37/07/05
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
قد يقال في مقام ردّ الاعتراض الثالث الذي أورده المحقق النائيني (قدّس سرّه) أنّ حديث لا ضرر لو كان مفاده إنشاء التدارك وإنشاء الضمان، فهذا الإيراد الذي أورد عليه لعلّه يكون تامّاً، باعتبار أنّ الحديث بنفسه يتكفّل إنشاء الضمان وإنشاء التدارك في مورد الضرر، فلابد أن يكون الضرر من أسباب الضمان كما هو الحال في الإتلاف، كما أنّ هناك أدلة مفادها إنشاء الضمان في مورد الإتلاف، فاستفاد الفقهاء منها أنّ الإتلاف من أسباب الضمان، كذلك إذا فرضنا أنّ الحديث كان يتضمّن إنشاء التدارك والضمان في مورد الضرر، هنا أيضاً لابد أن يُستفاد أنّ الضرر من اسباب الضمان، يقول المحقق النائيني (قدّس سرّه) أنّ هذا غير واقع، الفقهاء لم يقولوا أنّ الضرر من أسباب الضمان، قالوا أنّ الإتلاف من أسباب الضمان، لكن لم يقولوا أنّ الضرر من أسباب الضمان، وهذا معناه أنّ هذا الوجه الذي فُسّر به الحديث والذي هو أنّ الحديث كناية عن تشريع التدارك غير صحيح، ولا يجب أن نفهمه بهذا الشكل؛ لأنّه لو كان في مقام تشريع التدارك، لكان الضرر من اسباب الضمان، لازم تشريع التدارك بهذا الحديث؛ لأنّه تشريع للتدارك في مورد الضرر، فيكون حاله حال تشريع التدارك والضمان في مورد الإتلاف، فكما أنّ الإتلاف يكون سبباً للضمان، الضرر أيضاً يكون سبباً للضمان، وهذا لا يرضى به الفقهاء ولم يقل به أحد منهم. فهذا يشكّل إشكالاً على الاحتمال الأوّل، لكن هذا كله لو فرضنا أنّ الحديث كان مفاده تشريع التدارك والضمان في مورد الضرر. لكن الواقع ليس هذا، الحديث ليس في مقام تشريع التدارك في مورد الضرر، وإنّما مفاد الحديث الشريف هو الإخبار عن نفي الضرر وليس مفاده تشريع التدارك والضمان، وإنّما مفاده الإخبار عن نافي الضرر وعدم ترتبه. ما هو المصحح لهذا الإخبار عن نفي الضرر ؟ كيف يصح له أن ينفي الضرر والحال أنّ الضرر متحقق ؟
يقول الفاضل التوني(قدّس سرّه): أنّ المصحح لنفي الضرر هو تشريع التدارك بناءً على ما تقدّم من أنّ تشريع التدارك وحده والضمان وحده مع وجود قوة إجرائية لتنفيذه يكفي في نفي الضرر، فإذن: هو يقول: مفاد الحديث هو الإخبار عن نفي الضرر، والمصحح لنفي الضرر هو تشريع التدارك.
