38/07/01


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/07/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- ملاحظات - تشبه الرجال بالنساء في اللباس وبالعكس - المكاسب المحرمة.

وهكذا اختلفت كلماته في حرمة التشبّه نفسه فهل هو مكرو5 أو أنه حرام ففي بعض كلماته ذكر أنه مكروه وليس بحرام لأن الحرمة إن كانت فهي تستند الى اطلاق رواية جابر التي تقول ( لعن الله المتشبهين ..... ) وهي ضعيفة السند بعمور بن شمر ، هكذا ذكر ، نعم نقول بالكراهة لأجل موثقة سماعة ، يعني يقصد بذلك الرواية الأولى من الروايات الخمسة التي ذكرناها (..... فقال: اني لأكره أن يتشبّه الرجل بالمرأة )[1] فهو استند الى ذلك وحكم بالكراهة ، كما أنه عبّر عنها بالموثقة مع أنها منقولة في مكارم الأخلاق وليست موثقة ولكن هذا ليس بمهم ، لكنه في مود آخر قال التشبّه حرام بل من أكبر المحرّمات ، لعله يفهم من عبارته ذلك لأنَّ عبارته قد تحمل على بعض المحامل ، ونقرأ عبارته التي ذكر فيها أنَّ التشبه مكروه وليس حراماً :- ( إنَّ رواية جابر لا يمكن التمسّك بها لإثبات حرمة التشبه باللباس لأنها ضعيفة السند بعمور بن شمر فلا يمكن الاستدلال بها للتحريم حتى مع قصد التشبه فالأقوى أنَّ الحكم مبني على الكراهة استناداً الى موثقة سماعة المتقدمة )[2] [3] ، إذن هذه العبارة في المستند توحي بأنه يميل الى الكراهة ، ولكن تعالى المصباح الفقاهة تجد أنه ذكر بعد تعرضه للرواية الثانية والتي ذكرناها سابقاً عن مكارم الاخلاق والتي ورد فيها التشبّه باللباس فقيد اللباس موجود فيها حيث ذكر أنه ليس المقصود من التشبه هو لبس لباس حدهما للآخر لبعض الدواعي لبردٍ ونحوه ( بل أن يتزيا بزي الآخر كالمطربات اللاتي أخذن زي الرجال والمطربين الذين أخذوا زي النساء ومن البديهي أنه من الحرمات في الشريعة بل من أخبث الخبائث وأشد الجرائم وأكبر الكبائر )[4] [5] ، وهذه العبارة توحي على أنَّ لبس المرأة لباس الرجال وبالعكس بشكل دائمي أي يتزيا به بشكلٍ دائمي حرام بل من أكبر المحرمات ، فعبارته توحي بهذا والحال أن أصل الحرمة كيف تثبتها لأنَّ جميع الروايات الموجودة ضعيفة ، كما أنه كيف يقول هي من بكبر المحرّمات فإذن لابد من توجيه هذه العبارة وانه لابد وأن يكون قصده خصوص المطربين يعني أنَّ هذا عنواناً ثانوياً وهو يثير ويفسد الناس ويعلمهم على هذه الطريقة الملتوية فلابد من حمل عبارته على هذا وإلا فالأمر مشكل.

الملاحظة الثانية:- إنه بناءً على حرمة التشبه في اللباس - ونحن لم نبن على ذلك - فينبغي أن يكون المقصود هو التشبّه الدائمي أو شبه الدائمي أما أن يكون لفترة قصيرة كما في يصنع أهل الهزل حيث يلبس ملابس المرأة لفترة قصيرة لغرض التمثيل أو النساء تلبس ملابس الرجال لفترة ساعة مثلاً لغرض التمثيل أو ما شاكل ذلك من الأهداف أو في البيت يلبس الرجل حذاء المرأة لفترة قصيرة فإنَّ هذا منصرفة عنه روايات التحريم إن قلنا بدلالتها على التحريم وهذا واضح ، نظير لبس الذهب كما ، لو ذهب شخص الى الصائغ لغرض شراء خاتم من ذهب لوالدته أو لزوجته فيلبسه لغرض معرفة حجمه فيضعه في أصبعه فهل نستطيع أن نقول إنَّ مثل هذا محرَّم ؟ كلا إنَّ هذا منصرف عنه.

