38/05/03


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 31 ) حكم الفحش – المكاسب المحرمة.

ولنلاحظ الروايات لنرى أنها هل تدل على حرمة الفحش وبأيّ مقدارٍ تدل عليه وقد عرفنا أنَّ المسألة ليس فيها عدم خلاف وتحصيل الاجماع شيء صعب خلافاً لما ذكره السيد الخوئي(قده) ، والروايات متعدّدة ، وقد جمعها صاحب الوسائل(قده) في بابين[1] نذكر بعضها:

الرواية الأولى: الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضّال عن أبي المغرى[2] [ المعزى ] عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( من علامات شرك الشيطان الذي لا يشك فيه أن يكون فحّاشاً لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه )[3] .

وهي جيدة من حيث السند ، حيث إنَّ جميع رجال السند لا مشكلة فيهم غايته أنها موثقة بابن فضّال فإنه من الفطحية ، وقد ورد فيها ( من علامات شرك الشيطان ) وهذا إشارة إلى الآية الكريمة ﴿ وشاركهم في الأموال والأولاد ﴾[4] فإنه ورد في الرواية إنّه إذا لم يُسمِّ الانسان في الجماع فقد يأتي الشيطان ويشارك الانسان وعلامة مشاركته هو أنَّ يخرج الولد فحّاشاً ، فمعناها واضح وسندها تام.

ولكن يرد على الدلالة:

أوّلاً: إنها لا تدل على الحرمة أصلاً لأنها قالت: ( من علامات شرك الشيطان ) فهل تلتزم بأنَّ عدم التسمية عند الجماع حرام ؟! إنَّ نفس تعبير الرواية لا توجد فيه دلالة على الحرمة ، بل أقصى ما فيه هو الدلالة على الحزازة أما أنه حرام فلا.

ثانياً: إنَّ التعبير الوارد فيها هو ( أن يكون فحّاشاً ) والفحّاش هو من صيغ المبالغة ، فليس الفحش حراماً وإنما كون الفحش عادةً للشخص هو الحرام.

ويؤكد ذلك أنها قالت: ( لا يبالي ما قال وما قيل له ) فإنه حتى لو أردنا أن نقول بالحرمة فهذا المجموع هو المحرّم وهو أن يكون فحاشاً زائداً أن لا يبالي ما قيل فيه وما قال.

فإذن دلالتها ضعيفة.

الرواية الثانية: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الله حرّم الجنة على كل فحّاش بذيء قليل الحياء لا يبال ما قال ولا ما قيل له فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغيّة أو شرك شيطان ، قيل يا رسول الله وفي الناس شرك الشيطان ، فقال: أما تقرأ قول الله عزّ وجلّ "وشاركهم في الأموال والأولاد" )[5] ، فإنَّ الوارد فيها هو: ( إنك إن فتشته لم تجده إلا لغَّة أو شرك شيطان ) ولغَيّة مركّبة من كلمتين اللام وهي حرف جر و( غَِيّة ) بفتح الغين وبكسرها ولد الزنا ، فالحديث يريد أن يقول إنك إن فتشته لم تجده إلا ابن زنا أو قد شارك الشيطان في تولّده.

ويرد عليها من حيث الدلالة:

أوّلاً: إنَّ الوارد فيها لفظ ( فحّاش ) وهذه صيغة مبالغة ، فحينئذٍ لا يستفاد منها أنَّ الفحش حرام وإنما صفة الفحّاش هي المحرّمة.

ثانياً: إنَّ الوارد فيها إضافة إلى الفحّاش قيود أخرى مثل ( قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه ) وهذه القيود يمكن أن يكون لها مدخلية ، فإذن لا يمكن أن نستفيد منها أنَّ صفة الفحّاش هي المحرّمة.

ثالثاً: إنه حرّم عليه الجنّة ويمكن أن يقال إنَّ تحريم الجنة لا يدل على الحرمة ، وإنما الذي يدل على الحرمة هو ادخال النار أما تحريم الجنة فلا يلازم ادخال النار ، فلعله يُجعَل في مكانٍ آخر لا جنّة ولا نار ، يعني يوجد مكان وسط بين الجنّة والنار لأمثال هؤلاء ولعلّ المستضعفين من هذا القبيل كما لعلّ ذلك يستفاد من بعض الآيات الكريمة والروايات ونحن لا نريد أن ندخل في هذا البحث ونأتي بشواهد على ذلك حتى يأتي شخص ويناقش في ذلك بل أقول يكفيني الاحتمال الوجيه ، وليس الامكان العقلي وإنما هو احتمال وجيه..

نعم قد يورد إشكال على أصل الرواية: وهو شيء جانبي ، وهو أنَّ كلّ واحدٍ من المؤمنين سوف يدخل الجنّة لكن قد يتأخر فترةً من الزمن لكنه بالتالي يدخل الجنّة ، فعلى هذا الأساس هذه الرواية تدل على مضمونٍ مخالفٍ لما عليه الروايات الكثيرة ، يعني هو مخالفٌ للسنّة القطعية مثلاً.

