36/02/01


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة لا عن عمد.
تقدم ان الاستدلال بالروايات المتقدمة_ على بطلان الصوم عند الاصباح جنبا لا عن عمد_ مبني اما على دعوى انها واردة في غير العمد فيمكن الاستدلال بها في محل الكلام, واما على الاقل بأنها مطلقة من حيث العمد وعدمه؛ واما لو فرضنا بأنها مختصة بصورة العمد فمن الواضح عدم صحة الاستدلال بها في المقام, ومن هنا قد يقال بأن ظاهر الصحيحتين لعبد الله بن سنان هو الاختصاص بصورة العمد فلا يصح الاستدلال بهما في المقام , ويأتي هذا الظهور بدعوى ان الظاهر من نسبة الفعل الى الفاعل في قوله في الصحيحة الاولى (ولا يغتسل حتى يجيء آخر الليل)[1] وقوله في الثانية (فلم اغتسل حتى طلع الفجر)[2] ظاهرة في تعمد ترك الغسل لأن الاصل في نسبة الفعل الى الفاعل ان يكون على وجه العمد ؛ فإذا قيل مثلا ان فلانا سافر الى بغداد فالظاهر انه سافر مختارا متعمدا, وهنا عندما يقال (فلم يغتسل) فأن هذا يعني انه مختار ومتعمد في ذلك , فتكون الروايات مختصة بصورة العمد ولا يصح الاستدلال بها في محل الكلام .
وقد طرح هذا الوجه السيد الحكيم في المستمسك واجاب عنه, ومنع من هذا الظهور وذكر بأن هذا الاصل _ أي ان الاصل في ان نسبة الفعل الى الفاعل انه وقع منه على وجه العمد _لا اصل له وحينئذ لا موجب لتخصيص الروايات بصورة العمد .
والذي يمكن ان يقال هو اننا لو سلمنا بأن هذا الاصل صحيح, فأن ذلك يكون بنسبة الفعل الى الفاعل , لكنه غير واضح في نفي النسبة عن الفاعل فإذا قيل مثلا ( ان فلانا لم يحضر الدرس) فأنه لم يظهر في العمد والاختيار بل يصدق حتى لو غلبه النوم.
فالإنصاف ان نفي النسبة ليس فيها ظهور في العمد بل هي اعم من العمد وعدمه , والاستدلال في محل الكلام في نفي النسبة وليس في ثبوتها حيث قالت الرواية (ولا يغتسل, فلم اغتسل) وهذا ليس فيه ظهور في العمد وانما هو اعم من العمد وعدمه , فلا يصلح ان يكون قرينة على اختصاص الرواية في صورة العمد ؛ على ان الغاية في الصحيحة الاولى هي اخر الليل حيث ورد فيها (ولا يغتسل حتى يجيء آخر الليل) وعليه فلو سلمنا ذلك الاصل المذكور فغاية ما يثبت به هو تعمد ترك الغسل الى اخر الليل وهو لا يعني تعمد البقاء على الجنابة وانما يثبت به تعمد ترك الغسل الى اخر الليل , بل يمكن جعل قوله في اخر الرواية (وهو يرى أن الفجر قد طلع) فيه ظهور في مفاجأة طلوع الفجر له وهذا يعني عدم التعمد ,وعليه فدعوى اختصاص هذه الصحيحة بصورة العمد غير تامة, بل الصحيح انها اما ان تكون ظاهرة بصورة عدم العمد او على الاقل من القول بأطلاقها لصورة العمد وعدمه , وعلى كلا التقديرين يصح الاستدلال بها .
اما الصحيحة الثانية لعبدالله بن سنان فلا يوجد فيها ما يشير لأختصاصها بصورة العمد سوى الاصل المتقدم وقد انكرناه على الاقل في محل الكلام (في نفي النسبة لا في ثبوتها) وحينئذ يتبين ان الصحيحة الثانية لا وجه لأختصاصها بصورة العمد وانما تكون مطلقة فيصح الاستدلال بها في محل الكلام ايضا.
