35/11/11


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, السادس , الغبار الغليظ
اُستدل على المفطرية في محل الكلام بالنسبة الى الغبار مطلقا او خصوص الغليظ بعدة ادلة :
الاول: الاجماع المذكور في بعض الكلمات كما تقدم .
الثاني: قاعدة متصيدة من روايات متعددة وهي قاعدة المنع ومفطرية كل ما يصل الى الجوف سواء صدق عليه الاكل او لا , وقد ذكر هذا الدليل المحقق في المعتبر واستدل به على مبطلية الغبار .
الثالث: رواية سليمان بن حفص المروزي( قال : سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أوكنس بيتا فدخل في انفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين، فان ذلك لهمفطر مثل الأكل والشرب والنكاح)[1]
والمذكور في السند سليمان بن جعفر المروزي وقد تقدم سابقا انه اشتباه وان الصحيح هو سليمان بن حفص المروزي .
اما بالنسبة الى الدليل الاول (الاجماع) فأن الكلام عنه سيأتي لاحقا ان شاء الله تعالى .
واما الدليل الثاني فأنهم قالوا بأن هذه القاعدة متصيدة من جملة من الروايات منها ما ورد في باب الاحتقان حيث ان هناك جملة من الروايات التي تمنع من احتقان الصائم ومنها ما ورد[2] في صب الدهن في الاذن اذا كان يصل الى الحلق حيث انها تمنع منه, ومنها ما تمنع من السواك اذا كان فيه رطوبة[3] ويمكن ادخال ما ورد من جلوس المرأة في الماء وهي صائمة في محل الكلام .
يُدّعى انه يستفاد من هذه الروايات قاعدة عامة وهي منع كل ما يدخل الى جوف الصائم سواء كان عن طريق الحلق او عن طريق مسلك اخر .
ويلاحظ على هذه الدليل _ بقطع النظر عن المناقشة في هذه الروايات التي تتصيد منها القاعدة , فأن بعض هذه الروايات ليس لها علاقة بما يدخل الجوف, بل يفهم من بعضها حينما تجوّز الاحتقان بالجامد ان المسألة ليس مسألة منع كل ما يصل الى الجوف فأن الاحتقان بالجامد يصل الى الجوف, وهي تمنع خصوص الاحتقان بالمائع, وبعض ما ورد لم تثبت مفطريته كما في صب الدهن في الاذن _ ان غاية ما يثبت بهذه الروايات اذا اردنا ان نجعل منها قاعدة عامة هو المنع من ادخال المائع وما يشبهه , فالمنع من الاحتقان بالمائع وصب الدهن في الاذن اذا كان يصل الى الحلق وجلوس المرأة في الماء وشيء من هذا القبيل يفهم منه المنع عن كل ما يكون مائعا او كما عبر السيد الحكيم كل ما يكون له جرم , وحينئذ كيف يمكن الاستدلال بذلك في محل الكلام حيث اننا نتكلم عن ذرات دقيقة لطيفة تصاحب الهواء فيستنشقها الصائم مع انها ليست مائعا وليس لها جرم وليس لها وجود متميز ؟
نعم قد يُدعى بالجزم بعدم الخصوصية وعدم الفرق بين المائع وبين هذه الذرات المصاحبة للهواء وحينئذ يكون مطلبا اخر, لكن ليس هناك جزم بعدم الخصوصية ولعل المائع او ما له جرم له خصوصية تستلزم الافطار غير موجودة في هذه الذرات .
وعليه فالاستدلال بهذه القاعدة لو تمت _ وهي غير تامة _ ليس في محله .

