39/07/21


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/07/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الظن.

ثم إنَّ السيد الخوئي(قده) ذكر مناقشة ثانية للشيخ النائيني(قده) الذي قال لا يصح التمسّك بعموم الآيات الناهية عن اتباع الظن حالة الشك في حجية أمارة هو ناقشه بالمناقشة المتقدّمة والآن تنسب إليه مناقشة ثانية وهي ليست موجودة في التقرير ولكن نسب إليه أنه ذكرها في مجلس درسه:- وهي أنه إذا لم يجز التمسّك بالآيات الناهية عن اتباع الظن في مورد الأمارة مشكوكة الحجة ، فإذن أين مورد هذه الآيات وأين يتمسّك بها ؟ قد تقول:- إنه يتمسّك بها في الأمارة المقطوع بعدم حجيتها ، الجواب:- إذا كان يقطع بعد حجيتها فلا حاجة إلى الآيات لأنه يقطع بعدم حجيتها فالآيات لا تزيده شيئاً .

إذن هذه الآيات الكريمة إذا لم يصح التمسّك بها في الأمارة المشكوكة الحجية على رأي الشيخ النائيني(قده) والمفروض أنه لا يصح التمسّك بها أيضاً في الأمارة مقطوعة عدم الحجية فأين موردها فإنها تبقى بلا مصداق ، يعني يلزم تعطيل الآية الكريمة ؟!!

ولكن نقول:- إنَّ هذا يتم إذا قلنا إنَّ النهي عن اتباع الظن هو نهي تكليفي تحريمي ، يعني يحرم التمّسك بالظن وأنه حرام تكليفاً يأتي هذا الاشكال وأنه الأمارة مقطوعة عدم الحجية خارجة من هذا العموم لأني قاطع بعدم حجيتها وأنه لا يجوز التمسّك بها ، فعلى هذا الأساس إذا كان في المشكوك لا يجوز التمسّك بهذا العموم فسوف يبقى بلا مورد.

ولكن من الواضح أنَّ هذه الآيات لا يقصد منها النهي التكليفي التحريمي وإنما يقصد بها الارشاد إلى حكم العقل واثارة الفطرة ، فإنَّ الله تعالى أودع أشياء في فطرة الإنسان وهو يثيرها أحياناً ، ومن جملة الموارد هنا ﴿ إنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً ﴾ ، ومن الواضح عند العقلاء أنه لا يصح التمسّك بالظن ، فالقضية عقلائية قبل أن تكون شرعية ، والآية الكريمة تريد أن تؤكد وترشد إلى هذه القضية العقلائية ، فهي تريد أن تقول لهم إنَّ الظن لا يغني عندكم ولا يتقرّر به الواقع والحق والصواب فليس هو الطريق الصحيح وإنما الطريق الصحيح هو العلم ، فهي مرشدة ، فإذا كانت مرشدة ومؤكدة لحكم العقل فلا مانع من أن يكون ارشادها هذا ثابت حتى في الظن الذي يقطع بعدم حجيته ، لأنَّ القضية ارشادية.

ونذكر قضية جانبية:- وهي أنه كيف تفسَّر ﴿ إنَّ بعض الظن إثم ﴾ فهل نفس الظن حرام ؟ ، فأنا أظن أن فلاناً يعمل عملاً سيئاً ولكن هذا في قلبي فهذا لا يحتمل حرمته ، بل يلزم المؤمن أن يكون كيّساً ، فصحيح أنت تتصوّر ذلك ولكن لا ترتب الأثر ، فإذن لابد وأن تفسّر بأنه ليس نفس الظن وإنما الظن الخاص كالظن مع الأثر أو غير ذلك وإلا فنفس الظن لا يمكن الالتزام بحرمته بما هو الظن ، وهذا من مرتكزاتنا الفقهية القطعية.

إذن ما هي النتيجة ، فهل يصح التمسّك الآيات في الأمارة مشكوكة الحجية أو لا ؟

قال السيد الشهيد(قده)[1] :- نعم يصح التمسّك بالآيات الكريمة الناهية عن اتباع الظن ، والوجه في ذلك هو أن سياقها وإن كان سياقاً خاصاً وأنه لا يجوز اتباع الظن مثلاً في أصول الدين في قضية ثبوت الخالق وفي قضية ثبوت النبوة فإنَّ هذه من أصول الدين ولا يصح اثباتها بالظن ، فسياقها هو هذا السياق ، ولكن هذا السياق لا يمنع من انعقاد عموم للنهي عن اتباع الظن .