الجواب عن الإعتراض الثالث يقول أنّ هذا لا يجب أن نفهم منه أنّ الضرر من أسباب التدارك والضمان، هو ليس بصدد إنشاء التدارك وتشريعه في مورد الضرر حتى يكون على غرار التدارك والضمان في مورد الاتلاف، الحديث يخبر عن نفي الضرر، والمصحح لنفي الضرر من قبل المتكلم هو تشريع التدارك، هو شرّع التدارك والضمان؛ لذا يصح له أن يقول لا ضرر، هذا لا ينحصر تفسيره بأن يكون الضرر من أسباب الضمان حتى نقول أنّ الضرر ليس من أسباب الضمان، فلابدّ أن لا يكون هذا الوجه تاماً، من الممكن أنّ الشارع المقدس ينفي الضرر والمصحح لنفي الضرر هو تشريع التدارك والضمان، لكن الضرر ليس من أسباب الضمان، وإنّما الذي يكون من اسباب الضمان هي الموارد الخاصة في مواردها، ويقول الشارع بأني أقول لا ضرر؛ لأني شرّعت التدارك في مورد الإتلاف وفي مورد التغرير .....الخ من اسباب الضمان المعروفة، فإذن: بإمكان الشارع أن ينفي الضرر باعتبار تشريع التدارك من دون أن يلزم من ذلك أن يكون الضرر من أسباب الضمان، تبقى أسباب الضمان هي الأسباب المعروفة والتي منها الإتلاف والتغرير....ونحوها، هذه هي اسباب الضمان فقط، ومع ذلك يصح للشارع في هذا الحديث الشريف؛ لأنّ الحديث الشريف ليس مفاده هو إنشاء التدارك في مورد الضرر، وإنّما الإخبار عن عدم الضرر بملاك تشريع التدارك، لا ينبغي أن نفهم من هذا أنّ الضرر لابدّ أن يكون من أسباب الضمان حتى نقول أنّ الفقهاء لم يلتزموا بذلك، ويكون هذا مؤشراً على بطلان هذا الوجه، وهذا نظير ما يقال في رواية مسعدة بن صدقة المتقدّمة التي تقول(كل شيءٍ لك حلال حتى تعرف أنه حرام). هنا يقال أنّ الرواية ليست في مقام إنشاء الحلّية، وإنّما هي في مقام الإخبار عن الحلية المجعولة في الموارد الأخرى، في باب الاستصحاب توجد حلّية، وفي باب اليد توجد حلية، هي تخبر عن حلية مجعولة في تلك الموارد، فتكون الحلية مجعولة في تلك الموارد، وهذه الرواية تكون مجرّد إخبار عن حلّيات متعددة مجعولة في موارد متعددة، هذا يكون من هذا القبيل، الحديث الشريف هو ينفي الضرر، والمصحح لهذا النفي هو تشريع التدارك. هذا هو الجواب عن الاعتراض الثالث.
لكن بالرغم من هذا يبقى هذا الجواب غير واضح، باعتبار أنّ هذا الجواب مهما كان يبقى لدينا روايات ظاهرها تشريع التدارك في مورد الضرر، فيبقى السؤال على حاله، فحتى لو فرضنا أنّ حديث لا ضرر ليس مفاده هو تشريع التدارك في مورد الضرر، وإنّما مفاده الإخبار عن نفي الضرر كما ذكر، لكن هناك روايات ظاهرها تشريع التدارك في مورد الضرر كما يظهر في كتاب الغصب، هناك روايات تقول(من أضر بشيءٍ، فهو له ضامن) أيّ فرقٍ بينها وبين ما ورد في باب الاتلاف من تشريع التدارك في مورد الاتلاف، كيف هناك يُستفاد أنّ الاتلاف من أسباب الضمان، في مثل هذه الأحاديث أيضاً لابدّ أن يُستفاد أنّ الضرر من أسباب الضمان، فتبقى المشكلة على حاله، بمعنى أنّ الفقهاء أيضاً لم يلتزموا بأنّ الضرر من أسباب الضمان.
ما أريد قوله هو أنّ المشكلة ليست فقط في حديث (لا ضرر ولا ضرار) وإنّما هي موجودة في الأحاديث التي تصرّح وتكون ظاهرة في مقام إنشاء الضمان والتدارك في مورد الضرر، هناك أيضا لم يلتزموا بأنّ الضرر من أسباب الضمان، وإنّما كما ذكر المحقق النائيني (قدّس سرّه) أنّ الفقهاء خرّجوا ذلك في بعض المصاديق والمسائل على اساس التسبيب الذي هو من فروع الإتلاف، كما في مسألة من حفر بئرا في الطريق، فوقع شخص فيه، أو وقعت دابة شخصٍ فيه، هو يكون ضامناً، لكن لم يخرّج الضمان على أساس الضرر، وإنّما خرّج الضمان على اساس التسبيب؛ إذ أنه اتلاف، باعتبار أن الفعل يُسند إلى السبب لا إلى المباشر، فالسبب هو الذي يكون أقوى، ومتى كان السبب أقوى فيسند إليه التلف، فيتحقق الإتلاف؛ ولأنّ الإتلاف متحقق التزموا بالضمان وليس من جهة الضرر، فتبقى المشكلة على حالها ولا تُحل بهذا الشكل، يعني حتى لو قلنا أنّ حديث نفي الضرر لا يُراد به هذا المعنى الذي يرِد عليه الإيراد الثالث، حتى إذا وجّهنا ما يقوله الفاضل التوني(قدّس سرّه) مع ذلك ما أورده المحقق النائيني (قدّس سرّه) يبقى على حاله، بمعنى أنّه يبقى سؤال لماذا لم يُجعل الضرر من أسباب الضمان ؟ افترض أننا تخلّصنا من المشكلة بلحاظ حديث لا ضرر، بأنّ قلنا أنّ حديث لا ضرر ليس مفاده هو إنشاء الضمان في مورد الضرر، وإنّما مفاده هو الإخبار عن عدم الضرر بلحاظ جعل التدارك وتشريعه، لكن بالنتيجة هناك أحاديث ظاهرها هو تشريع الضمان في مورد الضرر. إذن: هناك مشكلة عند الفقهاء في جعل الضرر من أسباب الضمان.
الاعتراض الرابع على ما ذكره الفاضل التوني(قدّس سرّه) هو أنّ هذا الوجه لا يناسب مورد تطبيق الحديث الشريف الذي هو قصة سمُرة بن جندب ، وذلك باعتبار أنّ الضرر الواقع على الأنصاري من قبل سمُرة بن جندب هو غير قابل للتدارك؛ لأنه ضرر معنوي؛ إذ أنّ سمُرة سبب له الضيق، وقيّد حريته في التحرّك هو وعياله، فإذا قلنا أنّ الحديث كناية عن لزوم التدارك كما يقول الفاضل التوني(قدّس سرّه) فهذا معناه عدم إمكان تطبيق هذا الحديث على المورد الذي طُبّق عليه هذا الحديث، وهو قصة سمُرة بن جندب؛ لأنّ الضرر في قصة سمُرة بن جندب الذي أورده على الأنصاري هو ضرر غير قابل للتدارك، فلا معنى لأن يقال بوجوب التدارك وأنّ هذا الحديث هو كناية عن وجوب التدارك، فهذا يجبرنا على أن نتجه في تفسير الحديث اتجاهاً آخر غير ما ذكره الفاضل التوني(قدّس سرّه) .
الاعتراض الخامس: هو ما أشرنا إليه سابقاً من أنّ هذا الوجه الذي ذكره لازمه اختصاص الحديث بموارد الإضرار بالغير، يعني بموارد الضرر الحاصل للإنسان من قِبل الغير، وأمّا الإضرار التي تعرض على الإنسان لا من الغير، وإنّما لأسباب أخرى طبيعية كما لو غرق ماله أو احترق.....الخ من الإضرار التي تحصل للإنسان من دون أن تكون حاصلة من الغير، مثل هذا التفسير للحديث لا يشملها؛ لأنّ هنا لا معنى للتدارك ولا محصل له، فالتدارك إنّما يقال به عندما يكون الضرر ناشئاً من الغير، فنقول إنّ هذا الغير الذي أوقع الضرر بهذا يجب عليه أن يتدارك هذا الضرر ويكون ضامناً له. أمّا الضرر الذي يحصل للإنسان نتيجة الحرق أو الغرق أو غيره من الأمور الطبيعية، هنا لا معنى أصلاً للتدارك. إذن: بالنتيجة لابدّ من الالتزام باختصاص الحديث بخصوص الضرر الحاصل للإنسان من قِبل الغير، فقط هذا يشمله الحديث ويدل على وجوب التدارك، ومن الصعب جداً الالتزام بهذا الاختصاص، وذلك بنكتة أنّ هذا الاختصاص بالنسبة إلى فقرة(لا ضرار) يمكن الالتزام به، أي يمكن الالتزام بأنّ(لا ضرار) ظاهرة في الضرر الناشئ من الغير، لكن بالنسبة إلى فقرة(لا ضرر) من الصعب الالتزام به، بناءً على ما تقدّم سابقاً من أنّ الضرر ليس مصدراً، وإنّما هو اسم مصدرٍ، الذي هو حاصل المعنى المصدري، فالضرر اسم مصدر، وهذا معناه أنّه لا يستبطن نسبة صدورية حتى نقول لا مانع من أن يكون مختصاً بالإضرار الحاصل من الغير؛ لأنه يستبطن نسبة صدورية فيناسبه أن يقال باختصاصه بالضرر الحاصل من الغير، هو ليس هكذا، هو حاصل المعنى المصدري لا يستبطن نسبة صدورية، وهذا معناه أنّ الضرر مطلق ولا داعي لتخصيصه بالإضرار الحاصل من الغير؛ بل هو مطلق الضرر، فيشمل الضرر من قِبل الغير، ويشمل الضرر الحاصل للإنسان نتيجة أسباب طبيعية، هو بإطلاقه يشمل كل ضرر، خلاف ظاهر كلمة(الضرر) أن نخصه بخصوص الضرر الحاصل من الغير ، وإن كان ليس خلاف ظاهر كلمة(الضرار)، ومن هنا يكون عدم إمكان الالتزام بهذا الاختصاص على أساس أنه خلاف ظاهر كلمة لا ضرر، هذا تقييد لكلمة لا ضرر بلا قرينة وبلا موجب.
يبقى لدينا المحاولتان المتقدمتان لتعميم الحديث الشريف للضرر الحاصل للإنسان لا من قِبل الغير، كانت هناك محاولتان لتعمم الحديث لهذه الحالة وعدم اختصاصه بالضرر الحاصل من قِبل الغير. هاتان المحاولتان يمكن التأمّل فيهما:
أمّا المحاولة الثانية، فالتأمّل فيها واضح، وهذه المحاولة تقول نحن بإمكاننا أن نفسّر الحديث على أنّه كناية عن لزوم التدارك في كل ضررٍ، فنلتزم بإطلاق الضرر، غاية الأمر أنّ هذا الضرر إن حصل من الغير، فالضامن والذي يتدارك هذا الضرر هو الغير، وأمّا إذا حصل من الحكم الشرعي؛ حينئذٍ يكون الضامن هو الشارع، فبالتالي كل ضررٍ متدارك، وبهذا يعمّ الحديث الضرر الحاصل من الغير، والضرر الحاصل لا بسبب الغير، وإنّما بسبب الحكم الشرعي. ومن الواضح أنّه لا يمكن الالتزام بهذه المحاولة؛ لأنه ليس هناك وضوح في أنّ الشريعة تضمن كل ضرر يحصل للإنسان، وليس هناك أدلة تساعد على هذا، قد يُلتزم في بعض الموارد بأنّ الدولة تكون ضامنة لبعض الأمور إذا كان حصل منها تقصير في بعض الجهات، لكن هذا ليس معناه أنّ كل ضرر يلحق بالإنسان تضمنه الشريعة من بيت المال، مثلاً لو أنّ تاجراً خسر في تجارته، أو احترق بيته، أن يضمن هذا من بيت المال ويكون الشارع هو الضامن، هذا ليس ثابتاً بهذا الشكل الواسع لأيّ ضرر كان، ولأي سبب كان ولأي شخص كان، لم يثبت هذا بهذا الشكل الواسع بلا إشكال، ولم يقل أحد بثبوته، وإنّما هناك موارد معينة التُزم فيها بضمان الدولة لوجود الأدلة الدالة على ذلك.
بالنسبة إلى المحاولة الأولى، كانت تحاول أن تعمم باعتبار أنّ الفاضل التوني(قدّس سرّه) يريد أن يقول أنّ الحديث كناية عن لزوم التدارك، الآن نعممّ هذا، أنّ مقصود الفاضل التوني(قدّس سرّه) ليس هو فقط لزوم التدارك، وإنما نعمّمه، يعني يستفاد من الحديث الحكم التكليفي والحكم الوضعي معاً، بأن يقال: في موارد الضرر، إن كان الضرر ناشئاً من الحكم الشرعي، هنا لا نقول كما في المحاولة الثانية بأنّ الشارع هو الذي يكون هو الضامن والمتدارك، وإنّما نقول: هنا نلتزم بنفي الحكم الشرعي، وهذا هو الحكم الوضعي، أنّ الضرر إن كان حاصلاً بسبب الغير، هنا يلتزم بوجوب التدارك، وهذا هو الحكم التكليفي، وأمّا إذا كان الضرر ناشئاً من الحكم الشرعي؛ فحينئذٍ نلتزم بنفي الحكم الشرعي؛ لأنه إذا بقي الحكم الشرعي موجوداً ولم ننفه، فسوف يقع الضرر، بينما الحديث يقول لا ضرر، فمقتضى نفي الضرر في ما إذا كان الضرر ناشئاً من قِبل الغير، هو الالتزام بالتدارك، والتدارك يصحح نفي الضرر، أمّا إذا كان الضرر ناشئاً من الحكم الشرعي، وفي هذه المحاولة لا يوجد تدارك؛ لأنّه إنّما يلتزم بالتدارك في المحاولة الثانية، أمّا في المحاولة الأولى، فلا يلتزم بالتدارك، فلابد أن نلتزم بنفي الحكم الشرعي حتى لا يقع الضرر بمقتضى نفي الضرر في الحديث الشريف، فكأنّ الحديث فيه جانب يثبت فيه الحكم التكليفي(وجوب التدارك)، وفيه جانب آخر أيضاً ينفي الحكم الشرعي الذي يسبب الضرر.
وبناءً على هذا؛ حينئذٍ نستطيع أن نقول: الحديث الشريف لا يختص بخصوص الضرر الواقع على الإنسان من الغير، وإنّما أيضاً يشمل الضرر الحاصل بسبب الالتزام بالحكم الشرعي وتطبيقه، وكيفية شموله له هي بأن ننفي الحكم الضرري. هذه محاولة بالرغم من أنّه غير معلوم أنّ صاحبها يقبل بها، صاحب هذا الوجه وهو الفاضل التوني(قدّس سرّه) الظاهر أنه لا يريد هذا، وإنّما هو يريد أن يقول أنّ هذا الحديث كناية عن وجوب التدارك، ولم يكن ناظراً إلى مسألة نفي الحكم الضرري، فإمّا أن نلتزم بالاختصاص بالضرر الحاصل من الغير، ونلتزم فيه بوجوب التدارك، فيختص الحديث بذلك، وهو يكون مقصوده أيضاً هذا، وإمّا أن نلتزم بالتعميم بالطريقة الثانية، فنلتزم بأنّ الشارع يكون هو المتدارك والضامن، وبالتالي يجب التدارك في كل ضرر، لكن الذي يتدارك تارةً يكون هو الغير، وأخرى يكون هو الحاكم الشرعي. الظاهر أنّ الفاضل التوني(قدّس سرّه) لا يريد أن يقول بنفي الحكم الضرري بهذا المعنى، فيكون هذا تحميلاً على كلام الفاضل التوني(قدّس سرّه). هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: إنّ هذا التوجيه بالرغم من هذا سوف لن يشمل كل ضرر؛ لأنّ هناك بعض الأضرار التي تحصل وتقع على الإنسان لا بسبب الحكم الشرعي، فليست هي قابلة للتدارك حتى نلتزم بوجوب التدارك، وليس هناك حكم شرعي سبب الضرر حتى نلتزم بنفي الحكم الضرري، من قبيل خسارة التاجر، أو من قبيل احتراق الدار، هذا ضرر لأسباب طبيعية وليس سببه الحكم الضرري، في هكذا حالة لا معنى للتدارك؛ إذ ليس هناك غير سبّب الضرر حتى نقول له يجب عليك التدارك. ولا التزمنا بأنّ الشارع هو الذي يجب عليه التدارك، ولا الضرر نشأ من حكم شرعي حتى نقول بشمول الحديث له، ويكون نافياً للحكم الشرعي الذي كان سبباً في إلحاق الضرر بالإنسان، فيبقى هذا الضرر، ومثل هذا الضرر غير مشمول للقاعدة.
هذا بالنسبة إلى الاعتراض الخامس، فيبقى الاعتراض الخامس على حاله، وهو أنّ هذا الوجه لتفسير القاعدة ـــــ لو تم ـــــ فهو يقتضي الاختصاص بالضرر الواقع على الإنسان من قِبل الغير .
الاعتراض السادس: أصل تبنّي هذا الوجه لا دليل عليه، وهو لم يقم دليلا عليه، وليس هناك قرينة أُبرزت في داخل الحديث لتبنّي هذا الوجه في تفسير الحديث، هناك وجوه متعددة لتصحيح نفي الضرر مع وقوعه خارجاً، حيث أنّ المشكلة نشأت من كيفية نفي الضرر مع أنّه واقع في الخارج ؟ لا ينحصر تصحيح نفي الضرر وتفسيره بما ذكره الفاضل التوني(قدّس سرّه)، لا ينحصر بافتراض نفي الضرر بلحاظ تشريع التدارك وتشريع الضمان، صحيح هذا وجهٌ قبلناه أنه يكون موجباً لتصحيح نفي الضرر، يمكن أن ينفي الضرر باعتبار أنه شرّع التدارك وشرّع الضمان، فبلحاظ تشريع الضمان ووجود قوة إجرائية لتطبيقه يصح نفي الضرر، لكن لا ينحصر تصحيح نفي الضرر في الحديث الشريف بهذا الوجه، فالالتزام به وتعينه من دون إقامة دليلٍ أو قرينة عليه، هو بلا وجه، فنقول كما يمكن هذا يمكن نفي توجيه وتصحيح نفي الضرر بالوجوه الأخرى لا على أساس تشريع الضمان، فرضاً أنّ أحد الآتية يقول أنّ الضرر هنا منفي، لكن منفي وجوده في الإسلام، أي لا ضرر موجود في الإسلام، فيكون على غرار(لا رهبانية في الإسلام) أي أنّ الشارع منع من الرهبانية، هنا أيضاً نقول أنّ الشارع منع من الضرر، فتكون دالة على النهي عن الضرر وتحريمه (كما سيأتي) ونوجّه بها نفي الضرر، والمقصود بنفي الضرر ليس هو نفي الضرر خارجاً حتى يقال بأنّ الضرر موجود في الخارج، فكيف يصح نفيه، وإنّما المقصود هو نفي وجود الضرر في الشريعة؛ وحينئذٍ يصح نفي الضرر وننتهي إلى نتيجة أخرى غير ما انتهى إليه الفاضل التوني(قدّس سرّه)، ننتهي إلى نتيجة تحريم الضرر كما يقول شيخ الشريعة الأصفهاني(قدّس سرّه)، وننتهي إلى نتيجة تشريع التدارك والضمان وأمثالهما.