اما الدليل الثالث وهو رواية سليمان بن حفص المروزي وهذا الدليل هو العمدة لمن استدل على المفطرية في المقام .
وقد تقدم الكلام في هذه الرواية وهي ضعيفة السند فأن سليمان بن حفص لم يرد فيه توثيق عام ولا خاص , فعدم ورود توثيق خاص واضح جدا , واما عدم ورود التوثيق العام فأن البعض استدل على وثاقته لوروده في اسانيد كامل الزيارات, والبعض الاخر استدل على حجية الخبر _ وليس وثاقة الراوي _ بأعتبار عمل المشهور بالرواية فتكون الرواية تامة سندا وذلك لأنجبار السند فيها بعمل المشهور .
لكن الظاهر ان كلا الامرين غير تام فالأمر الاول غير تام كبرويا, لأننا لا نؤمن بأن ورود الشخص في اسانيد كامل الزيارات يوجب وثاقته الا اذا كان ممن يروي عنه ابن قولويه مباشرة, وهذا ليس كذلك بلا اشكال فهو يروي عن الامام عليه السلام .
واما الثاني( انجبار الرواية ) فالظاهر انه غير تام ايضا لا من حيث الكبرى ولا من حيث الصغرى .
اما الكبرى فأننا لا نؤمن بأن عمل المشهور يجبر الضعف السندي .
واما الصغرى فأنه ليس من الواضح ان المشهور عندما ذهب الى المفطرية استند الى هذه الرواية , وذلك لوجود احتمال ان المشهور الذي ذهب الى المفطرية ناظر الى شيء اخر كما تقدم [4].
ومن هنا يظهر ان الرواية لا يمكن الاعتماد عليها لأثبات الحكم الشرعي ولا دليل على حجيتها .
ثم ان سليمان المروزي معروف في اوساط الفقهاء بأنه يروي الامور الغريبة والتي لا قائل بها, وقد ذكروا جملة من رواياته وذكروا بأنه يروي فيها امور عجيبة _ وقد تقدم الكلام في ذلك _ ومنها هذه الرواية فأنها فيها امور على خلاف المشهور (كالاستنشاق وشم الرائحة حيث جعلها مبطلة وتوجب الكفارة وان الكفارة معينة وهي شهران متتابعان) وهذا الكلام لم ينقله غيره ولهذا السبب ( انفراده بنقل الامور الغريبة ) فأنه اصبح مورد استفهام حتى لمن يذهب الى توثيقه .
مضافا الى ذلك فأن الرواية تتضمن ما لا يمكن الالتزام به كمفطرية الاستنشاق والمضمضة وشم الرائحة وترتب الكفارة على هذه الامور وتعيين الكفارة .
وعلى كل حال فالرواية فيها مناقشة من جهتين من حيث السند :
الاولى: ضعف الراوي وعدم ثبوت وثاقته ولهذا فنحن نرى ان الرواية غير تامة سندا .
الثانية :ان الرواية مضمرة حيث قال ( سألته ) ولم يذكر من هو المسؤول , فلعله غير المعصوم فلا يكون حجة .

وبحث المضمرات بحث سيال ومهم وينبغي التوسع به قليلا

يظهر من كلمات المتأخرين من قبيل الشيخ حسن صاحب المعالم والشيخ صاحب الحدائق ايضا_ له كلام في هذا الباب ينبغي ان يلاحظ _ ان الاقوال في المسألة ( المضمرات ) ثلاثة :
الاول :الحجية مطلقا .
الثاني: عدم الحجية مطلقا.
الثالث: التفصيل بين كون الراوي المضمر من الاجلاء والفقهاء (كزرارة ) وبين غيره (كسليمان بن حفص) فيقبل اضمار الاول دون الثاني.
اما القول الاول (الحجية مطلقا ) فقد اختاره جماعة منهم الشيخ حسن صاحب المعالم والشيخ صاحب الحدائق .
واستدل صاحب المعالم بمسألة تقطيع الاخبار وتبويبها فهو يرى ان هذا الامر هو السبب في الاضمار اي ان الاصول المعتمدة سابقا قبل التقطيع كانت تذكر الرواية وهي غير مبوبة, حيث ان الرواية التي تذكر يكون فيها من الابواب المتعددة بطبيعة الاسئلة التي توجه الى الامام عليه السلام, حيث انهم لم يكونوا يلتقون بالإمام عليه السلام دائما, فتطرح عليه اسئلة من ابواب متعددة (مثلا سؤال من باب الصوم واخر من باب الزكاة واخر من باب الخمس وهكذا ) والراوي يجمع هذه الاسئلة والاجوبة في كتابه (اصله ) فيقول في البداية مثلا سألت الامام الكاظم عليه السلام عن كذا فأجابني بكذا ثم يقول وسألته, وبعد تبويب الاخبار وادراج كل خبر في الباب الذي يناسبه _ وهذا ما حدث في فترة متأخرة_ فصلت هذه الاخبار ونقلت كما هي في الاصل فجاءت الرواية بهذه الصورة ( عن فلان عن فلان عن فلان قال سألته ) ولم يلاحظ ان الضمير في اصل الكتاب كان مرجعه واضحا , فنشأ هذا الاضمار من تقطيع الاخبار وليس فيه مشكلة .
واستدل صاحب مقباس الهداية بأن ظاهر حال اصحاب الائمة عليه السلام بأنهم لا يسألون الا منهم ( اي من الائمة عليهم السلام ) ولا ينقلون الى العباد حكما شرعيا الا عنهم .