ونبيّن شيئاً جانبياً:- وهو أنَّ هذا الانصراف هل تسلّم به أو لم تسلم به ؟ نعم هذا انصراف جزمي ، ولكن ما هو منشؤه فهل هو كثرة الاستعمال أو كثرة الوجود ؟ إنَّ منشأه لا كثرة الاستعمال ولا كثرة الوجود وإنما هو في نفسه موجود أما منشؤه فلا يهمنا ، وهذا ما كنت أؤكد عليه في محاضرات سابقة وهو أنه متى ما حصل الانصراف وشعرنا به بالوجدان أخذنا به ولا نتقيّد بكونه ناشئاً من كثرة الاستعمال أو من كثرة الوجود فإن كان من كثرة الاستعمال فهو حجة وإن كان من كثرة الوجود فهو ليس بحجة فهنا لا توجد كثرة استعمال ولا كثرة وجود ، ولو قلت لي: من أين نشأ ؟ فأقول لك: إني لا أعلم من أين نشأ ولا يمهني ذلك ولكن اتفقنا على أنَّ هذا شعور وجداني واضح على أنه يوجد انصراف.

والخلاصة:- إذا كان اللبس لفترة قليلة فهذا لا مشكلة فيه بناء على حرمة التشبّه باللباس لأنه منصرف عنه.

الملاحظة الثالثة:- يذهب بعض الرجال في زماننا الى الحلاق ويصنع كما تصنع المرأة من تزجيج الحاجب وإزالة الشعر وغير ذلك أو يضيف بعض المكياج فهل هذا حرام أو لا ؟ إنه ليس بحرام ، إذ لا دليل على ذلك ، إذ أقصى ما هنا أن نتمسك بروايات التشبّه إذا قلنا يوجد فيها اطلاق ، فإذا قلنا إن الاطلاق شامل لهذا المورد فلا بأس به ، ونحن فيما سبق ناقشنا وقلنا إنَّ الاطلاق بدرجته الوسيعة لا يراد جزماً فتبقى المرتبة المتوسطة التي يدخل فيها هذا النحو وهي لا دليل على ارادتها بعد عدم ارادة المرتبة العالية التي هي مقتضى الظهور اللفظي فيصير الكلام مجملاً فيتمسّك بالقدر المتيقن وهو تأنّث الذكر وتذكّر الأنثى الذي هو عبارة عن المثليّين في زماننا هذا.

فإذن لا ليل من حيث الروايات لضعف دلالتها لما أشرنا إليه بل ومن جهة سندها ، فلا توجد حرمة ، ولكن ننصح بأن يكون الرجل رجلاً والأنثى أنثى ، ورجولة الرجل تكون برجوليته فهذا الشعر قد أعطاه رجولية فكيف يزيله ؟!!! كما أنَّ الأنثى جمالها بأنوثتها ونعومتها فكلٌ في حقله وهو كمال له أما أن يتجاوز عمّا هو كمال له فهذا ليس بصحيح.

وألفت النظر الى أنه ربما يحرم ذلك بالعناوين الثانوية ، كما لو كان الحلاق ما يفعل هذا الشيء وسوف يذهب إليه الكثير من الشباب ويفعلون هذا فإنَّ مثل هذا يحذر منه في المستقبل فهذا يمكن الحكم بحرمته بالعنوان الثانوي لأنه سوف يجرّ الى ويلات بعد ذلك.

فإذن نحن حينما قلنا لا مانع من ذلك يعني بالعنوان الأوّلي وهذا ينبغي الالتفات إليه ، فالفقيه يلزم أن يضع نصب عينيه العناوين الثانوية دائماً فلا يتسرّع في الجواب بالجواز اعتماداً على العنوان الأوّلي.

الملاحظة الرابعة:- ربما يستدل على حرمة تشبه الرجل بالمرأة في اللباس وغيره بما يستدل به على حرمة لباس الشهرة ، وقد ذكر صاحب الوسائل(قده) في باب أحكام الملابس باباً تحت عنوان ( حرمة لباس الشهرة )[6] ، والروايات قد اختلفت في ذلك فبعضها دل على أنَّ لباس الشهرة حرام ، وبعضها دل على أن الشهرة حرام وليس اللباس ، وقد اختلف الفقهاء في أنه كيف نفسّر الشهرة أو لباس الشهرة وما هو المقصود منه ، ولكن دعه الآن على اجماله ونحن الآن يوجد عندنا معنى ارتكازي وهو أن نحمله على لباس الشهرة ، فبعض الفقهاء استدل على حرمة لبس الرجل لباس المرأة وبالعكس بالروايات حيث قال: هذا الباس شهرة وهو مخالف لما عليه الشهرة وتشهَّر به المرأة وغير ذلك ، فإذا لبست المرأة العقال أو البنطلون مثلاً وخرجت أما الناس فهذا حينئذٍ سوف يكون لباس شهره وهو مخالف لما عليه النوع وتصير مشهورة به ويشار إليها بالبنان وينظر إليها بنظرة ثانية هذا هو لباس الشهرة.

