35/11/19


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, السابع , الارتماس
ذكرنا ان عمران بن موسى ورد في التهذيب (أبو القاسم جعفر بن محمد قال : حدثني أخي علي بن محمد عن أحمد بن إدريس عن عمران بن موسى الخشاب عن علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول لأبي حمزة الثمالي....)[1] فقد ورد عمران بن موسى الخشاب بهذا العنوان في هذه الرواية فقط , وجزم السيد الخوئي (قد)[2] بالاشتباه في هذا السند, وقال بأنه سقطت فيه كلمت (عن) بين عمران بن موسى وبين الخشاب , اي ان السند ينبغي ان يكون هكذا (عمران بن موسى عن الخشاب) ويستدل على ذلك بأن هذه الرواية نفسها وردت في كامل الزيارات, وهو الذي يروي عنه الشيخ الطوسي فأن ابو القاسم جعفر بن محمد هو ابن قولويه صاحب كامل الزيارات, والرواية في كامل الزيارات جاءت هكذا (حدثني أخي علي بن محمد بن قولويه، عن أحمد بن إدريس بن أحمد، عن عمران بن موسى، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سمعته يقول لأبي حمزة الثمالي..)[3] فأن هذا السند نفسه الذي ذكره الشيخ الطوسي لكنه توجد فيه كلمة (عن) بين عمران بن موسى والخشاب.
وهذه الرواية قرينة واضحة على ان عمران بن موسى المذكور في السند في التهذيب ليس هو عمران بن موسى الخشاب , والظاهر ان عمران بن موسى المذكور في هذا السند هو عمران بن موسى الزيتوني المتقدم الذي عنونه النجاشي .
ويؤيد ما ذكره السيد الخوئي من سقوط كلمة (عن) في السند الذي ذكره الشيخ الطوسي هو ان عمران بن موسى يروي عن الحسن بن موسى الخشاب كما نص على ذلك النجاشي في ترجمة الحسن بن موسى الخشاب, بل اكثر من ذلك فالظاهر ان عمران بن موسى هو الذي يروي كتب الحسن بن موسى الخشاب وقد تبين هذا عند ذكر النجاشي طريق كتب الحسن بن موسى الخشاب (أخبرنا محمد بن علي القزويني قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى قال : حدثنا أبي قال : حدثنا عمران بن موسى الأشعري عن الحسن بن موسى .)[4]
والظاهر _ كما يقول السيد الخوئي _ اتحاد جميع هذه العناوين في شخص واحد , وهو قمي اشعري زيتوني , اما عمران بن موسى الخشاب فليس له وجود اصلا , وان اتحاد الطريقين المتقدمين[5] الذين ذكرهما النجاشي يشير بشكل واضح الى اتحاد هذه العناوين في عمران بن موسى (القمي الزيتوني الاشعري ) وقد نص[6] النجاشي على توثيقه , وبناءا على هذا تكون الرواية معتبرة سندا .
واذا كانت الرواية معتبرة سندا فيقع التعارض بين هذه الموثقة الدالة على عدم وجوب القضاء (حيث يستفاد من ذلك صحة الصوم) وبين الروايات الكثيرة السابقة التي قلنا بأن لها ظهور في المفطرية , وقد ذُكرت وجوه لحل هذا التعارض :-
الوجه الاول: حمل النصوص السابقة على الحرمة التكليفية فقط , والقرينة على هذا الحمل هي الموثقة المتقدمة فأنها تنفي المبطلية وتنهى عن الارتماس ( ولا يعودن) , ولعل بعض من قال بالقول الثاني _ القائل بأن الارتماس يؤدي الى الحرمة التكليفية فقط_ استند الى هذا الجمع .
وتخريج هذا الجمع هو اننا نرفع اليد عن الظهور الثانوي لتلك الروايات , فأننا قلنا ان النهي عن الارتماس الوارد في الطائفة الاولى من الاخبار له ظهور اولي في الحرمة التكليفية لكن حيث يقع النهي في المركب كالصوم والصلاة يكون له ظهور ثانوي وهو الظهور في الارشاد الى الفساد.
