38/07/06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/07/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تشبه الرجال بالنساء في اللباس وبالعكس – المكاسب المحرمة.

جواب السؤال الثاني:- الذي هو أنه هل يمكن التمسّك بروايات حرمة لباس الشهرة لإثبات حرمة التشبه أو لا ؟ إنه يظهر من بعض الأعلام كما نقلنا أسماءهم فيما سبق أنهم فهموا ذلك وقبلوا به ، يعني نفس روايات حرمة الشهرة هي تدل على حرمة التشبّه من قبيل سيد الرياض ومفتاح الكرامة وصاحب الجواهر فإنَّ هؤلاء قد تمسكوا بهذه الروايات ، يعني أنهم فهموا أنَّ مسألة التشبّه في اللباس هي مصداق من مصاديق لباس الشهرة.

ولكن يمكن إن يقال:- إنَّ النسبة بين العنوانين - أي عنوان لباس الشهرة وعنوان تشبه الرحال بالنساء في اللباس - ليست هي الأعم والأخص مطلقاً كما فهم هؤلاء الأعلام حيث فهموا أنَّ تشبه الرجال بالنساء مصداق للباس الشهرة فما دلّ على حرمة لباس الشهرة يدلّ حتماً على حرمة التشبّه ، كلا ليست النسبة هي الأعم والأخص مطلقاً ، وقصدي من الأخصّ مطلقاً هو التشبّه باللباس والأعم هو لباس الشهرة ، فأحد مصاديق لباس الشهرة هو التشبّه باللباس ، وإنما النسبة هي الأعم والأخص من وجه ، باعتبار أنه قد أخذ في لباس الشهرة التشهير والمذمّة والمنقصة ، يعني لابد وأن تكون حالة مذمومة وليست حالة ممدوحة كأن يلبس العمامة الحمراء أو يلبس الفروة بشكلٍ مقلوبة فإنه هذه حالة مذمومة ، فحينما يشار إليه فهو يشار إله بعين المنقصة والمذمّة ، فمأخوذ في لباس الشهرة عنصر المذمّة والمنقصة ، وهذا بخلافه بتشبّه النساء بالرجال في اللباس أو بالعكس فإنه لم يؤخذ هذا العنصر بل التشبّه بما هو هو وإن كان المتشبّه لا يحصل له منقصة ومذمّة عرفاً بل لعله شيء جيد من قبيل أن تلبس المرأة البنطلون فهذا في الحقيقة ليس فيه منقصة لها وإنما قد تخرج جميلةً أحياناً ولكن المتشرّعة لا يقبلون بذلك من باب أنه مخالف لقواعد الشرع وليس من باب أنه في نفسه عمل مذموم ، بخلاف لبس العمامة الحمراء أو الفروة المقلوبة فإنه في نفسه تشمئز منه النفس وتتنفّر ، فإذن عنصر المذمّة والمنقصة قد أخذ في لباس الشهرة بينما لم يؤخذ في التشبّه باللباس ، وعلى هذا تكون النسبة بينهما هي نسبة العموم من وجه ، فيجتمعان في مورد كما إذا تشبّهت المرأة بالرجل في اللباس ولكن كان بشكلٍ مذموم كما لو لبست عقال أو كشيدة فإنَّ هذا مذموم فيصير لباس شهرة ويصير تشبّهاً أيضاً ، وربما يكون فقط تشبّه النساء بالرجال من دون أن يكون لباس شهرة كما في لبسها للبنطلون ، وربما يكون بالعكس أي يكون لباس شهرة بلا تشبّه رجال بالنساء كما لو لبس العمامة الحمراء فهذا ليس فيه تشبّه الرجال بالنساء وبالعكس وإنما هو لباس شهرة ، وعلى هذا الأساس في مورد الاجتماع لا بأس بالتمسّك بروايات حرمة لباس الشهرة لأنَّ المورد يصير مصداقاً للباس الشهرة ، وأما في مورد الافتراق كما في البنطلون فحينئذٍ لا يصح التمسّك بروايات حرمة لباس الشهرة.