وممن استدل بذلك صاحب الرياض(قده)[7] وصاحب الجواهر(قده) فإنه استدل بهذه الروايات ، ونذكر بعض عباراته حيث استدل بتزيين الرجل بما يحرم عليه بروايات الشهرة ، وقال ما نصّه:- ( لأنه من لباس الشهرة المنهي عنه في المستفيضة ) ، وذكر في مفتاح الكرامة أيضاً إنه في مسألة حرمة الغش في مسألة التزين بالحرام قال:- ( فسّر الحرام بلبس السوار والثياب المختصة بالنساء ..... مع أنه من لباس الشهرة المنهي عنه بالأخبار المستفيضة )[8] ، وأما صاحب الجواهر(قده) فقد ذكر من جملة المحرّمات تزيين الرجل بما يحرم عليه - يعني من اللباس - ثم نقل توقف بعض المتأخرين في الحرمة ، وهو أجاب وقال:- ( لكن قد يقال إن ما ورد من النهي عن لباس الشهرة ..... )[9] ، فإذن هو أيضاً أبرز هذا الاحتمال ، أما السيد اليزدي(قده) في العروة الوثقى عنده مسألة قال فيها ( يحرم لباس الشهرة )[10] ثم أخد يذكر احتمالات في المقصود ولم يذكره كدليل كما صنع هؤلاء الأعلام الذين نقلنا كلماتهم حيث قال في العروة :- ( يحرم اباس الشهرة بأن يلبس خلاف زيه من حيث جنس اللباس أو من حيث لونه أو من حيث وضعه وتفصيله وخياطته كأن يلبس العالم لباس الجندي أو بالعكس مثلاً ) ، وهنا لابد وأن يكون ناظراً الى الحالة غير الطارئة يعني لا توجد حرب ولا غير ذلك وكان الوضع هادئاً فلبس العالم للباس الجندي مثلاً في مثل هكذا وضع يعدّ لباس شهرة ، أما في مثل وضعنا الراهن الذي توجد فيه حرب فهو ليس ناظراً إليه ، ثم قال:- ( وكذا يحرم على الأحوط لبس الرجال ما يختص بالنساء أو بالعكس ) ، فإذن هذه قضية من القضايا فهل لباس الشهرة حرام أو ليس بحرام ؟ فإذا قلنا هو حرام فما هو لباس الشهرة ؟ ، ونقرأ أهم الروايات:-

الرواية الأولى:- محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( إن الله يبغض شهرة اللباس )[11] ، وهذه أحسن الروايات سنداً فسندها حيث لا مشكلة فيه ، وأما من حيث الدلالة فقد يتساهل البعض في ذلك فيقول إنه عليه السلام قال ( يبغض ) وهذا نستفيد منه الحرمة ، أما أصحاب مسلك حكم العقل لعلهم يأخذون بهذه الرواية لأنها حكمت بالبغض والعقل يحكم حينئذٍ بالحرمة عند عدم صدور ما يدل على الجواز ، أما إذا أنكرنا حكم العقل وقلنا أنَّ لفظ ( يبغض ) يدل على الأعم من التحريم فإن استفدت التحريم فمن حقك ولكني أرى من الصعب استفادة الحرمة منه.

الرواية الثانية:- محمد بن يحي عن أحمد بن محمد عن محمد بن اسماعيل عن أبي اسماعيل السراج عن ابن مسكان عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( كفى بالمرء خزياً أن يلبس ثوباً يشهره أو يركب دابة تشهره )[12] ، هذه الرواية تشمل ركوب السيارة أيضاً إذا كانت من موديل حديث جداً أو من موديل قديم جداً فكلاهما سوف تدل هذه الرواية على عدم جوازه.

وسندها ضعيف حيث هي مرسلة لأنَّ الوارد فيها ( عن رجل ) ، وأما دلالتها فهي قالت ( كفى بالمرء خزياً ) وهل هذا التعبير يدل على التحريم ؟! إنه ليس فيه دلالة على التحريم ، فإذن هذه الرواية أمرها مشكل.

الرواية الثالثة:- عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( الشهرة خيرها وشرها في النار )[13] ، وهي ضعيفة من حيث السند ، وأما دلالتها فهي قالت ( في النار ) فلعله يستفاد منها التحريم ، ولكن لعلك تقول: إنها قالت ( الشهرة خيرها وشرها في النار ) فلابد أن يكون مقصود من ( خيرها ) يعني لا تفعل شيئاً يكون لباس شهرة في زمانك ، فإذن دلالتها لا بأس بها ولكن سندها كما ترى.


[2] مستند العروة الوثقى، الشيخ مرتضى البروجردي، ج12، ص393.
[4] مصباح الفقاهة، الخوئي، تسلسل35، ص328.