1440/03/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/03/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.

الاشكال الثاني:- وحاصله أن يقال: إنَّ غاية ما تدل عليه الآية الكريمة هو أنه لو اجتمع كلا الأمرين - البلوغ والرشد - كان ذلك كافياً في صحة المعاملة ، وهذا واضح ولا يوجد عندنا اختلاف فيه ، كما أنه لا إشكال في أنها تدل على أنه لو فقد الأمران معاً فلا إشكال في أنها تدل على بطلان المعاملة ، فإذاً عندنا موردان للاتفاق.

وهناك مورد ثالث وهو ما إذا فرض أنَّ الصبي بَعدُ لم يبلغ ولكن لمعاملة التي يريد أن يجريها متوافقة مع الرشد تماماً ، وإذا أردنا أن ندفع إليه مالاً فنحن ندفعه إليه بعد احراز كون هذه المعاملة موافقة للرشد كما أننا ندفعه إليه بقدر هذه المعاملة لا أننا ندفع إليه كل الأموال ، فهل الآية الكريمة تدل على بطلان مثل ذلك ؟ إنَّ الآية الكريمة لا تدل على أنَّ مثل هذه الحالة لا تجوز ، وإنما هي تدل على أنَّ دفع كل الأموال له لا يجوز ، أما إذا أردنا أن ندفع شطراً من ماله بمقدار هذه المعاملة التي ثبت أنها موافقة للرشد ولكنه بَعدُ لم يبلغ فهي لا تدل على البطلان وإنما هي قاصرة الدلالة من هذه الناحية ، فإذاً هي لا تدل على البطلان ، ويكفينا هذا المقدار.

ومن الواضح أنه توجد تتمة واضحة قد لا نذكرها:- وهي أنك قد تقول: إنَّ أقصى ما هناك الآية الكريمة قاصرة ولكنها لا تدل على الصحة ، فهي لم تقل ادفعه وإنما هي ساكتة وليس فيها نهي عن الدفع ، ومجرّد سكوتها لا يكفينا؟

والجواب:- إنَّ المفروض أنه توجد عندنا مطلقات تدل على صحة كلّ معاملة مثل ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ و ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، ومادام يوجد عندنا هذا فنحن نريد أن نفتّش عن المانع ، فهل البلوغ شرطٌ في مثل هذه الحالة أو لا ؟ ، فإذا لم تدل الآية الكريمة على أنَّ البلوغ شرط في هذه الحالة فنتمسّك بالإطلاقات.

فالمقصود أنَّ هذه قضية واضحة ولا تحتاج إلى بيان ، فنحن في مقام الاستدلال على شرطية البلوغ وهذه الآية الكريمة في مثل هذه الحالة لا تدل على الشرطية ، فعلى هذا الأساس هذا شيء يسجّل على الشيخ النائيني(قده) حيث ذكر أنَّ الآية الكريمة تدل على اعتبار اجتماع كلا الأمرين البلوغ والرشد ، ونحن نقول إنه في مثل هذه الحالة لا دلالة للآية الكريمة على المنع ، وحينئذٍ سوف لا تثبت شرطية اجتماع البلوغ والرشد في صحة هذه المعاملة ، ومن الواضح أنَّ هذه المعاملة نقول للصبي اجريها ، وكذلك المعاملة الثانية نقول للصبي اجريها ، وكذلك المعاملة الثالثة مادامت المعاملة الثانية والثالثة وهكذا المعاملات الباقية موافقة للرشد ونعطيه مالاً بقدر كلّ معاملة ، فالآية الكريمة لا تدل على المنع من هذه الناحية ، فإذاً لا يكون البلوغ شرطاً في مثل هذه الحالة التي صوّرناها ، والحال أنَّ المشهور ومنهم الشيخ النائيني يرى في مثل هذه الحالة البطلان لأنَّ البلوغ عنده شرط وهنا البلوغ ليس بشرط ، فيلزم هنا أن يحكم بالبطلان.

