1440/04/23


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرطية الاختيار- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ).

أمور جانبية ثلاث:-

الأمر الأول:- إذا قلنا إنَّ المكره لا يوجد لديه رضا وطيب نفس فالتمسّك بحديث نفي الاكراه في حقه يكون وجيهاً ، حيث لا طيب ولا رضا ، وأما إذا قلنا بمقالة الشيخ الأصفهاني(قده) من أنه يوجد عنده رضا ، فآنذاك هل يصح التمسك بحديث رفع الاكراه أو لا ، فإنه مع رضاه هل يكون مكرهاً حتى نتمسّك بحديث نفي الاكراه ؟

والجواب:- إنَّ الرضا هو على نحوين ، فتارة يفترض أنه في عرض الاكراه ، وأخرى يفترض أنه في طوله[1] ، فإن كان في عرضه[2] ففي مثل هذه الحالة يمكن أن يقال بأنَّ الاكراه لا يصدق ، لأنَّ الاكراه عرفاً هو أن يُحمَل الانسان على شيء يكرهه ويتنفّر منه ولا يرضى به ، وهذا راضٍ به فلا يصدق الاكراه ، وأما إذا كان الرضا في طول الاكراه وبسببه فهذا لا ينافي صدق الاكراه ، لأنه تولد من الاكراه حسب ما ذكره الشيخ الأصفهاني(قده) من أنه يتولّد شوقٌ عقلي آنذاك إلى الفعل المكرَه عليه حتى يتخلَّص من الاكراه ، وهذا الشوق العقلي يصير سبباً لتحقق الرضا ، إنَّ هذا الرضا في طول الاكراه فلا ينافي صدق الاكراه.

ومن هنا تمسّك الشيخ الأصفهاني(قده) بحديث رفع الاكراه رغم أنه يدّعي وجود الرضا ، إلا أنَّ هذا الرضا حيث إنه في طول الاكراه فلا ينافي صدق الاكراه ، فيصح التمسّك بحديث رفع الاكراه ، إنما الذي ينافيه هو ما إذا كان الاكراه في عرضه لا في طوله ، وهذه قضية واضحة.

الأمر الثاني:- إنَّ حديث رفع الاكراه إنما يصح التمسّك به لإثبات بطلان معاملة المكرَه فيما إذا قلنا بأنَّ المقدّر في حديث الرفع هو مطلق الآثار لا خصوص المؤاخذة ، فإنه في حديث نفي الاكراه لابد من وجود مقدّر ، فالحديث حينما قال ( رفع عن أمتي .. ) وأحد هذه المرفوعات هو رفع الاكراه فيلزم أن يكون هنا مقدّر حتماً وهو رفع المؤاخذة أو رفع الآثار من صحة المعاملة والنقل الانتقال أو غير ذلك ، فحتماً يوجد مقدّر وإلا لو كان من دون مقدّر يلزم الكذب ، فإن الاكراه موجودٌ ، وما أكثر الأشياء التي يكره عليها الإنسان من قِبَل الظالم ، فإذا قلنا إنَّ المقدّر هو خصوص المؤاخذة فقط - إما من باب أنها هي القدر المتيقن أو غير ذلك - فلا ننتفع في مقامنا من حديث نفي الاكراه ، لأنه يرفع المؤاخذة ولا ينفي النقل والانتقال ، فإذاً بطلان العقد موقوفٌ على كون المقدَّر هو جميع الآثار.

وكيف نثبت أنَّ المقدر هو جميع الآثار التي منها النقل والانتقال في باب المعاملة ؟يمكن اثبات ذلك بطريقين:-

الأوّل:- الاستظهار ، ولو بأن يقال: إنَّ ظاهر الحديث هو رفع كل أثر ثابت بقطع النظر عن الاكراه ، فكل إلزام وكل أثر وكل تبعة ثابتة لولا الاكراه ، فبالاكراه منَّةً من الله عزّ وجل قد رُفِعت ، فإذا استفدت هذا المعنى فبها ونعمت.

الثاني:- أن نقول: إنَّ الامام عليه السلام في بعض الروايات استشهد على رفع غير المؤاخذة من الآثار بحديث الرفع ، كما في صحيحة صفوان بن يحيى ومحمد بن أبي نصر جميعاً عن أبي الحسن عليه السلام:- ( في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك ؟ فقال:- لا ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله " وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما اخطأوا )[3] ، إنه عليه السلام استشهد على بطلان اليمين في حالة الاكراه بحديث الرفع - أو حديث الوضع - وأنَّ الطلاق لا يترتب ، فهذا يدل على أنَّ المقدَّر ليس خصوص المؤاخذة بل يعم بقية الآثار.

وقد تقول:- إنَّ القَسَم بهذه الأمور باطلٌ عندنا ؟

فنقول:- إنَّ هذه قضية جانبية ، لكن بالتالي الامام عليه السلام استشهد به ، فنأخذ بحيثية الاستشهاد ونستفيد منها في مقامنا ، وهذا تفكيكٌ مقبول في الرواية.

ولو قال شخص:- إنَّ هذا التفكيك ليس بمقبول عرفاً ، فإما أن نأخذ بجميع الرواية ، أو نطرحها كلّها ، فإما أن نقول إنَّ القَسَم بهذه الأمور صحيح وهذا هو الحكم الأول ، والحكم الثاني هو أنَّ جميع الآثار مرفوعة في حالة الاكراه ، فإما أما أن نأخذ بالاثنين وإما أنَّ نطرحها من كلتا الجهتين . وإذا قلنا هكذا فسوف ينسد الباب في وجهنا.

