1440/02/05


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/02/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صوم عاشوراء

كان كلامنا في الرواية الثامنة و هي ما رواه الشيخ الطوسي عن "عبدالله بن سنان" في المصباح، و قلنا أن السيد الخوئي (قد) حكم بالإرسال فيها مع أن الشيخ يملك طريقاً صحيحاً إلى "عبدالله بن سنان"، و ذلك بإعتبار أن طريق الشيخ إلى "عبدالله بن سنان" طريق إلى كتبه لا إلى نفسه، و من جهة أخرى لا نحرز أن هذه الرواية قد أخذها الشيخ من كتاب "عبدالله بن سنان"، لعدم إلتزامه بأنه يأخذ الرواية من كتاب مَن بدأ السند به في المصباح، بخلاف التهذيبين حيث إلتزم بذلك فيهما.

 

بالنسبة الى ما التزم به الشيخ على نفسه في التهذيبين - من أنه يبدأ السند فيهما بصاحب الكتاب الذي اخذ الرواية من كتابه -، يمكن أن نفسره بتفسيرين:

 

التفسير الأول: و هو المعروف من أنه يأخذ الرواية من كتاب صاحب الكتاب، بإفتراض أن الكتاب عنده فإذا بدأ السند ب"عبدالله بن سنان" هذا يعني أنه قد أخذ الرواية من كتابه مباشرة.

 

التفسير الثاني: كما ذكره بعضهم هو أن نقول أن الشيخ قد إعتمد في النقل على المجاميع الحديثية الواصلة إليه التي تنقل عن الأصول و كتب الأصحاب، مع فرض الإطمئنان بصحة النقل عنها. فإذا بدأ السند ب"عبدالله بن سنان" فهذا يعني أن الشيخ رأى هذه الرواية في بعض الكتب او المجاميع الحديثية _ككتاب "الحسين بن سعيد"_ التي تنقل عن كتاب "عبدالله بن سنان" من دون أن يراجع كتابه مباشرة، و قد إطمئن بصحة هذا النقل و أن "الحسين بن سعيد" قد أخذ الرواية من كتاب"عبدالله بن سنان".

 

و بناءاً على التفسير الثاني يكون طريق الشيخ إلى أصحاب الكتب ك"عبدالله بن سنان" طريقاً لتبرير النقل عنه، لا لإثبات وجود الرواية في كتاب "عبدالله بن سنان"، لأن ما يثبت وجود الرواية في كتابه هو إعتماد الشيخ و إطمئنانه بان اصحاب المجاميع الحديثية قد أخذوها من كتاب "عبدالله بن سنان".

 

و منشأ هذا التفسير هو صعوبة إفتراض التفسير الأول، إذ لازمه هو وجود تمام كتب الأصحاب الذين يروي عنهم الشيخ و مراجعته لها عند تأليف التهذيبين مع كثرتها ، و أن تكون تلك الكتب الواصلة إليه نسخة أصلية لصاحبها أو نسخة معتبرة منقولة عن الأصل.

 

بعبارة أخرى: أن الشيخ عندما ينقل رواية عن شخص، فإما أن ينقلها عنه بوسائط شفهية، و إما ان ينقلها عن كتابه، و على الثاني لابد من إثبات أمرين حتى يصح الإعتماد على الرواية، الأول: وجودها في الكتاب بحيث يصح نسبتها إلى صاحب الكتاب، و الثاني: صحة السند من صاحب الكتاب إلى الإمام (عليه السلام).

 

ثم إن الأمر الأول يثبت بطريقتين:

 

الأولى: وصول كتاب مَن نقل عنه الروايةَ أو نسخة منه إلى الشيخ، و الوصول يكون عن طريق مشايخه بأحدى طرق التحمل كالسماع أو القراءة أو المناولة أو غيرها.

 

و هذه الطريقة تتوقف على وجود طريق معتبر للشيخ إلى صاحب الكتاب حتى يثبت أن النسخة التي تكون بيد الشيخ هي نفس ما ألفه صاحب الكتاب، أو تكون نسخة معتبرة للكتاب.

 

الثانية: و يفترض فيها انه لم يصل إلى الشيخ كتاب من روى عنه، و إنما يعتمد الشيخ لاثبات وجود الرواية في الكتاب على المشايخ و اصحاب الكتب المعروفة اللذين ينقلون عن الأصول و الكتب القديمة، مع الإطمئنان أنهم نقلوها من تلك الأصول و الكتب.