وهذا الجمع يقول برفع اليد عن الظهور الثانوي والقرينة على ذلك هو الموثقة, وحينئذ لا يكون هذا الجمع تبرعيا وبلا دليل لأن الدليل عليه هو الموثقة .
ونظير هذا الجمع مثلا, النهي عن الجدال في الحج فمقتضى الظهور الثانوي هو ان من يجادل في الحج يفسد حجه , ولكن لا يلتزمون بذلك لقيام الدليل على صحة الحج فحملوا هذا النهي على النهي التكليفي اي انهم رجعوا الى الظهور الاولي, فقالوا بأن هذه الامور منهي عنها نهيا تكليفيا (تحريميا كان او كراهتيا) ورفعوا اليد عن الظهور الثانوي مع ان النهي عن الجدال في الحج تماما كالنهي عن التكلم في الصلاة , فكما ان النهي عن التكلم في الصلاة له ظهور في الارشاد الى الفساد المفروض ان يكون هذا كذلك , لكنهم لم يلتزموا به لقيام الدليل على ان الجدال في الحج لا يفسده .
وكلامنا في المقام من هذا القبيل فأنه وان كان هناك روايات لها ظهور في الارشاد الى الفساد الا ان الدليل قام على عدم الفساد والدليل هو هذه الموثقة .
هذا هو الجمع الاول ومقتضاه الالتزام بالقول الثاني (الحرمة التكليفية دون القضاء والكفارة ).
لوحظ على هذا الجمع بهذه الملاحظة : ان هذا الجمع وان كان يمكن ان يتم في بعض الروايات كالروايات الواردة بلسان (لا يرتمس الصائم في الماء ) مثلا الا انه لا يتم في جميع روايات الطائفة الاولى, لأن فيها ما يأبى هذا الجمع من قبيل صحيحة محمد بن مسلم (لا يضر الصائم اذا امتنع عن امور ... الارتماس) فأن ظاهرها ان الارتماس يضر بالصائم وقلنا انه لا يضر بالصائم لشخصه وانما يضر به لصومه والاضرار بالصوم يعني يكون موجبا لفساده, وعليه فأن هذه الرواية تأبى الحمل على الحرمة التكليفية , واوضح من ذلك رواية الخصال أحمد بن أبي عبدالله، عن أبيه، رفعه( إلى أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : خمسة أشياء تفطر الصائم : الاكل، والشرب، والجماع، والارتماس في الماء، والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الائمة ( عليهم السلام))[7]
حيث انها تصرح بأن الارتماس مفطر فكيف تحمل على الحرمة التكليفية ؟؟!
والملاحظة الاخرى: التي لعلها تلغي الملاحظة الاولى وهي ان مسألة رفع اليد عن ظهور الدليل ليس مسألة كيفية, وانما لابد من ان يقوم دليل يستند اليه في رفع اليد عن ظهور الدليل كما في حالات الاضطرار الى رفع اليد عن ظهور دليل وعدم امكان الجمع بين الدليلين الا بهذا الطريق يمكن الالتزام به وحمل الروايات السابقة على النهي التكليفي , اما اذا كانت المسألة لا تصل الى هذه الدرجة بحيث يمكن الجمع بينهما من دون رفع اليد عن ظهور روايات الطائفة الاولى فحينئذ نلتزم بظهورها الثانوي المنعقد بلا اشكال( وهو الارشاد الى الفساد) ونلتزم في نفس الوقت بالموثقة .
ويمكن الجمع بينهما بما تقدمت الاشارة اليه من ان تُحمل نصوص الطائفة الاولى الى الارشاد الى المانعية لكن بلحاظ مرتبة الكمال للصوم لا بلحاظ اصل الصوم , اي ان الارتماس يكون مفسدا للصوم بتلك المرتبة العالية له وليس مفسدا لأصله .
اقول ان الملاحظة الاولى تندفع بهذه الملاحظة, لأنها كانت تقول ان بعض الروايات (كصحيحة محمد بن مسلم ) تأبى الحمل على الحرمة التكليفية, ولكن هذه الملاحظة الثانية اذا تمت فأنه لا تبقى رواية آبية عن هذا الحمل الوارد فيها .