ولكن نقول:- إنه مرفوض من تلك الحيثية[4] ، فإنَّ الامام عليه السلام لعله صنع ذلك من باب التقية ، فيبقى استشهاده بحديث الرفع لا داعي لحمله على ذلك أيضاً ، وإنما استشهاده دل على أنَّ المرفوع هو جميع الآثار ، وحينئذٍ في باب الاكراه يكون المرفوع هو جميع الآثار حسب ما تدل عليه هذه الصحيحة ، فيتم بذلك المطلوب.

إذاً اثبتنا أنَّ المقدّر هو جميع الآثار لكن ليس استظهاراً من حديث الرفع الأصلي نفسه ، وإنما استفدناه من حديث رفع الثلاثة ، لا من حدث رفع التسعة ، فإن كانت هذه الطريقة مقبولة فبها ونعمت.

وإلا فهناك طريق آخر لإثبات التعميم لجمع الآثار غير حديث الرفع وهو أن نقول:- توجد بعض الروايات التي تدل على أنَّ طلاق المكره باطل ، وهكذا عتق المكره ، وهي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( سألته عن طلاق المكره وعتقه ، فقال: ليس طلاقه بطلاق ولا عتقه بعتق .... )[5] .

وتقريب الدلالة:- هو أنَّ مورد الحديث وإن كان هو طلاق المكره وعتقه والامام قال ( ليس بشيء ) ، وبكن نضم إلى ذلك مقدّمة أخرى وهي حيث إنه لا خصوصية لهذين الموردين فبإلغاء الخصوصية عرفاً يشمل معاملاته أيضاً ، فالمورد وإن كان هو الطلاق والعتق ولكنه بإلغاء الخصوية عرفاً يعم المعاملات أيضاً . وهذا ليس تمسّكاً بحديث رفع الاكراه ، فلا حديث رفع التسعة ولا حديث رفع الثلاثة ، وإنما الرواية وردت في العتق وفي الطلاق وأن طلاق المكره وعتقه باطل فنقول إذا كان طلاقة باطلاً فبيعه باطل أيضاً فإنَّ العرف يلغي الخصوصية من هذه الناحية . وهل تقبل بإلغاء الخصوصية ؟ ليس من البعيد إنه مقبول ، وإذا لم تقبله فالأمر بها إليك . لكن المهم أننا عرفنا أنه هناك طرق يمكن الاستفادة منها لإثبات أنَّ المقدَّر هو جميع الآثار ، فالاستظهار من نفس حديث رفع التسعة ، والاستفادة من حديث رفع الثلاثة ، والثالث هو أنَّ طلاق وعتق المكره ليس بشيء.

الأمر الثالث:- وهو أنه يمكن أن نبطل معاملة المكره بطريق ثالث غير ما ذكره الشيخ الأعظم(قده)[6] ، وهو لو تم فهو أقوى من الطريقين السابقين ، وهو أن نتمسّك بفكرة القصور في المقتضي ، وذلك بأن نقول: إنَّ أدلة الامضاء التي من قبيل ﴿ أحل الله البيع ﴾ أو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ هي من البداية قاصرة عن شمول عقد المكرَه ، ببيان: أنَّ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ناظر إلى العقد الذي يُقدِم عليه الانسان فيقول له ( أوفوا ) ، أما العقد الذي لم يُقدِم عليه وإنما عُلِّق على رقبته بالقسر والإجبار فيمكن أن يقال هو لا يشمله ، فإذاً يوجد انصرافٌ من البداية عن عقد المكرَه.

والخلاصة:- إنه بناءً على هذا البيان سوف تكون الوجوه لبطلان عقد المكرَه ثلاثة ، وليس كما ذكر الشيخ الأعظم(قده) ، فليست الوجوه هي حديث رفع الاكراه وما دل على اشتراط الرضا فقط ، كما أننا نجعل هذا الوجه الثالث هو الوجه الأوّل منها.

الحكم الثاني[7] :- ما هو الاكراه ؟

ذكر السيد الماتن(قده) في عبارته أنه يعتبر أمران الأوّل أن يكون الشيء مكروهاً في نفسه ، فبيع داري مكروهٌ لي ، والثاني أن يحملني الغير على هذا البيع بدرجةٍ أخاف من ضرره ، فيظهر من عبارته اشتراط أمرين ، بيد أنه إذا رجعنا إلى عبارة الشيخ الأعظم(قده) ربما نستفيد منها اشتراط خمسة أمور في تحقق الاكراه ، قال(قده):- ( ثم إنَّ حقيقة الاكراه لغةً وعرفاً حمل الغير على ما يكرهه . ويعتبر في ووقع الفعل عن ذلك الحمل اقترانه بوعيدٍ منه مظنون الترتب على ترك ذلك الفعل مضرٍّ بحال الفاعل أو متعلقه نفساً أو عرضاً أو مالاً . فظهر من ذلك أنَّ مجرد الفعل لدفع الضرر المترتب على تركه لا يدخله في المكره عليه ...... ثم إنه هل يعتبر في موضوع الاكراه او حكمه عدم إمكان التفصّي عن الضرر المتوعّد به .... )[8] .


[1] وفي طوله يعني أنه يحصل بعد الاكراه.
[2] يعني الرضا موجود فهو قد أكرهوه ولكنه من البداية عنده رضا.
[4] أي من حيثية الطلاق والعتاق ؟ المقرر.
[6] يعني غير حديث رفع الاكراه وغير حديث اشتراط الرضا ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفسه ).
[7] من الأحكام التي يشتمل عليها المتن.