فرض ظهور الثمرة في بعض الموارد حتّى إذا سلّمنا هذا المبنى المتقدّم، يعني حتّى إذا قلنا بأنّ وجود الأصل المثبت للتكليف في أحد الطرفين يوجب انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن المنجّزية يمكن أن نفترض ظهور الثمرة في بعض الموارد:
المورد الأوّل: المقام الأوّل الذي تقدّم بحثه تعليقاً على كلام السيد الخوئي(قدّس سرّه)، هناك ذُكر هذا المورد، وهو أنّه إذا كان هناك أصلان ترخيصيان عرضيان في الطرفين وكانا من سنخٍ واحدٍ، وكان هناك أصل آخر من غير سنخهما يختص بأحد الطرفين، أصالة الطهارة في هذا الطرف وأصالة الطهارة في الطرف الآخر، وكان أحد الطرفين يختصّ بأصلٍ آخرٍ ليس من سنخهما كأصالة الإباحة، في هذا المورد تقدّم سابقاً بأنّه هنا يمكن الالتزام بسقوط الأصلين العرضيين المتسانخين ووصول النوبة إلى الأصل الآخر الغير المسانخ لهما، وهناك ذكرنا بأنّه لا يُفرّق بين أن يكون هذا الأصل الآخر الغير المسانخ طولياً وبين أن يكون في عرضهما؛ لأنّ النكتة التي اعتمدت سابقاً لجواز الرجوع إلى الأصل الآخر بعد تساقط الأصلين العرضيين المتسانخين هي نكتة الإجمال في الدليل، يعني عندما يشترك الأصلان العرضيان المتسانخان في دليلٍ واحدٍ؛ حينئذٍ يكون دليلهما مجملاً، وهذا الإجمال يمنع من التمسّك بالدليل لإثبات مفاده في هذا الطرف، ويمنع من التمسّك بالدليل لإثبات مفاده في الطرف الآخر، وإثبات مفاده في كلا الطرفين غير ممكن بحسب الفرض، فيُصاب الدليل بالإجمال وهذا يمنع من إثبات مفاده في كلا الطرفين وبالتالي يوجب سقوط الأصلين العرضيين المتسانخين، فإذا سقطا؛ حينئذٍ تصل النوبة إلى الأصل الآخر؛ لأنّه ينفرد بدليلٍ يخصّه ولا يسري الإجمال من دليل الأصلين المتسانخين إلى دليل الأصل الآخر، والمفروض أنّه ليس له معارض من سنخه في الطرف الآخر بحسب الفرض؛ لأنّ الأصل الآخر يختص بأحد الطرفين، وليس له معارض من سنخه في الطرف الآخر، فلا يعرض الإجمال على دليله؛ وحينئذٍ يمكن التمسّك به لإثبات مفاده في هذا الطرف، لا مانع من الرجوع إلى الأصل الآخر، وقلنا بأنّ الطولية ليست نكتة في المقام، سواء كان طولياً، أو كان في عرضهما، النكتة هي أن يختصّ أحد الأصول الثلاثة بدليلٍ يخصّه، فلا يسري إليه الإجمال المانع من التمسّك به لإثبات مفاده في هذا المورد. هذا الذي تقدّم سابقاً.
هذا المورد المتقدّم سابقاً يمكن جعله مورداً تظهر فيه الثمرة بين القولين حتّى إذا قلنا بأنّ وجود الأصل المثبت في أحد الطرفين يوجب انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن المنجّزية، حتّى إذا قلنا بذلك تظهر فيه الثمرة؛ لأنّه في هذا المورد لا يوجد أصل مثبت في الطرف الآخر، وإنّما الأصل الموجود في الطرف الآخر في هذا المورد هو أصل ترخيصي مسانخ للأصل الترخيصي الموجود في الطرف الأوّل، فإذن، لا يوجد فيه أصل مثبت ويختص بأصلٍ ترخيصي خاصٍ به وهو ــــــــــ فرضاً ــــــــــ أصالة الحلّية، وأصالة الحلّية هذه ليس لها معارض في الطرف الآخر؛ حينئذٍ نقول أنّ هذا الأصل الترخيصي الذي ليس له معارض في الطرف الآخر والذي يختلف سنخاً عن الأصلين العرضيين على القول بالاقتضاء يمكن إجراءه، لكن على القول بالعلّية لا يمكن إجراءه، فتظهر الثمرة في هذا المورد، يعني هنا استطعنا أن نصوّر أنّ أحد الطرفين يختص بأصلٍ ترخيصيٍ خاصٍ به على خلاف ما قاله هو(قدّس سرّه) من أنّ الأصل الترخيصي لا يختص بأحد الطرفين، إذا كان موجوداً في هذا الطرف، فلابدّ أن يكون موجوداً في الطرف الآخر، وإنّما الذي يمنع من وجوده في الطرف الآخر هو كون الطرف الآخر مورداً لأصلٍ مثبتٍ للتكليف، نحن نقول أننا استطعنا أن نصوّر اختصاص الأصل الترخيصي في أحد الطرفين من دون أن يكون في الطرف الآخر أصل مثبت للتكليف كما في محل الكلام؛ لأننا قلنا بأنّ الأصلين العرضيين المتسانخين يتساقطان على اساس نكتة الإجمال، فتصل النوبة إلى الأصل الآخر الغير المسانخ لهما؛ لأنّ هذا غير مبتلى بالإجمال، فهذا أصل ترخيصي يجري في أحد الطرفين وليس له معارض في الطرف الآخر كما أنّ الطرف الآخر ليس فيه أصل مثبت للتكليف فتظهر فيه الثمرة، فعلى القول بالعلّية لا يجري، بينما على القول بالاقتضاء يجري. هذا المورد الأوّل الذي يمكن تصوّر ظهور الثمرة فيه من دون أن نقع في المحذور الذي ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه)، المورد الثاني يأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى.