37/07/11
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
كان الكلام في اعتراض السيد الخوئي(قدّس سرّه) على الاحتمال الثاني في تفسير حديث(لا ضرر) وبيّنّا الملاحظة التي ترِد عليه وانتهى الكلام إلى الملاحظة الثانية التي كان المقصود بها هو أنّ ما ذكره من ترجيح ما ذهب إليه من أنّ المُراد بالحديث هو نفي الحكم الضرري، ما ذكره من ترجيحه على الاحتمال الثاني لا يصلح للترجيح، وما ذكره هو أنّ الاحتمال الثاني بحاجةٍ إلى قرينةٍ صارفة؛ لأنّ استعمال النفي في النهي مجازاً لا يُصار إليه إلا بقرينةٍ وعند تعذّر المعنى الحقيقي.
الملاحظة الثانية كانت هي أنّ هذا الكلام يتم إذا لم يكن ما ذهب إليه أيضاً هو بحاجةٍ إلى قرينةٍ؛ حينئذٍ يقدّم ما ذهب إليه على هذا الاحتمال؛ لأنّه على هذا الاحتمال يحتاج إلى قرينةٍ، بينما ما ذهب إليه ليس بحاجة إلى قرينة. أمّا إذا كان ما ذهب إليه أيضاً هو بحاجة إلى قرينة، وما ذهب إليه أيضاً فيه خلافٌ للظهور، صحيح هو أكّد على أنّ( لا ضرر) مستعملة في الإخبار، نحافظ على هذا الظهور، هو قال تستعمل في الإخبار لا بمعنى الإنشاء والنهي، لكن من جهة أخرى فيها مخالفة للظهور كما سيأتي أيضاً، وهو أنّ مفاد النفي الداخل على اسم الجنس هو نفي الوجود الخارجي للشيء، نفي وجود الضرر، هذا هو المعنى الحقيقي للحديث، صحيح هو قال أنّ النفي استُعمل في هذا المعنى الحقيقي، فالمراد الاستعمالي هو النفي لا النهي، والجملة خبرية نحافظ على كونها جملة خبرية، لكنّ المراد الأصلي ليس هو هذا المعنى الحقيقي، بناءً على الاحتمال الذي ذهب إليه هو تبعاً لشيخه، ليس المراد الأصلي نفي الضرر خارجاً، المراد الجدّي، المراد التفهيمي للجملة بناءً على الاحتمال الذي ذهب إليه هو عبارة عن نفي الحكم الضرري، أو قل بعبارةٍ أخرى: هو عبارة عن الإخبار عن عدم التسبيب التشريعي للضرر، وهذا يستدعي التفكيك بين المراد الاستعمالي وبين المراد الجدّي، فالجملة الموضوعة لمعنىً تستعمل في معناها لكن يُراد بها شيئاً آخر، المراد الجدّي التفهيمي، هذا أيضاً فيه مخالفة للظهور، ولا يصار إليه إلاّ بقرينة، بالنتيجة كل منهما يلزم منه مخالفة الظهور لا فقط ما ذهب إليه هذا المحقق، يعني الاحتمال الثاني، هذا بحاجة إلى قرينة، وهذا وحده يعيّن لنا الاحتمال الذي ذهب إليه، كلا، هذا الاحتمال أيضاً هو بحاجة إلى قرينة، بمعنى أنّ مقتضى أصالة التطابق التي أشرنا إليها، والذي هو الظهور الأولي الطبيعي للجمل، هو أن يكون المعنى المستعمل فيه هو المراد جداً، افتراض أنّ المراد جداً غير المعنى المستعمل فيه اللفظ يحتاج إلى قرينة حتى يثبت.
إذن: هو بالنتيجة يحتاج إلى قرينة، وسيأتي توضيح ذلك في ما يأتي من أنّ أغلب هذه الاحتمالات فيها نوع من التجوّز، غاية الأمر أنّ التجوّز يختلف باختلاف هذه الوجوه، لكن الظاهر أنّ الكل هو بحاجة إلى قرينة، فعلينا أن نوازن بين الاحتمالات؛ بل اكثر من هذا، سيأتي أنّ ما ذهب إليه فيه مخالفة للظهور من جهة أخرى، سيأتي أنّ الحديث فيه ظهور في أنّ الضرر مأخوذ على نحو الموضوعية لا أنه مأخوذ على نحو الطريقية بأن يكون طريقاً لإرادة الحكم الضرري، الضرر غير الحكم الضرري، والعلاقة بينهما علاقة السبب والمسبَب، الضرر مسبَب، الحكم الضرري هو السبب في هذا الضرر، أن نفترض أنّ المراد بالضرر هو الحكم الضرري، هذا هو معنى أن يكون الحديث على نحو الطريقية، بينما الظهور الأولي للحديث أنّ الضرر مأخوذ على نحو الموضوعية، ولا نجعله طريقاً لعنوان آخر، لا نجعله عنواناً للحكم الشرعي، فنقول أنّ المراد بالضرر هو الضرر المنفي في الحديث هو الحكم الضرري، هذا فيه مسامحة وهو خلاف الظاهر، النفي تسلّط على الضرر نفسه، إذا أردنا أن نحافظ على الظهور، فلابدّ أن نقول الضرر هو المنفي، أمّا أن نقول أنّ الضرر ليس هو المنفي، وإنما المنفي هو الحكم الذي سبب الضرر، بناءً على الاحتمال الذي ذهب إليه هذا خلاف الظهور، صحيح، سيأتي أنه يقول هناك مصحح لهذا، وستأتي مناقشته، أنّ المحقق النائيني(قدّس سرّه) يقول أنّ المصحح هو وجود علاقة السببية بينهما ويعتبر الحكم بمثابة السبب التوليدي للضرر، فيكون بمنزلة الإلقاء والإحراق، الإلقاء هو سبب توليدي بالنسبة إلى الإحراق، بمعنى أنّه لا يتوسط بينهما إرادة واختيار، هو يعتبر أنّ الحكم الشرعي هو بمثابة السبب التوليدي للضرر، إذا كانت العلاقة سببية بهذا المستوى، سبب توليدي ومسببَ توليدي؛ حينئذٍ يصح إطلاق المسبب وإرادة السبب، فيُطلق الضرر ويُراد به السبب الذي هو الحكم الشرعي، فيكون المنفي بناءً على هذا الكلام هو الحكم الشرعي الذي يسبب الضرر، هذا لا يمنع من أنّ هذا خلاف الظهور الأولي لكلمة الضرر في الحديث، كلمة الضرر في الحديث ظاهرة في الموضوعية، المنفي هو الضرر، وسيأتي أنّ العلاقة هنا سببية، لكن ليس على غرار الإلقاء والإحراق، ليس السببية والمسببية توليدية، كلا، هنا يتوسط الإرادة والاختيار، حتى لو فرضنا وجود حكم شرعي، لكن بالنتيجة الضرر يقع نتيجة توسط إرادة واختيار في البين، فالضرر ليس من المسببات التوليدية، ليس حاله حال الإحراق بالنسبة إلى الإلقاء. هذا سيأتي الحديث عنه، لكن بالنتيجة ما أريد أن أقوله هو أنّ ما ذهب إليه فيه خلاف الظهور وهو يحتاج إلى قرينة، ومجرّد أنّ ذاك الاحتمال يحتاج إلى قرينة لا يُعيّن هذا الاحتمال، يعني لا يوجب ترجيح هذا الاحتمال على ذاك؛ لأنّ كلاً منهما بحاجة إلى قرينة، وإنّما الترجيح لابدّ أن يكون بعنايات وإضافات أخرى وملاحظات أخرى سيأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى.
من جملة الاعتراضات على هذا الوجه هو ما قيل من أنّ القاعدة طُبقت في بعض رواياتها على بعض الموارد التي لا يمكن الالتزام فيها بالحرمة التكليفية، وهذا مؤشر على بطلان هذا الاحتمال، وإلاّ كيف يمكن تطبيق القاعدة التي يقول شيخ الشريعة(قدّس سرّه) أنّ معناها هو النهي التكليفي والحرمة التكليفية تُطبّق على موردٍ لا يُتصوّر فيه، أو لا يصح فيه افتراض الحرمة التكليفية. إذن: لابدّ أن يكون المقصود شيئاً آخر. والمقصود بذلك هو تطبيق الرواية التي تُطبّق الحديث في باب الأخذ بالشفعة، في هذا المورد لا توجد حرمة تكليفية؛ لأنّه لا إشكال عندهم في أنّ بيع الشريك لحصته المشاعة ليس حراماً تكليفاً، حتى إذا كان ضررياً، لا يلتزمون بحرمة بيع الشريك لحصته المشاعة كما يلتزمون في قضية سمُرة بن جندب بحرمة الدخول إلى عذقه؛ لأنّ فيها ضرر، فإذن: يتعيّن أن يكون هذا التطبيق بلحاظ أنّ الحديث يدل على نفي الحكم الضرري، سواء كان الحكم الضرري صحة البيع، فتُنفى الصحة ويثبت الفساد، أو كان الحكم الضرري هو لزوم البيع؛ فحينئذٍ يُنفى اللّزوم بهذا الحديث ويثبت الخيار، بالنتيجة لابدّ من افتراض أنّ التطبيق كان بلحاظ نفي الحكم الضرري لا بلحاظ أنّ مدلول الحديث هو النهي التكليفي والحرمة التكليفية.
هذا الاعتراض يرِد عليه ما تقدّم الذي قلنا سيأتي الحديث عنه، والإيراد هو أنّ الاحتمال الذي ذهبْتَ إليه ــــــ والكلام مع السيد الخوئي(قدّس سرّه) ـــــ فيه هذه المشكلة، فهذه المشكلة مشتركة الورود، بعض الأحيان يُطبّق الحديث على موردٍ لا يصح فيه افتراض النهي والحرمة التكليفية، في بعض الأحيان يطبّق الحديث على موردٍ لا يصح فيه افتراض نفي الحكم الضرري، وهو على ما تقدّم بناءً على هذا الكلام، وقلنا لا نتبناه وسيأتي الحديث عنه، وهو قضية سمُرة بن جندب حيث قيل لا يوجد هناك حكم ضرري حتى يطبّق الحديث عليه لأجل نفيه بناءً على أنّ الأحكام الضررية هي الأحكام الاقتضائية، وأمّا الجواز والإباحة فهي ليست أحكاماً ضررية، وسيأتي أنّ هناك وجهاً آخر لإثبات أنّ الأحكام غير الاقتضائية كالإباحة لا يشملها نفي الضرر، تفسير الحديث بأنّه نفي الحكم الضرري لا يشمل الإباحة، ليس لأجل هذه النكتة التي ذكرناها وهي أنّ الإباحة ليست ضررية، أصلاً الإباحة ليست حكماً ضررياً حتى يُنفى بهذا الحديث، هناك نكتة أخرى أيضاً تمنع من شمول الحديث بناءً على إرادة هذا المعنى للإباحة والجواز.
على كل حال، أريد أن أقول: أنّ هذا الإشكال مشترك الورود، كما يرد على الاحتمال الثاني أيضاً يرد على الاحتمالات الأخرى، وهو أنّ التطبيق في بعض الأحيان قد لا يتناسب مع تفسير الحديث بهذا الاحتمال، أو بذاك الاحتمال. هذا كلّه إذا افترضنا أنّ شيخ الشريعة(قدّس سرّه) وصاحب العناوين(قدّس سرّه) ومن التزم بهذا الاحتمال الثاني لا يلتزمون بحرمة البيع في مورد الشفعة، وقد يلتزمون بحرمة البيع تكليفاً بملاك أنّه يقول أنّ مفاد حديث نفي الضرر هو النهي التكليفي لا غير، هذا معناه أنّه ليس لدينا دليل نستطيع أن ننفي به الصحة واللّزوم؛ لأنّ نفي الصحة ونفي اللّزوم في مورد الشفعة يتوقف على تفسير الحديث بنفي الحكم الضرري، هو لا يقبل بذلك، ويقول أنّ مفاد قاعدة نفي الضرر هو النهي التكليفي عن الضرر فقط ولا تنفي الحكم الضرري، إذن: صحة البيع لا ينفيها حديث نفي الضرر، ولزوم البيع لا ينفيه حديث لا ضرر، ومقتضى القواعد الأولية، مقتضى إطلاقات الصحة ومقتضى إطلاقات اللّزوم أن يُلتزم بصحة هذا البيع ولزومه للإطلاقات، هذا بيع في ما يملك ولا يوجد قصور في ذلك، باع ما يملك، فتشمله أدلة الصحة وأدلة اللّزوم، فيُحكم بصحة البيع ولزومه، لعلّ شيخ الشريعة(قدّس سرّه) في حالة من هذا القبيل يقول توجد حرمة تكليفية، وقد يرتب عليها التدارك ويلتزم بحرمتها تكليفاً. نعم، المشهور لا يلتزمون بذلك، يعني لا يلتزمون بالحرمة التكليفية لبيع الشفيع لحصته المشاعة، لكن لعلّهم لا يلتزمون بالحرمة التكليفية لأنّهم يؤمنون بنفي الحكم الضرري، إذا انتفى الحكم الضرري؛ حينئذٍ معناه أنّ هذا البيع الذي صدر منه إمّا غير صحيح(فاسد) وإمّا هو غير لازم، على كلا التقديرين لا يكون البيع ضررياً حينئذٍ، فإذا لم يكن ضررياً لا يلتزمون بحرمته، هناك فرقٌ بينهما، شيخ الشريعة (قدّس سرّه) حيث أنه يبني على أنّ مفاد الحديث هو النهي التكليفي، فهو يرى أنّ البيع بيع صحيح ولازم، فيكون ضررياً، فيقول بحرمته التكليفية، لكن المشهور حيث أنّه يرى أنّ البيع ليس صحيحاً، أو ليس لازماً، وباع الشريك حصّته المشاعة، فُيحكم بأنّ بيعه فاسد، فلا يتوجّه ضرر إلى شريكه، أو يُحكم بالخيار للشريك الآخر، فأيضاً لا يكون في بيعه ضرر على شريكه، يقولون في هكذا حالة لا داعي للالتزام بالحرمة؛ لأنّه ليس هناك ضرر. على كل حال يمكن أن يوجه هذا الكلام بأنه قد يلتزم هذا الشخص بالحرمة التكليفية في بيع الشريك لشريكه، هذا البيع مع الحكم بصحته ولزومه هو ضرر على الشريك، يكون حاله حال ما إذا ألحق الضرر بشريكه بإيقاع نقصٍ على أمواله أو على بدنه أو غيره، كيف هنا يُلتزَم بالحرمة التكليفية، وقد يُلتزم بالتدارك، هذا البيع أيضاً فيه حرمة تكليفية وقد يُلتزم بالتدارك. هذا بالنسبة إلى الاحتمال الثاني وما أورد عليه وتقريباته وكل الأمور المتعلّقة به .
خلاصة الاحتمال الثاني: إنّ هذا الاحتمال الثاني على بعض التقريبات المتقدّمة، الظاهر أنّه لا يرِد عليه معظم ما أورد عليه من الإيرادات السابقة.
الاحتمال الثالث: هو ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه)، [1] واختاره المحقق النائيني(قدّس سرّه)، واختاره السيد الخوئي(قدّس سرّه) وجماعة آخرين. العنوان العام لهذا الاحتمال هو الالتزام بأنّ مفاد الحديث هو نفي الحكم الضرري، أي أنّ الحكم الذي يكون سبباً للضرر منفي ولا وجود له.
هذا الاحتمال له تقريبات، وهذه التقريبات لابدّ من بيانها؛ لأنّه لأول وهلة يبدو أنه خلاف الظاهر، فالمنفي في الحديث الشريف هو الضرر، فكيف نحرف النفي عن كونه مسلطاً على الضرر إلى أنّ نجعله داخلاً على الحكم الذي يكون سبباً في الضرر، هذا يحتاج إلى توجيه وتقريب، وهذه التقريبات الأربعة التي سننقلها هي كلّها لبيان أنّ المنفي هو الحكم الذي يكون سبباً في الضرر لا نفس الضرر.
التقريب الأول: أن يُفرض الحذف، بين كلمة(لا) وكلمة(ضرر) في جملة (لا ضرر) يوجد شيء محذوف، والمحذوف هو عبارة عن الحكم، يعني (لا حكم ضرري) فيكون النفي متوجهاً إلى المحذوف على غرار(واسأل القرية) بناءً على أنّ المقصود بها واسأل أهل القرية، يعني أنّ السؤال يتوجّه إلى المحذوف وليس إلى القرية بتنزيلها منزلة العاقل؛ بل السؤال يتوجّه مباشرة إلى المحذوف(أهل)، هنا أيضاً يقال بأنّ النفي يتوجّه إلى شيء محذوف الذي هو(حكم) الذي هو سبب في الضرر؛ وحينئذٍ تكون الجملة دالة على نفي الحكم الضرري، نحافظ على النفي، والنفي نفي حقيقي وليس فيه تجوّز، فقط نقدّر شيئاً محذوفاً يكون هو المنفي حقيقة وهو الحكم.