واما موثقة سماعة[3] ففيها سؤالان الاول وارد في شهر رمضان وهو قوله (( قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى أدركه الفجر ؟ فقال ( عليه السلام ) : عليه أن يتم صومه ويقضي يوما آخر )
وهذا يعني ان صومه فاسد , والاستدلال يقول ان ظاهر السؤال في صدر الرواية هو عدم العمد لأنه يقول (فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى أدركه الفجر) واذا لم نقل بأن ظاهرها عدم العمد فلا اقل من القول بالإطلاق الشامل لصورة العمد وعدمه , أي كما قلنا في الصحيحتين المتقدمتين (ليس فيهما ما يوجب اختصاصهما في صورة العمد) .
وفي ذيل الرواية ورد (فقلت : إذا كان ذلكمن الرجل وهو يقضي رمضان ؟ قال : فليأكل يومه ذلك وليقض فانه لا يشبه رمضان شيء من الشهور )
حيث فرض نفس الفرض الذي في السؤال الاول (حيث قلنا انه على الاقل من ان يكون هو الاطلاق) والجواب عنه ( أي عن هذا الفرض) هو قوله عليه السلام (قال : فليأكل يومه ذلك وليقض) وفيه دلالة على الفساد مطلقا (سواء تعمد ام لم يتعمد).
وحينئذ يبطل الصوم عند الاصباح جنبا لا عن عمد في قضاء شهر رمضان .
والمشكلة في هذا الاستدلال هو ان السؤال الاول حكمت فيه الرواية بالبطلان ونحن نعلم بأعتبار الفتاوى والروايات على ان البقاء على الجنابة لا عن عمد في شهر رمضان لا يبطل الصوم ؛ وهذا موجب لحمل صدر الرواية على صورة العمد لكي ينسجم ذلك مع الحكم بالبطلان في شهر رمضان , وحينئذ يكون هذا المعنى (بعد الحمل ) هو المفروض في السؤال الثاني , او لا اقل من انه يوجب الاجمال فيه ويمنع من الاستدلال بهذه الرواية , لكن الاستدلال بالصحيحتين فيه الكفاية وتدلان على المطلب بوضوح, وبناء على هذا فأن ما ذكره السيد الماتن من ان الاقوى هو البطلان في القضاء هو الاقرب والاصح وان خالف فيه جماعة من المعاصرين (المتأخرين جدا) وذهبوا الى عدم البطلان .
وقد صرح بعض من ذهب الى عدم البطلان بأن السر في ذلك هو ان الروايات المستدل بها على البطلان مختصة بصورة العمد ولا تشمل صورة عدم العمد.
ويبدو لأول وهلة ان اطلاق الصحيحتين هو عدم الفرق في البطلان بين القضاء الموسع والمضيق , وقد تقدم ذكر النكتة التي تقتضي التفريق بين القضاء الموسع والمضيق , حيث ان القضاء الموسع بما انه له بدل في عرضه فأنه لا يمكن الاكتفاء بالصوم الناقص وحينئذ فلابد من الالتزام بالبطلان فيه , اما القضاء المضيق حيث انه لا يوجد له بدل في عرضه فينحصر امره بالصوم الناقص فيحكم فيه بالصحة.
وهذا الكلام تقدم بناء على هذا التوجيه وقد تقدم منا اننا لا نبني على هذا التوجيه بشكل كامل ,وان كان محتملا لكنه لا يصلح لأثبات الاحكام الشرعية كما قلنا.
وحينئذ لا يبقى سوى الروايات فأن قلنا بأنها مطلقة فلابد من الالتزام بالبطلان في مطلق القضاء سواء كان مضيقا ام موسعا .
لكن قد يستظهر من الصحيحتين المتقدمتين الاختصاص بالقضاء الموسع ؛ ويمنع الاطلاق فيهما , وذلك بقوله عليه السلام (ويصوم غيره) في الصحيحة الاولى وقوله (وصم غدا) في الصحيحة الثانية , فيستظهر من ذلك بقاء وقت القضاء لهذه السنة, وهذا يعني ان الواجب موسع وحينئذ تختص الرواية به وتدل على البطلان فيه ولا تشمل القضاء المضيق فلا يحكم فيه بالبطلان .