اما القول الثاني ( القول بعدم الحجية مطلقا ) فأن دليله انه على القاعدة , لعدم معرفة المسؤول هل هو المعصوم؟ او لا ؟ وعليه فهناك احتمال ان المسؤول هو غير المعصوم وهذا الاحتمال موجود في كل مضمرة الا في حالات معينة .
وحينئذ لا يمكن الاعتماد على مثل هذه الروايات الا اذا جزمنا بقرائن خاصة بأن هذا الضمير يعود على المعصوم عليه السلام .

واما القول الثالث ( التفصيل ) فالظاهر انه اختاره الاكثر من المتأخرين, ومستنده هو ان الراوي اذا كان من الثقات الاجلاء كمحمد بن مسلم وزرارة فلا يُحتمل في حقه ان يستفتي غير المعصوم , اي اننا نقطع ان الضمير يعود على المعصوم عليه السلام , وهذا بخلاف الشخص الذي هو غير معروف بالجلالة فأنه يحتمل انه يروي عن غير المعصوم .
قلنا ان القاعدة في المقام تقتضي عدم الحجية ولا يكون حجة الا مع احراز عود الضمير على المعصوم .
وعليه فإذا تم ما ذكروه من عدم احتمال عود الضمير على غير المعصوم في مضمرات الاجلاء فأن احراز ان القائل هو المعصوم يكون احرازا وجدانيا ولا كلام لنا فيه , وهو لا يتم الا بالنسبة الى بعض الرواة .
واما غير هؤلاء اي من نحتمل في حقهم انهم يسألون غير المعصوم, وهذا الاحتمال ليس اعتباطيا فأنه وصلت الينا بعض الاخبار التي فيها ان بعض اصحاب الائمة عليهم السلام استفتى غير المعصوم عليه السلام, فهناك روايات (نترك نقلها اختصارا) في احدها مثلا يقول احد الرواة انه استفتى في بعض الامور ابا حنيفة , وهكذا في صحيحة ابي ولاد المتقدمة حيث انهم رجعوا الى القاضي للأستفتاء , وهكذا .
فهذا يعد منشأ لأحتمال ان يكون الضمير عائدا الى غير المعصوم في رواية غير الاجلاء .
وعلى كل حال لا اشكال في الحجية مع الاحراز الوجداني وانما الكلام مع عدمه اي مع الشك او احتمال ان الضمير يعود على غير المعصوم .
وهناك عدة وجوه مستفادة من كلماتهم لأثبات حجية هذه المضمرات (اي المضمرات التي يضمرها من يحتمل ان يكون نقله من غير المعصوم )
وهناك وجوة اربعة تذكر في المقام لابد من التعرض اليها :
الوجه الاول :وهو ما ذكره صاحب المعالم ( اي تقطيع الاخبار وتبويبها ) حيث ان هذا الوجه اُعتبر وجها لتصحيح جميع المضمرات لأن كل رواية واصلة الينا بلسان ( سألته ) هو ناشئ من تقطيع الاخبار , وهذا الوجه وان كان مقبولا لتفسير الاضمار في الروايات .
لكنه اولا : لا دليل على صحة دعواه من ان جميع المضمرات ناشئة من التقطيع , لأنه لا يمكن اثبات ذلك في كل رواية , نعم هذا يتم في الجملة وهذا غاية ما نستطيع ان نقوله الا انه لا ينفعنا في المقام لعدم امكان تمييز الروايات التي نشأ الاضمار فيها من تقطيع الاخبار من الروايات التي نشأ الاضمار فيها من سبب اخر .
وثانيا : ان تقطيع الاخبار لا يصلح ان يكون دليلا على تشخيص مرجع الضمير في المضمرات لكي نقول بأن مرجع الضمير هو المعصوم كما هو المدعى , وانما هو يصلح ان يكون توجيها للأضمار بعد فرض معرفة مرجع الضمير , كما لو علمنا ان مرجع الضمير هو (زيد) فنسأل عندما يرد الاضمار في قول الراوي سألته لماذا لم يقل الراوي سألت زيدا ؟
ولماذا قال الراوي سألته ؟
فتأتي مسألة التقطيع لتجيب عن هذا التساؤل وتفسر لنا سبب الاضمار , وهو ان التبويب والتقطيع هو سبب الاضمار , اي ان التفسير والتقطيع يفسر لنا ظاهرة الاضمار .
واما اذا لم نعلم مرجع الضمير (كما هو محل الكلام ) حيث اننا نشك في مرجعه هل هو يرجع الى المعصوم ام الى غيره ؟
فلا يمكن اثبات عود الضمير الى المعصوم بدعوى تقطيع الاخبار , لأن تقطيع الاخبار كما يمكن ان يحصل في الروايات المروية عن المعصوم يمكن ان يحصل في الروايات المروية عن غير المعصوم , كما لو سأل الراوي ابا حنيفة ثم قطع خبره بعد ذلك .