إذن لا يصح هذا الاستدلال بشكل مطلق وإنما يصح على نحو الموجبة الجزئية - أي في بعض الموارد - أعني بذلك مورد الاجتماع دون مورد الافتراق.

وبهذا ننهي حديثنا عن هذه الملاحظة بما اشتملت عليه من مطالب ونقاط.

الملاحظة الخامسة:- بناءً على حرمة التشبّه في اللباس ينبغي أن نلاحظ عنصر الزمان والمكان ، فربما يكون اللباس في زمان من الألبسة المختصّة بالرجال فيحرم على النساء حينئذٍ لبس ذلك ، ثم يأتي زمان يصير من اللبسة المشتركة وحينئذٍ يتغير الحكم الشرعي تبعاً لتغير الموضوع أو العنوان كما هو الحال بالنسبة إلى البنطلون فإنه في ذلك الزمان بالنسبة الى المرأة كفرٌ بل الرجال كذلك لأنه جاء من وراء الحدود ، فالرجال بشقِّ الأنفس لبسوه بعد ذلك أما النساء فلا يلبسنه ، أما في زماننا يمكن أن يقال إنه قد تحول من الألبسة العادية المعروفة ، نعم هو في بداياته يكون محرّما لأنه من لبس المرأة لباس الرجل ولكن بعد مرور فترة ولو بسبب العصيان تغيّر الموضوع فيتغير حينئذٍ الحكم الشرعي ، فحينئذٍ لا يبعد في زماننا أنه صار من الألبسة المشتركة ، فمتى ما صار من اللباس المشترك فيلحقه حكم اللباس المشترك ، وهذا من فروع كبرى ثبوت الأحكام بنحو القضية الحقيقية ، فإنَّ لازم كون الأحكام الثابتة بنحو القضية الحقيقة هو أنه متى ما تغير الموضوع تغير الحكم ، من قبيل ( الخمر حرام ) هذه قضية حقيقية يعني إن فرض أنه يصدق عنوان الخمر فهو حرام ، فإذا فرض أنا صنعنا شيئا أزلنا به عنوان الخمرية عن الخمر كما لو ألقينا فيه مادة أو ما شاكل ذلك فيتغير حينئذٍ الحكم ، وموردنا من هذا القبيل إذ الحرام هو التشبّه في اللباس المختص فإذا تغير وصار لباساً مشتركاً ارتفعت الحرمة آنذاك ، ونظير هذا ما ذكره الفقهاء في مسألة الربا في المكيل والموزون حيث قالوا إذا كان الشيء مكيلاً أو موزوناً في بلدٍ ولكنه كان معدوداً في بلدٍ آخر فكل بلدٍ له حكمه ، وهذا من نتائج كون الأحكام ثابتة بنحو القضية الحقيقة ، وهنا نقبل تأثير الزمان والمكان في عملية الاستنباط ، فإذا كان تأثير الزمان والمكان مقبولاً فمن مجالاته المقبولة هو هذا وهو أن يتغير الموضوع فيتغير الحكم تبعاً لتغير الموضوع.

الملاحظة السادسة:- إذا كان الشخص خنثى فهل يحرم عليه لبس الملابس المختصة بالنساء وهكذا الملابس المختصة بالرجال باعتبار أنها لو لبست ملابس نساء يحتمل أنها رجل وإذا لبست ملابس الرجال يحتمل أنها مرأة فتترك كلا اللباسين وتلبس اللباس المشترك بين الرجل والمرأة ؟ ولو قلت:- لا وجد لباس المشترك فالقاعدة تقتضي حينئذٍ أنه نجوّز لها أن تلبس اللباس المختص بمقدار الضرورة.