والذي نقوله هو ان الكلام في مسألة الموسع والمضيق في القضاء مبني على رأي فقهي _ لعله المشهور_ والذي يقول بحرمة تأخير قضاء شهر رمضان الى رمضان اخر , وهذا يعني ان القضاء سيكون له وقت خاص فيمكن حينئذ تصور تقسيم الصوم الى موسع ومضيق , فيقال بأن الصوم في اوائل السنة موسع وفي نهاية شعبان مضيق, كما لو كان عليه صوم يوم واحد ولم يبقى من شعبان الا يوم واحد .
فالكلام في هذا الفرض ( المضيق من القضاء ) كما لو كان عليه قضاء يوم واحد وكان في اخر يوم من شهر شعبان واصبح جنبا لا عن عمد , فهل يبطل الصوم حينئذ ؟؟ ام لا ؟
ان قلنا بأطلاق الصحيحتين فأنه يبطل كما هو الحال في الموسع , وان لم نقل بذلك فلا نلتزم بالبطلان حينئذ .
اما بناء على القول الاخر _ وهو عدم حرمة تأخير القضاء الى رمضان الاخر _الذي اختاره جماعة من الفقهاء ومنهم صاحب العروة, فيصعب حينئذ تصور تضيّق قضاء شهر رمضان , وحينئذ يكون قوله عليه السلام في الروايتين (ويصوم غيره, وصم غدا) ظاهرا في بقاء وقت القضاء ( أي ليس من هذه السنة كما قيل) , فلا يكون لهذه العبارة اختصاص بالموسع , بل لا يوجد موسع ومضيق وانما يكون القضاء موسعا دائما.
نعم يمكن تصور تضيّق الوقت من جهة اخرى _لا من جهة نهاية السنة _ كما لو علم بأنه سيُبتلى بمرض ولا يستطيع القضاء بعد ذلك , وحينئذ لا تشمله الرواية لأن الظاهر من قول الامام عليه السلام(ويصوم غيره, وصم غدا) هو التمكن من الصوم في غير هذا اليوم او التمكن من الصوم غدا , وحينئذ نصل الى هذه النتيجة وهي ان الصوم القضاء مطلقا يبطل بالإصباح جنبا عملا بهاتين الصحيحتين الا في صورة تضيّق الوقت من جهة عدم التمكن فلا تشمله الصحيحتان.
واما على القول بحرمة التأخير وهو الرأي المشهور والذي يفهم منه ان القضاء له وقت محدد , وحينئذ يمكن تصور تضيّق قضاء شهر رمضان كما مثلنا في اليوم الاخير من شعبان لمن كان عليه قضاء يوم واحد.
فهل ان الرواية تشمله على هذا التقدير؟ ام لا ؟
ذكرنا ان قوله (صم غدا) ظاهر في بقاء وقت القضاء من تلك السنة فيختص بالموسع _ عند التسليم بهذا الظهور_ ولكن هذا يمكن الخدشة فيه حتى بناء على هذا الرأي, فأن صم غدا ليس فيها ظهور في بقاء وقت القضاء من تلك السنة , وانما فيها ظهور من تمكن المكلف من صوم يوم غيره , ويمكن فرض ذلك حتى في السنة القادمة , فأنه لما وجب عليه القضاء ولم يأتي به في الوقت المحدد وجب عليه الاتيان به خارج وقته , بل تعبيرات الفقهاء عن هذا اليوم _ اذا تركه خلال السنة _ بالقضاء وكذلك الروايات عبرت ب(عليه قضاءه) , فلا مانع من ان تكون تعبيرات الرواية (ويصوم غيره, وصم غدا) ناظرة الى صوم يوم غيره ولو بعد انتهاء الوقت ؛ وحينئذ لا تختص الروايات بالموسع وانما تشمل القضاء المضيّق ايضا .
ومن هنا يظهر ان الصحيح هو البطلان مطلقا بهذا المعنى (أي في مطلق القضاء عند عدم القول بالتقسيم الى الموسع والمضيق او فيهما اذا قلنا بالتقسيم الا في صورة عدم التمكن لسبب من الاسباب الاخرى غير الوقت فأن الحكم فيه هو عدم البطلان)