1440/01/16


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/01/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 56 ) – المكاسب المحرّمة.

الدليل الثالث:- ما ذكره صاحب الجواهر(قده) وحاصله هو أنَّ المستفاد من ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أن العقد بمجرّد أن يتحقق يثبت له وجوب الوفاء فلا ينفك هذا عن هذا ، ثم نضيف مقدمة وهي أنه لو كان العقد معلقاً على شرط والمفروض أنَّ الشرط بعد لم يتحقق فالعقد متحقق ولكن وجوب الوفاء ليس بثابت ومادام ليس بثابت فلا مثبت لصحة هذا العقد فإنَّ المثبت هو الأمر بوجوب الوفاء فإذا لم يكن ثابتاً لفرض أنَّ العقد معلق فلا مثبت لصحة هذا العقد ، قال ما نصّه:- ( لمنافاته[1] ما دل على سببية العقد الظاهر في ترتب مسببه عليه حال وقوعه )[2] .

ويرد عليه:- إنه تارة نفسر العقد بنفس العقد وأخرى نفسره بمضمون العقد ومدلوله ، فإذا فسّرنا العقد بنفس العقد فسوف يأتي ما أفاده من أن وجوب الوفاء لابد أن يكون متصلاً بالعقد وفي العقد المعلق لا اتصال بين وجوب الوفاء وبين العقد ، أما إذا فسّرنا العقد بمضمون العقد يعني أوفوا بمضمون العقد وبما يدل عليه العقد فحينئذٍ نقول ما يدل عليه العقد هو النقل والانتقال المعلق فإن مضمونه من الأوّل هو هذا فوجوب الوفاء يثبت عند تحقق الشرط لأنه مضمون العقد هو هذا ، فإذن إذا كان مضمون الآية الكريمة هو الأول فصحيح لا تثبت الصحة أما إذا قلنا إن المقصود الآية الكريمة هو أوفوا بما تدل عليه العقود فلا انفكاك إذ مدلول العقد هو معلق على الشرط فلا يوجد انفكاك ، وهل المناسب أن نفسّر العقد بنفس العقد أو بمدلول العقد ؟ من الواضح أن مدلول العقد يجب الوفاء به أما العقد بقطع النظر عن مدلوله فلا معنى لوجوب الوفاء به ، فعلى هذا الأساس الآية الكريمة لا تدل على ما أراده(قده) فإن ذلك مبني على تفسير العقد بنفس العقد - أي العقد بالمعنى المصدري - في مقابل الثاني يعني مدلول العقد ومضمونه - أي العقد بنحو اسم المصدر -.

ولعل ما ذكرته هو ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) في ردّ صاحب الجواهر(قده) حيث قال:- ( إنَّ العقد كالعهد إذا وقع على وجه التعليق فترقب تحقق المعلّق عليه في تحقق المعلّق لا يوجب عدم الوفاء بالعهد )[3] .

وخلاصته أنه شبَّه العقد بالعهد كما لو عاهدتك على شيء ولكن بنحو مشروط ، فحينئذٍ انتظار تحقق الشرط لا يعني أنه لم يحصل وفاء بالعهد ، فإنَّ الوفاء الواجب بالعهد بما يدل عليه العهد بمضمونه ، فوجوب الوفاء لا بنفس العهد وإنما بمدلوله ، وإذا كان هذا مقصوده فإذاً هذا نعم الوفاق.

وأشكل الشيخ الاعظم على صاحب الجواهر(قده) بإشكال آخر فقال:- إنَّ هذا إن تم فهو ييتم في ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ولا يتم في ﴿ أحل الله البيع ﴾ ، فعلى هذا الأساس افترض أنه لا يمكننا التمسّك بـ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ولكن يبقى عندنا ﴿ أحل الله البيع ﴾ فنثبت به صحة البيع المعلق[4] .

ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ البيع والعقد من واد واحد ، فيمكن لصاحب الجواهر(قده) أن يقول كما آية ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ تدل على أنَّ وجوب الوفاء متصل بالعقد ولا ينفك فإذا انفك هذا فمعناه أن العقد باطل كذلك ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ دل على أن الحلّية الوضعية ثابتة بمجرد أن يتحقق البيع ، فالحلية الوضعية ثابتة بمجرد صدق البيع ، فعلى هذا الأساس ما ذكره صاحب الجواهر في ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يأتي بنفسه في ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ ، لا أنَّ الأمر كما قال الشيخ الأعظم(قده) من أنَّ ما ذكرته يتم في ﴿ أوفوا ) ولا يتم في ﴿ أحلّ ﴾ ، والجواب الذي ذكرناه هناك يأتي هنا ، عين نقول هل المقصود من البيع هو نفس عقد البيع أو المقصود هو مضمونه ؟ المناسب أن تكون الحلية الوضعية للمضمون وحينئذٍ لا انفكاك بين الحلية الوضعية وبين مضمون البيع ، نعم إن كان هناك انفكاك فهو انفكاك بين الحلّية الوضعية وبين نفس البيع لا بين الحلية الوضعية ومدلول البيع ، كلا فإذا كان مدلول البيع معلق فعلى الأساس الحلّية الوضعية أيضاً تكون ثابتة عند حصول المعلق عليه فلا انفكاك آنذاك ، والمناسب كما قلنا أن نفسّر البيع بمدلول البيع ومضمونه فإنَّ مداليل العقود هي التي يجب الوفاء بها أما نفس العقد بقطع النظر عن مدلوله فلا معنى لحلّيته الوضعية أو وجوب الوفاء به.

والخلاصة من كل هذا:- إنه قد اتضح أنَّ ما ذكره صاحب الجواهر(قده) - من دليل وهو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ بالبيان المتقدم - قابل للمناقشة.

الدليل الرابع:- ما أشار إليه السيد العاملي(قده) في مفتاح الكرامة ولكنه لم يتبنّاه ، حيث ذكر أنَّ العقود توقيفية فيلزم أن نقتصر على القدر المتيقن ، والقدر المتيقن هو العقد غير المعلّق.

وأجاب عنه بقوله:- ( وفيه ما فيه ).

حيث يقال صحيح أنَّ العقود توقيفية ولكن يوجد اطلاق في مثل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فدائرته وسيعة بمقتضى الاطلاق ، أو في مثل ﴿ أحل الله البيع ﴾ فإنه يوجد فيه اطلاق ودائرته وسيعة يشمل البيع المعلق ، فحينئذٍ لا تتنافى توقيفية العقود مع فكرة تعليق العقود فإنَّ النص مطلق ومادام مطلقاً فلا محذور في التعليق آنذاك ، قال(قده):- ( يمكن أن يقال عن العقود والايقاعات ألفاظ متلقاة ، والأصل عدم قبولها التعليق إلا ما خرج بالدليل كالظهار إن قلنا به والوصية والعتق على احتمال . وفيه ما فيه )[5] .

فإذاً هذا الدليل قابل للمناقشة.

الدليل الخامس:- ما ذكره الشيخ النائيني (قده)[6] وحاصله:- إنَّ المتعارف من العقود بين الناس هو العقد الفعلي غير المعلّق ، وإن أدلة العقود من ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ و ﴿ أحل الله البيع ﴾ يشك آنذاك في شمولها للعقد المعلق فلا دليل حينئذٍ على الامضاء.

وهذا الدليل مركب من مقدمتين الأولى هي أنَّ العقود المتعارفة بين الناس هي الفعلية غير المعلقة ، والثانية هي إنه يشك في شمول أدلة الامضاء للعقود غير المتعارفة اعني المعلَّقة ، قال(قده):- ( إنَّ التعليق ليس ممّا جرى عليه العرف والعادة في الأمور العهدية والعقود المتعارفة بين عامة الناس وإن مسّت الحاجة إليه أحياناً في العهود الواقعة بين الدول والملوك فلا يشمله أدلة العقود والعناوين لكونه مما يشك في صدقها عليه ).


[1] أي لمنافاة التعليق.
[6] منية الطالب، تقرير بحث الميرزا النائيني، الشيخ موسى النجفي الخوانساري، ج1، ص255.