 

و هذه الطريقة الثانية لا تتوقف على وجود الطريق من الشيخ إلى صاحب الكتاب كما كان في الطريقة الأولى، لأن وجود الرواية في الكتاب إنما يثبت بوجودها في المجاميع الحديثية المعروفة التي تنقل عن أصحاب الكتب و الأصول مع الإطمئنان بنقلهم عنهما، و لا يثبت بوجودها في نفس الكتاب حتى نحتاج إلى ذلك الطريق.

 

نعم إنها - أي الطريقة الثانية - تتوقف على وجود الرواية في تلك المجاميع الحديثية، و على حصول الإطمئنان بأن الرواية قد نُقلت من الأصول و الكتب القديمة ككتاب "عبدالله بن سنان"، و على وجود ما يصحح نسبة الرواية إلى الكتاب، لأن المفروض أن الشيخ ينسب الرواية إلى صاحب الكتاب و يبدأ السند به، لا إلى المجاميع الحديثية أو كتاب الذي إعتمد عليه في نقلها[1] ، و هذا[2] تكفي فيه الإجازة إلى ذلك الكتاب[3] ، لأن مفاد الإجازة هو إجازة الرواية عن الكتاب إذا ثبت وجودها فيه، و قد ثبت ذلك إعتماداً على نقل المجاميع الحديثية لها. و هذا هو معنى قولهم " أن طرق الشيخ في المشيخة و الفهرست طرق تشريفية "، و الغرض منه اخراج الرواية عن حد الارسال وتصحيح نسبة الرواية إلى الكتاب وليس الغرض منه اثبات وجود الرواية في الكتاب.

وبهذه الطريقة يمكن تجاوز الصعوبات الموجودة في الطريقة الاولى من افتراض وصول جميع الكتب التي ينقل عنها الشيخ في التهذيبين إليه بأحد طرق التحمل.

نعم هذه الطريقة تواجه ملاحظة تقول بأن اطمئنان الشيخ بوجود الرواية في الكتاب الاصل ليس حجة علينا فكيف يمكننا الاعتماد عليه لأثبات صحة الرواية مع فرض عدم حصول الاطمئنان لدينا ؟ خصوصاً مع احتمال ان تكون مقدمات هذا الاطمئنان حدسية لا حسية.

والانصاف ان احتمال الحدسية في هذا الاطمئنان بعيد، و الظاهر ان مقدمات ذلك هى ملاحظة طريقة كتابة اصحاب المجاميع الحديثية والتتبع والاستقراء وهذه كلها مقدمات حسية لا حدسية، فمن البعيد ان هذا الاطمئنان حصل للشيخ من جهة حسن الظن بالراوي مثلاً عن عبد الله بن سنان لكي تكون مقدمات حدسية.

لكن يبقى الاشكال في ان الاطمئنان الذي حصل للشيخ وان كانت مقدماته حسية كيف يكون حجة بالنسبة الينا ليسوغ لنا الحكم بصحة هذه الرواية والافتاء على طبقها.

هناك طريقة اخرى لتصحيح الرواية بقطع النظر عن البحث السابق بأن نقول ان الشيخ عندما يبدأ السند بعبد الله بن سنان في التهذيبين فمآل هذا إلى انه يخبرنا بأن الرواية مأخوذة من كتاب عبد الله بن سنان، وهذا الاخبار حسي بلا اشكال ، ومقدماته حسية سواء كان بالطريقة الاولى أم بالطريقة الثانية، فكونه كذلك بالطريقة الاولى واضح لوصول الرواية إليه بالنقل والحس ، وكونه كذلك (أي حسي) بالطريقة الثانية فلان الشيخ وان كان يعتمد على الاطمئنان بنقل الرواية عن كتاب عبد الله بن سنان لكن هذا الاطمئنان _ وان لم يكن حسياً _ قريب من الحس لأن مقدماته حسية كما ذكرنا، وحينئذ يكون اخبار الشيخ حسي أو قريب من الحس فيدّعى بأن ادلة الحجية شاملة له.

واذا شككنا في كون المقدمات حسية أو حدسية يمكن الرجوع إلى اصالة الحس، وبناءً على هذا الوجه لا نعتمد على اطمئنان الشيخ ليشكل علينا بما سبق من ان اطمئنانه حجة عليه لا علينا، وإنما نعتمد على اخباره (قده) بوجود الرواية في كتاب عبد الله بن سنان.

