37/11/20


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

37/11/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 20 ) حرمة السحر - المكاسب المحرمة.

وفيه:-

أوّلاً:- إنّ الروايات السابقة قد عرفنا أنها تامة من حيث الدلالة وأما من حيث السند فثلاث روايات كانت على مبانيه تامة فلا موجب إذن للتوقف من هذه الناحية بعد اطلاقها.

ثانياً:- لو سلّمنا أنها ضعيفة السند ولكن بعد افتراض أنّ عددها جيداً - يعني خمس روايات تدلّ على مضمون واحد - وهذا ما قد يعبّر عنه بالاستفاضة أو لا يعبّر عنه بذلك والمهم أنه يحصل للفقيه اطمئنان بهذا المضمون خصوصاً بعد الالتفات إلى هذا هو الحكم المشهور بين الفقهاء كما قال هو - يعني مدعوماً بشهرة العمل - فيمكن أن يحصل الاطمئنان ولا موجب للتوقّف من هذه الناحية حتى على تقدير كون الروايات ضعيفة السند ، وهذه قضية سيّالة فالروايات الضعيفة السند إذا تعدّدت على مضمونٍ واحدٍ فيمكن أن يحصل للفقيه الاطمئنان.

ثالثاً:- إنّ ما أفيد من أن السحرة في زمن الأئمة عليهم السلام كانوا كثيرين ولكن رغم ذلك لم يُقتلوا كما جاء في كلام صاحب الجواهر(قده) ولعله جاء في كلام السيد الخوئي أيضاً.

فجوابه واضح:- فإنهم عليهم السلام متى كانوا مبسوطي اليد ؟!! فإذن لا يمكن تخاذ هذا موهناً للإطلاق وأنّ الاطلاق لا يمكن العمل به لأنه لم يُقتل السحرة.

وعلى أيّ حال لا موجب للتوقف من هذه الناحية ، فالساحر يقتل ، لكن نقول شيئاً آخر:- وهو أنه سواء كان القتل على نفس فعل السحر أو كان القتل لاستحلاله كما ذهب إليه جماعة على كلا التقديرين يثبت أنّ فعل السحر حرام ، وهذا هو الذي نحن بصدد اثباته ، لأنه إذا كان القتل على نفس السحر فهذا واضح أنه يدلّ على الحرمة ، وإذا كان على الاستحلال يعني هو حرام ولكن هذا يستحلّه ويراه حلالاً فالحرمة ثابتة على كلا التقديرين سواء كان القتل علّة لنفس عمل السحر أو كان على الاستحلال ، فالاختلاف إذا كان فهو في أنّ القتل على ماذا يكون على نفس الفعل أو على نفس الاستحلال أما نفس الحرمة فهي لا نشكّ في ثبوتها على كلا التقديرين.

وبهذا ننهي حديثنا عن هذا المطلب حيث قلنا نحن نتكلّم مرّة عن فعل السحر ومرّةً أخرى نتكلّم عن الأمور الأخرى الباقية والآن انتهينا من هذا العنوان ، والنتيجة النهائية التي خرجنا بها أنّ فعل السحر محرّم ولكن لا للآية الكريمة وإنما للروايات الشريفة.

حكم تعلّم السحر وتعليمه والتكسّب به:-

أما بالنسبة إلى تعلّم السحر::- فقد اتضح أنّ موثقة اسحاق بن عمار دلّت على أّنه يقتل حيث قالت:- ( إنّ علياً عليه الاسلام كان يقول:- من تعلم شيئاً ممن السحر كان آخر عهده بربّه وحدّه القتل إلا أن يتوب ) ، وبمضمونها رواية أبي البختري ، وقد قلنا أنّ أبا البختري فيه ما فيه ولكن بالتالي هذه الرواية تكون داعمة لموثقة اسحاق بن عمّار لأنّ مضمونهما نفس المضمون ، فبالتالي نأخذ بموثقة اسحاق بن عمّار وأن من تعلّم شيئاً من السحر يقتل.

بيد أنّ صاحب الجواهر(قده) له في هذا المجال كلام[1] وحاصل ما ذكره:- إنه يمكن أن يقال إنّ من يتعلّم السحر بهدف أنه علمٌ من العلوم وفنٌّ من الفنون لا أكثر ولا يريد أن يعمل به مضافاً إلى أنه يحتمل أنه يحتاج إليه في يومٍ من الأيام فقد يُسحر فيدفعه بهذا السحر ، إنّ تعلمه مادام بهذا الهدف فيمكن أن نقول بأنه يجوز تعلّم العلم بما هو علم خصوصاً إذا دُعِم بهذا الدّاعي وهو أنّه يحتمل أنه يصيبه شيء في يوم من الأيام فهو يدفع ضرر السحر من خلال ما تعلّمه فيكون جائزاً ، والدليل على ذلك هو الأصل - ومقصوده من الأصل البراءة -.

وكيف تتمسّك بأصل البراءة مع أنّ موثقة اسحاق بن عمار قالت أنه من تعلّم السحر يقتل ؟ أجاب وقال:- إنّ هذه الموثقة تحمل على أنه تعلّم بهدف أن يعمل بعد ذلك بالسحر والقرينة هي أنها ذكرت الحكم بعد ذلك وهو القتل فهذا قرينة على أنه يكون الهدف هو العمل دون العلم بما هو علم.

فإذن الدليل الأوّل له هو الأصل ، مضافاً إلى ذلك بعض الأمور الجانبية من قبيل أن العلم بالشيء خير من الجهل به ، و ﴿ هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ﴾ ، مضافاً إلى ذلك آية هاروت وماروت التي دلّت على أنهما كانا يعلّمان الناس السحر إذ تدلّ على أنّ هذا جائزٌ وإلا كيف كانوا يعلمون الناس والناس يتعلّمون منهما ؟!! فإذا كان التعلّم حرام فكيف كانوا يعلمونهم السحر ؟!! فعلى هذا الأساس يمكن أن يحكم بجوازه وفاقاً لما أفاده الأستاذ في شرحه - أي الشيخ جعفر كاشف الغطاء في شرحه على القواعد -.