التقريب الثاني: لا نفترض الحذف، وإنما نفترض التجوّز في الكلمة، بأن يقال: (ضرر) الذي هو مسبب مستعمل مجازاً في سببه، يعني المراد بـــ (ضرر) في الرواية هو الحكم مجازاً، يعني أنّ (ضرر) موضوع للمسبب، ويستعمل في السبب الذي هو الحكم الشرعي مجازاً، وهذا معناه أنّ القاعدة تفيد نفي الحكم الضرري، (لا ضرر) ليس مقصوده الضرر، وإنما مقصوده هو الحكم الذي يسبب الضرر.
التقريب الثالث: وهو ما التزم به المحقق النائيني(قدّس سرّه) ويقول أنّ هذا من باب إطلاق الضرر على الحكم ليس تجوزاً في الكلمة، وإنّما من باب إطلاق الضرر على الحكم باعتبار أنّ العلاقة بينهما كما قلنا هي علاقة السببية وبنحو السببية التوليدية لا أنّها سببية عادية، فيكون نظير الإلقاء والإحراق، الإلقاء سبب توليدي للإحراق، والإحراق مسبب توليدي للإلقاء؛ حينئذٍ يصح أن يُطلق المسبب على سببه؛ بل قد يُدّعى أنّ السبب يكون أحد مصاديق المسبب عرفاً، باعتبار العلاقة الموجودة بينهما، بمعنى أنّ المسبب يكون له فردان، أحد الفردين هو السبب لوجود هذه العلاقة بينهما، الإحراق الذي هو المسبب والإلقاء يكون أحد مصاديقه؛ ولذا يقال للإلقاء أنّه إحراقٌ، باعتبار أن هذا الإلقاء هو أحد مصاديق الإحراق لهذه العلاقة الموجودة بينهما، فيُطلق المسبب وهو الإحراق على السبب، فيقال هذا إحراق، هو إلقاء، لكن يقال: هذا إحراق، في المسببات التوليدية هذا واضح، يقال إذا رمى واستهدف شخصاً، يقال هذا قتل، فيُطلق القتل الذي هو المسبب على الرمي الذي هو سبب، وهكذا في سائر الأمثلة الأخرى للمسببات التوليدية. ما نحن فيه من هذا القبيل أنّ الضرر هنا يطلق على الحكم الشرعي ويكون المراد بالضرر هو الحكم الشرعي، هو قال ضرر، لكن هو يريد به الحكم الشرعي ولا مشكلة في إطلاق الضرر على الحكم الشرعي، كما أنّه لا مشكلة في إطلاق الإحراق على الإلقاء، فيقال: هذا الإلقاء إحراق؛ لأنّه يترتب عليه الإحراق بلا توسط إرادة، هنا أيضاً الحكم الشرعي يقال هذا ضرر، هو في الحديث الشريف قال(لا ضرر) ومراده الحكم الشرعي، فيكون الحكم هو المنفي بهذا الاعتبار.
التقريب الرابع: أن نتجاوز كل التقريبات السابقة، ونقول: أنّ المراد بالضرر في الحديث الشريف هو نفس الضرر حقيقة، وليس هناك تجوّز في الحذف ولا تجوز في الكلمة ولا هو من باب إطلاق لفظ المسبب على السبب، لكن نقول أنّ المقصود الأصلي من الإخبار عن نفي الضرر هو الإخبار عن نفي الحكم الذي يسببه. هذا تقريب آخر غير التقريبات السابقة، هنا لم نمس الضرر، وإنما الضرر هو الضرر والمنفي هو الضرر، وهو إنما يخبرنا عن نفي الضرر والمقصود الأصلي هو أن يخبرنا عن نفي الحكم الذي يسبب الضرر. أو قل بعبارة اخرى: المقصود الأصلي هو نفي التسبيب التشريعي للضرر