الاشكال الثالث:- أن يقال: إنَّ الآية الكريمة تقول إنه متى ما تحقق الرشد والبلوغ - أي اجتمعا - فادفعوا له الأموال ، وغاية ما تدل عليه بالمفهوم هو أنه إذا لم يتحققا لا تدفعوا إليه الأموال ، وهذا لا ربط له بمسألة صحة المعاملة وفسادها ، وإنما نحتمل أنَّ مسألة الأموال ينبغي أن تحفظ بيد شخصٍ كبير وهو الولي ، وإلا إذا صارت بيد الصبي فقد يتلفها ، فإذاً لا نتمكن أن نقول إنَّ دفع الأموال جزماً هو كناية عن صحة المعاملة حتى نقول حينئذٍ إذا لم يجز الدفع إليه قبل ذلك فهذا كناية عن بطلان المعاملة وفسادها ، كلا بل الآية الكريمة أجنبية عن هذه القضية وإنما تريد أن تقول إنَّ الأموال ينبغي أن تدفع إلى شخص أمين يكون مورداً للأمانة ، والصبي إذا لم يجمع هذين الوصفين فليس مورداً للأمانة فلعله يتلفها ولا يحافظ عليها ، أما أنَّ المعاملة صحيحة أو لا فالآية الكريمة ليست بصددها.

وإذا قيل:- إنَّ لغة العرب وسيعة وهنا من الوجيه أن نقول إنَّ الدفع هو كناية عن صحة المعاملة.

قلت:- هذ وجيه ولكن ما ذكرناه وجيه أيضاً فعلى هذا الاساس تعود الآية الكريمة مجملة يمكن التمسّك بها.

هذه ثلاث إشكالات تسجل على ما ذكره الشيخ النائيني على في تقريبه.

التقريب الثاني[1] :- ما ذكره الفاضل الطباطبائي(قده) على ما نقل صاحب الجواهر(قده) ، وليس من البعيد أنَّ المقصود من الفاضل الطباطبائي السيد بحر العلوم(قده) ، وهو أنَّ كلمة ( حتى ) في الآية الكريمة استئنافية ، فإنَّ الآية الكريمة قالت ﴿ وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغو النكاح ﴾ ، فـ( حتى ) هنا استئنافية فهي جملة مستقلة وهي بمعنى ( وإذا ) ، فتصير الآية هكذا ( وابتلوا اليتامى وإذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ) ، فحينئذٍ تكون الآية دالة على اعتبار كلا الأمرين ، لأنَّ ( وإذا بلغوا النكاح ) جملة استئنافية ، والثاني هو ( فإن آنستم منهم رشداً ) حينئذٍ ادفعوا إليه أموالهم ، فالآية الكريمة تكون واضحة في أنه يعتبر اجتماع كلا الأمرين بلا حاجة إلى تقريب الشيخ النائيني(قده).

ولكن يبقى شيء:- وهو لا يأتي على ما ذكره الفاضل الطباطبائي فقط وإنما يأتي على كلّ التقريبات ، وهو أنه إذا كان الرشد معتبراً إضافة إلى البلوغ ، فلماذا الاختبار يصير قبل البلوغ فإنَّ المناسب أن يصير بعد البلوغ ، فمادام هو شرط بعد البلوغ فلماذا يصير اختبار الرشد قبل البلوغ ؟

والجواب:- إنما اعتبر أن يكون الابتلاء قبل البلوغ لأجل أنه حتى إذا فرض أنه بلغ فسوف لا نأخذ شطراً من الوقت لأجل اختباره ، لأنَّ الاختبار يحتاج إلى فترة أسبوع أو أسبوعين مثلاً إلى أن نعرف أنه رشيد أو لا ، فالآية الكريمة أمرت بالاختبار قبل البلوغ حتى أنه بمجرّد بلوغه تدفع إليه أمواله فوراً وبلا تأخير ، فهذا ليس من باب أنه لا يعتبر الرشد ، بل يعتبر الرشد بعد البلوغ ولكن قُدِّم الاختبار حتى تكون الأموال حاضرة للدفع له حين البلوغ.

قال صاحب الجواهر(قده):- ( قال الفاضل الطباطبائي: الأصوب أن تكون " إذا " للشرط كما هو الأصل فيها وجوابها مجموع الشرط والجزاء وهو قوله " فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم وحتى حرف ابتداء وغايتها مضمون الجملة التي بعدها وهو دفع المال عقيب إيناس الرشد الواقع عقيب بلوغ النكاح )[2] .

 


[1] في مقابل ابي حنيفة ودعماً لما ذهب إله المشهور من اعتبار اجتماع كلا الأمرين.