وهذا الكلام لا يأتي في روايتنا _الموجودة في المصباح_ لأنه مختص بالتهذيبين، ولا طريق لعبد الله بن سنان _في المشيخة_ الا في روايات التهذيبين أو الروايات الموجودة في كتب عبد الله بن سنان بناءً على طرق الشيخ في الفهرست، ولا يمكن لنا احراز وجود هذه الرواية في كتبه.

قد يقال :

انه يمكن تطبيق ما يذكر في مراسيل الشيخ الصدوق على محل الكلام

بناء على ان مراسيل الشيخ الصدوق من قبيل قوله قال الصادق عليه السلام التي تتضمن نسبة القول الى الصادق عليه السلام على نحو البت و الجزم حجة

فيقال في محل الكلام بان اخبار الشيخ الطوسي عن عبد الله بن سنان على نحو البت و الجزم بقوله روى عبد الله بن سنان ايضا يوجب الالتزام بحجية هذه الرواية

و لو فرض الشك في ان اخباره هذا هل هو عن حس بان وصلت اليه الرواية عن مشايخه او عن حدس يمكن اثبات انه عن حس باصالة الحس التي استقر بناء العقلاء عليها عند الشك.

لكن جريان هذا الاصل في مثل هذه الموارد التي يكون هناك فاصل زمني كبير بين اصحاب المجاميع الحديثية كالصدوق و الشيخ و بين من ينقلون عنه كالامام الصادق عليه السلام و عبد الله بن سنان ليس واضحا

اذ اصالة الحس تجري في موارد معينة كاخبار الراوي المباشري عن الامام عليه السلام اذا احتملنا فيه الحدسية لا في كل اخبار

 

و الذي يسهل الامر في المقام هو ان هذه الرواية يرويها الشيخ المشهدي[4] في مزاره بسند تام و السيد ابن طاووس في الاقبال بسند فيه كلام

اما طريق الشيخ المشهدي فهو

محمد بن المشهدي في مزاره: عن عماد الدين الطبري، عن أبي علي الحسن، عن والده أبي جعفر الطوسي، عن المفيد، عن ابن قولويه والصدوق، عن الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، قال: دخلت على سيدي أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، يوم عاشوراء … الخ.[5]

هذا السند ليس فيه من يخدش فيه

اذ عماد الدين الطبري يراد به صاحب كتاب بشارة المصطفي و هو من علمائنا الاجلاء وهو تلميذ الشيخ ابي علي الحسن بن الشيخ الطوسي و هو معنون و مترجم و يعبر عنه انه فقيه و متكلم و انه من اجلاء الطائفة و هناك ثناء كثير عليه و باقي السند تام لا غبار عليه

اما طريق السيد بن طاووس فهو

السيد علي بن طاووس في الاقبال: بإسناده إلى عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا الحسن بن علي الكوفي، عن الحسن بن محمد الحضرمي، عن عبد الله بن سنان، قال: دخلت على مولاي جعفر بن محمد (عليهما السلام)، يوم عاشوراء… الخ .[6]

الحسن بن علي الكوفي هو الحسن بن علي بن عبد الله بن مغيرة الذي نص على وثاقته بل هو من الرجال القلائل الذي نص على وثاقته بقولهم ثقة ثقة

و الحسن بن محمد الحضرمي ايضا نص على وثاقته

و المشكلة في هذا السند هى طريق السيد ابن طاووس الى الحميري اذ ليس لنا علم به الا ان نعتمد على فكرة ان السيد بن طاووس يملك طرقا كثيرة و لعل فيها ما يوصله الى الحميري و هذا ليس ببعيد.

و بناء على هذا الكلام تكون الرواية تامة سندا .


[1] كما إذا وجد الشيخ في كتاب" الحسين بن سعيد" رواية عن "عبدالله بن سنان"، فحينئذ يبتدأ الشيخ السند ب" عبدالله بن سنان" لا ب" الحسين بن سعيد".
[2] أي: وجود ما يصحح نسبة الرواية إلى الكتاب.
[3] ككتاب " عبدالله بن سنان" .
[4] و هو من علمائنا المتقدمين _بعد الشيخ الطوسي_.
[5] مسترك الوسائل الباب١٦ من ابواب الصوم المندوب الحديث التاسع.
[6] مستدرك الوسائل الباب١٧ من ابواب الصوم المندوب الحديث الاول.