ولكن يمكن أن يقال جمعاً بينها وبين تلك الروايات: إنَّ معنى قوله عليه السلام: ( حرّم عليه الجنة ) يعني ليس تحريماً أبدياً وإنما يحرّمها عليه لفترةٍ طويلة لا أنه يدخلها بعد الحساب مباشرةً وبالتالي سوف يدخل الجنة بعد تلك الفترة الطويلة ، ، ويوجد احتمال آخر وهو أنَّ الجنة هي جنّات وفيها مراتب فـ( حرّم عليه الجنّة ) يعني تلك الجنّة التي فيها أهل البيت عليهم السلام والصالحون والجنّة التي يدخلها الجميع هي الجنّة العادية ، فكل مؤمن يدخل تلك الجنّة العادية أما المؤمن المتقي فسوف يدخل في تلك الجنان العالية.

فإذن دلالتها ضعيفة.

أما من حيث السند : فقد رواها الشيخ الكليني(قده) عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد والسند إلى هنا لا مشكلة فيه ، أما عثمان بن عيسى فهو العامري الكلابي وقد تقدم الكلام عنه وقد قلنا إنه واقفي وقد كنّا في حيرة في كيفية توثيقه ، وذكرنا أنه كان من شيوخ الواقفة ووجههم وليس من البعيد أن يستفاد من تعبير ( وجههم ) أنه ثقة لأنَّ بعض الواقفة ثقة جزماً ، فحينئذٍ هذا يدل على وثاقته.

ونذكر كلاماً قد يكون طريقاً ثانياً لإثبات وثاقته: وهو أنَّ الشيخ الطوسي(قده) ذكر في كتاب العدّة أنه إذا فرض أنَّ الراوي للخبر موثوقاً بأمانته فحينئذٍ يؤخذ بروايته وإن كان ليس اثني عشرياً ، ثم مثّل بأمثلة أحدها هذا الرجل حيث قال إنَّ الطائفة عملت بأخبار جماعة منهم عثمان بن عيسى ، ونصّ عبارته: ( كان متحرّجاً في روايته موثوقاً في أمانته وإن كان مخطئاً في اعتقاده ولأجل ذلك عملت الطائفة بأخبار مثل علي بن أبي حمزة وعثمان بن عيسى )[6] ، فإذن قال عنه إنَّ الطائفة عملت بأخباره كما أنه وصفه بأنه موثوق بأخباره.

وهناك طريق ثالث: وهو أنَّ الكشي(قده) ذكر أنَّ ستة من أصحاب الامام الباقر عليه السلام أجمعت الطائفة على العمل برواياتهم ومن أصحاب الاجماع ، وأيضاً ستة من أصحاب الامام الصادق عليه السلام ، وستة أيضاً من أصحاب الامام الكاظم والرضا عليهما السلام ، وقال في تسمية الفقهاء الستة الأخيرة الذين هم من أصحاب أبي إبراهيم أبي الحسن الرضا عليهما السلام: ( أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر .... منهم يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السابري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن محبوب وأحمد بن محمد بن أبي نصر . وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب . وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوب عثمان بن عيسى )[7] ، فإذن قد يقال هو من أصحاب الاجماع.

ولكن هذا أقصى ما يثبت أنه احتمال كونه من أصحاب الاجماع وليست المسألة اتفاقية ، والذي نعدّه من أصحاب الاجماع هم الستّة الأوائل أما ما سوى ذلك فمختلف فيهم فلا ينفعنا شيء ، هكذا قد يخطر في الذهن وهو له وجاهة.

ولكن يمكن أن يقال: إنَّ وصول الشخص إلى مرتبةٍ بحيث يحتمل الأصحاب أنه من أصحاب الاجماع هي مرتبة عالية ، وهذا مثل ما نقول ( إنَّ هذا الشخص ممّن يعتمد عليه الامام جزماً ، وقيل أنَّ هذا الشخص الثاني كان أيضاً يعتمد عليه الامام ) فهذا معناه أنَّ الشخص الثاني قد وصل إلى المرحلة العالية ممّن يحتمل أن يكون مورد اعتماد الامام عليه.

فإذن يظهر أنَّ هذا الرجل مقامه سامٍ بحيث يحتمل أنه من أصحاب الاجماع ويوضع اسمه بدل واحدٍ من الستّة ، فعلى هذا الأساس يكون ثقة ، والأمر لك.

وأما عمر بن اذينة لا مشكلة فيه ، وأما أبان بن أبي عيّاش فلم يرد في حقّه توثيق ، أما سليم بن قيس فيمكن أن يوثّق ، فإذن المشكلة من ناحية أبان فإنه لم يوثّق ، فلذلك إذا عدّت هذه رواية فهي من ناحية أبان.

الرواية الثالثة: الحسين بن محمد الأشعري عن معلّى بن محمد عن أحمد بن غسّان عن سماعة قال: ( دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي مبتدئاً: يا سماعة ما هذا الذي كان بينك وبين جمّالك إياك أن تكون فحّاشا أو صخّاباً[8] [ سخّاباً ] فقلت: والله لقد كان ذلك أنه ظلمني ، فقال: إن كان ظلمك لقد أربيت عليه ، إنَّ هذا ليس من فعالي ولا آمر به شيعتي ، استغفر ربك ولا تَعُد ، قلت: استغفر الله ولا أعود )[9] .


[2] وهو يروي كثيراً عن ابي بصير.
[8] والصخّاب هو عالي الصوت ( شديد الصوت ).