ويمكن أن يقال:- إنّ ما أفاده هو اجتهاد في مقابل النصّ حيث توجد رواية معتبرة تدلّ على أنّ من تعلم شيئاً من السحر يقتل فكيف تحمل هذه الرواية على من أراد العمل به ؟!! وكانت قرينته القتل ، كلا بل القتل هو لنفس التعلّم ، فنفس التعلّم هو موضوع وموجب للقتل فلماذا تأخذه لأجل العمل ، ثم ما معنى قولك ( العلم بالشيء خير من الجهل به ) و ﴿ هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ﴾ فإنه بعد وجود النصّ فهذا في الحقيقة وقوفٌ أمام النصّ ؟!! وهذا من الغرائب.

وأما ما ذكره من آية هارت وماروت وأنهما كانا يعلّمان الناس فيدلّ هذا على أنّ التعلّم جائز ، فهذا في الحقيقة قضيّة في واقعة ، فنحن لا نعلم ماذا كانت الظروف التي استدعت ذلك فلا يمكن التمسّك بها ، ولو سلّمنا انها ثابتة وتدلّ على هذا ولكن بعد وجود الرواية في شرعنا والتي تنهى عن ذلك - وهي موثقة اسحاق بن عمار عن أمير المؤمنين - فنبقي ذلك خاصّاً بتلك الشريعة ولا نعمّمه إلى شريعتنا.

إذن لا وجه إلى ما صار إليه من جواز تعلّم السحر بما هو علمٌ من العلوم ، بل هذا لا يجوز ، بل حكمه كما أفادت الرواية وهو أن حدّه القتل.

وينبغي أن لا يتمّ التطرّق إلى مسألة أنه يجوز تعلّم السحر بما هو علمٌ لأنَّ هذا يفتح المجال لهذا المرض العضال ، لأنّ الشخص إذا كان بيده هذا العلم وليس عنده ورعٌ فقد يفتح باباً للشرّ بدرجةٍ كبيرة ومن المناسب والممكن للفقيه ولو بالعنوان الثانوي بقطع النظر عن الرواية أن يفتي بالحرمة لأنّ هذا طريق بنفسه يزلّ فيه الانسان ، نظير أن يذهب الانسان إلى الأماكن التي فيها انحرافات واختلاط ويقول انا محافظٌ على نفسي فنقول له إنه مهما أمكنك لا تذهب إلى هذه الأماكن حفاظاً على نفسك من الزلل فنحذّره من البداية ، فالمقصود أن هذا ينبغي الالتفات إليه فإنه حتى لو فرض أنّه تمّ ما أفاده صاحب الجواهر(قده) لكن بالعنوان الثانوي لابدّ وأن نلتفت إلى أنه ينبغي للفقيه أن يفتي بالحرمة ولا أقل يقال بالاحتياط في الجواز - لا أنه فتوى بلزوم الاحتياط - ، فيقول ( في جوازه إشكال ) ، وهذا طريقٌ يمكن للفقيه أن يسلكه في موارد متعدّدة.

هذا كلّه من حيث التعلّم وقد اتضح أنه لأجل موثقة عمّار ينبغي الجزم بالحرمة خلافاً لصاحب الجواهر(قده) حيث يظهر منه الميل إلى الجواز.

وأما بالنسبة إلى حكم التعليم:- فيمكن أن يقال هو الحرمة رغم أنه لا توجد رواية في التعليم؛ إذ الرواية الموجودة عندنا هي واردة في التعلّم دون التعليم ولكن رغم ذلك يمكن الحكم بحرمته باعتبار الدلالة الالتزامية العرفيّة ، فإنه إذا حرم التعلّم حرم بالملازمة العرفية التعليم ، وهذا من قبيل أن يتعلم الطفل الألفاظ النابية فهذا مبغوضٌ فإذا جاء شخصٌ يعلمه هذه الألفاظ فلعلّ هذا مبغوضيته تصير بالأولوية وأشد ، فالإنسان يتعلّم هذا الشيء هو مبغوضٌ فكيف يأتي إنسان آخر ويعلّمه إيّاه ؟!! ، فإذن هناك ملازمة عرفية قاضية بالتحريم ، ولعلّه توجد أولويّة عرفيّة في هذا المجال.

بل ربما يقال شيئاً آخر:- وهو أنّ التعلّم لماذا صار مبغوضاً وحدّه القتل كما دلّت عليه موثقة اسحاق فهل بما هو تعلّم أو لأجل خوف الوقوع في يوم من الأيام في عمل السحر فالتعلّم مبغوض وصار حراماً لأجل أنه يحذر في يوم من الأيام الوقوع في العمل فنكتة العمل هي التي أوجبت مبغوضية التعلّم ومن الواضح أنّ التعليم أيضاً كالتعلّم يوجب احتمال الوقوع في يوم من الأيام في العمل فإذا كانت نكتة احتمال الوقوع في السحر هي التي اوجبت التعلّم ، فهي بنفسها إذن صالحة لأن تكون نكتة لحرمة التعليم فإنّ النكتة في التعليم وفي التعلّم واحدة من هذه الناحية فيمكن للفقيه أن يستند إلى هذه النكتة أيضاً إذا حصل له الاطمئنان بذلك ، وسواء تمت أم لم تتم تكفينا النكتة الأولى وهي أنّ حرمة التعلّم تدلّ بالالتزام العرفي على حرمة التعليم كما هو واضح.