من قبيل قوله تعالى[2] :- ﴿ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدينا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ﴾[3] ، فهذه الآية الكريمة وإن كانت قد جاءت في قضية الخالق وأنه لا يوجد خالق ومكون لهذا العالم وإنما هي الطبيعة ثم بعد ذلك قالت الآية الكريمة ﴿ إن هم إلا يظنون ﴾ لا مانع من أن نقول إنَّ هذه الآية بقولها ﴿ إن هم إلا يظنون ﴾ تعطي قاعدة كلية وأنَّ الظن لا يجوز اتباعه وإن كان صدرها وارد في أصول الدين إلا أنّ هذا السياق لا يمنع من ثبوت العموم فنتمسّك بالعموم.

ولكن يمكن أن يقال:- كيف لا يكون السياق مانعاً من التمسك بالعموم ، أوليس المورد يصير آنذاك احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية والكل قد اتفق على أنه إذا احتف الكلام بما يصلح للقرينية فلا ينعقد العموم ؟ ، وهذا الكلام احتف به ما يصلح للقرينية فلا ينعقد عموم ، فإنه يمكن التسمك في انعقاد العموم ، ولكن يمكن أن يقال هناك آيات أخرى ليس فيها هذا السياق فنتمسك بها ، فليس كل الآيات الناهية عن الظن فيها هذا السياق وأنها واردة في سياق قضبة أصول الدين بل بعضها هكذا ولكن بعضها الآخر ليس كذلك فنتمسك بعموم تلك الآيات من قبيل ﴿ وإن تطع أكثر من في الرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ﴾[4] ، فيمكن أن يقال إنَّ هذه الآية الكريمة ليست واردة في العقائد وإنما تقول للنبي صلى الله عليه وآله لا تأخذ بكلام هؤلاء بل ابقَ صلباً كالشجرة البرّية في مقابلهم إنَّ هم إلا يظنون.

فإذن هذا يستفاد منه أنَّ الظن ليس بحجّة ، والسياق ليس سياق أصول الدين أو نحو ذلك ، فكان المناسب التمسّك بآيات أخرى ليس فيها هذا السياق ، أما الآيات التي فيها هذا السياق فيشكل التمسّك بها كما ذكرن.هذا كله بالنسبة إلى الوجه الثاني من الوجوه التي تذكر كتقرير للأصل عند الشك في الحجية وأنَّ الأصل عدم الحجية ، وكان التقرير الأوّل للشيخ الأعظم(قده) ، والتقرير الثاني مرجع الآيات الكريمة وقد اتضح أنه لا بأس بالتمسك بها مادام السياق ليس خاصاً ووارداً في الخالقية أو النبوة حتى يمنع من انعقاد الاطلاق ، بل بمثل الآية التي ذكرناها.

الوجه الثالث لتقرير الأصل وأنَّ الأصل عدم حجية الظن الذي يشك في حجيته:- وهو التمسّك بالاستصحاب ، وهذه طريقة فنّية علمية ، وذلك بأن يقال مثلاً الشهرة الفتوائية نشك في حجيتها وعدم حجيتها فنستصحب عدم حجيتها .

وهل هذا عدم نعتي أو عدم أزلي أو الاثنين معاً يصلح التمسك بهما ؟

يمكن أن نقول:- إنَّ كلاهما صالح ، فيمكن أن نقول إنَّ المورد من استصحاب العدم النعتي ، باعتبار أنَّ الشريعة الاسلامية تدريجية الوصول ، ففي زمن الغيبة مثلاً هناك فترة مرّت نجزم بأنَّ الاستحسان لم تجعل له الحجية جزماً لأنَّ الأحكام تدريجية فنشك بعد ذلك هل جعلت له الحجية أو لا فنستصحب عدم جعل الحجية ، وهذا استصحاب للعدم النعتي ، لأنه كانت هناك حالة سابقة نتيقن فيها بأنَّ هذ الشيء كان موجوداً ولكن لم تجعل له الحجية كالقياس أو الاستحسان مثلاً ، وإذا قطعنا النظر عن هذا وقلنا لا توجد فترة سابقة متيقنة نتيقن فيها بأنَّ القياس أو الاستحسان لم يجعل الشارع له الحجية فنذهب إلى استصحاب العدم الأزلي ، فنقول إنه قبل نزول الشريعة لم تكن شهرة فتوائية ولم يكن هناك استحسان ولا حجية له فإنها سالبة بانتفاء الموضوع ، وبعد أن جاء التشريع وجد الموضوع - يعني يوجد استحسان - ولكن نشك هل جعلت له الحجية أو لا فنستصحب عدم الحجية الثابت منذ الأزل .

هذان تقريبان لاستصحاب عدم الحجية ، وبذلك يثبت أنَّ كل أمارة مشكوكة الحجية نستطيع أن نثبت عدم حجيتها باستصحاب العدم الأولي أو باستصحاب العدم النعتي.

[2] وهذا المثال من عندي.