فأن هذا الحمل لا تأباه اي رواية من تلك الروايات حتى رواية محمد بن مسلم حيث انها افادت بأن الارتماس يضر بالصائم, فيمكن ان تحمل بأنه يضر بالصائم لكن في تلك المرتبة الكاملة, او رواية الخصال التي تقول بأن الارتماس مفطر فأنه يمكن ان يحمل على انه مفطر بالنسبة الى تلك المرتبة الكاملة لا بالنسبة الى اصل الصوم .
الوجه الثاني : ان نجمع بين الروايات بالقول بأن تلك الروايات ظاهرة في الارشاد الى الفساد و هذا يبقى كما هو غاية الامر اننا نرفع اليد عن كونها ظاهرة في فساد اصل الصوم, ونحملها على انها في مقام الارشاد الى الفساد في المرتبة العالية للصوم , والاخلال بالمرتبة العالية للصوم لا يضر بصحته ولا يوجب القضاء او الكفارة , فيرتفع التعارض بينهما .
ومن هنا قد يقال بأن الجمع الثاني اولى من الجمع الاول اذ يتم فيه المحافظة على الظهور الذي سلمناه في روايات الطائفة الاولى , من انها ظاهرة في الارشاد الى المانعية والفساد وان كانت هذه المانعية من بلحاظ مرتبة الكمال على مايقتضيه هذا الوجه لا بلحاظ اصل الصوم , بخلاف الجمع السابق فأنه كان يقتضي الغاء هذا الظهور بالمرة .
مضافا _ اي مما يؤيد هذا الجمع_ الى ما قالوه من ان هذا هو مقتضى الجمع العرفي بين ما دل على النهي عن شيء وبين ما دل على الرخصة فيه حيث ان النهي يُحمل على الكراهة التكليفية ان كان النهي تكليفيا وعلى الكراهة الوضعية ان كان النهي وضعيا , ومثال ذلك ما ورد[8] في نهي المرأة الصائمة عن ان تستنقع في الماء حيث حملوا هذا النهي على الكراهة الوضعية والتزموا بأنه ارشاد الى نقص الصوم بهذا الفعل , وسبب هذا الحمل هو قيام الدليل المعتبر على ان هذا الفعل لا يفسد الصوم .
ونفس الكلام يقال في الغيبة حيث عُدت في بعض الروايات[9] من المفطرات وحُملت ايضا على الكراهة الوضعية اي انها من المفطرات بلحاظ مرتبة الكمال, وذلك لقيام الدليل على انها ليست مفسدة لأصل الصوم .
وهذه الامثلة على حمل النهي الوضعي على الكراهة الوضعية لا على التحريم الوضعي, واما الامثلة على حمل النهي التكليفي على الكراهة التكليفية عندما يكون دليل على الترخيص فهذا اوضح , حيث انه كلما كان هناك ترخيص في مورد فيه نهي يُحمل النهي على الكراهة , والسر في ذلك ان ظهور النهي في التحريم اضعف من ظهور الاباحة في الترخيص , اي ان الدليل الدال على الاباحة اظهر في الترخيص من ظهور الدليل الدال على النهي في التحريم , فلذا يقدم من باب تقدّم اقوى الدليلين على الدليل الاخر ويجمع بينهما جمعا عرفيا .
ويأتي هذا الكلام في غير الصوم ايضا كما في النهي عن الوضوء في الماء المسخن بالشمس , فيحمل على الكراهة الوضعية ونقص في الوضوء اذا فعل ذلك ولا يُحمل على بطلان الوضوء , بل اكثر من ذلك فأن كراهة العبادات تعني هذا الشيء اي انها تعني الارشاد الى قلة الثواب والمراد بقلة الثواب هو ان العبادة صحيحة ولا اشكال فيها, الا ان هناك نقص في كمالها يستوجب قلة الثواب.
ومن هنا يظهر ان الاشكال الذي ذكره السيد الخوئي _ في اكثر من مناسبة كما ذكره غيره وهو عدم امكان تعقل الكراهة الوضعية _ غير وارد حيث ان تعقل الكراهة الوضعية امر ممكن كما تقدم .


[5] تقدم ذكر ذلك عند ذكر العنوان الثاني والثالث لعمران بن موسى .