وقد تعرّض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذه المسألة في المكاسب[1] ، وقبله تعرض إليها صاحب مفتاح الكرامة[2] وهكذا في الجواهر[3] ونقل عن شرح استاذه كاشف الغطاء على القواعد أنه يحصل علم اجمالي بأنها تعلم بأنَّ أحد اللباسين حرام عليها فيلزم أن تترك كلا اللباسين تنجيزاً للعلم الاجمالي ، وعلّق صاحب الجواهر(قده) بقوله ( وهو جيد ) وأنهو المسألة بهذا الشكل.

إلا أنّ الشيخ الأعظم(قده) أزاد شيئاً وقال:- يمكن أن يقال إنَّ الحرمة خاصة بحالة علم المتشبِّه ، فالشخص الذي يتشبّه بالغير في اللباس لابد أن يكون عالماً بأنه أنثى حتى حينئذٍ تشمله حرمة لبس ملابس الرجال ، وحيث إنَّ الخنثى لا علم لها فالنتيجة سوف تصير أنه لا حرمة عليها.

وربما يورد عليه:- أنه من أين لك هذا القيد ؟ فالمفروض أنَّ دائرتك في باب الاطلاق وسيعة وليست ضيقة والروايات ليس فيها قيد العلم ، اللهم إلا أن يقصد ما سوف نشير إليه.

والمناسب أن يقال:- إنَّ روايات تشبه المرأة بالرجل في اللباس وبالعكس ناظرة إلى أن يتشبّه بالجنس الآخر وهذا معناه أنه في نفسه لابد وأن نفترض أنه ليس بمتشابه وإنما اللباس يجعله مشابهاً للغير ، فهو في نفسه واضح الحال ولكن من خلال اللباس يريد أن يتشبّه بالغير .

فالخلاصة:- إنَّ الروايات لا يبعد أنها ناظرة إلى الشخص الذي هو خارجاً معلوم الحال وليس متشابهاً وباللباس يصير شبيهاً بالغير ، فمثلا ورد في رواية جابر:- ( والمتشبهين من الرجال بالنساء ) والخنثى هي من أصلها متشابهة ، فإذن على هذا الأساس يصير قريباً تحصيلَ حاصلٍ فهو لا معنى له ، فالروايات ناظرة إلى غير المتشابه إذا أراد أن يتشبّه بالغير والخنثى في نفسها متشابهة فلا تكون مشمولة للروايات من هذه الناحية ، إذا كان الشيخ الأعظم(قده) يقصد هذا المعنى فهو شيء وجيه ، وأما إذا كان يقصد العلم في حدّ نفسه فهو كما قلنا لا دليل عليه ، هكذا يقال.

أو يقال بفكرة الانصراف ، فمن يقرأ الروايات يشعر بانصرافها عن حالة ما إذا كان الشخص متشابهاً في حدّ نفسه ، فإن سلّمت بالانصراف فبها ونعمت فيصير هذا وجهاً ثانياً غير الوجه الذي ذكرناه أوّلاً ، وإن رفضت الانصراف فنتمسّك بمبنانا في باب الاطلاق فنقول: لو ظهر المتكلم وقال إنَّ مقصودي من هذا التعبير - يعني ( والمتشبهين من الرجال بالنساء ) - هو الرجل الحقيقي والمرأة الحقيقة لا مثل الخنثى لا يعاب عليه ولا يقال له إذن لماذا لم تقيّد ؟ ، فإذن لا يستهجن منه الاطلاق ولا يلزم بالتقييد فالاطلاق يكون واقعاً في محله ، ومعه فلا يمكن التمسّك في هذا المورد بالاطلاق لإثبات عمومية الحكم للخنثى مادام لا يستهجن عدم التقييد.

إذن اتضح أنَّ ما أفاده الأعلام الذين ألحقوا الخنثى بالرجل والمرأة وأثبتوا لها علماً اجمالياً منجّزاً يشكل عليهم بذهين الاشكالين.

الملاحظة السابعة:- التشبّه بلباس الكفّار.

وهذه قضية أخرى وليست مسألة تشبّه الرجال بالنساء في اللباس وبالعكس ، فالمسلم يلبس لباس الكفار أي التشبّه بالكافر في لباسه هل هو جائز أو حرام ؟